السبت، 28 فبراير 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة الثالثة"

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة الثالثة"
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
في تسجيل مرئي للسيد منير الخباز عَرَضَ الطريق العرفاني للوصول إلى الله عبر الأسفار الأربعة مستدلاً ببعض الآيات القرآنية ومردداً ما يقوله العرفاء في هذا الشأن!
وهذا هو المقطع المرئي:
يقول السيد منير: ثم تنتقل إلى الأسفار الأربعة السفر من الخلق إلى الحق والسفر في الحق للحق وهذا يسموه قوس الصعود وهذا اللي تشير إليه بعض الآيات القرآنية {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} هو وين راح؟! مو ذاهب يعني قاعد يمشي هو هذا السفر القلبي {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}سفر أنت في حال سفر إلى الله (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) أنت في حال سفر! سفر من الخلق إلى الحق والسفر من الحق للحق...
أقول: ذكرنا في إحدى المقالات السابقة أنّ العرفان بهذا المنهج الاعتقادي والسلوكي الشائع اليوم عند الناس هو باطل وليس من منهج أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، إذ ليس هو سوى الوجه الآخر للتصوّف، وهذا المنهج إنما هو منهج شيطاني كما أخبر بذلك أئمتنا صلوات الله عليهم، إذ هو يزعم أن بمقدور العبد أن يصل إلى معرفة الله بغير الطريق الذي رسمته الشريعة, كما يسمى عندهم بالكشف والشهود وقطع الأسفار الأربعة: من الخلق إلى الحق، بالحق في الحق، من الحق إلى الخلق، في الخلق بالحق!
وتلك الأسفار لا أصل لها في شريعة الإسلام بالمعاني التي يريدونها ويقصدونها.
والأخطر في هذا المنهج الشيطاني أنه يوقع صاحبه في الشرك باعتقاده بوحدة الوجود والموجود باستخدام عبارات جذابة براقة تستقطب ضعفاء القلوب.
انّ التقرب إلى الله تعالى ليس من لازمه هجرة الخلق! بل مما يقرّب إلى رضاه تعالى معاشرة الخلق بالإحسان إليهم, وهذا ردٌ على السفر من الخلق إلى الحق.
وأما بالحق في الحق، فنقول إنّ صفات الله تعالى وأسماءه تحتاج تدبراً في كلام من أرسلهم الله تعالى لنا وهم حججه المعصومون عليهم السلام، لا أن يجعل المرء من نفسه رسولاً! فتلك كلها كلمات ومصطلحات يزوقون بها الكفر ويمهدون بها إلى زندقة وحدة الوجود.
يقول الخميني وهو يخاطب ابنه أحمد : عزيزي ... الكلام هو في السفر من الخلق إلى الخالق تعالى، ومن الكثرة إلى الوحدة، ومن الناسوت إلى ما فوق الجبروت، إلى حدّ الفناء المطلق الذي يحصل في السجدة الأولى، و الفناء عن الفناء - وهو الذي يقع في السجدة الثانية - بعد الصحو - و هذا هو تمام قوس الوجود (من الله وإلى الله) وفي تلك الحال ليس هناك ساجد ومسجود له، ولا عابد ومعبود!
المصدر : سر الصلاة , الخميني, ص38, الطبعة الثالثة - طهران, سنة 2003 م .
وهذا التصريح غارق في وحدة الموجود فليس هناك ساجد ومسجود له، ولا عابد ومعبود فكل الأشياء واحد وذلك الواحد هو الله!
فكما تلاحظ أخي القارئ بأن تلك الأسفار ما هي إلا تمهيد لزندقة وحدة الوجود والموجود!
يقول آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي "قدس سره" :
عندي أن مصيبة الصوفية على الإسلام من أعظم المصائب, تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً من أساس الدين,أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية والتزموا بوحدة الوجود,بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم وإلتزامهم بمايسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة, والتنزل من القوس الصعودي إلى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق إلى الحق والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي أخرى فيالله من هذه الطامات...
المصدر: شرح إحقاق الحق, المرعشي النجفي, ج1 ص184.
أقول: كشف السيد المرعشي النجفي "قدس سره"  بطلان هذه الطرق - الصوفية- وأنها من أعظم المصائب على الإسلام, تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه, وبيّن حقيقتها وأصلها بقوله : وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم...
وأكد على دخول هذا المعتقد الباطل للتشيّع بقوله : ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً من أساس الدين...
وكشف "قدس سره" عن تأويلهم للآيات والروايات بقوله : أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية...
وبيّن كفر اعتقادهم بقوله : والتزموا بوحدة الوجود,بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم...
ثم كشف عن بطلان الأسفار الأربعة وعدم شرعيتها واصفاً إياها بالطامات!
فقال: والتزامهم بما يسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة,والتنزل من القوس الصعودي إلى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق إلى الحق والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي أخرى فيالله من هذه الطامات!!

يقول السيد منير: وهذا يسموه قوس الصعود وهذا اللي تشير إليه بعض الآيات القرآنية {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}... {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أنت في حال سفر إلى الله (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)...
