السبت، 17 فبراير 2018

أينَ كانَ الإمامُ الخامنئيُّ سنةَ 1965م؟


*أينَ كانَ الإمامُ الخامنئيُّ سنةَ 1965م؟*

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمَّدٍ وآله الطاهرين, واللعنة على أعدائهم أجمعين, من الأولين والآخرين, إلى قيام يوم الدِّين.
أعجُوبةٌ من أعاجيب هذا العصر, ونادرةٌ من نوادر الدّهر, رجلٌ أسطوريٌّ أوحدِيٌّ خارِقٌ للعادة, يطوِي الأرض طيّاً لآلاف الأميال, وما حدث في سيرته يفوق الخيال! لا أُحدِّثكُم عن أسطورةِ خرافيّة ولا عن قصةٍ من القصص الخيالية بل هذا ما لمستُه من  خلال قراءتي, لسيرةِ الإمام الخامنئي.
فقد وجدتُ في سيرة هذا الرجل العجيب مُعجِزةً مِن المعاجز وخارقةً من الخوارق, لم تحدث قطٌّ في سيرة أحد من الشخصيات الغابرة ولا أعتقد أنْ تتّفِقَ لِغيْرِهِ أبداً! وإلا كيف لِبشرٍ اعتِياديٍّ أنْ يكُونَ في أكثر من مكانٍ في الدُّنيا وفي نفسِ الوقت والتاريخِ إلا أنْ تُطوى له الأرضِ وتخضعَ له الأماكن!
وقعت هذه المعجزة في ستِّينيات القرنِ الماضي حيث كان الإمام الخامنئي في النجف الأشرف وفي قُمَّ المُقدّسة وفي مشهد وفي طهران ومناطق أخرى من العالم في آنٍ واحد وفي نفس الوقت والتاريخ! وهذا إنْ دلّ على شيء فهو يدلُّ على أنّ هذا الرجل عنده الاسمُ الأعظم وإلا كيف نُفسِّر تواجُده في كل هذه الأماكن ؟!
جاء في كتاب تاريخ الإمام الخميني على لسان الإمام الخامنئي نفسه يقول: (في ربيع عام 1344هـ ش (1965) علمتُ أنّ الإمام –الخميني- قدس سره قد سافر من منفاه في تركيا إلى العراق ... فبادرت وبسرعة للالتحاق به...ثمّ ذهبنا إلى النجف... والمُلفِت للأمر أنّ الإمام عليه الرحمة بادر ومن اليوم الثاني لوصوله النجف إلى الشروع في التدريس والبحث وكان محور بحثه في كتاب البيع والخيارات مما يكشف عن الاهتمام البالغ الذي يوليه الإمام قدس سره للجانب العلمي. وقد استمر هذا البحث اثنا عشر عاماً وبعدها بحث الإمام في الخلل في الصلاة لمدة سنتين. وقد اشتركت في هذين الدرسين طول أربعة عشر عاماً لِما وجدت فيه من النكات الجديدة والابداعات المبتكرة التي لم أجدها في دروس أخرى).
المصدر: تاريخ الإمام الخميني من كلام السيد الخامنئي,اعداد علي عاشور,ج1 ص65.

