الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

علي صالح في مسعىً طالح


أروع وأجمل ما ذكره هذا الدجال الحسود هو أنّ مصطلحات الوعي العقائدي عند الشيعة (بتري -بكري) آخذة بالرواج والانتشار بشهادته، فالحمد لله رب العالمين، وهذه واحدة من إنجازات الشيخ الحبيب الحصرية والتي لم يسبقه إليها أحد وقد أنطقك الله تعالى بهذه الفضيلة والسابقة حين أردت أن تذم فمدحت وأن تفضح فافتضحت..
🔹 لا فائدة من فلسفتنا واقتصادنا والبنك الربوي والنووي طالما لا تزال أمراض الفقر والجهل والبطالة والفساد تفتك ببلدان الأكثرية الشيعية كالعراق وإيران!
🔹لو أردنا أن نتباهى بأطروحات السيد الشيرازي (أعلى الله مقامه) التي لا يُعدّ من ذكرتهم قد قدموا شيئاً في مقابلها لما وسعنا المقام!
كتاب "الاقتصاد" للسيد الشيرازي (قدس سره) يجمع كل ما ذكره ذلك الملِق ويربو عليه ناهيكَ عن كتاب "الصياغة الجديدة".
وأما التقدم في الحقل النووي فليس شيئًا مقابل التخلف في بناء الإنسان في جمهورية وحدة الوجود الخامنئية.
إنّ تعاسة شعوب تلك البلدان رغم كل ما دندنَ به من زخرف وبهرج يشير إلى أنّ هناك خللاً حقيقياً وهذا الخلل مردّه إلى الأصول.. البناء الحقيقي يبدأ من الدين.
الله تعالى ينزل نصره وبركاته علينا ويحل الأمن والرفاه والتقدم حينما نصحح عقائد الناس لننطلق بهم نحو القمة على كل الأصعدة.
🔹إسقاط شخصية امرأة كذبت على نبينا وشوهت صورته الوضاءة المشرقة هو مهمة لا قيمة لها عند أمثالك ممن لا ينظر أبعد من قدميه..
فلماذا جهدت المعارضة العراقية في إثبات فواحش عدي وقصي مع النساء وفضحها؟
هل تجرؤ على مهاجمتهم ووصفهم بالتخلف؟
إنّ أي حركة معارضةٍ لرمز فاسد تسعى لإظهار جميع مخازيه ما أمكنها! هذا مبدأ نضالي تفهمه كل شعوب الأرض المتحضرة وأنت لستَ منهم كما يبدو!
🔹نحن الرافضة شيعة أمير المؤمنين عليه السلام نمثل المعارضة الإسلامية لرموز الانقلاب على الوصي الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله.
تلك الرموز التي شوهت وزيفت دين نبينا وأهل بيته عليهم السلام ومهمتنا فضح تلك الرموز وتسقيطها وتعريتها تماماً لتعرف الأمة حقيقتها وتبرأ منها وعائشة الحميراء لعنها الله أحد تلك الرموز.
ثم إنّ كتاب (الفاحشة الوجه الآخر لعائشة) الذي لا تعرف اسمه جيداً ولا عدد صفحاته، هو تحفة علمية حيث يقدم دروساً عملية في التحقيق والبحث والاستنتاج العلمي في التاريخ والحديث والآيات في سياق إثبات قضية كانت شائكة عند محققي الشيعة وعلمائهم. لكنك أجوف لا ترى من الأشياء سوى عناوينها.
🔹عندما يفخر الإنسان بإرثه وحضارته وشعائره التي منها التطبير فهو إنسان حضاري متقدم ولكن أمثالك من المنهزمين حضارياً هم الذين ينظرون لتوزيع كتب حول الشعائر على هذا النحو من الاستخفاف وذاك لضيق قلبك وضآلة تفكيرك.. وإلا فالغربي ينظر لتصرفي هذا بعين الاحترام والإجلال.
🔹وعلى كل حال أنت شخص تريد أن ترى من صاحب كتاب الفاحشة ما تخال أنك تنال به من مقام سماحته وإلا إذا كانت القضية والميدان ميدان أطروحات وأفكار تقدميّة فإنّ الشيخ الحبيب هو صاحب مشروع وأطروحة دولة الأكارم التي تشمل البحرين الكبرى وصاحب تحرير الإنسان الشيعي الذي لو قرأته لعرفت عن أي رجل نهضوي رائد فذ تتحدث! وصاحب أول مسجد شيعي في لندن وأول سلسلة بحثية تتناول بالتفصيل كيفية تزييف الإسلام بمنهج بحثي موسوعي شيّع أفواجا من المخالفين.
ولو لم يكن للشيخ من إنجاز سوى تصحيح مفاهيم الأمة الشيعية المغلوطة حول التقية وحدودها وشرائطها لكفاه ذلك.
وما ذكرناه من إنجازات للرجل هو قطرة في بحر عطاءاته. أما أنت فهاتِ أرنا ماذا قدّمت أنت وأمثالك من أطروحات ونتاجات ذات قيمة علمية أو إنسانية يُشار لها بالبنان في سوح العلم والجهاد والنهضة؟
فانشغل بتطوير نفسك فهذا خيرٌ لك من إهدار عمرك في الحسد للمخلصين الأفذاذ وتضييع عمركَ يا ابنَ صالح في مسعى خاسرٍ طالح..
#كونوا_لنا_زينا

