السبت، 26 أغسطس 2023

التزوير لحجبِ كرامة التطبير

 التزوير لحجبِ كرامة التطبير

"تحقيق في تحريف كتاب القصص العجيبة"

 

إن تحريف وتدليس النصوص من أكبر الجرائم والخيانات العلمية ولذلك يعد هذا العمل من الكبائر الموجبة لسقوط عدالة الشخص الذي يمارسه وخصوصاً إذا كان التحريف في النصوص الدينية فإن ذلك يعد خيانة لله ولرسوله وللمسلمين كافة!

وقد سقط الكثير من علماء العامة في هذا المستنقع القذر حيث عمدوا إلى تحريف وتدليس الكثير من النصوص الدينية والآثار التاريخية بسبب تعصبهم الأعمى!

وقد لجئ هؤلاء إلى تحريف وتزوير النصوص لأنها تحرجهم وتفضح منهجهم الباطل ولا يجدون لها جواباً يقنع عوام الناس فضلاً عن طلبة العلم فلذلك سعوا إلى تحريفها أو حذفها من الطبعات الحديثة!

وهناك نماذج كثيرة للتحريف والتزوير والتدليس في كتب العامة وقد عرضها علماؤنا الأبرار في كتبهم التحقيقية المفصلة بل حتى بعض علماء العامة التفتوا لهذا الأمر ونبهوا عليه في بعض مصادرهم.

وكنموذج على ذلك ما ذكره "إبراهيم صالح" محقق كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي حيث قال في مقدمة الكتاب ما نصه: (وهذه الطبعة- وهي الأكثر تداولاً بين أهل العلم- تعجُ بالأخطاء والتصحيف والتحريف والنقص والتشويه، في الآيات القرآنية والأحاديث والأخبار والأشعار)! وأشار المحقق إلى أن الذين سبقوه بتحقيق الكتاب استخدموا أسلوب التدليس على الناس بمختلف طبقاتهم، ثم بدأ بنصحهم قائلاً: (فاتقوا الله، عباد الله ولا تستهينوا بأمانة العلم فإنها من أثقل الأمانات)[1]!

وقد انتقل هذا الداء العضال إلى بعض الأحزاب التي تدعي التشيع -للأسف الشديد- فقاموا بتحريف وتدليس وحذف بعض النصوص التي تحرجهم أو تكشف باطلهم من بعض المصنفات، ككتاب "الآداب المعنوية للصلاة" وكتاب "العرشية" للملا صدرا وكتاب "الروح المجرّد" للطهراني وغيرها!

ومن الكتب التي تعرضت للتحريف أيضاً كتاب "القصص العجيبة"[2] للسيد دستغيب حيث قامت الأيدي الآثمة بتحريف وتزوير القصة السادسة والأربعين من الكتاب بعنوان: (معجزة علوية) في الطبعات الحديثة كطبعة دار البلاغة عام 1417هـ الموافق لعام 1996م بترجمة موسى قصير، وما بعدها من الطبعات إلى الطبعة الثامنة عام 1442هـ الموافق لعام 2021م.

وقد لحقتها دور نشر أخرى وطبعت الكتاب بالنسخة المزورة كطبعة مؤسسة دار الكتاب الجزائري، إيران- قم، لعام 1424هـ وبقي الكتاب محرفاً إلى يوم الناس هذا! 

وأما الطبعات الصحيحة غير المحرّفة فهي التي طُبِعَتْ قبل ذلك التاريخ بعنوان: (معجزة الإمام علي عليه السلام وفتح أبواب الحرم الشريف) كما جاء في طبعة مؤسسة النعمان، لبنان- بيروت، الطبعة السادسة باللغة العربية، عام1410 هـ الموافق 1990م.

وبعنوان: (المعجزة العلوية) كما جاء في طبعة مكتبة الفقيه، الطبعة الأولى، الكويت – السالمية، عام 1410هـ الموافق لعام 1990م.

 

المعجزة أو الكرامة العلوية:

رأيت من المهم قبل ولوج صميم البحث في التحريف عرض المعجزة العلوية بالكامل على لسان بعض معاصريها كالسيد محمد رضا شبّر "رحمه الله" المتوفى عام 1430هـ عن عمرٍ ناهز 81 عاماً والشيخ فرج العمران رحمه الله المتوفى عام 1398هـ.

ونبدأ بالسيد محمد رضا شبّر الذي تحدث عن هذه المعجزة بقوله: (هذه الحادثة وقعت أيام حكومة ياسين الهاشمي وكان ناصبياً عدواً للشيعة وشعائرهم، وأول خطوة اتخذها في هذا المجال، قرار منع مواكب العزاء التي يقيمها الشيعة في شتى المدن العراقية... فقد أصدر ياسين الهاشمي قراراً بمنع مواكب العزاء (السلاسل والدمام) وشدّد أكثر ما شدّد على مواكب التطبير، وأنّ الرصاص سيطلق على كل من يخالف قراره من المطبّرين[3].

وأوجب هذا القرار اضطراباً في النجف، واحتار المؤمنون فيما سيفعلون، فبادر ياسين الهاشمي بخطوة استباقية وقام في اليوم السابع من المحرم بالهجوم على الحسينيات التي تخرج منها مواكب التطبير، واعتقل أصحابها ورؤساء المواكب وزجهم في السجون. وفي عصر اليوم التاسع أمر بإغلاق أبواب الحرم العلوي الشريف، والإبقاء على كبار خدّام الروضة الحيدرية بما فيهم الكليدار داخل الصحن الشريف، ثم جاء بمفرزة من قوات الشرطة من غير الشيعة ومن غير العرب من أهالي شمال العراق، لكي ينفذوا الأوامر بإطلاق الرصاص في حال المخالفة ولا تأخذهم أي عاطفة في هذا الباب، ورابطت هذه القوة داخل الصحن الشريف، وتناقلت الأوساط في النجف الأشرف بأنهم من أصحاب الديانة اليزيدية)[4].