كما تُلاحظ أخي القارئ ما قاله الإمام الخامنئي حول دراسته على يد الإمام الخميني في النجف الأشرف سنة 1965 لمدة 14 سنة, وهذا يعني أنه مكث في النجف إلى سنة 1979م!
ورغم أن الإمام الخميني نُفِي إلى فرنسا سنة 1978م إلا أن ذلك لا يمنع أن تطوى الأرض للإمام الخامنئي فيذهب ليكمل دراسة آخر سنة هناك!
وقد حصل ذلك أيضاً حينما حضر الإمام  الخامنئي درس آية الله الشيخ مرتضى الحائري في قم المقدسة في نفس الوقت الذي كان يدرس عند الإمام الخميني في النجف الأشرف!
جاء في كتاب مختصر شمس الولاية: *(وقد حصل سماحته –أي الخامنئي- على رتبة الاجتهاد على يد استاذه آية الله العظمى الحائري عام 1974م بعد حضور البحث الخارج أكثر من خمسة عشر عاماً)*!
المصدر: مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص44.
أي من سنة 1958م حتى سنة 1974م, ومن المعروف أن الشيخ مرتضى الحائري لم يخرج من قم المقدسة طيلة هذه الفترة!
المصدر: ورثة الأنبياء, محمد أمين نجف,ص508.
والعجيب أن الفترة ما بين سنة (1958م ) إلى (1961م) كان الإمام الخامنئي في النجف أيضاً! فقد جاء: *(إن لهفة التعرف على الحوزات العلمية لعالم التشيع والتكيف مع أساليب وطرق التدريس في المراكز العلمية الإسلامية، كانت قد دفعت السيد -أي الخامنئي- ذي الثماني عشرة سنة أن يشد الرحال عام 1958م إلى مدينة النجف الأشرف ليقيم فيها سنتين ونصف ويحضر دروس جهابذة العلم هناك.. وقد حضر أبان إقامته في النجف دروس الآيات العظام من قبيل: السيد الحكيم والخوئي والشاهرودي والميرزا باقر الزنجاني والمرحوم الميرزا حسن اليزدي والسيد يحيى اليزدي... وكذا درس الميرزا حسن البجنوردي في جامع الطوسي)*!
المصدر: الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص31.
بينما قال الإمام الخامنئي في إحدى خطبه: *(وتوجهت في عام 1337 هـ. ش (1958م) إلى قم بإذن من والدي, وبقيت هناك حتى عام 1964م)*!
المصدر: سماحة الإمام آية الله علي الخامنئي جهاده وفكره, عبد الله النبالي, المقدمة.
والأعجب من ذلك أن الإمام الخامنئي كان يتنقل بين البلدين للدراسة وفي نفس التوقيت بدون علم الاستخبارات الإيرانية في عهد الشاه!
جاء في كتاب مختصر شمس الولاية: *(يذكر أن السافاك لم يسمح لسماحته – أي الخامنئي- بالخروج من البلاد لمدة عشر سنوات من عام 1965م)*!
المصدر: مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص70.
فرغم منع السفر عن الإمام الخامنئي إلى العراق إلا أنه كان يحضر درس الإمام الخميني في النجف الأشرف كل يوم لمدة 14 سنة وفي الوقت ذاته يحضر درس آية الله الشيخ الحائري في قم المقدسة لأكثر من 15 سنة!
ولم يكتفِ الإمام الخامنئي بالدراسة في النجف الأشرف وقم المقدسة بل درس ودرّس في مدينة مشهد وفي نفس التوقيت أيضاً!
يقول الإمام الخامنئي: *(في مشهد أيضاً ومنذ عام 1964م - بالإضافة إلى دراستي- كنت أقوم بالتدريس أيضاً وكنت أحضر درس الفقه حتى عام 1970م)*!
المصدر: مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص40.
وقال في رواية أخرى: *(وبعد عودتي من قم إلى مشهد عام 1964م  كان التدريس أحد برامجي الرئيسية والدائمة, وطول هذه السنوات حتى عام 1977م قمت بتدريس السطوح العليا (المكاسب والكفاية), التفسير والعقائد)*.
المصدر:مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص39.
وهذا يعني أن الإمام الخامنئي قد درس في ثلاث حواضر علمية في نفس الوقت والتاريخ!
ورغم اشتغاله بطلب العلم وتنقلاته اليومية بين النجف وقم ومشهد إلا أنه لم يهمل والده العزيز حينما أصيب بمرض وفقد عينيه!
جاء في كتاب الإمام الخامنئي السيرة والمسيرة: *(فقد كان-أي الإمام الخامنئي-  باراً بوالديه، إذ أصيب والده في أواخر عمره عند بلوغه السبعين بنزول ماء العين الذي يسبب كف البصر، وكان السيد-أي الخامنئي- لا يزال في قم، وعلم أنه محتاج إلى متابعة وضعه لدى الأطباء فكان يتوجه إلى مشهد لعرضه على الأطباء ثم يعود إلى قم إلى أن اضطر في العام 1965 إلى نقله إلى طهران على أمل أن يتمكن الأطباء من معالجته بعد أن عجز أطباء مشهد، خاصة وأنه لم يعد قادراً على الرؤية. إلا أن الأطباء لم يطمئنوه على حالته لكن بعد أن كانت كلتا العينين مصابتين أمكن علاج إحداهما بعد سنوات قليلة)*.