السبت، 2 أغسطس 2014

السيد الشيرازي مقوّضُ عرش الفلاسفة والعرفاء

السيد الشيرازي مقوّضُ عرش الفلاسفة والعرفاء


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم

دأبت المذاهب والتيارات المنحرفة على الكذب والتّحريف والتّزييف وخلط الحق بالباطل وإظهار الباطل في صورة الحق لذلك سعت جاهدة في تحريف النصوص وتزييف الحقائق لإثبات باطلها! بل وتأويل الآيات والروايات بما يوافق عقيدتها الباطلة!
وهذا ما نشاهده من قبل إحدى المذاهب الرائجة في هذا العصر بسبب الدعم اللامحدود من قبل واحدة من الحكومات المؤيدة لهذا الانحراف، فقد سعت هذه الحكومة بإمكانياتها الضخمة وفرض سيطرتها في ترويج العرفان الباطل بتدريس كتب ابن عربي وغيرها من كتب الضلال والانحراف في الحوزات العلمية التابعة لها وخداع الملايين من الشيعة ومحاربة العلماء الصالحين وبث الأكاذيب عليهم, وقد فندنا الكثير من أباطيل هذه الفرقة الضالة وكشفنا عن بعض انحرافاتهم العقائدية في مقالات وحوارات سابقة.
وفي هذه المقالة نعرض للقارئ الكريم احدى محاولاتهم البائسة المتمثلة بالكذب على المجدد الشيرازي الثاني (أعلى الله مقامة) والادعاء بأنه غيّر رأيه في العرفاء والمتصوفة وقبِلَ عقيدتهم الباطلة وحدة الوجود!
وتلك الفرية واضحة البطلان وليست بالأولى فكم لفّقوا من الأكاذيب على ذلك العالم العامل الجليل المظلوم الذي نعيش في هذه الأيام ذكرى رحيله رضوان الله تعالى عليه ومن ابسط ما نقدمه هدية لروحه الطيبة في هذه الذكرى ووفاءً له سطور مقالتنا المتواضعة هذه التي نذبُّ فيها عما نسبه إليه المبطلون كذباً وزوراً.. ليعلمٓ الأبالسة الخبثاء أنّ السيد المظلوم سيبقى مقوّضَ عرش الفلاسفة والعرفاء..
لقد بيّن المجدد الشيرازي الثاني (أعلى الله درجاته) موقفه الصارم ضد العرفاء والمتصوفة في موسوعته الفقهية الكبرى وحكم على نظريتهم الفاسدة (وحدة الوجود) بأنها نظرية كافرة تخالف ضرورات الإسلام.
فقال رضوان الله تعالى عليه : والقائلين بوحدة الوجود من الصوفية و الحكماء أيضاً كذلك كفار نجسين بناء على نجاسة كل كافر. فإن هذا القول حقيقة الكفر، لأنه إنكار للضروري؛ و أي كفر أعظم من القول بأن كل شيء إله، و إنما الاختلاف بالمهيات كإختلاف صور أمواج البحر مع أن الجميع في الحقيقة بحر، أو كإختلاف الأعداد مع أن الجميع مؤلف من وحدات، أو كذات الإنسان عند حديث النفس الذي هو متكلم، و هو سامع، أو كالمصدر في المشتقات، أو كالنوع البسيط المنحل إلى الجنس والفصل، أو كالمداد في الحروف و الكلمات أو غير ذلك مما مثلوه لوحدة الوجود حقيقة ،و إنما تختلف بالظهورات المختلفة...
المصدر : موسوعة الفقة , الطهارة, ج4 ص256.
ورغم هذا الموقف الصارم ضد العرفاء والمتصوفة ونظريتهم الكافرة تجد بعض المتملقين للعرفاء يقفز على كل الحقائق ويصوّر المجدد الشيرازي مؤيداً لنظرية وحدة الوجود بناءً على شرح المجدد الشيرازي (أعلى الله مقامة) للمنظومة والتي هي من تأليف الفيلسوف العارف ملا هادي السبزواري، فيدعي بأن السيد الشيرازي رجع عن قوله السابق وتبنى هذه النظرية!