ويقول الشيخ فرج العمران رحمه الله تحت عنوان "كرامة علوية": (في ليلة الأحد، العاشرة منه (أي المحرّم) صدرت كرامة باهرة من المرقد العلوي لساكنه المجد والشرف، يعجبني ذكرها، فاستمع لما أقول ولا تكن من الغافلين: لم تزل ولا تزال العناية الربانية ناظرة بعين الرحمة لهذه الفئة القليلة الشيعة، ومادّة رواق اللطف والرأفة على رؤوس هذه الفرقة الناجية الجعفرية، فتبرز لمن ناواها من مكنون الغيب إلى عالم الشهادة الأمور العجيبة، والخوارق لنواميس الطبيعة، فتطفئ عنها ثائرة الفتن، وتكشف عنها غياهب المحن. نعم، لابد لبروز هذه الخارقات وسطوع شمس هذه الآيات البينات من أسباب وحكم ومقتضيات وعلل حسب ما اقتضته الحكمة البالغة والعناية الأزلية. كان المشهد المرتضوي (لذكر صاحبه الشرف) لا تغلق أبوابه ليلة العاشوراء، بل تبقى مفتوحة حتى الصباح، ولا يغرب عنك سبب ذلك، إن السبب في ذلك اجتماع الجم الغفير للعزاء واللطم على سيد الشهداء (أرواحنا فداه) وكانت طائفة من أهالي النجف يضربون بالقامة يوم العاشر فتسيل دماؤهم موافقة لدماء الشهداء الكرام، وفي هذا العام منعت الحكومة عن ضرب القامة، كما منعت عن ضرب السلاسل والدمام في المواكب الحسينية، لكن تلك الطائفة أصرت على عاداتها في قبال الحكومة جازمة على أي نكال يجريه القانون الملكي، وأنت جداً خبير بأن الحكومة عالمة بضمير الرعية فكيف بظاهرها؟ ولا ترضى بأن تقف الرعية في قبالها، فأعدت لها عدة من الشرطة تقابلها وتكسر شوكتها إذا أظهرت ما أضمرت، ولو بسفك الدماء وإتلاف النفوس)[5]!

ويتحدث السيد محمد رضا شبّر رحمه الله عن أحداث ليلة العاشر من المحرم في تلك السنة فقال: (بعد الاعتقالات والإجراءات السابقة قرّر أهالي النجف من المطبرين اللجوء إلى مقبرة وادي السلام وأن يقيموا عزاءهم هناك، فلبسوا الأكفان، وربط كل واحد منهم على عضده قطعة من القماش كتب عليها: "روحي فداء للحسين".

كان الوضع في غاية التوتر، وما كنت ترى في الطرقات إلا النساء، وما كانت إحداهن تخرج إلا ومعها سلاح أخيها أو زوجها يخفينه تحت عباءتهن، واستمرت الأجواء في التوتر كلما قربت الساعة المرتقبة لموعد التطبير، وقد انتشرت قوات الأمن حتى وكأن الأحكام العرفية قد فرضت، وأن حكومة عسكرية تسلمت زمام الأمور.

وفي مساء ليلة العاشر جاءت عربة عسكرية متوسطة تحمل مدفعاً رشاشاً واستقرت على قمة المشراق المشرف على وادي السلام.

كانت هذه القوات تحسب أن بقاءها منتظرة سيجعلها في موقع دفاعي يفقد زمام المبادرة، ويعرضها لتطورات غير مدروسة، ومن هنا حددت ساعة الصفر لتكون قبيل الفجر، فالتطبير لا يكون عادة إلا بعد أداء صلاة الفجر.

وفعلاً فوجئ المطبّرون بإطلاق القوة العسكرية لعدد كبير من القنابل التنويرية فوق النجف وبشكل مركز فوق وادي السلام، فحددت القوة مواقع المطبرين استعداداً للهجوم عليهم واعتقالهم.

لما علم المجتمعون في وادي السلام ذلك وأن وجوههم بانت وأن العدو رصدهم قرروا الخروج، فقاموا وطبّروا وخرجوا من الوادي، وهم يركضون ويصيحون: "حيدر حيدر" فلمّا رأى الجنود المرابطون وراء المدفع الرشاش منظر المطبّرين والدماء تسيل على وجوههم وأكفانهم وهم في حالة العدو، هالهم المنظر وملأهم الرعب، ففروا تاركين أسلحتهم بما في ذلك العربة والمدفع الرشاش، فقام الأهالي بدفع العربة حتى أوصلوها إلى قرب مبنى مركز البريد الواقع في آخر السوق الكبير.

وتوجه المطبرون بعد ذلك نحو الحرم الشريف وهم يطبرون ويهتفون، ويتقدمهم شخص يقال له عبج الأعمى وهو حامل البرزان (البوق). ووفقاً للأعراف المعهودة في التطبير، فإنه يبدأ رسمياً بالنفخ في البرزان، فلما بلغ المطبّرون مسافة 100 متر من الباب المتصل بالسوق الكبير، توقف الجميع وحانت لحظة صمت، وانطلق البرزان بسلام تحية لأمير المؤمنين عليه السلام كاستئذان في بدء المراسم.

لم تمض ثوان معدودة على ضرب البرزان حتى فوجئ الجميع بصوت فرقعة شديدة أقرب إلى الانفجار، ودوى وسط ذهول عارم، لقد دكّت أبواب الصحن الشريف كلّها دفعة واحدة وانفتحت أمام المعزين، وكأنّ أمير المؤمنين عليه السلام يفتح ذراعيه ويقول لهم: تفضلوا، أنا في استقبالكم في عزائكم على ولدي سيد الشهداء عليه السلام.

وكان انفتاح الأبواب تم بفعل فرقعة قوية بكيفية تشبه الانفجار، ولكنه انفجار من نوع غريب، ما سبب حريقاً، ولا خلّف ضرراً على أحد، ولا آذى أشخاصاً كانوا ملتصقين بالباب وممسكين بعضادته ومتعلقين بعروته! مع أنه كان من القوة بحيث أن بقايا أخشاب الأبواب ما كانت تزيد في حجمها سمكاً وطولاً عن أعواد الكبريت!

والأعجب أنه انفجار دون أي أثر للمتفجرات أو حتى للدخان والعطبة! حتى أن وفداً خاصاً جاء من مصر في اليوم الخامس من هذه الواقعة بعد انتشارها خبرها خصيصاً للتأكد من الحادثة وضبطها وتسجيلها، وكان خبراء الوفد يقلبون الأعواد ويفحصون الموقع ويسجلون إفادات الشهود، وهم في منتهى الاستغراب والتأثر، خصوصاً لما علموا أن أبواب الحرم الشريف كانت مغلقة بواسطة سلاسل من فضة مربوطة ومعقودة بأقفال عثمانية من الطراز القديم، الذي كان يعرف بأنه من المستحيل فتحه أو كسره، وكان مفتاح هذه الأقفال يحتاج للدوران عدة مرات ينتقل فيها إلى مراحل متعقبة حتى يمكن فتحه.