أقول : الاستدلال بالآيات الشريفة وتأويلها بما يطابق أهل المذاهب الباطلة منزلق خطير.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله كما يزخرف الدرهم النحاس بالفضة المموهة .
المصدر: عيون الحكم والمواعظ,الواسطي, ص381.
إن الإنسان يكدح كدحاً من خير أو شر فيلاقي ثوابه أو عقابه في الدنيا والآخرة, فهذه الآية لا تقتصر على أهل الطاعة وحدهم.
عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من اشتبه عليه من الآيات، قال: ولقد أعلمتك أنّ ربّ شيء من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأُنبّؤك بطرف منه فيكفي إن شاء الله، من ذلك قول إبراهيم: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِين فذهابه إلى ربّه توجّهه إليه عبادةً واجتهاداً وقربةً إلى الله جلّ وعز، ألا ترى أنّ تأويله على غير تنزيله)
المصدر: تفسير الصافي, الفيض الكاشاني,ج4 ص274.
فهل ترك النبي إبراهيم "عليه السلام" الخلق واعتزلهم في سبيل أن يتوجه لعبادة ربه ويجتهد في طاعته؟! أم واصل رسالته في الإصلاح والدعوة إلى جانب الاجتهاد في الطاعة والعبادة؟!
الجهاد في الله تعالى يكون باتباعِ حججه وليس برهبنة أهل التصوّف!
في تفسير علي بن إبراهيم قوله عز وجل : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} أي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي نثبتهم وان الله لمع المحسنين وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : هذه الآية لآل محمد صلوات الله عليهم و لأشياعهم.
المصدر: تفسير القمي, ج2 ص151.
فمن أين جاء المتصوفة بهذا التفسير للآيات الكريمات؟!

يقول السيد منير: ثم يجي قوس النزول السفر من الحق إلى الخلق والسفر في الخلق للحق وهذي الأسفار الأربعة يلخصها علمائنا في هذا الحديث في هذا الدعاء الشريف (اللهم وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتسير أرواحنا معلقة بعز قدسك) تشوف هم عرفاء –العرفاء ماينعزلوا عن الناس يعيشوا مع الناس لكن قلوبهم في الملأ الأعلى –يعيشون مع الناس لكن أرواحهم تحلق في مكان آخر هم مع الناس وليسوا مع الناس ولذلك وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض أحاديثه (هجم به العلم على طريق الحقيقه فباشروا روح اليقين واستنالوا مستوعره المترفون وانسوا بمَ ستوحشه الجاهلون وصحبوا الناس في الدنيا بابدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى هؤلاء هم العرفاء الحقيقيون الذين ساروا على خطى أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين...
أقول: إنّ الذي يصعد ويرتقي في مدارج الكمال لا ينزل ولا يهبط فإذا كان الغرض من الصيرورة مع الناس ومخالطتهم رضا الله تعالى والإصلاح فالإنسان حينها يكون في سمو وارتقاء مستمر.
فمجرّد اعترافك بما يسمونه قوس النزول هذا يعني أنّك تقرّ بأنهم يعتبرون هذه المرحلة تأخراً وتراجعاً في القرب من الله تعالى، فكيف تكون أرواحهم معلقة بالملأ الأعلى وهم يعتبرون ما يسمونه من الحق إلى الخلق وفي الخلق بالحق قوس "نزول" ؟!!!
ما حاولتم تأويله بقوس الصعود والنزول وخزعبلات المتصوّفة لا علاقة له بما تقول فإنّ الإمام يسأل الله تعالى تمام الانقطاع إليه في "جميع" شؤونه , في العبادة، وفي الاتكال والاعتماد عليه جل وعلا في أمور الدنيا والمعاش، وفي طلب رضاه تعالى في كل الخيرات بما فيها خدمة الناس والعيال, فهذا كله على المؤمن أن يسأل الله تعالى فيه تمام الانقطاع له تعالى بإخلاص النية في العمل والاجتهاد في العبادة والإقبال التام فيها.

يقول السيد منير: وهذي الأسفار الأربعة يلخصها علماؤنا في هذا الحديث في هذا الدعاء الشريف (اللهم وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتسير أرواحنا معلقة بعز قدسك)
أقول : الحجب في عبارة (خرق حجب النور) هي الحجب التي تمنع الوصول إلى نور البصيرة وتتمثل في التقصير وتعمّد المعاصي والغفلة وعدم خلوص النية.
أما (معادن العظمة) فليس المقصود بها المكان المادي فإنّ عظمة الله تعالى عين ذاته.
دلائل عظمة الله تعالى التي يستشعرها القلب المؤمن يلخصها الإمام عليه السلام بقوله: (عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم )
المصدر: نهج البلاغة,خطب الإمام علي عليه السلام, ج2 ص161.
حينها تتعلق أنفسهم وأرواحهم بعز الله تعالى وكرمه وحده وتقطع الرجاء عما في أيدي الخلق وعن كل عزيز ذي سلطان سوى عز قدس الخالق جل وعلا.