الجواب :
لقد صرّح السيد الشيرازي (أعلى الله درجاته) في مقدمة شرحه للمنظومة أنه لا يلتزم بالمباني والنتائج الفلسفية لأن فيها ما يتعارض والإسلام بل هو الكفر بعينه كالقول بوحدة الوجود، وإنما ألجأه إلى الشرح واستخدام الفلسفة ههنا شيوع الفلسفات الإلحادية الصريحة كفلسفة ماركس وداروين وفرويد وسارتر، فأراد أن يقابلهم بالمثل وهو استخدام القواعد الفلسفية من خلال شرح المنظومة لإبطال تلك الفلسفات، وحينما كان يصل إلى المواضع المنكرة من المنظومة كان ينبّه على بطلانها أيضاً. فمثل الإمام الراحل في هذا مثل الذي يدرس النصرانية بهدف إبطالها، ثم يحاججهم بما فيها طبقاً لقواعدها ومبانيها لنقضها وإثبات اختلالها وتناقضها، ولا يعني ذلك أنه يلتزم بالنصرانية! فكذلك السيد الشيرازي (أعلى الله مقامه) إنما درس الفلسفة ودرّسها لهذا الغرض كما صرّح، لأنه لا يمكن مقاومة الفلسفة إلا بالفلسفة، ولا يعني هذا أنه يلتزم بها، بل يلتزم بالإسلام.
ولكي تطمئن إلى ذلك ننقل لك بعض تصريحاته في شرحه للمنظومة حيث قال قدس سره: ” : ما ترددت في علم ترددي في الفلسفة، ذلك لأنها شابت بأمرين نقصا من قيمتها، بل ربما قربها إلى الكفر والإلحاد أو الخرافة والمهزلة!

الأمر الأول: إلتزام بعض الفلاسفة بما يخالف الشرع مما ثبت فيها بالبراهين العقلية والأدلة النقلية، كقولهم بوحدة الوجود أو العقول العشر بدون توجيه، بينما ثبت عقلاً ونقلاً مخالفة المطلبين للشرع.

والأمر الثاني: التزام بعضهم بأمور كونية بكل إصرار طبقا لعلم الفلك القديم مما لم يدل عليه برهان وإنما قاله القدماء حدساً ثم أدخله هؤلاء في الحكمة وجعلوه بمثابة المسلّمات! وردّوا بسبب ذلك كل ظاهر شرعي يخالف ما زعموه بينما لم يتوفر الدليل الكافي لإثباته، بل العلم التجريبي الحديث أثبت بطلانه“.
المصدر : شرح المنظومة , السيد الشيرازي, ص161.

وقال (قدس سره) في مقام بيان سبب شرحه للمنظومة ولجوئه إلى الفلسفة ههنا: ”لكن ضرورتين ألجأتني على أن أكرّ على الفلسفة.