أما الأبواب فكان سمكها يتجاوز الشبر، ناهيك عما رصع عليها وأضيف... كل هذا انكسر وتفتت في ثوان معدودة، وبشكل متزامن عمّ جميع الأبواب في لحظة واحدة)[6]!

وفي هذا الخصوص يقول الشيخ فرج العمران رحمه الله: (خرجت يوم العاشر وإذا أرى الابتهاج والارتياح في الوجوه، فسألت عن ذلك متعجباً فقيل: إن الأمير عليه السلام فتح أبواب الروضة ... فمضيت بنفسي ورأيت بعيني من أبواب الروضة ثلاثة أبواب، باب إيوان الذهب ومحاذييه والأقفال مع الحلق في محالها من الرزات، ثم من الحلق ما هو مسلول من أصله، ومنها ما هو مكسور على أشكال مختلفة، والباب الأيمن من بابي الروضة المحاذين لباب إيوان الذهب قد انكسرت رزته الداخلية، فبهرني ذلك وعراني من الابتهاج والسرور والغرو والارتياح ما لا أستطيع له بياناً)[7].

وأما ما جرى بعد ذلك فيقول السيد محمد رضا شبّر رحمه الله: (دخل المطبّرون الحرم الشريف، واقتلعوا ألواحاً خشبية غليظة كانت منصوبة فوق بئر في الصحن الشريف قرب قبر السيد محمد سعيد الحبوبي رحمه الله وهووا أفراد الشرطة اليزديين، وفروا وخرجوا من الصحن الشريف، ولم يبقَ إلا مأمور مركز النجف، وهو ضابط متعجرف من أهالي الموصل يدعى (نامق) طالما عانى أهالي النجف من ظلمه وجبروته، وكان واقفاً بحذائه المعروف إذ كان يلبس حذاء ذا عنق طويلة تبلغ ركبتيه، وقد اشتهر بين أهالي النجف بحذائه هذا، فلما ظفر به الأهالي حملوه وألقوه على أم رأسه، ثم داسوه وسحقوه بأقدامهم حتى هلك[8].

عندها ارتجت الهوسات الحماسية والردّات الحسينية، واستقرت الجموع على صيحة وهتاف واحد: "يا داحي البوب قبل طر الفجر" والبوب باللغة العراقيّة بمعنى الأبواب، وطرّ الفجر أي طلوعه.

صار المطبّرون يطبّرون على وقع هذا الهتاف، ثم طافوا بالصحن الشريف مرتين، وخرجوا إلى بيوتهم[9].

ومنذ تلك السنة التزم أهالي النجف الأشرف هذا الهتاف في المستهلات التي يخرجون بها للعزاء، وصارت من التقاليد والمراسم السنوية المتبعة في صبيحة كل عاشوراء مع بدء التطبير، واستمروا على ذلك حتى جاء الطاغية صدام التكريتي ومنع التطبير.

وأما ياسين الهاشمي فقد لحقته النقمة الإلهية، وإذ لم تدم حكومته السنتين، فقد فرّ إلى سوريا حيث هلك بعد شهرين فقط من فراره، ودفن عند قبر صلاح الدين الأيوبي!! في الجامع الأموي بدمشق)[10].

ويختم الشيخ فرج العمران رحمه الله حديثه عن الواقعة بقوله: (وبعد صدور هذه الكرامة الباهرة والمنقبة الزاهرة علت كلمة الشيعة، وابتهجت قلوبهم وأشرقت وجوههم فرحاً وسروراً، ولم يمتنعوا من ضرب القامة ذلك اليوم، وانتقض ما عزم عليه الشرطة من إثارة الفتنة[11].

كل ذلك كرامة لأمير المؤمنين عليه السلام وعلى أولاده الطاهرين.

وقد قال السيد مهدي الأعرجي في شأن هذه الكرامة هذه الأبيات الرائعة مؤرخاً ونعم ما قال:

من لم يُقرّ بمعجزات المرتضى     صنو النبي فليس ذاك بمسلم

فتحت لنا الأبواب راحة كفّه       أكرم بتلك الراحتين وأنعم

لما أرادوا منع أرباب العزا     بوقوع ما يجري الدما بمحرّم

فإذا الوصي براحتيهِ أرِّخوا    أوْمَا ففكَّ الباب حفظاً للدم) [12]

 

فكما تلاحظ أخي القارئ إنّ الحديث يدور -في قصة المعجزة العلوية- حول موكب التطبير والمطبرين فقد بدأ السيد شبّر رحمه الله حديثه عن قرار المنع بقوله: (أصدر ياسين الهاشمي قراراً بمنع مواكب العزاء (السلاسل والدمام) وشدّد أكثر ما شدّد على "مواكب التطبير"، وأنّ الرصاص سيطلق على كل من يخالف قراره من "المطبّرين") فصحيح أنّ المنع شمل كل الشعائر ولكن التركيز كان على مواكب التطبير بالذات.

ثم تحدَّث السيد شبّر عن ما فعلته الحكومة من إجراءات استباقية ضد مواكب التطبير فقال: (فبادر ياسين الهاشمي بخطوة استباقية وقام في اليوم السابع من المحرم بالهجوم على الحسينيات التي تخرج منها مواكب التطبير واعتقل أصحابها ورؤساء المواكب وزجهم في السجون) وبعد هذه الإجراءات التعسفية قام أهالي النجف بتغيير موقع عزاء التطبير حيث قال: (بعد الاعتقالات والإجراءات السابقة قرّر أهالي النجف من المطبرين اللجوء إلى مقبرة وادي السلام وأن يقيموا عزاءهم هناك) ولكن رجال الشرطة حددوا موقعهم باستخدام القنابل التنويرية حيث جاء: (فوجئ المطبّرون بإطلاق ... القنابل التنويرية ... فحددت القوة مواقع المطبرين استعداداً للهجوم عليهم واعتقالهم...) ولذلك قرر الأهالي البدء بمراسم التطبير والتوجه نحو الحرم الشريف حيث جاء: (فلبسوا الأكفان، وربط كل واحد منهم على عضده قطعة من القماش كتب عليها: "روحي فداء للحسين"... فقاموا وطبّروا وخرجوا من الوادي، وهم يركضون ويصيحون: "حيدر حيدر" فلمّا رأى الجنود المرابطون وراء المدفع الرشاش منظر المطبِّرين والدماء تسيل على وجوههم وأكفانهم وهم في حالة العدْوِ، هالهم المنظر وملأهم الرعب، ففروا تاركين أسلحتهم بما في ذلك العربة والمدفع الرشاش...) وبعد هروب الجنود من الموقع قام المطبرون بالتوجه إلى الحرم حيث قال السيد شبّر: (وتوجه المطبرون بعد ذلك نحو الحرم الشريف وهم يطبرون ويهتفون...) وأخذ يسرد بقية الأحداث إلى حدوث المعجزة والكرامة العلوية لهذا الموكب.

