السبت، 10 فبراير 2024

دحضُ أوهام النافين لاعتناقِ الخميني عقيدة الحلّاجِ اللعين

 

دحضُ أوهام النافين

لاعتناقِ الخميني عقيدة الحلّاجِ اللعين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين.

الباعثُ على إفرادنا لهذا البحث:

حاول بعض القاصرين تخليص الخميني من بؤرة العرفان الباطل ونفي عقيدته الحلاجية متشبثين ببعض الأبيات الموجودة في ديوانه والتي تحتوي حسب الظاهر -عند غير الخبير- ذمّاً للحلاج، لأنهم لم يفهموها، حيث لم يكلّفوا أنفسهم عناء الرجوع إلى أقوال أهل التخصّص والشُّراح لديوان الخميني لكي يقفوا على مقاصده في تلك الأبيات، هذا عدا عن أنهم تغافلوا عن تصريحات الخميني الحلاجيّة الواضحة كقوله: (أنا الحق) بل تمنِّيه الموت كما مات الحلاج على حبل المشنقة!

 

مقالة الخميني بتفسير أهل الاختصاص بأحواله

قبل الشروع في الرد على ما جاء به هؤلاء القاصرين نعرض عليكم تصريحات الخميني الحلاجية واعتقاده في الحلّاج بحسب ما ذكرته مصادر أهل الاختصاص من تلامذته ومريديه.

قال الخميني في قصيدته العشقية (باللغة الفارسية):

فارغ از خود شُدَم وكُوس «أنا الحق» بزدم

همچو منصور خريدار سَرْدار شُدم[1]

 

الترجمة الأولى:

وهجرتُ ذاتيَ، صحتُ إنِّيْ الحقُّ صيحةَ مُستهام

وبحثتُ كالحلاجِ عن صَلبيْ بمقصلةِ الهيامِ[2]

 

الترجمة الثانية:

خلصتُ من نفسي وقرعت طبل "أنا الحق"

ومثل المنصور (الحلاج) صرتُ شارباً رأس الصليب[3]

 

الترجمة الثالثة:

ذُهِلتْ نفسيَ عن نفسي ـ «أنا الحقُّ» صرختُ

فاشتريتُ، مِثلما الحلّاج يوماً، حَبْلَ شَنْقي[4]

 

الترجمة الرابعة:

لقد تحرّرت من ذاتي وأضحيتُ صرخةَ (أنا الحق).

كما منصور (الحلّاج) الذي سعى بقدميه إلى الفداء[5].

 

الترجمة الخامسة:

ذُهِلتُ عن نفسي وأطلقتُ صرخةَ (أنا الحق)

وكما فَعَل الحلّاجُ اشتريتُ حبل المشنقة[6]!

أقول: تتّفِق كل هذه الترجمات على أنّ الخميني صرّح بمقولة الحلّاج الكفرية: (أنا الحق) بل تمنّى أن يكون مثله على حبل المشنقة!

وقد حاول الدكتور سامي مكارم -في الترجمة الثانية- تخفيف المعنى بقوله: (وقرعت طبْل أنا الحق) عوضاً عن قوله: (صحت أنا الحق) ولكنها محاولة بائسة تخالف جميع الترجمات وهي على طريقة البخاري حينما أبدل قول عمر بن الخطاب: (إنّ الرجل ليهجر) بقوله: (غلب عليه الوجع)!

وعلى كل حال قد صرّح الخميني بكلمة الحلّاج الكفرية (أنا الحق) بل تمنّى أن يكون مثله على حبل المشنقة!

ولنا هنا أن نتساءل: لماذا يتمنى الخميني أن يموت ميتةً مُشاكلة لميتة الحلّاج؟!

فعلى أقل التقادير الحلّاج مات ميتةً جاهلية! فكيف يتمنى الخميني أن يموت مثله وعلى طريقته؟!

أليس الخميني فقيها؟

فكيف غابت عنه النصوص الدينية التي تبيِّن أنّ الحلّاج من الملعونين المذمومين؟!

ثم كيف يتمنى أحد فيه رائحة التّشيع أن يموت كميتةِ عدوٍّ من أعداء أهل البيت عليهم السلام، وملعون على لسانهم ولسان شيعتهم؟!

أليس من المفترض -بما أنه يدّعي التّشيع- أن يسأل الله الشهادة كما استشهد الإمام الحسين عليه السلام؟!

لماذا طلب الموت على طريقة الحلّاج؟!