يقول السيد منير: ولذلك وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض أحاديثه (هجم به العلم على طريق الحقيقه فباشروا روح اليقين واستنالوا مستوعره المترفون وأنسوا بمَ ستوحشه الجاهلون وصحبوا الناس في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى) هؤلاء هم العرفاء الحقيقيون الذين ساروا على خطى أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين...
أقول: الحديث مبتور !!
ذلك الحديث الشريف مروي عن كميل بن زياد وهو بصدد الحديث عن حجج الله تعالى وهم المعصومون عليهم السلام! إلا إذا كان العرفاء يدّعون العصمة ومراتبها فهذا شيء آخر!
يقول المولى عليه السلام:
(لا يخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته ورواة كتابه. وأين أولئك؟ هم الأقلون عدداً، الاعظمون قدراً، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعه نظراء‌هم ويزرعها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الإيمان، فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر منه المترفون  واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون. صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى.
يا كميل أولئك أمناء الله في خلقه وخلفاؤه في أرضه وسرجه في بلاده والدعاة إلى دينه. واشوقاه إلى رؤيتهم أستغفر الله لي ولك"
المصدر : تحف العقول , ابن شعبة الحراني, ص171.
فتلاحظ أخي القارئ كيف بتر الحديث وحرّف معناه وحوله من خاص إلى عام وأدخل فيه عموم العرفاء!

الخلاصة :
توّضح مما سبق بطلان هذه الطرق (الأسفار الأربعة) فلا أصل لها في شريعة الإسلام وفق المعاني التي تنطوي على خزعبلاتهم وأباطيلهم , فهي بدع وخزعبلات مستوردة من المتصوّفة فقام العرفاء بِلَيِّ عنق الآيات والروايات بهدف أَسْلَمَتِها وإدخالها في الدين من باب التأويل!
ونؤكد على أنّ الأخطر في هذا المسلك الشيطاني أنه يوقع صاحبه في الشرك باعتقاده بوحدة الوجود والموجود وباستخدام عبارات جذابة براقة تستقطب ضعفاء القلوب.
وقد كشف السيد المرعشي "قدس سره" بطلانها وزيفها وعدم شرعيتها, ونص على أنها مستوردة من رهبة النصارى فتلقاها المتصوفة  ثم سرى منهم إلى الشيعة وبهذا تكونة هذه الاعتقادات الباطلة و الممارسات غير شرعية.
وقد بيّنا بأن الدعاء (اللهم وأنر أبصار قلوبنا...الخ) لا يمت لما ذهب إليه المتصوّفة بصلة ووضحنا معانيه بما يوافق الاعتقاد الصحيح بعيداً عن خرافات المتصوّفة وخزعبلاتهم.
وأما الحديث الأخير  فقد بتر العرفاء النص ثم أخرجوه عن التخصيص إلى العموم وأدخلوا فيه العرفاء!
وقد عرضنا النص كاملاً وتبيّن أن المقصود هم المعصومون لا غيرهم. وهذا تدليس خطير وخداع للناس واستغفال لهم , ومما يؤسف له أشد الأسف أن يُوقع الناس في حبال العرفاء أمثال السيد منير الخباز - من غير قصد منه إن شاء الله- ويردد ما يقولونه من غير بحث أو تحقيق.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
5/جماده الأولى/ 1436هـ
ذكرى مولد العقيلة زينب الكبرى عليها السلام
طالب علم

السبت، 14 فبراير 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة الثانية"


لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير
"الحلقة الثانية"


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
في تسجيل مرئي للسيد منير الخباز دعا جميع المؤمنين لمعرفة الله سبحانه وتعالى عن طريق معرفة النفس مستشهداً بالحديث النبوي الشريف (من عرف نفسه فقد عرف ربه)! مدّعياً أنّ من عرف حقيقة نفسه عرف حقيقة ربه!
ثم قسّم  أهداف معرفة النفس عند الطوائف والأديان إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: هم الذين يسعون لمعرفة النفس لتحقيق أمور خارقة للعادة كالهندوس.
القسم الثاني: هم الذين يسعون لمعرفة النفس لأجل معرفة النفس فقط كالصوفية.
القسم الثالث: هم الذين يسعون لمعرفة حقيقة الله عن طريق معرفة حقيقة النفس، فمعرفة النفس عندهم هي جسر يوصلهم لمعرفة حقيقة الله سبحانه وتعالى! وهذا الطريق الأخير -طريق العرفاء- اعتبرهُ السيد منير هو الطريق الصحيح!
وما يهمنا ونريد التعليق عليه هو ما اعتبره طريقاً صحيحاً لمعرفة حقيقة النفس التي توصل الإنسان إلى معرفة حقيقة الله على حد قوله!
وسنبين أن ما ذكره بخصوص المتصوّفة غير صحيح فهم أيضاً دوافعهم هي ذات دوافع القسم الثالث، وما هذا الفصل والتمييز سوى فذلكة ومحاولة لتبرئة ساحة العرفاء من التجانس والتماهي مع الصوفية.