وكذلك في رواية الشيخ فرج العمران حيث جاء: (وكانت طائفة من أهالي النجف يضربون بالقامة يوم العاشر فتسيل دماؤهم موافقة لدماء الشهداء الكرام وفي هذا العام منعت الحكومة عن ضرب القامة، كما منعت عن ضرب السلاسل والدمام في المواكب الحسينية، لكن تلك الطائفة أصرت على عاداتها في قبال الحكومة جازمة على أي نكال يجريه القانون الملكي) وفي نهاية روايته قال: (ولم يمتنعوا من "ضَربِ القامة" ذلك اليوم، وانتقض ما عزم عليه الشرطة من إثارة الفتنة).

فكما ترى الحديثُ كله حول موكب "التطبير" وأنّ الكرامة العلوية حدثت لهذا الموكب.

 

تحريف كتاب القصص العجيبة:

تبيَّن مما سبق وبشهادة السيد محمد رضا شبّر والشيخ فرج العمران رحمهما الله أنّ المعجزة والكرامة العلوية حدثت للمطبرين أثناء دخول موكب التطبير صحن الحرم الشريف، وكأنّ أمير المؤمنين عليه السلام -كما يعبّر السيد شبر- يفتح ذراعيه ويقول لهم: تفضلوا، أنا في استقبالكم في عزائكم على ولدي سيد الشهداء عليه السلام.

ونضيف إلى شهادتهما شهادة زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله مقامه وشهادة تلميذه المرجع الراحل السيد محمد صادق الروحاني قدس الله سره حيث جاء في رد الأخير على من زعم أن السيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد الخوئي حرموا التطبير قوله: (مضافًا إلى الكرامات المشهودة للتطبير... خرج موكب فيه أربعة آلاف مطبّر وقد رأيتهم بنفسي قبل ذلك أيام تواجدي هناك فكانوا يخرجون ليلًا إلى وادي السلام ثم يأتون منه إلى الحرم فيطبرون داخل الصحن. في تلك السنة أغلقوا أبواب الحرم وكذلك أبواب الصحن فجاء الموكب إلى باب الصحن وبدؤوا يطبّرون وإذا بالباب ينفتح لهم فجأة! كانت المسامير مخلوعة والمتراس مرفوع دون أن يلمسها أحد قط! بلى! جميع المسامير كانت مخلوعة! فبات واضحًا أنها عناية من الإمام "عليه السّلام" وكذلك حدث لهم مع الباب الداخلي للحرم فذهب بعضٌ إلى السيد الخوئي للتحقق من ذلك والسيد الخوئي هو بنفسه قالها أيضًا فبعث شخصًا ليتأكد من ذلك بنفسه أول الأمر قال: بلى! هذه الواقعة صحيحة ثم كان السيد الخوئي يرويها على أنها فضيلة لكنهم ينسبون إليه القول بتحريم التطبير! وهذا بيِّنُ الكذب، نسبة التحريم إلى السيد الخوئي بيِّنة الكذب وكذلك إلى السيّد أبي الحسن الإصفهاني...)[13].

 

فالذي رواه هؤلاء الأعلام هو نفسه ما جاء في الطبعات القديمة من كتاب "القصص العجيبة" كطبعة مؤسسة النعمان حيث قال السيد دستغيب: (خلال إقامتي في النجف الأشرف وفي شهر محرم الحرام لعام ١٣٥٨، أصدرت الحكومة العراقية قانونًا يمنع منعًا باتًّا (التطبير) [الضرب بالسيوف على الرأس]. واللطم على الصدور وخروج مجموعات العزاء الحسيني ....) [14].

 

وكذلك في طبعة مكتبة الفقيه ولكن مع تغيير طفيف في اللفظ حيث جاء قول السيد دستغيب: (أثناء إقامتي في النجف الأشرف في شهر محرم من سنة ١٣٥٨هـ كانت الحكومة العراقية قد منعت منعاً باتاً الضرب بالسيف على الرأس، واللطم بالأيدي على الصدور، وخروج التجمعات الحسينية أيام العاشوراء...) [15].

 

وكذلك في النسخة الفارسية بعنوان "داستانهاي شگفت" جاء قول السيد دستغيب: (در اوقات مجاورت در نجف اشرف در ماه محرم سنه 1358 از طرف حكومت وقت عراق اكيدا از قمه زدن و سينه زدن و بيرون آمدن دسته جات منع شده بود...)[16].

وهذه ترجمتها من كتاب "رسائل الشعائر الحسينية" حيث جاء: (في الأيام التي كنتُ ساكناً في مدينة النجف الأشرف، وفي شهر محرم الحرام سنة 1357هـ قامت الحكومة العراقية بمنع المواكب الحسينية: التطبير، اللطم على الصدور، وخروج المواكب في الشوارع والطرقات...)[17].

فكما تلاحظ أخي القارئ الحديثُ هو عن منع المواكب الحسينية وخصوصاً موكب التطبير لأنه الموكب الوحيد الذي واجه الحكومة ودخل الحرم الشريف خلافاً لقرار الحكومة الجائر فحصلت له الكرامة العلوية وفُتحت له أبواب الحرم الشريف بعد هتاف المطبرين: (يا علي فك الباب إننا معزون ولدك الإمام الحسين عليه السلام) [18] وبعد فتح الأبواب بالكرامة العلوية هتفوا: (يا داحي البُوبْ قبل طَرِّ الفجر)[19].