لا تفسير لذلك إلا أنه يعتقد بالعقيدة الحلاجيّة ولذلك تمنى أن يموت مثله على نفس العقيدة!

 

يقول المعلِّق على ديوان الخميني: (يُظهر الإمام "الخميني" هنا أن الصوفي "أي الحلاج" الذي بلغ قمة جبل الحب، يماثل أصحاب الرسالات الذين تكشّف لهم الحب الإلهي)[7]!

تلاحظ هنا أن الخميني شبّه الحلاج بالأنبياء أصحاب الرسالات!

ولم يكتفي بذلك بل شبّهه بنبيٍّ مِن أُولي العزم فقد قال المعلّق في نفس الصفحة: (فهو "أي الخميني" يخاطب الصوفي الذي نعته في البيت السابق "أي الحلاج" بأنه المتجلي الكامل لفكرة أنا الحق ويناديه يا موسى فهو يشبه عنده النبي موسى "عليه السلام" الذي سأل الله تعالى أن يراه)[8]!

فالحلّاج بمقولته الكافرة (أنا الحق) أصبح عند خميني يشبه النبي موسى عليه السلام!

فهل توقف خميني عند هذا الحد؟!

 كلا.

بل قال أكثر من هذا فرفع منزلة الحلاج حتى جعله (والعياذ بالله) أفضل من النبي موسى عليه السلام!

يقول المعلّق على ديوان الخميني بعد العبارة السابقة: (بل لعل الصوفي العارف "أي الحلاج" أقرب حتى من موسى نفسه لأن موسى عليه السلام صعق من خشية الله ورهبته وعظمته بينما العارف صعق من الحق الإلهي الواحدي وطور موسى مكان أرضيٌّ مادي مُحدّد مشهود في سيناء، بينما طور العارف الواصل أبعد وأوسع وأعلى)[9]!

فإذا كان الخميني يرى الحلّاج بهذه المنزلة العظيمة فمن الطبيعي أن يُبرِّئه من الشّطح!

يقول الدكتور طراد حمادة: (ولا نرى أنه "أي الخميني" يقول بشطح الحلاج)[10]!

ويقول أيضاً: (الإمام "الخميني" يحسن الظن بالحلّاج، ويربطه بطلب موسى للرؤية، ويعفيه من الحلول والشطح)[11]!

أي عند خميني أنّ ما يصدر عن الحلاج هو من الوجد والعشق ولا يعد هذا شطحاً ولذلك قال الدكتور طراد حمادة: (يقول "الخميني" في قصيدة له: أنّ صيحة الحلاج "أنا الحق" صيحة عاشق، صيحة مستهام، وأنّ هذه الصيحة تعبير عن الحال ولا تبلغ ما بلغته شطحات الشاطحين)[12]!

فالحلّاج عند الخميني لا يعتقد بالحلول ومُنزّه عن الشطح، كما أنه يبرر أقواله الكفرية، بل يرفع مقامه حتى أصبح يماثل ويُضاهي أصحاب الرسالات! فمقام الحلاّج عنده رفيع ومنزلتهُ عظيمة فهو-أي الخميني- يتمنّى أن يصل إلى تلك المنزلة!

ولذلك قال الجوادي الآملي وهو يشرح عبارة (أنا الحق) إنّ الخميني يتمنى ذلك المقام وتلك المنزلة! ووصف ذلك المقام للحلّاج بالرفيع[13]!

وقد بيّن العارف إبراهيم الأنصاري البحراني في شرحه عبارة (أنا الحق) من القصيدة العشقية للخميني رِفعة مقام الحلّاج فقال: (وهذه مرتبة راقية جدًّا لا يصل إليها إلّا الأوحدي)[14]!

وجعل كمال الحيدري الحلّاج من السُّلّاك الذين وصلوا إلى مرتبةِ: (لا يرون في الوجود أحداً غير الله تعالى، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنها فنيت في الله تعالى، بمعنى عدم الالتفات لها أبداً)[15]!

كما أنه وصف مرتبة الحلّاج حينما قال: (أنا الحق) بالمرتبة السامية والرفيعة[16]! وهذا التبرير مُشابه لتبرير الغزالي في دفاعه عن الحلّاج!

وقد صرّح الحيدري في تسجيل صوتي بأنّ الخميني قال هذه المقولة الكفرية: (أنا الحق)[17]!