وهذا هو المقطع المرئي:
يقول السيد منير الخباز : أما مصطلح المعرفة لدى أهل العرفان: المقصود به عندما يقال المعرفة لدى أهل هذا العلم ولدى السالكين في هذا الطريق (العرفاء) فإن المقصود به هو التوصّل بانكشاف حقيقة النفس إلى انكشاف حقيقة الباري تبارك وتعالى وهو ما عبر عنه الحديث النبوي الوارد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله "من عرف نفسه فقد عرف ربه" ... أما الطائفة الثالثة وهي الطائفة الصحيحة: هي التي اشتغلت باكتشاف النفس لا لأجل اكتشاف النفس، بل لأجل أن يكون اكتشاف النفس طريقاً للوصول إلى الله، فاكتشاف النفس مجرّد طريق ملحوظ كما يقول العلماء على نحو الطريقية، لا على نحو الموضوعية، ما اكتشاف النفس إلا جسر يوصل إلى معرفة "حقيقة" الباري تبارك وتعالى. "من عرف نفسه فقد عرف ربه" وهؤلاء هم أهل العرفان الحقيقيون الذين اشتغلوا بتهذيب أنفسهم وإصلاحها واكتشاف كنهها وجوهرها سبيلاً إلى الوصول إلى الله تبارك وتعالى.
أقول: إنّ المتأمل في محاضرة السيد منير الخباز بعنوان (العرفان هو الطريق إلى الله) يجد أنها تلخيص وتهذيب لِما ذكره الطباطبائي (صاحب الميزان) من كلام مطوّل في تفسيره:6/169 حول معرفة الله عن طريق معرفة النفس، ولم يكلّف (السيد منير) نفسه عناء الاطلاع على معنى الحديث وتفسيره عند علمائنا الأبرار أتباع آل محمد عليهم السلام بل اكتفى بما يروجه أتباع ابن عربي من تأويل وليّ لعنق الروايات لكي تخدم عقيدتهم الباطلة !
والجواب على ما جاء في كلامه من عدة وجوه:
أولاً: أن الحديث (من عرف نفسه عرف ربه) لم يرد في الأصول المعتبرة، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن أمير المؤمنين عليه السلام، وأقوى ما يستدل به لتصحيحه أن بعض العلماء تلقاه بالقبول ولكنّ الفرق بينهم وبين العرفاء أنهم فهموه على نحو لا يتنافى مع الثابت من عقائدنا.
ثانياً: لو سلّمنا باعتباره فإنّ معناه أبعد ما يكون عما يريد العرفاء الترويج له، وغاية معناه أن الذي يعرف أنه مخلوق عاجز فقير مركّب ممكن يعرف أن له خالقاً مقتدراً غنياً بسيطاً واجباً، فالحديث على فرض اعتباره إنما هو ناظر إلى أنه كلما زاد الإنسان بصيرة في نفسه العاجزة الجاهلة الضعيفة كلما زاد بصيرة في إجلال الله تعالى بمعرفة صفاته وأنه قادر عالم قيوم مهيمن، فالنفس البشرية آية من آيات الله تعالى، بمعنى أنها دلالة تدل عليه، ولذا جاء في القرآن الحكيم: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فقوله تعالى: {وَفِي أَنفُسِهِمْ} يعني في جملة ما يعني أن هذه النفس البشرية تختزن دلالة على الله تعالى، من جهة كونها مصنوعة محتاجة إليه، فيعرف الإنسان الحق بذلك كما لو شاهد آية في الآفاق.
ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الصادق عليه السلام: «عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع وأربع دعائم وأربعة أركان، فطبائعه: الدم والمرة والريح والبلغم، ودعائمه الأربع: العقل، ومن العقل الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وأركانه: النور والنار والروح والماء» إلى آخر الحديث الشريف.
المصدر: علل الشرائع للصدوق ج1 ص108.
ويدل أيضاً على أن الإنسان كلما عرف نفسه بالإمكان والنقصان، عرف ربه بالوجوب والكمال، فهو يدعو إلى تركيز النظر على محدودية النفس ومحاسبتها ومكافحة العجب والغرور، ولا يدل على أن معرفة النفس طريق معرفة الله تعالى.

هذا هو معنى الحديث على فرض أنه معتبر وليس معناه أنه يؤسس لمنهج معرفي قائم على الكشف والشهود وأنه لا شاهد ولا مشهود! كما أنه لا يؤسس لمنهج سلوكي قائم على الفناء في الله كما يزعمون! وأن الإنسان يصل به إلى مقامات ودرجات كدرجات الأولياء والأنبياء صلوات الله عليهم! لأن الإنسان كما يدّعون موضع تجلي الله تعالى وخليفته في أرضه. وهم بذلك ينفخون في ذاتيته ويوهمونه أنه ولي كبير لله تعالى، أو إلهٌ صغير! وهذا نقيض معنى الحديث!
ثالثاً: أن معرفة الله تعالى لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق الأئمة المعصومين عليهم السلام: إنّ الله تعالى عندما أرسل نبيه صلى الله عليه وآله وأنزل عليه كتابه، فقد حدد طريق معرفته وعبادته بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله. وعندما بلغ النبي صلى الله عليه وآله أمته فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وأنهما لا يفترقان إلى يوم القيامة، فقد حدد طريق معرفة الله تعالى وعبادته بهما. فالقرآن هو الأصل وأئمة العترة عليهم السلام هم الشرح. والقرآن هو الدستور وهم المفسرون الشرعيون له القُوَّام على تطبيقه. وبذلك انتهى الأمر ولم يبق مجال للفذلكة والفلسفة!