 

وقفة على جريمة التحريف:

ما مضى مما ورد مؤرَّخًا من قبل أفذاذ علماء الطائفة حول الكرامة العلوية للمطبرين لم يرُق أعداء شعيرة التطبير وقضَّ مضاجعهم ونغَّص عيشهم ولم تطب لهم نفسٌ بنسبة هذه الكرامة العظيمة لهذا الموكب ولذلك قاموا بتحريف كتاب "القصص العجيبة" في الطبعات الحديثة!

فقد جاء في طبعة دار البلاغ بيروت لبنان سنة ١٤١٧هـ ١٩٩٦م القصة رقم (46) بعنوان "كرامة علوية" ما نصه: (أثناء مجاورتي "المؤلف" لمرقد أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف وأثناء شهر محرم الحرام عام ١٣٥٨هــــ أصدرت حكومة العراق آنذاك أمراً بمنع جميع مراسم العزاء في عاشوراء من مسيرات ولطم وندب وما إلى ذلك...)[20]!!

لقد حذفوا كلمة (التطبير) وجُملة (الضرب بالسيف على الرأس) من النص!

ثم اعتُمدت هذه النسخة المحرَّفة ونُشرت في الآفاق ولذلك أصبحت كل النسخ الحديثة لا يوجد فيها ذكر لشعيرة التطبير في الكرامة العلوية، والحال أنّ شعيرة التطبير بالتحديد وعلى وجه الخصوص كانت المحور في قصة الكرامة، وكانت المقصودة من قبل الطاغية ياسين الهاشمي آنذاك كما ظهر في النصوص التي استعرضناها!

بل إنّ بعضهم نقل هذه الكرامة عن النسخة المحرَّفة كما فعل صاحب كتاب "كرامات المرقد العلوي"[21] بدون الرجوع إلى النسخ الفارسية والعربية القديمة، ولذلك جاء ذكر الكرامة العلوية بدون أي إشارة لموكب التطبير! وعن كتاب "كرامات المرقد العلوي" نقلت الكرامة "مكتبة الروضة الحيدرية"[22] وانتشرت الكرامة بالنسخة المحرّفة بين المؤمنين!

 

ما هو سبب تحريف قصّة الكرامة العلوية؟

بعد وصول خامنئي لقيادة الثورة بمدة بسيطة بدأت حربهم على الشعائر الحسينية المقدسة وخصوصاً على شعيرة التطبير حيث أعلن خامنئي تحريمه لهذه الشعيرة في خطاباته وبياناته ووصفها بالبدعة[23]! فقام النظام الإيراني تبعاً له بمحاربة هذه الشعيرة المقدسة بكل الوسائل وعلى جميع الأصعدة!

فمن الناحية الميدانية قاموا-منذ ذلك التاريخ- باعتقال المطبرين وزجهم في السجون وتعذيبهم بطريقة وحشية وفرض الغرامات المالية الكبيرة، بل وصل الحال إلى استخدام المخابرات الإيرانية الرصاص الحي في أصفهان مما أدى إلى استشهاد عدد من المؤمنين ومن بينهم الشاب حميد زين الدين رضائي "رحمه الله" في محرم الحرام سنة 1430هـ[24]! وتكرر المشهد الدموي سنة 1434هـ، حيث أصيب العديد من المؤمنين المعزين بإصابات خطيرة! وقد أبلغت المخابرات الإيرانية جميع المستشفيات باعتقال جميع الجرحى الذين تعرّضوا لإطلاق الرصاص والذين راجعوا المستشفيات ليتم زجهم في السجون، ولذلك قام بعض المؤمنين في تلك المدينة بإخراج الرصاصات من أجسام المصابين وعلاج المجروحين بوسائل بدائية بسيطة[25]!

والعجيب أنّ هذه الحكومة ترفع شعار حرية الأديان والمعتقدات وفي دستورها بالمادة الثالثة والعشرين جاء: (العقائد مصونة ولا يجوز التعرض لأحدٍ لمجرد اعتناقه عقيدة معينة)[26]! فكل الديانات الكافرة تمارس طقوسها الدينية بكل حرية إلا الشيعة المطبرين!

وقد سار على نهجهم بعض الحزابلة في البحرين فقاموا برجم المعزين المطبرين بالحجارة في يوم العاشر من محرم الحرام عام 1431هـ /2009م ما أدى إلى سقوط بعض الجرحى كما أُتلفت بعض المَركبات! وقد انتشرت بعض المقاطع المرئية عن الحادثة[27] كما نشرت الخبر بعض الصحف المحلية والعربية[28]!

ولم تأخذ الحكومة الإيرانية العبرة من مصير الحكومات السابقة التي حاربت الشعائر الحسينية بل أخذتها العزة بالإثم وجندت طاقاتها في الحرب على الشعائر!

وأما من الناحية الإعلامية فقد قام الجهاز الإعلامي التابع للنظام الإيراني بمعية جيش من القصاصين بمحاربة شعيرة التطبير ووصفها بالبدعة على منابرهم في داخل إيران وخارجها ونشروا الكتب والمقالات وعرَضوا البرامج الوثائقية والمقابلات التلفزيونية لتشويه صورتها ووصفها بالطقوس الوثنية[29]!

وقد اصطدم هؤلاء القصاصين بفتاوى الفقهاء العظام في جواز هذه الشعيرة بل في استحبابها ولذلك قاموا بحملة كبيرة لتحريف فتاوى الفقهاء واختلاق فتاوى ليس لها وجود وتزوير بعض الأحداث التاريخية لكي يشوهوا صورة هذه الشعيرة المقدسة ومن يحييها من المؤمنين!

وكنموذج على ذلك قولهم بأن السيد أبو الحسن الأصفهاني يحرّم التطبير استناداً على قول بعض الكتّاب والصحفيين، بينما تركوا أقوال الفقهاء من تلامذته كالمرحوم آية الله العظمى الطبسي والذي لديه فتوى موثقة ينص فيها على جواز التطبير عند السيد الأصفهاني[30] وقد أضافوا إلى هذه الأكذوبة بعض البهارات حين قالوا أنّ قاتل ابنه السيد حسن إنما قتله لأنّ أباه حرّم التطبير! بينما صرّح القاتل في التحقيق عن سبب الجريمة بقوله: (أنا أعترف بأني قتلت السيد حسن...) وحينما سأله رئيس المحكمة: لِمَ قتلته؟ أجاب: (منذ مدة وأنا أعيش ظروفاً صعبة والسيد أبو الحسن لا يعطيني ما يكفيني...)[31]! وذكر بعض المؤرخين بأن القاتل كان مجنوناً[32]، ولم يذكر أحد قط أن سبب القتل هو التطبير إلا الحكواتية والقصّاصون في النظام الإيراني!