وأمّا حيدر الآملي فقد طلب من الله وتوسّل بالنبي محمد وآله (عليهم السلام) أنْ يرزقه تلك المنزلة العظيمة التي للحلاج والبسطامي! فقال بعد أن نقل بعض تصريحاتهما الكفرية: (هذا آخر التوحيد الذاتي وشهود الوجود الحقيقي رزقنا الله تعالى الوصول إلى هذا المقام بمحمد وآله الكرام)[18]!

فلاحظ أخي القارئ أنه لم يمدح مقام الحلّاج والبسطامي فحسب بل طلب من الله وتوسل بمحمد وآله (عليهم السلام) أن يرزقه الوصول إلى مقامهما العالي في نظره!

وأما العارف تقي الموسوي يقول عن مرتبة الحلّاج أنها: (أعلى درجات العرفان! وإذا قال الحلاج: "أنا الحق" فلا غرابة في ذلك)[19]!

 

ما يمكن الاعتذار به لخميني:

قد يقول قائل أنّ الخميني قال في إحدى قصائده:

ما دمتَ (ابن منصور) تُظهر الطواف حول (أنا الحق)

تُثير الضجيج والهياج دون أن ترى جمال الحبيب

فيقول المُشكِل: إنّ هذا البيت من الشعر ظاهر في ذمِّ الحلّاج لا مدحه، فكيف قلتم أنه يمدحه؟؟

أقول: كما تقدم يجب الرجوع إلى أهل الاختصاص والشُّرَّاح للديوان الشعري لكي يتوضح لنا المعنى، لأنه قد يتوهم القارئ للوهلة الأولى أنّ الخميني هنا يذمُّ الحلاج، ولكن حينما يتأمل في ربطهِ بالنبي موسى عليه السلام في نفس القصيدة يعرف أنّ للحلّاج عند خميني مرتبة عالية جداً، وقد بين ذلك الدكتور طراد حمادة حينما قال: (الإمام " أي الخميني" يحسن الظن بالحلّاج، ويربطه بطلب موسى للرؤية، ويعفيه من الحلول والشطح)[20]!

ثم إنّ الخميني نفسه قد تمنّى المرتبة العالية والرفيعة للحلّاج كما تقدّم بيانه، فكيف يُقال أنّه يذمُّه؟

يقول الجوادي الآملي وهو يشرح عبارة (أنا الحق) أنّ الخميني يتمنى ذلك المقام وتلك المنزلة! ووصف ذلك المقام (للحلّاج) بالرفيع[21]!

فإذا كان الخميني يتمنى ذلك المقام وتلك المنزلة بل تمنّى أن يُعلّق على حبل المشنقة، فكيف يُقال أنّه يذمُّ صاحبها؟!

أضف إلى ذلك أنّ الخميني من الذين برّروا مقولة الحلاج (أنا الحق) وصوّرها على أنها كالمقولة الصادرة من الشجرة في القرآن الكريم {إِنِّي أَنَا اللَّهُ}!

يقول المعلِّق على ديوان الخميني: (إنّ الإمام -أي الخميني- في شعره العرفاني هنا يجعل من الصوفي الذي توصّل إلى الكشف الإلهي -أي الحلاج- أصلَ شجرةِ الظهور التي نُودِي منها موسى(عليه السلام) حين آنسَ من جانب الطور ناراً فقصدها لعله يأتي أهلهُ منها بخبر أو جذوة من النار {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} فالإمام (الخميني) يخاطب مثل هذا العارف (أي الحلّاج) البالغ هذه المرتبة من الرفعة، يجعله أصل شجرة الظهور الإلهي)[22]!

فالخميني جعل الحلّاج كالشجرة المباركة حينما جاء النداء منها {إِنِّي أَنَا اللَّهُ}!

بهذا القول برّر مقالة الحلاج الكفرية!

فكيف يُقال بعد ذلك أنّه يذمُّه؟!!

 

🌟 إذاً ما هو المقصود من هذه الأبيات الخمينية التي يظهر منها الذمُّ للحلّاج؟

الجواب: إنّ الخميني من خلال هذه الأبيات يُظهر اعتراضه على ضمير (الأنا) في قول الحلّاج (أنا الحق) حيث أنّ هذا الضمير يوحي بوجود ثنائية بين (أنا) الشخص و(أنت) الله، وهو لا يريد إلّا الوحدة التامّة المحضة، بمعنى (أنا) تعني (هو) في ذات الوقت!

فهذه "الأنا" التي في "أنا الحق" الحلاجية إنما توحي بذلك، وهذا لا يعني أنّ الخميني يرفض الحلّاج ولكنه منزعج لاستخدام الضمائر المشعرة (بالاثنينيِّة)! فليس في الدار غيره ديار، فلا مكان حتى لضمير الأنا!