ودليل آخر على أن أهل البيت عليهم السلام بهم يُعْرفُ الله تعالى وبهم يُعبد: أن معرفته وعبادته تحتاج إلى علم وتجسد عملي، ولن تجد العلم الصحيح بالله إلا عندهم، ولا التجسيد الصحيح لمعرفته تعالى وعبادته إلا فيهم.
وقد رأيت أن الذين تركوهم افتقروا من العلم فالتجئوا إلى الحاخام كعب الأحبار، فشبّهوا الله تعالى وجسّدوه، ولم يقفوا في انحدارهم حتى جعلوا ربهم شاباً أمرد وعبدوه! فأي فكر هذا، وأي معرفة لخالق الكون، وأي عبادة لرب العالمين؟!!
المصدر: معرفة الله، الشيخ علي الكوراني، ص101-102.
أقول: وهذا ما فعله العرفاء أيضاً حيث أنهم لجئوا لابن عربي وغيره من المتصوّفة وأخذوا عقيدتهم وحدة الموجود منهم!
رابعاً: بحثَ فقهاؤنا الحد الأدنى الواجب من معرفة الله تعالى، ولم يذكر أحد منهم أن من طرقه التأمل في النفس! بل نصَّت الأحاديث الصحيحة على أن المعرفة من صنع الله تعالى، ففي الكافي:1/163: (عن محمد بن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المعرفة من صُنْع من هي؟ قال: من صُنع الله ليس للعباد فيها صنع).
المصدر: نفسه، ص102.
خامساً: إن الذي حدث وسيحدث أنك تقدم لعوام الناس ومتعلميهم باسم الدين، دعوةً مبهمةً إلى معرفة الله تعالى عن طريق معرفة أنفسهم والتأمل فيها، وسرعان ما يجدوا فيها مشروعاً لتحقيق الذات وتضخيمها وادعاء صاحبها أنه بالاستغراق في نفسه سيملك طاقات عظيمة، ويبلغ مقامات خيالية! كما ترى في نماذجهم مع الأسف!
عندما أقول لرجل أو امرأة: إنك تستطيع أن تكون من أهل السلوك والعرفان، ولا يكلفك ذلك إلا أن تعرف نفسك وتتأمل فيها فتُفَجِّر بذلك طاقاتها العظيمة! فعليَّ أن أدرك إلى أين دفعت هذا الشخص!
إن حب الذات أقوى غرائز الإنسان، واعتقاده بحصول العرفان ومقاماته بدون تحديد الوسائل والأهداف، يجعله أمام خطر عبادة الذات وتعظيمها، فيتخيل أنه وصل إلى الله تعالى وصار صاحب أسرار إلهية! ويزين له الشيطان عالماً من نسج خياله، ويدفعه إلى الادعاءات الباطلة، أعاذنا الله وجميع المؤمنين.
أمَا كان الأحرى بدل ذلك أن توجهه إلى العمل، وترك المحرمات وأداء الواجبات، وأن يدقق في مكسبه ومأكله ومشربه هل هو حلالٌ زكيّ أم خبيثٌ رديّ؟ وفي سلوكه مع من هم تحت يده، هل هو لهم أبٌ رفيق، أو أخٌ شفيق، أم عليهم كالسبع الضاري ؟!
وفي عقائده بربه عز وجل ونبيه صلى الله عليه وآله وما أنزل الله عليه، وأئمته عليهم السلام وسيرتهم ومناقبهم.
وإيمانه بآخرته ويقينه بها، ومعايشته لعوالم عقيدته وأجوائها؟! ونظرته إلى الناس ورحمته لهم عامة، وحبه لمن كان له في رسول الله وآله صلى الله عليه وآله نصيب. وعمله لخدمتهم..الخ.
ومن جهة أخرى، تنطوي دعوة الناس لمعرفة الله عن طريق التأمل بالنفس على خطر أن تصير أداةً لتعذيب الذات وسوء ظن الإنسان بنفسه والناس، ثم تتحول حالة تعذيب الذات عند صاحبها أداة لقمع الآخرين وتعذيبهم باسم العرفان وتزكية النفس! وبإمكانك أن تجد في مدعي الاشتغال بالعرفان وتزكية النفس نماذج من القساة الذين يشتمون الناس في مواعظهم، وكأنهم يثأرون منهم! وفي كلتا الحالتين حالة تعظيم النفس وحالة تعذيبها، يتضمن هذا السلوك خطورة أن ينسى أصحابه أولوية تطبيق أحكام الشريعة! وينسى التعرف على طريقة أهل البيت عليهم السلام في معرفة الله تعالى.