الأولى: أن كثيراً من الأدلة الشرعية حول المبدء والمعاد تتوقف على معرفة الفلسفة فمن لم يقرأها على حِدة اضطر إلى عدم فهم تلك الأدلة والوصول إلى حقائقها، أو أن يتعب في نفس تلك المسألة الشرعية العقلية فيفهم الشيء غير المنضوح مما يجعله بالتقليد أشبه منه بالاجتهاد والتعمق والفهم، فمثله مثل من لا يحقق مسائل الحساب حتى إذا وصل إلى كتاب الإرث في الفقه انساق إلى أحد الجهتين اضطرارا، فهل يمكن فهم قوله سبحانه : (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) أو فهم عبارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : (لا يكيّف بكيف ولا يؤيّن بأين) أو حديث (الفرجة) أو ما أشبه بدون الإستعانة بالمقدّمات والمطالب المشروحة في الفلسفة؟ ولذا نرى علماءنا العظام بدون فرق بين أهل الحديث منهم كالمجلسي في بيانات بحاره، وبين غيرهم كالعلامة الحلي والمفيد؛ استوعبوا هذا العلم واستدلوا به للمطالب الشرعية وكسروا لسببه شوكة أدلة الخصوم.

الثانية: أن الدنيا الحاضرة إنما بُنيت على فلسفة جديدة كفلسفة (هيجل) و(نيتشه) و(ماركس) و(سارتر) ومن أشبه، ومن المعلوم أن ردّ أمثال هذه لا يمكن إلا بسلاح مثلها. قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولذا استخرت الله في شرح المنظومة، أداءً لهذه الخدمة المزدوجة".
المصدر : شرح المنظومة , السيد الشيرازي, ص161.

فأين هذا ممن يلتزم بالمباني الفلسفية ويؤمن بنتائجها المتعارضة مع الإسلام؟! ولعل بعض الجهال تصوّروا أن مجرّد قيام السيد الشيرازي (قدس سره) بشرح منظومة السبزواري يدخله في سلك الفلاسفة! وغاب عنه أن هذا أمر معهود في عالم الحوزات العلمية؛ أن يدرّس شخص أو يشرح كتاباً دون أن يلتزم بما فيه وإنما يكون غرضه من ذلك توظيفه في الردّ على الخصوم أو إبطال حججهم وما أشبه.
# الجواب منقول (بتصرّف) عن آية الله الشيخ ياسر الحبيب دامت بركاته.

ونحن لا نختلف أبداً مع المجدد الثاني في قوله (وهذا ما سبب عودي إلى الفلسفة بمنطقها البرهاني الصحيح) لأنه إذا نقحنا الفلسفة وأزلنا منها ما يخالف الإسلام لا إشكال حينئذ، لأنها لا تكون فلسفة! وذلك نظير ما لو قال القائل: ”إذا نقّحنا النصرانية وأزلنا منها ما يخالف الإسلام فهل هناك إشكال في الأخذ بها؟ فإنه يُقال له: لا، لأنها لا تكون حينئذ نصرانية بل هي إسلام , فكل الديانات السماوية تعاليمها هي تعاليم الإسلام لولا ما وقع فيها من تحريف (إن الدين عند الله الإسلام)

قد يقول قائل : ان المجدد الشيرازي (أعلى الله درجاته) ترحّم على صاحب المنظومة السبزواري مع أن الأخير من القائلين بوحدة الوجود والعقول العشرة فما تقول في ذلك؟