يقول الخميني في أحد الأبيات السابقة لهذا البيت:

خِلواً مِن (أنت) و (أنا) و (سِرٍّ) و (عَلَن)!

يقول المُعلِّق في شرحها: (حين يفنى الصوفي العارف في الله ينتفي التفريق بينهما، يصبح هذا ذاك وذاك هذا، لا يعود ثمّة أنا وأنت ما داما واحداً، وليس بينهما سِرٌّ وعلن ما داما مُتّحدين منصهرين)[23]!

وهذا ما يفسِّر قول الخميني في ديوانه: (تصرخ فوق المشنقة قائلاً "أنا الحق" وتدّعي الحق، فما معنى طلبك الإنِّيَّةَ والأنا؟)[24].

فالخميني لم يذمّ الحلّاج أبداً بل "عاتبه" عتاب المحب، والحلّاج غير غافل عن هذا الأمر بل كان دائماً يخاطب الله ويقول:

(بيني وبينك إنِّيي ينازعني *** فارفع بلطفك إنِّيي من البينِ)

وكل العرفاء يرددون هذا البيت مثله ومن بينهم الخميني نفسه! ثم كيف يذم الحلاج وهو قد صرّح بنفس عبارته (أنا الحق)؟!

الخميني إنما أراد من الحلاج تعبيراً أدقّ في وصف كفره، وهو أن يزيل "أنا" لِأنّ مجرد قوله (أنا) هو حائل دون التعبير عن التوحُّد والانصهار التام الكامل، فخميني أصلاً يعتبر هذه الإنيّة وهم وخيال، وليس من وجود حقيقي سوى للحق فكل الموجودات وهم وخيال!

يقول في كتابه مصباح الهداية: (فما كان في دار التحقّق والوجود ومحفل الغيب والشهود إلا الحقّ (أي الله) ظاهراً وباطناً، أولاً وآخرًا، وما وراءه من تلبيسات الوهم واختراعات الخيال)[25]!

ولتوضيح مقصود الخميني أكثر أنقل لكم ما ذكره الدكتور سامي مكارم حول هذا الموضوع حيث جاء في مقاله: (إنّ الحلّاج لم يتخلص في عبارته (أنا الحق) من هذه الأنا والأنت فبقي تعبيره منحصراً في حماهما تجبره ضرورة اللغة على ذكرهما، وبقي يستعمل الضمائر المشيرة إلى هذه الثنائية المؤلّفة من العارف والمعروف. فهو في البيتين الآنفين، كما في غيرهما، يستعمل ضمائر المخاطب، والمتكلم أو قل ضمائر الأنتية والأنائية ... وقد تنبّه الحلاج إلى هذه الضرورة اللغوية وحاول أن ينبه القارئ إلى تلك المغالطة اللغوية المضطر إلى اللجوء إليها اضطراراً، فقال: "من لم يقف على إشاراتنا لم تُرشده عباراتنا")[26]

ويضيف الدكتور سامي مكارم أيضاً: (ولم يكن هذا الاضطرار اللغوي مقصوراً على الحلّاج، وإنما عاناه جميع من كتبوا في العرفان ففي مختلف نصوص التصوُّف نلمس هذا الاضطرار. وكثيراً ما نرى أهل العرفان يستعملون تلك الضمائر اضطراراً. ومن جملة أولئك العارفين المتحققين الإمام الخميني!

فها هو يقول في كتابه بادئ عشق ما ترجمته:

خلصت من نفسي وقرعت طبل "أنا الحق"

ومثل المنصور صرتُ شارباً رأس الصّليب.

في البيت الآنف الذكر نرى الإمام الخميني يُنبِّه أيضًا إلى أنّ استعمال ضمير المتكلم هو للضرورة، ولا يعني أيّة ثُنائية)[27]!

فالمشكلة عند الخميني في ضمير المتكلم المُشعِر بالاثنينيّة في مقولة الحلاج، وليس في الحلّاج نفسه، ولا في عقيدته، فهو منزعج حتى من الضمائر لأنها توحي بوجود ثنائية في دار التحقُّق وهو لا يريد إلا الوحدة المحضة (وحدة الموجود)!

وأمّا قول الخميني: (تصرخ فوق المشنقة) بمعنى تجهر بهذه العقيدة وتقول (أنا الحق) في العلن وهي من المفترض أن تكون سرًّا من الأسرار التي يجب إخفاؤها وعدم التصريح بها! وهذا ما يعاتب العرفاء عليه الحلّاج وهو جهره بعقيدتهم في العلن!