ثم كذبوا على بقية المراجع العظام كالسيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد السيستاني وغيرهم من المراجع والفقهاء ونسبوا لهم القول بتحريم التطبير أو حرّفوا فتاواهم!

وفي الوقت نفسه الذي حرفوا فيه هذه الفتاوى والوقائع التاريخية ولفَّقوا الأكاذيب لتشويه صورة هذه الشعيرة المقدّسة حرفوا أيضاً كتاب "القصص العجيبة" للسيد دستغيب وبالتحديد القصة السادسة والأربعين المعنونة بعنوان "المعجزة العلوية" لأنها كرامة لموكب التطبير بالذات وهذا ما يفضحهم ويكشف زيف هجومهم على هذه الشعيرة المقدسة ويجعلهم في موقف محرج أمام خصومهم إذ كيف تحدث مثل هذه الكرامة العظيمة لمن يفعل البِدع والخرافات كما يدَّعون؟!

ولذلك قام المدعو موسى قصير بترجمة كتاب القصص العجيبة وحذف كلمة (التطبير) وجملة (الضرب بالسيف على الرأس) من النص!

فلو تلاحظ النسخ التي طبعت قبل ترجمة "موسى قصير" تجد فيها القصة بدون تحريف ولكن النسخ التي طبعت بعد ترجمته كلها محرفة ومحذوف منها موكب التطبير الذي حدثت له هذه الكرامة!

وقد تقاسم محمد أسد قصير وموسى قصير الأدوار فالأول كان يزوِّر فتاوى الفقهاء لتحريم التطبير[33] والثاني حذف شعيرة التطبير من قصة الكرامة العلوية!

 

حبل الكذب قصير!

يتصوّر المزوّر حين التزوير أنه يستطيع إخفاء الحقيقة ولكن الله يكشف زيفه ولو بعد حين، فمهما برع وجدَّ في تزويره إلا أنه يترك بعض البصمات التي تكشف للأجيال الحقيقة، أو أنَّ الذي أخفاه أو زوره أو حذفه قد رواه غيره من الثقاة وبهذا يُكتشف أمره وتظهر فضيحته وعدم أمانته العلمية!

ألم يُخفي البخاري -صاحب الصحيح- رأي أمير المؤمنين عليه السلام وعمه العباس في أبي بكر وعمر بأنهما (كاذبين آثمين غادرين خائنين)[34] وكتب مكانها (كذا وكذا)[35] ؟

ولكنَّ الله فضح تلاعبه وتزويره في الرواية حين جاء مسلم –صاحب الصحيح- وذكر الرواية بألفاظها في صحيحه، وكذلك غيره من الرواة.

فلماذا لم يأخذ موسى قصير العبرة مما حدث للذين سبقوه في التحريف والتزوير؟

أما رأى كيف أن الله كشف أمرهم للناس وأصبح تزويرهم وصمة عار تلاحقهم مدى الدهر؟!

قد تصوّر موسى قصير حين سعى لإخفاء الحقيقة وتزوير رواية السيد دستغيب للكرامة العلوية للمطبرين أنه لن يُكشف أمره! ولكن الله كشفه من كل الجهات، فمن جهة روى الثقاة الأثبات قصة الكرامة العلوية بتفاصيلها فهناك روايات أخرى للحادثة وليست مقتصرة على رواية السيد عبد الحسين دستغيب، ومن جهة أخرى وجود الطبعات العربية القديمة غير المحرفة وهي بتعريب السيد هادي سليماني[36]، ومن جهة ثالثة وجود النص الصريح في الطبعات الفارسية التي طبعت في ثمانينات القرن الماضي.

وأضف إلى ذلك أن موسى قصير رغم حذفه لكلمة (التطبير) أو جملة (الضرب بالسيف على الرأس) من النص إلا أنه ترك بعض الآثار أو غفل أو أعماه الله عن حذف أبيات الشعر التي تشير لموكب التطبير حيث جاء في الطبعة المحرّفة قول السيد دستغيب: (قام أحد الفضلاء بنقش بعض أشعاره على لوحة علقها على حائط الحرم المطهر وقد سجلت ذلك الشعر آنداك وهو:

من لم يُقرّ بمعجزات المرتضى     صنو النبي فليس ذاك بمسلم

فتحت لنا الأبواب راحة كفّه       أكرم بتلك الراحتين وأنعم

إذ قد أرادوا منع أرباب العزا     بوقوع ما يُجري الدم بمحرّم

فإذا الوصي براحتيه أرِّخُوا    أوْمَا ففك الباب حفظاً للدم) [37]

 

وقد ذكر الشيخ فرج العمران "قُدس سره" البيت الثالث مع اختلاف بسيط حيث جاء: (لمَّا أرادوا منع...) [38] وكذلك قال: (ما يُجري الدِّما) [39] حيث جاء:

لما أرادُوا منع أرباب العزا     بوقوع ما يُجري الدِّما بمحرّمِ

وفي كتاب "القصص العجيبة" طبعة مكتبة الفقيه جاء: (ما يجري دماً..)[40] والصحيح ما ذكره الشيخ فرج العمران جرياً على الوزن وتصح أيضاً رواية (دَمًا).

وهذا البيت فيه إشارة واضحة لموكب التطبير حيث قال لما أرادوا منع أرباب العزا وما يجري من الدم في محرم الحرام، أي حينما منعت الحكومة مواكب عزاء التطبير وأغلقت أبواب الحرم الشريف لحصار المعزين، فتح أمير المؤمنين عليه السلام لهم الأبواب وبهذه الكرامة العظيمة حفظ دماء المعزين عن سفكها من قبل الحكومة حيث جاء بعد هذا البيت:

فإذا الوصي براحتيه أرِّخُوا     أوْمَا ففك الباب حفظاً للدم[41]

وهذه الأبيات مشهورة جداً مرتبطة بقصة الكرامة العلوية فلذلك لم يستطع موسى قصير حذفها أو تزويرها -أو أنّ الله أعماه عن ذلك- ولم يلتفت أو يفهم معنى الأبيات فمرّ بما يثبت واقعة التطبير ولم يعِه، فاكتفى بحذف كلمة "التطبير" وجملة "الضرب على الرأس بالسيف" من النص!