سادساً: ما دامت معرفة النفس طريقاً إلى عبادة الله، وما دامت عبادته عز وجل غاية الخلق وطريق التكامل الوحيد، ولا تحصل إلا بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام؛ فالدعوة إلى تطبيق الشريعة مقدم رتبةً على التأمل في النفس، وكذلك الاقتداء بالنبي وآله صلى الله عليه وآله، فلابد في الدعوة إلى العرفان من دعوة المسلم إلى إطاعة الأحكام الشرعية حسب فتوى مرجع تقليده، وأن يتخذ من النبي وآله صلى الله عليه وعليهم قدوة وأئمة في المسلك والسلوك. ولذا أجاب أحد الفقهاء الكبار شخصاً سأله: ما هو العرفان وكيف يكون الإنسان عارفاً ؟ فقال: هذه الأحكام الشرعية التي تطبقها يومياً فتصلي وتصوم وتقوم بالواجبات وبعض المستحبات، وتترك المحرمات، هي العرفان، وأنت بسلوكك هذا تمارس المعرفة.
المصدر: نفسه، ص108.
سابعاً: إن خلاصة هذا الطريق هو الوصول إلى الاعتقاد بوحدة الموجود الباطلة عقلاً ونقلاً، فإذا كانت خلاصته توصل المرء إلى الكفر بالله تعالى باعتقاده وحدته مع الخالق فلا شك ببطلان هذا المسلك!
أضف إلى ذلك ما ذكره العلامة السيد عبد الله شبّر لمعنى هذا الحديث الشريف حيث يقول: وقد ذكر له المحققون معانٍ  انتهت إلى اثني عشر:
الأول: أنه لما كانت النفس محركة للبدن والروح محركة للجسد فيلزم من ذلك معرفة أن للعالم مدبراً، وللكون محركاً، فمعرفة النفس من جملة الأدلة الموصلة إلى معرفة الرب.
الثاني: أن من عرف كون نفسه واحدة، وأنها لو كانت متعددة لأمكن التعارض والممانعة والفساد في البدن، عرف أن الرب لو تعدد لكان ذلك كله كما قال تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
الثالث: من عرف أن النفس هي المحركة للجسد باختيارها وإرادتها، عرف أن الله هو المدّبر للعالم باختياره وإرادته.
الرابع: من عرف أنه لا يخفى على النفس أحوال الجسد علم أنه لا يعزب عن الباري مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء لامتناع علم المخلوق وجهل الخالق.
الخامس: من عرف أن النفس ليست إلى شيء من الجسد أقرب منها إلى شي آخر منه، علم أن نسبة الأشياء كلها إلى قدرة الله وعلمه على السواء.
السادس: من عرف أن النفس موجودة قبل البدن، باقية بعده، عرف أن ربه تعالى كان موجوداً قبل خلق المخلوقات وهو بعدها باق لم يزل ولا يزال.
السابع: من عرف أن نفسه لا يُعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف أن ربه كذلك بطريق أولى.
الثامن: من عرف أن نفسه لا يعرف لها مكان ولا أينية عرف أن ربه منزّه عن المكان والأينية.
التاسع: من عرف أن النفس لا تحس ولا تمس ولا تدرك بالحواس الظاهرة عرف أن الله كذلك.
العاشر: أن من عرف نفسه علم أنها أمارة بالسوء، فاشتغل بمجاهدتها وبعبادة ربه، ومن عبد الله وأطاعه كانت معرفته صحيحة، ومن عصاه فكأنه لم يعرفه لأنه إذا لم ينتفع فهو أسوأ حالاً ممن لا يعرفه فكأنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جهادها وعبد ربه، ومن عبده فقد عرفه حق المعرفة وحصل له ثمرة العلم.
الحادي عشر: من عرف نفسه بصفات النقص عرف ربه بصفات الكمال إذ النقص دال على الحدوث فيلزم ملازمة الكمال المقدّم.
الثاني عشر: أنه عليه السلام :علّق محالاً على محال، أي كما أنه لا يعرف حقيقة النفس ولا يمكن معرفة حقيقتها كذلك لا يمكن معرفة حقيقة الرب فيجب أن يوصف بما وصف به نفسه والله أعلم.
المصدر: مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار، السيد عبد الله شبّر، ج1 ص204-205.
تأمل أخي القارئ الكريم في كل هذه المعاني التي ذكرها علماء الطائفة الأبرار لهذا الحديث الشريف لكي تكتشف البون الشاسع بين معنى الحديث وبين ما يدعيه العرفاء!

- نواصل التعليق على ما جاء في كلام السيد منير الخبّاز:
يقول: المقصود به عندما يقال المعرفة لدى أهل هذا العلم ولدى السالكين في هذا الطريق (العرفاء) فإن المقصود به هو التوصّل بانكشاف حقيقة النفس إلى انكشاف "حقيقة" الباري تبارك وتعالى وهو ما عبر عنه الحديث النبوي الوارد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله "من عرف نفسه فقد عرف ربه"
ويقول أيضاً : هي التي اشتغلت باكتشاف النفس لا لأجل اكتشاف النفس بل لأجل أن يكون اكتشاف النفس طريقا للوصول إلى الله ... ما اكتشاف النفس إلا جسر يوصل إلى معرفة حقيقة الباري تبارك وتعالى... وهؤلاء هم أهل العرفان الحقيقيون!!