يقول ابن عربي وهو ينصح المتصوِّفة بعدم التصريح بهذه العقيدة في العلن لكي لا يكون مصيرهم مصير الحلاج:

فمن فهم الإشارة فليصُنها *** وإلا سوف يُقتل بالسِّنانِ

كحلّاجِ المحبّةِ إذ تبدّتْ *** له شمسُ الحقيقةٓ بالتّداني

فقال أنا هو الحقُّ الذي لا*** يُغيِّرُ ذاتهُ مَرُّ الزّمانِ[28]

فحينما يريد ابن عربي أن يقول (أنا الحق) يمارس التقية ويلف ويدور ولا يقولها مباشرة كما قالها الحلّاج في العلن!

فمشكلة الحلاج أنه أفشى هذا السر (وحدة الموجود) في العلن وليست مشكلته -عند العرفاء- أنه يعتقد بهذا الاعتقاد!

يقول القاضي الطباطبائي: (إن أساس مطالب منصور الحلاّج هي نفس مطالب سائر العرفاء وليس لديه شيء آخر دونهم لكنّه كان مفشياً للأسرار الإلهيّة)[29]!

لاحظ هنا يقول: (هي نفس مطالب سائر العرفاء)! ونفس الشيء يعني مطابق له! فتكون كل مطالب الحلاّج الكفرية هي نفس مطالب سائر العرفاء! ويؤكد القاضي الطباطبائي على تطابق معتقدهم بقرينة قوله: (وليس لديه شيء آخر دونهم)! فالحلاّج يساوي سائر العرفاء.

أما عن الأسرار التي كشفها الحلاّج، فهو لم يكشف إلا عن عقيدتهم (وحدة الموجود) حينما قال: (أنا الحق) و(ليس في جبتي سوى الله)! وغيرها من التصريحات الواضحة في هذه العقيدة الباطلة عقلاً وشرعاً.

يقول العارف سنائي:

اللسان الذي باح بالسرّ المطلق

كان الحلّاج في صيحته: أنا الحقّ[30]

وقد بيّن الحافظ الشيرازي مشكلة الحلاج الأساسية فقال:

ذاك الذي فيضُ المعارف عنه قد فاحا *** كُلْ ما جناهُ أنّهُ بالسِّرِ قد باحا[31]!

ويقول المستشرق إدوارد براون: (من العرفاء كفريد الدين العطار وحافظ (الشيرازي) وأمثالهم يعتبرون الحلاج بطلاً ويرون أن عيبه الوحيد هو إفشاء الأسرار هذا في حالة ما إذا كان من الممكن نسبة العيب إليه)[32]!

ويقول المطهري: (اتهمهُ العرفاء بإذاعة أسرارهم وإفشائها)[33]!

فمشكلة الحلاج الوحيدة عند العرفاء هي أنه (بالسِّرِّ قد باحا) أي أنه فضح سرهم وعقيدتهم وحدة الوجود والموجود على رؤوس الأشهاد حينما قال: (أنا الحق) و(ليس في جبتي سوى الله)!

وإلّا فالحلاج عندهم ممدوح كما هو واضح في الشطر الأول من البيت الشعري لحافظ الشيرازي (ذاك الذي فيضُ المعارفِ عنه قد فاحا) فالمعارف برأيهِ تفيض من كلمات الحلّاج ولكنّ مشكلته أنه قالها في العلن!

وقد بيّن العارف عبد الله الأنصاري بماذا باح الحلّاج في قوله: (بوح الواجد كقولِ الحلّاج رحمه الله أنا الحق)[34]!

ويقول الجوادي الآملي: (رحم الله الأستاذ محيي الدين مهدي الإلهي القمشئي الذي كان يقول عن الحلاج في شعره:

قيل بأنّهم صلبوا ذلك الصديق *** لأنّ ذنبه كان إفشاء الأسرار)[35].

أقول: لو قال الحلاج (أنا الحق) في السرِّ أو في بطون الكتب بعبارات مبهمة كما يفعل باقي العرفاء، ولم يُعلنها صراحة لم يُشكل عليه أحد منهم لكنه قالها على روؤس الأشهاد ففضح عقيدتهم!