المصدر: الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص48-49.
فكما تلاحظ أخي القارئ أن الإمام الخامنئي رغم انشغاله بحضور درس الإمام الخميني في النجف الأشرف وحضور درس آية الله الحائري في قم المقدسة وحضور دروس العلماء في مشهد إلا أنّ ذلك لم يمنعه من متابعة حالة والده في مستشفيات مشهد وطهران لعدة سنوات!
وكان الإمام الخامنئي يتظاهر بأنّه يدرس في قم فقط ولم يُخبر أحداً بخوارقه الغيبية  لذلك جاء في نفس المصدر: *(وبعد أن بلغ السيد –الخامنئي- من العمر 25 سنة في عام 1965م  ورغم إصرار بعض الأساتذة والأصدقاء عليه بالبقاء في قُم وما ينتظِرُهُ فيها من مستقبلٍ زاهر، قرر وبسبب توعُّكِ صحّة والده أن يعود لمدينة مشهد المقدسة)*!
المصدر: الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص48.
وهذا كله في جانب الدراسة الحوزوية, أما في جانب الجهاد فقد جاء في كتاب مختصر شمس الولاية: *(عقد سماحة الإمام الخامنئي مع عدد من العلماء المجاهدين السائرين على خط الإمام (ره) ... جلسة في قم ناقشوا خلالها قضية تشكيل خلايا سرية منظمة... ولكن سنة (1965م) كُشِفت هذه الخلايا وذلك بعد اعتقال آية الله الآذري القمي لسبب آخر, فعثر السافاك على الميثاق في منزله, وتمّ تعذيبه, واعتُقِل البعض وفرّ الآخرون ومنهم الإمام الخامنئي والشيخ الهاشمي الرفسنجاني وآية الله مصباح إلى طهران, واختفى الإمام الخامنئي عن عيون السافاك لمدة سنة تقريباً, حيث بقي مع الشيخ الهاشمي في بيت واحد. وكان قد فرّ من مشهد من قبل, بسبب ترجمته لكتاب (المُستقبل لهذا الدين) وذلك لما تضمّنه هذا الكتاب وبالخصوص المقدمة والحواشي التي أقلقت السافاك وأغضبته كثيراً, فصُودِر الكتاب واعتُقِل اثنان من مسؤولي المطبعة)*.
المصدر: مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص57.
فكما تلاحظ أخي القارئ نتوه في دوّامة المعاجز والخوارق التي حفلت بها سيرة الإمام الخامنئي وبالخصوص في سنة 1965 م التي حضر فيها درس الإمام الخميني في النجف وحضر درس آية الله الحائري في قم وحضر دروس العلماء في مشهد! وكان رغم ذلك يعتني بوالده المريض في مستشفيات طهران!
وهنا أيضاً يختفي عن عيون السافاك في منزل في طهران مع الشيخ الهاشمي الرفسنجاني لمدة سنة تقريبا! وأضف إلى ذلك ما لاقاه الإمام الخامنئي من سجون الشاه فقد جاء: *(وقضى – الخامنئي- ثلاث سنوات من عمره ما بين الأعوام (1963- 1978) في سجون الشاه وقريب عام في المنفى)*!
المصدر:مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص46.
وجاء في كتاب السيرة والمسيرة: *(ثم تواصل عطاء السيد- أي الخامنئي- الجهادي ومدُّه العلمي طيلة السنوات الممتدة ما بين 65 إلى 71م، رغم كثرة الاعتقالات والسجن وتعطيل الدروس التي كان يُلقِيها)*!
المصدر: الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص52.
وطبعاً تعطيل دروسه في مدينة مشهد فقط -وقت الاعتقال- لكي لا يلاحظ التلاميذ قدرته الخارقة وإلا فهو يحضر درس الإمام الخميني في النجف الأشرف وآية الله الحائري في قم المقدسة بصفة مستمرة!
وفي نفس الوقت الذي كان فيه يدرس ويُدرِّس ويجاهد ويختفي ويُسجن كان أيضاً يحارب العلماء الفاسدين ويفضحهم!
فقد جاء في كتاب شعاع من الشمس: *(كان القائد المعظم- أي الخامنئي- يسعى لفضح الخائنين للإسلام, وكان سماحته يرى أنّ هذه الحركة واجبة, ولم يكن يخاف في هذا العمل من أيِّ قُوّة. في أواخر شهر صفر سنة 1343 هـ ش (1965م) كان المعظم يخطب في مسجد (كلشن كركان), وتكلّم عن خيانة العلماء, وقال: علماء الأمة أنبياء, ما لم يدخلوا في الدنيا؛ ولكن عندما يتعلقون بالدنيا, فيجب أن نبتعد عنهم. ثم ذكر أسماء عدد من العلماء كمثال, وفضحهم أمام الناس)*!
المصدر: شعاع من الشمس, علي شيرازي, ص144.
ومدينة جرجان أو كركان (بالفارسية:گرگان) إحدى المدن الشهيرة في إيران, وتقع في شمالي إيران حالياً وكانت جرجان مركز منطقة استرآباد.
في هذا المدينة خطب الإمام الخامنئي -لأكثر من مرة لأن قوله: *(كان المعظم...)* تفيد الاستمرار- وفضح العلماء المنحرفين في نفس السنة أيضاً! أي سنة 1965م!