 

موسى قصير وتزوير كتاب آخر!

كان المدعو موسى قصير يتصوّر بأن الراوي الوحيد للكرامة العلوية هو السيد دستغيب لذلك حمل همّ ذلك النص وعمد إلى تزويره وحذف ما يتصل بالتطبير من كتاب "القصص العجيبة" وفعلاً أصبحت كل النسخ العربية الحديثة محرّفة وقد نقل الكثير هذه الكرامة عن النسخة المحرفة كما تقدم، ولكنه كان يخشى من الذي ينقلون "الكرامة العلوية" من النسخ الفارسية التي طبعت في ثمانينات القرن الماضي كما فعل "الشيخ علي خلف مير زاده"  حيث نقل هذه الكرامة في كتابه "الكرامات الحسينية" عن السيد دستغيب بعنوان: "در بروى عزادارن باز گرديد" أي انفتاح الباب بوجه المعزّين فقال: (عالم ربانى استوره تقوا معلم اخلاق، مخلص اهل بيت عصمت وطهارت وولايت صلوات اللّه عليهم اجمعين، شهيد محراب آية اللّه سيد عبد الحسين دستغيب رضوان اللّه تعالى عليه نقل فرمود: "در اوقات مجاورت در نجف اشرف در ماه محرم سنه 1358 از طرف حكومت وقت عراق اكيدا از قمه زدن و سينه زدن و بيرون آمدن دسته جات منع شده بود")[42].

وترجمته: (نقل العالم الرباني، ومثال التقوى، وأستاذ الأخلاق المخلص لأهل بيت العصمة والطهارة والولاية صلوات الله عليهم أجمعين، شهيد المحراب آية الله السيد عبد الحسين دستغيب فقال: "عندما كنت مقيماً في النجف الأشرف عام ١٣٥٨ كانت الحكومة العراقية آنذاك تمنع التطبير وعزاء الزنجيل واللطم ومنع مسيرات المواكب").

 

فخشي موسى قصير أن تنتشر الكرامة العلوية -التي حدثت لموكب التطبير- بالنص الصحيح غير المحرّف حين يُتَرجَمْ هذا الكتاب إلى اللغة العربية فينكشف أمر تزويره لكتاب "القصص العجيبة" فشارك في ترجمة كتاب "الكرامات الحسينية" وحرَّف النص!

فقد جاء في كتاب "الكرامات الحسينية" بترجمة موسى قصير وعلاء كوراني تحت عنوان: "انفتاح الباب بوجه المعزِّين" وترجم النص كما هو موجود في الأعلى إلى أن قال: (...أصدرت حكومة العراق أمراً بمنع مراسم العزاء في عاشوراء، من: مسيرات ولطم وندب، وما إلى ذلك...)[43]!

فحذف منعَ التطبير وعزاء الزنجيل من النص كما فعل في كتاب القصص العجيبة!

 

الخلاصة:

تبيَّن مما سبق ما قام به المزورون من تحريف لكتاب "القصص العجيبة" لإخفاء الكرامة العلوية -التي حضي بها موكب التطبير- سائرين على منهج إخوانهم المزورين من أهل العامة في تحريف وتدليس وحذف ما لا يتوافق مع معتقداتهم الباطلة.

ومن الواضح الجليِّ أنّ كل من يلجأ إلى التحريف لا يلجأ إليه إلا لضعف حجته وخوَرِه أمام أدلة وحجج خصومه ولذلك يحاول أن يتقوى ويسند باطله بالأكاذيب أو بإخفاء الحقائق وطمسها لكي لا يحتجَّ بها الخصم!

وهذا ما قام به القوم حين سعوا بكل الطرق في تحريف فتاوى الفقهاء وتزوير الحقائق التاريخية واختلاق القصص الخيالية وتلفيق الأكاذيب لكي يطعنوا في المؤمنين الملتزمين بإحياء شعيرة التطبير المقدسة ويشوهوا صورتها ولذلك لم يسلم كتاب "القصص العجيبة" من تحريفهم وتزويرهم!

إنَّ ما حضي به هذا الموكب من كرامة عظيمة لم يأتِ من فراغ، فلم ينل هؤلاء المطبرون هذا الشرف العظيم إلا بعد أن رأى الإمام عليه السلام منهم الإخلاص والتفاني والتضحية في سبيل إحياء الشعائر الحسينية ولو ببذل النفس في هذا المجال.

فرغم الاعتقالات التي طالت أصحاب الحسينيات ورؤساء المواكب والتهديد والوعيد الذي أصدرته الحكومة العراقية باستخدام الرصاص الحي في مواجهتهم ورغم حضور القوات المسلحة مع معداتها والمدافع الرشاشة وحصارها للحرم الشريف إلا أن ذلك كله لم يثنِ هذا الموكب الفدائيَّ عن المواجهة ولذلك نصرهم الله بهذه الكرامة العظيمة التي جرت على يد أمير المؤمنين عليه السلام.

إن في ذلك عبرة وعظة لجميع المواكب الحسينية في كل العالم للسير على طريقة هذا الموكب بالتفاني والإخلاص لسيد الشهداء عليه السلام فإذا ما رأى الله منهم ذلك فلن يقوى أحد على الوقوف في وجوههم.

أمّا الذين في قلوبهم مرض فلا تغنيهم الآيات والنذر ولا تؤثر فيهم المعجزة والكرامة ويصرون على غيّهم وتأخذهم العزة بالإثم ويذهب جاحدهم بعد تزوير الكتاب الأول ليزوِّر كتاباً آخر!

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

07/صفر الأحزان/1444هـ

ذكرى شهادة الإمام الحسن صلوات الله عليه

رائد أحمد



[1] - مظلومية الزهراء، السيد محمد رضا الشيرازي، ص49.

[2] - يحتوي الكتاب على مجموعة من قصص العلماء والرؤى الصادقة التي تقوي الإيمان بالغيب، كما يعرض لكرامات ومعاجز أهل البيت عليهم السلام. تعريب: السيد هادي سليماني. أعادت نشره للمرة السادسة مؤسسة النعمان في بيروت سنة 1410 ه‍. راجع مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت، ج ٢٣ ص٢٢٩.