جاء في كتاب قدوة العارفين حول قول الحلّاج أنا الحق: (ليس هو العارف الذي يتكلم، ولكن الذي ينطق هو الوجود البحت البسيط -أي الله-. فالعامة -أي الفقهاء- يظنونها كفراً، والخاصة -أي العرفاء- يسمونها "شطحات". والعارف صادق حتى في "شطحاته" لأنّ الله هو الذي يتكلم، وحاشا للعارف أن يتكلّف، فكلامه صدق لأن حالته هي تلك. والذي قال "أنا الحق" ليس هو الحلاج، ولكن الحلاج أفشى سِرّ الربوبية عند الخاصة والعامة)[36]!

فقول الحلاّج الكفريِّ (أنا الحق) من أسرارهم التي كشفها، وفضح عقيدتهم!

 

الدفاع الثاني عن الخميني:

قد يقول قائل: ولكنّ الخميني يقول:

لم أرَ قط من المتصوفين صفاءً

ولم أرَ قط من هذي الطائفة أيّ وفاء

وفي هولاء الذين يعلنون بتكبُّر "أنا الحق" لم أجد قط أيّ فناء.

يقولُ المنافحونَ أنّ الخميني هنا هاجم المتصوفة ووصفهم بعدم الصفاء وعدم الوفاء ووصف الحلاج بالمتكبر والمدّعي..!

أقول: بالنسبة للبيت الأخير: (وفي هولاء الذين يعلنون بتكبُّر "أنا الحق" لم أجد قط أي فناء) قد تقدم في الجواب السابق المقصود من عدم الفناء في ضمير المُتكلِّم المشعر بالاثنينية في مقولة الحلاج وليس في الحلّاج نفسه ولا في عقيدته! فالخميني منزعج حتى من الضمائر لأنها توحي بوجود ثنائية في دار التحقق!

أما هجوم الخميني على المتصوِّفة فهو كقول القائل: (إنّ الملا صدرا ألّف كتاباً ضدّ الصُّوفيّة باسم "كسر أصنام الجاهلية في الرّدِّ على الصوفيّة" فكيف يُقال عنه أنّه صوفي؟)

أقول: إنّ هذا قول من لا اطِّلاع له على محتوى هذا الكتاب وتصريحات العرفاء عنه، فإنّ الملا صدرا في هذا الكتاب المُسمَّى "كسر أصنام الجاهلية" كان بصدد الرّدِّ على فئة من المتصوِّفة وهم "أصحاب الخانقاهات" وليس زعماء المتصوِّفة من أمثال البسطامي والحلّاج وابن عربي والرومي وغيرهم، وقد اعترف بذلك العرفاء أنفسهم!

وكذلك الحال بالنسبة للخميني فهو يهاجم فئة من المتصوِّفة وليس جميعهم، لأنّ التصوُّف هو الوجه العملي للعرفان، والعرفان هو الوجه النظري للتصوّف.. أمّا من ناحية السلوك، فقد غيّر العرفاء-المتلبِّسون بالتشيع- بعض الأمور وهذّبُوا وزوّقوا طريقتهم لكي يظهر العرفان المُزّيف بمظهر حسن، ولكنّ عقيدتهم هي نفس عقيدةِ المتصوِّفة، فلو كانت عقيدتهم تختلف لما صرّح العرفاء بأقوال الحلّاج الكفريّة والتمسوا له الأعذار!

فقد وصفوا حالهُ حينما قال: (أنا الحق) بأنه وصل إلى أعلى درجات العرفان! بل طلب بعضهم من الله وتوسّل بالنبي محمد وآله(عليه السلام) أن يرزقه تلك المنزلة العالية!

 

الدفاعُ بوصفِ خميني للحلاج بالشرك!

قد يقول قائل: ولكنّ الخميني وصف الحلاج بالمشرك حيث قال:

إن كنت فانياً فلا تقرع طبل "أنا الحق"

ولا تتشقلب بدعواك الخاوية،

وما دمت أنانياً فما أنت إلا مشركا!

فيقول المُشكِل: إنّ الخميني كفّر الحلاج ووصفه بالمشرك في قوله: (فما أنت إلا مشركا)!

 

أقول: ليس لفظ الشِّرك هنا على نحو المعنى المعروف للشرك عندنا، فالطرف المُعترضُ إما جاهلٌ بمصطلحات العرفاء، أو أنه يعرف المعنى ويتعمّد الكذب وخداع الناس!

الشرك عند العرفاء بمعنى الاعتقاد بوجود شيء آخر غير الله في الوجود، لأنه -حسب اعتقادهم- هو الوجود ولا شيء سواه، وكل ما تراه هو طور من أطوار الذات الإلهية!