أقول : إن الله تبارك وتعالى لا تُعرف "حقيقته" وكل من ادّعى ذلك يكون كافراً، وإنما يُعرف الله بمعرفة أوليائه وموالاتهم، وبمعرفة أعدائه والبراءة منهم، وكذلك عرفان الله، وتلك حقيقة الإيمان. وهذا ما جاء عن المعصومين عليهم السلام .
روى الشيخ الصدوق: خرج الحسين بن علي عليهما السلام على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه. فقال له رجل: يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله ؟ قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.
المصدر: علل الشرائع / ج١ ص١٢ / باب٩
وقد نهوا صلوات الله عليهم عن مجرّد التفكّر في ذات الله تعالى فكيف بادعاء معرفة حقيقتها؟!
إنّ الإنسان عاجز عن معرفة الحقائق التفصيلية لبعض مخلوقات الله تعالى كالجن والملائكة فهو بهذا عن معرفة حقيقة الله أعجز.
إن كل ما ورد من صفات لذات الله تعالى هي فقط لمعرفة صفاته تعالى بما هي صفات، وليس حقيقته وحقيقة ذاته فذاك مستحيل وممتنع عن العقل.
إن الله سبحانه وتعالى يورد صفات الجنة ولكنك مهما اجتهدت في أن تدرك حقيقتها لن تصل! (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) فهذه الجنة فما بالك بخالقها!
إن ما يُذكر في القرآن الكريم من صفات الجنة هي أوصاف تطابق بالاسم فقط أوصاف جنان الدنيا وإلا فهي من حيث المصداق لا تعطيك تصوراً مطابقاً لحقيقة الجنة إطلاقاً.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: من تفكّر في ذات الله تزندق! وفي رواية أخرى: من تفكّر في ذات الله ألحد!
إن مجرّد التفكّر وهو يعني التأمل في ذات الله تعالى هو تزندق والمتأمل هو المتعمق!؟
سُئل علي بن الحسين (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون، فأنزل اللّه تعالى: {قُل هُوَ اللّهُ أحَد} أي: سورة التوحيد والآيات من سورة الحديد إلى قوله: {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}، فمَن رام وراء ذلك فقد هلك.
المصدر: الكافي الشريف، الكليني، ج1 ص91.
أجل إن التعمق في ذات الله تعالى زندقة، وإن من قرن تلك الآيات في سورة الحديد بغير الوحدانية هالك.
وقد تقدّم فيما ذكره العلامة السيد عبد الله شبّر "رحمه الله " من معنى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام علّق محالاً على محال، أي كما أنه لا يعرف حقيقة النفس ولا يمكن معرفة حقيقتها كذلك لا يمكن معرفة حقيقة الرب فيجب أن يوصف بما وصف به نفسه، وكذلك من عرف أن نفسه لا يُعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف أن ربه كذلك بطريق أولى.

أما قول السيد منير الخباز: الطائفة الأخرى: اشتغلت باكتشاف النفس من أجل اكتشاف النفس، فاكتشاف النفس عندها هدف تسعى إليه، كثيرون سمعوا أن اكتشاف النفس ومعرفة النفس شيء جميل فاتعبوا أنفسهم في اكتشاف النفس لأجل اكتشاف النفس، أصبح الهدف والغاية هو اكتشاف النفس، هؤلاء هم أهل التصوف، المتصوفة أيضا أشغلوا أوقاتهم وأنفسهم باكتشاف النفس ورياضتها لكن هدفهم من ذلك هو نفس العمل هو اكتشاف النفس وليس شيئا آخر.
أقول: إن ما ذكره بخصوص المتصوّفة غير صحيح فهم أيضاً دوافعهم هي ذات دوافع العرفاء، وما هذا الفصل والتمييز سوى فذلكة ومحاولة لتبرئة ساحة العرفاء من التجانس والتماهي مع الصوفية.
فهو يحاول بذكر المتصوّفة هنا على أنهم قسم من طلاب معرفة النفس لأجل النفس أن يميّز العرفاء المتلبسين بالتشيّع عنهم ويريد أن يقول أنهم مختلفون في الهدف بينما لو راجعَ الباحث كتب المتصوّفة سيجدهم يسعون لمعرفة حقيقة الله من خلال معرفة حقيقة النفس! ويستدلون بنفس الحديث على ذلك!
فهذا كبير المتصوّفة بل أكبرهم ابن عربي يقول في فصوص الحكم: معرفة الإنسان بنفسه مقدَّمة على معرفته بربه، فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه، لذلك قال عليه السلام (من عرف نفسه عرف ربه).
فصوص الحكم لابن عربي، ص 215.
ويقول أيضاً: الإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، و الملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي. فمن أراد أن يعرف النَّفَسَ الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه! أي العالم ظهر في نَفَسِ الرحمن الذي نفَّس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها. فامتنَّ على نفْسه بما أوجده في نَفَسِه!!
فصوص الحكم لابن عربي، ص145.
قد يقول قائل أن ابن عربي من عرفاء الشيعة وليس من المتصوّفة! وما ذكره يدل على ذلك.
أقول: أثبتنا فيما سبق بطلان هذا الادعاء وقد اعترف بعدم تشيعه كبار العرفاء كالخميني.