الخلاصة:
حاولتُ جاهداً أنْ أُعالج التناقضات في سيرة الخامنئي العلمية والجهادية لكن بلا جدوى, فلم تنفع حتى المعاجز والخوارق في حلِّ هذه العويصة, وما ذكرتُه في هذا المقال لا يُشكِّل حتى ما مقداره عشرة بالمئة من حجم التناقضات!
والسبب في ذلك هو أنّ الخامنئي يفتقر للتراثين العلمي والعملي الواقعيين في دعم ادِّعاءه للاجتهاد والمرجعية، ولذلك سعى لإثبات دعواه الوهميّة تلك عبر جيش من القصّاصين وفقهاء البلاط فاختلقوا ما شاء الله من القصص الخياليّة المتضاربة لدعم مرجعيّته المزعومة, وهذا ما أوقعهم في تناقضات كثيرة!
وحتى الخامنئي نفسه قد وقع في تناقضات لا يمكن الجمع بينها بأي حال من الأحوال حيث ذكر دراسته في النجف الأشرف سنة 1965م لمدة 14 سنة عند الخميني! وذكر دراسته وتدريسه في مشهد من سنة 1964م إلى عام 1977م! وفي سنة 1965م  أيضاً ذهب إلى طهران لعلاج والده في مستشفياتها وقد استمر العلاج لعدة سنوات! كما أنه اختفى مع الرفسنجاني في طهران لمدة سنة  في عام (1965م) لمطاردة المخابرات لهما!
ومن طرائف تناقضات خامنئي أنه قال كما في كتاب تاريخ الخميني: (في ربيع عام 1344هـ ش (1965) علمتُ أنّ الإمام –الخميني- قدس سره قد سافر من منفاه في تركيا إلى العراق ... فبادرت وبسرعة للالتحاق به...ثمّ ذهبنا إلى النجف... وكان محور بحثه في كتاب البيع والخيارات... وبعدها بحث الإمام في الخلل في الصلاة لمدة سنتين, وقد اشتركت في هذين الدرسين طول أربعة عشر عاماً).
المصدر: تاريخ الإمام الخميني, ج1 ص65.
فهو هنا يتحدث عن كونه مع الخميني في فترة منفاه إلى العراق وقد درس عنده لمدة 14 سنة! بينما قال في مذكراته: (إحدى ذكرياتي الطريفة تتعلّق بيوم رجوع الإمام إلى طهران أي في الثاني عشر من شهر بهمن لسنة 1979. عندما رجع الإمام إلى طهران ذهب إلى مقبرة جنّة الزهراء وخطب في الناس هناك... كنت مشتاقاً لرؤيته كثيراً ـ لأنني كنت لم أره لمدة خمسة عشر سنة كان فيها في المنفى)!
المصدر: العنبر المنثور,الخامنئي,ص161-162.
فكيف نجمع بين دراسة الخامنئي عند الخميني في منفاه 14 سنة وبين قوله أنّه لم يرهُ منذ 15 سنة حينما كان في المنفى؟!!