لذلك هم يقولون بأنّ كلّ من لا يعتقد بعقيدتهم (وحدة الوجود والموجود) مشرك!

يقول المطهري: (فإن توحيد العارف يعني أنّ الموجود الحقيقي منحصر بالله تعالى فكل ما سواه ليس سوى (ظِلال) فليس هناك شيء سوى الله... والذين يخالفون العرفاء (أي الفقهاء والعلماء) لا يرضون هذه المرحلة من التوحيد بل يرونها أحياناً كفراً وإلحاداً، إلا أنّ العرفاء يرونها هي التوحيد الحقيقي، وإنّ كل ما سواه لا يخلو من شائبة الشرك)[37]!

فكما تلاحظ أخي القارئ إنّ المشرك عند العرفاء هو من يعتقد بوجود شيء آخر غير الله، وقد أكّد على هذا المعنى حيدر الآملي حيث قال: (مُشاهدة الغير على جميع التقادير شركٌ خفيٌّ مانع من التوحيد والوصول إلى الحق، حتى مشاهدة وجود الشخص نفسه (هي شرك خفي) لقول بعضهم: وجودك ذنب لا يُقاسُ به ذنبُ...لأنّ رؤية وجوده وأنائيته تدلّ على مشاهدة الغير، وتدل على الاثنينية الموجِبة للشرك المذكور، والمشرك من جميع الوجوه غير مغفور له لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} جليًّا كان الشرك أو خفيًّا)[38]!

فمن خلال ما تقدّم تعرف أنّ مقصود الخميني من قوله: (وما دمتَ أنانيّاً فما أنت إلا مشركا) أي ما دمت تذكر هذه الضمائر التي تشعر بالإثنينية فأنت تعتقد بوجود شيء آخر غير الله!

وقد نفى الحلّاج عن نفسه هذه التهمة فقال:

أأنت أم أنا هذا العين في العين؟ *** حاشاي حاشاي من إثباتِ إثنينِ

ثمّ لو كان الخميني يكفِّر الحلّاج لقوله (أنا الحق) كما يقول هذا المُشكل الأحمق لكان هو أول الكافرين لأنّ الخميني نفسه نطق بهذه الكلمة الكفريّة في ديوانه، بل تمنّى أنْ يموت كما مات الحلاج!

كيف يجمع خميني بين النقيضين؟!

قد يقال: كيف يعيب خميني على الحلاج مقالته لتضمُّنها معنى الاثنينية بينما هو نفسه في موضع آخر يتمثل بمقالة (أنا الحق)؟!

قيل في الجواب: ليس بعزيز في سيرة أهل الانحراف والزيغ والأهواء تخبطهم وفعلهم الشيء ونقيضه، وعيبهم الشيء وإتيانه.

مثلا: المخالفون يعيبون على الشيعة قولهم لبيك يا حسين "عليه السلام".. بينما يخرجون في مظاهرات حاشدة ضد الرسوم المتحركة قائلين: لبيك يا محمد "صلى الله عليه وآله"

يروي أهل الخلاف أنّ عمر بن الخطاب لعنه الله يزايد على ابن سلول لعنه الله حينما قال ليُخرِجنّ الأعز منها الأذل ويقول للنبي صلى الله عليه وآله دعني أقتله يا رسول الله، ثم نجده يخاطب النبي صلى الله عليه وآله بما لا يقل شناعة فيقول: إنّ الرجل ليهجر!

فحالة التخبط عند أهل الأهواء والزيغ أمر معهود. فإنهم يعيبون أو ينتقدون الشيء ويأتونه.

 

الخُلاصة:

تبيّن مِمّا تقدّم أنّ الخميني صرّح بمقولة الحلّاج الكفريّة: (أنا الحق) بل تمنّى أن يكون مثله على حبل المشنقة! وهذا يعني أنه على دين الحلاج وعلى عقيدته، إلا أنه منزعج من تصريحه بعقيدته في العلن من جهة، ومن الضمائر التي توحي بوجود ثنائية في دار التّحقُّق من جهة أخرى، فهذه "الأنا" التي في "أنا الحق" الحلاجيّة إنما توحي بذلك، وهذا لا يعني أنّ الخميني يرفض الحلّاج، ولكنّه يبدي الانزعاج من استخدام الضمائر المشعرة بالاثنينية ولو كان ذلك (اضطرارا) لضيقِ العبارة، فليس عندهم في الدار غيره ديار و لا مكان حتى لضمير الأنا!