ينقل غلام علي رجائي عن آية الله الشيخ المحمدي الجيلاني أنه قال: سمعت من الإمام (الخميني) يوماً قوله إن المرحوم القاضي سعيد القمي هو في الشيعة نظير محيي الدين بن عربي عند أهل السنة!!
المصدر: قبسات من سيرة الامام الخميني في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية ص105.
ثم إن النصوص لا تقتصر على ابن عربي فحسب فهناك الكثير من المتصوّفة ذكروا هذا الحديث واستدلوا به على معرفة حقيقة الله عن طريق معرفة حقيقة النفس!
يقول القيصري (شارح الفصوص): (فالحق الله-محدود بكل حد) لأن كل ما هو محدود بحد مظهر من مظاهره، ولذلك ربط النبي صلى الله عليه وسلم، معرفة الحق بمعرفة النفس فقال: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)، ولكون النفس الإنسانية مشتملة على جميع المراتب الكونية والإلهية، والحق الله أيضاً مشتمل عليها بحسب ظهوراته فيها، وما يعرف العارف نفسه غالباً إلا مجملا كما لا يعلم مراتب ربه إلا مجملا، ربط النبي، صلى الله عليه وسلم، معرفة الرب بمعرفة النفس، قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق) وهو ما خرج عنك (وفي أنفسهم) وهو عينك (حتى يتبين لهم) أي، للناظرين لهم أنه الحق الله-من حيث إنك صورته وهو روحك). استشهاد بالكلام المجيد وتأكيد لهذه الرابطة. فإن إرائة الآيات في الآفاق، أي في الأكوان، ليست إلا ظهور الحق وتجلياته في حقائق الأكوان، وكل منها دال على مرتبة معينة وحقيقة خاصة إلهية، كما أن إرائة الآيات في الأنفس إنما هي ظهوره وتجلياته فيها بحسب مراتبها، والعالم كله مظهر الحق الله، فالنفس الإنسانية أيضا كذلك، فالعارف لنفسه عارف لربه.
المصدر: شرح فصوص الحكم، القيصري، ص505.
أقول: وهذا هو اعتقاد العرفاء المتلبسين بالتشيع حيث ينظرون للعالم على أنه جزء من الذات الإلهية!!
يقول العارف حيدر الآملي: فكل من كانت عين بصيرته مفتوحة لا ينكر ذلك القول، ويعرف بالحقيقة أن معية الحق تعالى إلى الموجودات، هي بعينها معية روحه مع أعضائه وجوارحه. وقد مر هذا الكلام مراراً في بيان قوله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم)، و قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (من عرف نفسه فقد عرف ربه).
جامع الأسرار، حيدر الآملي، ص: 308.
أقول: تبين من خلال النصوص السابقة بأنه لا خلاف بين المتصوّفة والعرفاء في الهدف! فالمتصوفة أيضاً يسعون لمعرفة حقيقة الله تعالى من خلال معرفة حقيقة النفس وليس الأمر كما يدّعي السيد منير الخباز من أنّ المتصوفة يريدون معرفة النفس لأجل النفس! وتبين أيضاً أنهم يعتقدون أن الأشياء هي الله سبحانه وتعالى فهذا القيصري يقول بأنّ الله محدود بكل حد (والعياذ بالله)! وحيدر الآملي يقول بأن معية الله مع الموجودات معية روح الإنسان مع جوارحه! تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

الخلاصة:
تبيّن من خلال ما تقدّم بطلان دعوى العرفاء بإمكانية معرفة حقيقة الله تعالى من خلال معرفة حقيقة النفس، لأن الله سبحانه وتعالى لا تُعرف حقيقته، وكل من يزعم معرفة حقيقة الله تعالى يكون زنديقاً، فالمقصود من معرفة الله هو معرفة الأئمة صلوات الله عليهم فمن خلالهم تعرف الله حق معرفته بالوحدانية. فلا تعتقد بالعقيدة الباطلة التي يروّج لها العرفاء كوحدة الموجود الباطلة عقلاً ونقلاً!
أما حديث (من عرف نفسه عرف ربه)  فقد تبيّن معناه وهو أبعد ما يكون عما يريد العرفاء الترويج له، فالحديث على فرض اعتباره إنما هو ناظر إلى أنه كلما زاد الإنسان بصيرة في نفسه العاجزة الجاهلة الضعيفة كلما زاد بصيرة في إجلال الله تعالى بمعرفة صفاته وأنه قادر عالم قيوم مهيمن، فالنفس البشرية آية من آيات الله تعالى، بمعنى أنها دلالة تدل على أنّ لها خالقا أبدعها، فالحديث يدعو إلى تركيز النظر على محدودية النفس ومحاسبتها ومكافحة العجب والغرور، ولا يدل على أن معرفة النفس طريق معرفة حقيقة الله، لأن الله سبحانه وتعالى لا تُعرف حقيقته ولا يدرك كنه ذاته بل حتى النفس وهي من مخلوقاته سبحانه وتعالى لا يُعرف كنهها ولا حقيقتها، فالله سبحانه وتعالى كذلك بطريق أولى.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
8/ربيع الآخر/1436هـ
ذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها
طالب علم