إن هذه النصوص المتضاربة المضطربة تدعو الفرد المؤمن للتأمُّلِ وإعادة النظر والبحث في هذه الشخصية, فإنّ المؤمن الحقَّ والمواليَ الصّادق يجب أن يكون كيِّساً فطِناً لا ينخدع بالوهم الإعلامي الذي صوَّر الخامنئي للعالم على أنّه من أكابر المراجع والفقهاء!
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
ذكرى استشهاد الزهراء عليها السلام
طالب علم









الرد المتين على مُنّكــر زيارة الأربعــين

الرد المتين

على مُنّكــر زيارة الأربعــين 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.

حرص أهل البيت عليهم السلام على زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كل الأوقات والمناسبات ، كما خصصوا بعض الزيارات بالفضل كزيارة عاشوراء والنصف من شعبان وزيارة الأربعين وغيرها.

فزيارة الأربعين تُعتبر من علامات المؤمن حيث روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتختم في اليمين وتعفير الجبين) ، فإن تأبين سيد الشهداء وعقد المآتم لذكره في هذا اليوم إنما يكون ممن يمت به بالولاء والمشايعة ، فمن علامة إيمانهم وولائهم لسيد شباب أهل الجنة المنّحور في سبيل الدعوة الإلهية المثول في يوم الأربعين من شهادته عند قبره الأطهر لإقامة المأتم ، وتجديد العهد بما جرى عليه وعلى أهل بيته وصحبه من الفوادح.

ولكن المحاربين للشعائر الحسينية لا يروق لهم ذلك ولهذا سعوا جاهدين للتشكيك في زيارة الأربعين بل إنكارها من رأس ، ومن هؤلاء مرتضى المطهري في كتابه الملحمة الحسينية!
فيقول في هذا الكتاب: (النموذج الآخر للتحريف هو يوم الأربعين "أربعين الحسين" عندما يحين موعد الأربعين نسمع جميعاً بالتعزية الخاصة بيوم الأربعين والناس جميعاً يعتقدون بأن الأسرى من آل بيت الرسول قد ذهبوا اليوم من الشام إلى كربلاء والتقوا هناك بجابر، كما التقاه الإمام زين العابدين (ع). في حين أن المؤلف الوحيد الذي يذكر هذا الموضوع هو السيد ابن طاوس (كذا) في كتابه اللهوف على الطفوف (كذا) لكنه هو نفسه كذّب ذلك أو على الأقل لم يؤيده في مؤلفاته الأخرى. وهذه القصة لا تذكرها الكتب المعتبرة إطلاقاً ، كما أنه ليس هناك أي دليل عقلي على حصولها. ولكن هل من الممكن إقناع الناس بعدم حصول مثل هذه الواقعة التي يسمعونها كل عام على المنابر وفي المجالس والتعازي الحسينية؟!).


ويتابع المطهري قائلاً: (إن أول زائر لقبر الإمام الحسين (ع) هو جابر ، ومراسم الأربعين ليست سوى الزيارة المعروفة التي قرأها جابر على قبر الإمام. لا يوجد شيء اسمه تجديد عزاء أهل البيت ولا قدوم الأسرى من آل النبي إلى كربلاء. إن الطريق من الشام إلى المدينةلا يمر عبر كربلاء أبداً فالطريق إلى المدينة يفترق عن الطريق إلى كربلاء من الشام نفسها). (الملحمة الحسينية ، ج1 ص22)


وقال في موضع آخر: (قصة عبور الأسرى من أرض كربلاء وهم عائدون من الشام إلى المدينة ، وهو ما تفرد به كتاب اللهوف لابن طاووس ولم ينقلها بعده أحد سوى “ابن نما” في كتابه “مثير الأحزان”. وقد تم تأليف هذا الكتاب بعد وفاة السيد ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً). (الملحمة الحسينية ، ج3 ص246)


الجواب:
يحاول المُطهّري جاهداً إنكار زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام بهذه السخافات ، فيقول بأن أول من ذكر قصة الأربعين وتفرّد بها هو السيد ابن طاووس وأنه كذّبها في كتبه الأخرى! كما أنه يقول ليس هناك أي دليل عقلي على حصولها ، وإن الطريق من الشام إلى المدينة لا يمر عبر كربلاء!

فنقول في الجواب:
هل تحتاج الحوادث التاريخية إلى الأدلة العقلية لإثبات وقوعها؟ ثم لماذا هذه الفدلكة والفلّسفة بقوله: (إن الطريق من الشام إلى المدينة لا يمر عبر كربلاء) فما المانع العقلي من ذهابهم إلى كربلاء ثم إلى المدينة؟!