فالخميني لم يذمّ الحلّاج أبداً بل "عاتبه" عتاب المحبِّ، والحلّاج غير غافل عن هذا الأمر بل كان دائماً يخاطب الله ويقول: (بيني و بينك إنِّيي يُنازعني *** فارفع بلطفك إنِّيي من البينِ)، وكلُّ العرفاء يُردِّدون هذا البيت مثله، ومن بينهم الخميني نفسه!

وكذلك بالنسبة لقول الخميني (فما أنت إلا مشركاً) فإنّ لفظ الشرك عند العرفاء بمعنى الاعتقاد بوجود شيء آخر غير الله في الوجود، لا كما فهمه صاحب الإشكال! لأنّ الوجود -حسب اعتقادهم- هو الله ولا شيء سواه وكل ما تراه هو طور من أطوار الذات الإلهية!

وقد نفى الحلّاج عن نفسه هذا الاعتقاد فقال:

أأنت أم أنا هذا العين في العين؟ *** حاشاي حاشاي من إثبات إثنينِ!

وبهذا ينتفي التوهُّم الحاصل عند المُشكلِ المُعترضِ ويثبتُ أنّ الخميني صاحبُ عقيدةٍ حلاجيّة، بل أسوء حالاً من صاحبه!

هذا وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

17/ربيع الأول/1443هـ

ذكرى ميلاد الصادقين صلوات الله عليهما

طالب علم



[1] - نهاية العشق، عبد الله الفاطمي، ص2.

[2] - منشور وُزِّع في تأبين الخميني.

[3] - أنا الحق بين الحلاج والإمام الخميني، سامي مكارم.

[4] - نهاية العشق، عبد الله الفاطمي، ص3.

[5] - الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي، الجوادي الآملي، ص140.

[6] - نهاية العشق، عبد الله الفاطمي، ص24.

[7] - ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب، هامش الترجيعات رقم (5) هامش رقم (23).

[8] - ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب، هامش الترجيعات رقم (5) هامش (23).

[9] - ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5) هامش رقم (23).

[10] - أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 109.

[11] - أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.

[12] - أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.

[13] - الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي, الجوادي الآملي, ص140.

[14] - دولة المهدي المنتظر، إبراهيم الأنصاري، ص150- 151.

[15] - من الخلق إلى الحق، كمال الحيدري، ص95- 96.

[16] - من الخلق إلى الحق, ص 96.

[17] - وهذا هو الرابط: https://youtu.be/27ylzY5BuYo

[18] - جامع الأسرار، حيدر آملي، ص199، طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.

[19] - قدوة الفقهاء والعارفين، تقي الوسوي، هامش ص235.

[20] - أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.

[21] - الإمام الخميني ثورة العشق الإلهي, الجوادي الآملي, ص140.

[22] - ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب,هامش الترجيعات رقم (5)هامش رقم (24)., أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني، ص 104.

[23] - ديوان الخميني المسمى الفناء في الحب، هامش الترجيعات رقم (16).

[24] - ديوان الخميني، ترجمة غسان حمدان، ص85.

[25] - مصباح الهداية، الخميني، ص112.

[26] - مقال بعنوان: أنا الحق بين الحلاج والإمام الخميني، سامي مكارم.

[27] - مقال بعنوان: أنا الحق بين الحلاج والإمام الخميني، سامي مكارم.

[28] - شرح وتحقيق ديوان الحلاج، هاشم عثمان، ص21.

[29] - الروح المجرد، الطهراني ص444 طبعة دار المحجة البيضاء.

[30] - نهاية العشق، عبد الله الفاطمي،ص27.

[31] - العرفان والدين والفلسفة، المطهري، ص361.

[32] - تاريخ الأدب في إيران, إدوارد براون, ج1ص333.

[33] - الكلام العرفان الحكمة العملية، مطهري ص 84 المترجم: حسن الهاشمي، طبعة دار الكتاب الإسلامي.

[34] - منازل السائري، عبد الله الأنصاري، شرح عبد الرزاق الكاشاني، ص 109.

[35] - الحماسة والعرفان، الجوادي الآملي، ص118.

[36] - قدوة العارفين سيرة العارف حسن المسقطي، تقي الموسوي، ص145.

[37] - الكلام ، العرفان، الحكمة العلمية، المطهري، ص61، ترجمة حسن الهاشمي، طبعة إيران.

[38] - نص النصوص في شرح الفصوص، حيدر الآملي، ص357- 358.