[3] - يقول الدكتور كامل سلمان الجبوري: (استغلت بعض الحكومات الزمنية صدور رسالة "التنزيه" فقامت بمنع المظاهرات العزائية بشكل مطلق ففي سنة 1355هـ، وضعت الحكومة العراقية العراقيل والقيود على الشعائر الحسينية، فقد منعت منعاً باتاً من ضرب القامات "التطبير" والسلاسل، وعدم تكلّم الخطباء على معاوية وابنه يزيد بما يجرح عواطف بعض أوليائهما في العراق، وقد احتجت الحكومة العراقية على هذا المنع بفتوى السيد محسن الأمين العاملي)! راجع كتاب السيد أبو الحسن الأصفهاني، ج2 ص50.

[5] - مجموعة مؤلفات الشيخ فرج العمران ج3 ص35.

[7] - مجموعة مؤلفات الشيخ فرج العمران، ج3 ص36.

[8] جاء في كتاب القصص العجيبة، طبعة مؤسسة النعمان، ص76: (في هذه الأثناء دخلت فرقة من الشرطة وعلى رأسها ضابط كبير. أخذ يضرب المعزين وأمر أفراد الشرطة باعتقالهم إلا أن الجماهير الحسينية الغاضبة هجمت عليه ورفعته من الأرض وقذفت به إلى الصحن حيث أصيب بجراح كثيرة وشديدة).

[9] جاء في كتاب القصص العجيبة، طبعة مؤسسة النعمان، ص76: (واصل المعزون الحسينيون مراسم العزاء الحسيني في الحرم والصحن الشريفين وجاء أهالي النجف بعد أن سمعوا تحطم أقفال الأبواب وفتحها للمشاركة بالعزاء كما اختفى أفراد الشرطة عن الأنظار).

[10] - رسائل الشعائر الحسينية، الشيخ محمد الحسون، ج2ص24.

[11] - جاء في كتاب القصص العجيبة، طبعة دار البلاغة، ص120: (أرسلوا تقريراً بالحادث إلى قيادتهم في بغداد فأمروهم بعدم التعرض لهم، فأقيم العزاء في ذلك العام في النجف وكربلاء أكثر من أي عام مضى).

[13] - جاء ذلك في فيديو منشور للسيد الروحاني بعنوان "معجزة التطبير يرويها السيد الخوئي".

[14] القصص العجيبة، دسغيب، ص75، طبعة مؤسسة النعمان، لبنان- بيروت، الطبعة السادسة باللغة العربية، عام1410 هـ الموافق 1990م.

[15] - القصص العجيبة، دسغيب، طبعة مكتبة الفقيه، الطبعة الأولى، الكويت – السالمية، عام 1410هـ الموافق لعام 1990م

[16] - داستانهاي شگفت، ص36، طبعة سنة 1989م.

[17] - رسائل الشعائر الحسينية، ج2ص13-14، نقلاً عن كتاب "داستانهاي شگفت" للسيد دستغيب، ص36.

[18] كرامات المرقد العلوي، رسول كاظم عبد السادة، ص282.

[19] - رسائل الشعائر الحسينية، الشيخ محمد الحسون، ج2ص24.

[20] - القصص العجيبة، السيد دسغيب، بتعريب موسى قصير، ص119.

[21] - كرامات المرقد العلوي، رسول كاظم عبد السادة، ص281.

[22] - مكتبة الروضة الحيدرية، كرامات المرقد العلوي، تحت عنوان: "انفتاح ابواب الحرم للعزاء".

[23] - جاء ذلك في مقطع مرئي تجده عبر هذا الرابط: https://t.me/rarrttyyyuu/3813 .

[24] راجع المقطع على اليوتيوب بعنوان: "لقطات لجثمان الشهيد حميد رضائي".

[25] راجع المقطع على اليوتيوب بعنوان: "لقطات لهجوم قوات خامنئي على المؤمنين المطبرين".

[26] - دستور جمهورية إيران الإسلامية، ص32، المادة 23.

[27] - مقطع بعنوان: الاعتداء على موكب التطبير في البحرين الدراز عام ٢٠٠٩م.

[28] - نشرت الخبر جريدة الشرق الأوسط بعنوان: إصابة عدة أشخاص باشتباكات في الدراز بسبب "التطبير".

[29] - راجع الفيديو على اليوتيوب بعنوان: "وثائقي حقيقة التطبير في العالم ومن اين ظهرت".

[30] - سماحة آية الله العظمى الطبسي الذي كان من الملازمين للمرحوم السيد أبو الحسن الاصفهاني كان يقول ما ترجمته: (في يوم عاشوراء كنت في كشوانية حرم مولانا أبوالفضل العباس عليه السلام في خدمة المرحوم السيد أبوالحسن الإصفهاني، و جرى هنالك سؤال و جواب خلاصته ان شخص جاء عند السيد و سئله هل التطبير جائز؟ فقال: بلى جائز).

[31] - السيد أبو الحسن الأصفهاني، د. كامل سلمان الجبوري، ج3 ص243.

[32] - مرآة الشرق، الشيخ محمد أمين الإمامي الخوئي، ج1 ص186-187.

[33] - نسب محمد أسد قصير تحريم التطبير لعدد من الفقهاء ومن بينهم السيد السيستاني دام ظله، وقد رد هذه الدعوى بعض الفضلاء وأنكروا عليه.

[34] - جاء في صحيح مسلم برقم (4676) أن عمرقال: (لما توفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر أنا ولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ما نورث ما تركنا صدقة». فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى أبو بكر وأنا ولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولى أبى بكر فرأيتمانى كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق).

[35] - قال عمر: (وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس - تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا...) صحيح البخاري، الحديث رقم: 5358.

[36] - راجع مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت، ج ٢٣ ص٢٢٩.

[37] - القصص العجيبة، بترجمة موسى قصير، ص120، طبعة دار البلاغة سنة 1996م.

[38] - مجموعة مؤلفات الشيخ فرج العمران، ج3 ص37.

[39] - المصدر السابق.

[40] - القصص العجيبة، دسغيب، طبعة مكتبة الفقيه،ص112.

[41] - القصص العجيبة، بترجمة موسى قصير، ص120.

[42] - كرامات الحسينية، الشيخ علي خلف مير زاده، النسخة الفارسية ص44.

[43] - الكرامات الحسينية، بترجمة موسى قصير وعلاء كوراني، ص24.