إنّ عدم وجدان أحداث الأربعين في كتب ابن طاووس الأخرى غير كتاب اللهوف لا يدل على انكاره لهذه الواقعة، وعدم وجودها في كتب أخرى غير كتاب ابن طاووس لا يدلّ على عدم الوجود، فلعلّ السيد ابن طاووس قد نقل ذلك عن كتب لم تصل إلينا ، ثم إنّ شأن السيد ابن طاووس أجلّ من أن يُتّهم باختراع الأكاذيب.

وقد أشار الشريف المرتضى-المتوفى سنة 436هـ- إلى الروايات الواردة في هذا الشأن حين أجاب على سؤال عن صحة نقل الرأس الشريف إلى الشام فقال: (هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف وأطبقوا عليه. وقد رووا أيضاً أن الرأس أعيد بعد حمله إلى هناك ودفن مع الجسد بالطف). (موسوعة الشريف المرتضى ، ج15 ص130).

ومن المعروف أن الأسرى لم يبقوا في الشام إلى السنة الثانية بل عادوا في نفس السنة ، ووصلوا كربلاء يوم الأربعين وسنعرض المصادر التي ذكرت ذلك.

وأما قوله: أن السيد ابن طاووس كذّب القضية أو لم يؤيدها.
أقول: هذا تدليس فإنّ السيد -في كتاب الاقبال- لم ينكر القضية أو يكذبها إنما هو مجرّد استبعاد وصولهم إلى كربلاء في نفس اليوم ، واستبعاده كان ناتجاً عن وجود روايات متعارضة في وقت مكوثهم في الشام حيث وردت رواية تقول بأنهم أقاموا في الشام شهراً ، فعلى هذا القول استبعد وصولهم في العشرين من صفر وقال باحتمال وصولهم بعده ، وبمعرفة أنّ هذه الرواية شاذة يرتفع هذا الاستبعاد.

ثم لا يعني استبعاده هذا انكار زيارة الأربعين أو رفض التعزية الخاصة في ذلك اليوم كما هو حال مطهّري الذي يقول: (النموذج الآخر للتحريف هو يوم الأربعين -أربعين الحسين- عندما يحين موعد الأربعين نسمع جميعاً بالتعزية الخاصة بيوم الأربعين) ويقول أيضاً: (لا يوجد شيء اسمه تجديد عزاء أهل البيت ولا قدوم الأسرى من آل النبي إلى كربلاء).

فإن في تصريحه هذا إنكار للتعزية الخاصة يوم الأربعين وتجديد الحزن فيه بل إنكار لأصل الزيارة واعتبارها من التحريف!

ذكر أهل التحقيق أن الرأس الشريف دخل دمشق مع الأسرى في اليوم الأول من شهر صفر كما ذكر ذلك البيرونيّ–المتوفى سنة 440هـ وهو-أي البيروني- يمتاز بالدّقة في نقل الروايات التاريخيّة، إضافة إلى ذلك فإنّ رواية القزوينيّ والكفعميّ تؤيّده.

وأما مكوثهم في الشام فقد قال بعضهم ثلاثة أيام كمحمّد بن جرير الطبريّ والخوارزميّ -نقلا ً عن أبي مخنف- وابن عساكر وسبط ابن الجوزيّ وابن كثير.
والبعض الآخر قال بأنهم مكثوا سبعة أيام كعماد الدين الطبري- المتوفى سنة 701هـ- والعلامة المجلسي ، وأما بقية الأقوال فهي شاذة.

وعلى كلا القولين توجد مدة زمنية كافية لوصولهم إلى كربلاء ، ولو سلّمنا بأن المدة لا تكفي، فإن في الإعجاز الغيبي سعة من الحال، فإن طويت الأرض لإمام الوقت وحجة الزمان وهو الإمام زين العابدين عليه السلام كي يواري جسد والده الأطهر، فلا يستبعد تصرفه في موكب حرم أبيه بعد خروجهم من أسر الذل.


أما قول مطهري: (ولم ينقلها –أي أحداث الأربعين- بعده –أي بعد ابن طاووس- أحد سوى ابن نما في كتابه مثير الأحزان ، وقد تم تأليف هذا الكتاب بعد وفاة السيد ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً).
أقول: إن ابن نما هو الذي توفيَّ قبل ابن طاووس بتسعة عشر عاماً ، لأن وفاته كانت سنة 645هـ بينما توفي ابن طاووس سنة 664 هـ.

ومن المعروف أن اللاحق يأخذ عن السابق وليس العكس ، ولا يبعد اشتباه المطهري لقلة تتبعه في أحوال علماء الطائفة في أي ابن نما هو ، وإن كان صاحب “مثير الأحزان” معروفاً ، فإن أبناء نما سلسلة علماء من القرن الخامس إلى القرن التاسع للهجرة ، فلعله وقع في وهمه أحد أبناء نما المتأخرين عن زمان ابن طاووس فتوهم أنه صاحب مثير الأحزان.

وعلى كل حال فإن تقدّم ابن نما على ابن طاووس يرد ادعاء مطهري في قوله: “أن المؤلف الوحيد الذي ذكر هذه الأحداث وتفرّد بها هو ابن طاووس” فتقدمه عليه وذكره لأحداث الأربعين دليلٌ على وجودها قبل ابن طاووس. فتأمل.


أما قوله: (قصة عبور الأسرى من أرض كربلاء وهم عائدون من الشام إلى المدينة ، وهو ما تفرّد به كتاب اللهوف لابن طاووس) .
أقول: وهذا من الجهل أيضاً ، فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى –المتوفى سنة 381 هـ- بسنده عن فاطمة بنت علي صلوات الله وسلامه عليهما نصاً يقول: (ثمّ إنّ يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السّلام فحُبسنَ مع علي بن الحسين في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشرت وجوههم … إلى أن تقول : إلى أن خرج علي بن الحسين عليه السّلام بالنسوة، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء) . (الأمالي ،ص142).

وذكر هذا الخبر أيضاً الفتَّال النيسابوري –المتوفى سنة 508- في كتابه. (روضة الواعظين ، ص212).
فكما تلاحظ أخي القارئ أن الشيخ الصدوق والفتّال النيسابوري رحمهما الله قد ذكرا رجوع الإمام زين العابدين إلى كربلاء وهما متقدمان على ابن طاووس بسنوات طويلة.
وأما وصول الإمام زين العابدين عليه السلام مع النسوة يوم العشرين من صفر فقد صرّح البيروني ـ المتوفّى سنة 440 هـ ـ أنّ الرأس رُدّ في العشرين من صفر فقال: (وفي العشرين –أي من شهر صفر- ردَّ رأس الحسين إلى جُثته وفيه زيارة الأربعين وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام). (الآثار الباقية ، ص331)

وقد ألف البيروني كتابه هذا في سنة 390 هـ كما ذكر صاحب الذريعة.
وقال القزويني -المتوفّى سنة 682 هـ-: (صفر –أي شهر صفر- اليوم الأوّل منه عيد بني أمية أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق ، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضي الله عنه إلى جثته). (عجائب المخلوقات ، القزويني ، ص68)

بل صرّح القرطبي- المتوفى سنة 671 هـ- بأنّ هذا هو قول الإمامية فقال: (واختلف الناس في موضع الرأس المكرّم وأين حمل من البلاد…) وقد ذكر أقوالاً…إلى أن قال: (والإمامية تقول: أن الرأس أعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل ، وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين). (التذكرة للقرطبي ، ص1122 ، مختصر تذكرة القرطبي ، ص124)

وقول القرطبي هذا يدل على الشهرة بحيث حصل اليقين حتى عند المخالف في ذلك الوقت أن هذا هو قول الإمامية.
والقزويني والقرطبي معاصران لابن طاووس وأضف إليهما ابن نما المتوفى قبل ابن طاووس بـ(19) سنة، وكذلك البيروني المتقدّم على ابن طاووس بأكثر من 200 سنة ، وقد صرّح كل هؤلاء بأن الرأس رجع في العشرين من صفر وهو يوم الأربعين ، كما أن الشيخ الصدوق وغيره ذكروا خبر رجوع الإمام زين العابدين عليه السلام مع النسوة إلى كربلاء لرد الرأس الشريف.

فكيف بعد كل هذا يدّعي المُطهّري: أنّ أوّل مَنْ تحدّث عن أحداث الأربعين وتفرّد بها هو السيد ابن طاووس؟!


طالب علم

٢٠ / صفر / ١٤٣٨ هـ