أقول : إنْ علمت أن سماحة السيد الشيرازي كان في معرض شرح المنظومة بغرض التصدي لأباطيل الفلسفة كما بيّن سماحته حينها تعلم أن سماحته كان في مكان المناظر للفريق الآخر! فموقفه هو كان عين موقف السيد عبد الحسين شرف الدين رضوان الله عليه! فقد كنت تجد في مناظراته عبارة (رضي الله عنه) عند ذكر الشيخين ولكن ما الهدف ولماذا؟ هل كان ذلك يعني أنه يحترمهما؟
إن من جملة ما ميّز المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين (رضوان الله عليه) براعته في نظم الكلام ونثره، ليخرج بحيثية تحرج الخصم وتلجم عصبيته في الآن نفسه. ومن هنا فإنه (رحمه الله) لجأ إلى هذا الأسلوب الذي ترى فيه أنه مع تسديده كل تلك الضربات الموجعة لشخصيات أعداء أهل البيت (عليهم السلام) فإنه ضمّن في ما سطّره جملاً عرضية هي أقرب في هذا الموضع إلى التهكّم، إذ القارئ المطالع لكل تلك المساوئ والقبائح التي عرضها السيد في كتبه ووثّقها من مصادر القوم يفهم بداهةً أنه حينما يُلحقها بعبارة من قبيل (رضي الله عنهم) أنه لا يقصد إلا إحراج الخصم ولجم عصبيته بمثل هذا الأدب التهكّمي الذي يحمل السخرية في باطنه.
وليس قصد السيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله) من إيراد أمثال تلك العبائر في مصنّفاته أنه يعتقد حقاً باحترام هؤلاء الظلمة وإلا فأي احترام في أن آتيك وأقول لك مثلا: "إن أباك كان قد قتل فلاناً وزنى بفلانة وشرب الخمر يوم كذا وسرق ليلة كذا.. رحمة الله عليه وأدخله فسيح جناته"؟!
أي تبجيل واحترام في أن يقوم السيد الشيرازي (قدس سره) بتبيان أباطيل السبزواري وأصحابه كلها خلال شرحه للمنظومة ثم يقول رضي الله عنه!
تصفع أحدهم على وجهه وفي نفس الوقت تحمل له وردة في اليد الأخرى فهل هذا دليل محبه؟!
وتنبّه إلى أن لهذا الأسلوب الأدبي نظائر في كتاب الله تعالى وفي أحاديث ترجمته صلوات الله وسلامه عليهم، فتمعّن مثلا في قوله عز من قائل: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}!
(الدخان: 43 – 49).
ولاحظ هنا أن الله تبارك وتعالى بعدما وصف الكافر أولاً بالأثيم وأنبأ عما سيقع له من تفاصيل العذاب الشديد في الجحيم؛ إذا به يصفه أخيرا بأنه.. عزيز كريم!

قد يقول القائل : وماذا عن تعظيمه لبعض الفلاسفة كنصير الدين الطوسي القائل بمقولة الواحد لا يصدر عنه إلا واحد كما في (تجريد الاعتقاد)؟

أقول : الخواجة نصير الدين الطوسي لم يكن فقيهاً! الرجل كان عالماً تخصص في العلوم النظرية والتجريبية! اهتماماته الرئيسية كانت في الرياضيات والكيمياء والطب والفيزياء ولكنه كان مهتماً بعلم الكلام والفلسفة والفلك! اهتمامه بها لا يعني بالضرورة تبنيه الفعلي لها في جنبة المعتقد الديني !
عدا عن ذلك هب أنه يعتقد بها فذلك لا يؤثر في التشيّع ولا يمكن نسبة آرائه للتشيع فهو ليس فقيهاً, نحن كلامنا عن الفقهاء الذين تبنوا نظريات فلسفية باطلة وقالوا بها!
ان تمتدح نيوتن لأنه كان فيزيائياً بارعاً هذا لا يمس العقيدة في شيء فهو ليس فقيهاً مسلماً بحيث يكون امتداحه مع انحرافه العقائدي داعياً لتعلق الناس به وإتباعهم له!
العلامة الحلي كان من الفقهاء وقد صحب الخواجة نصير الدين الطوسي ليأخذ منه العلوم الحكمية وكتبه في الإلهيات والفلك والرياضيات وشيئاً مما كتب ابن سينا.
ولكن هل جعلها معتقداً له؟ أم أنه نقضها وبين خورها حيث تعلمها منه لينقضها؟
لقد ناقش آراء الطوسي مناقشة علمية جادة ورد عليه آراءً كثيرة. وقدكتب في معارضة نصير الدين وكشف وتبيان أخطائه كتاباً أسماه (المباحثات السنية في المعارضات النصيرية)
من بين ما رده ونقده بكل علمية واقتدار هو ذلك القول الباطل (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد) نقضها وبين الفرق بين الفاعل المضطر والفاعل المختار الذي لا يدخل ضمن تلك النظرية! فالله تعالى فاعل مختار لا فاعل مضطر تعالى عن ذلك علواً كبيرا.

أما قول سماحته : وهؤلاء بعد معرفتنا بأنهم من العلماء الكبار والأتقياء الأخيار لا بد وأن نحمل كلامهم على ما يطابق الشرع كيف وجماعة منهم من مبلغي الإسلام وحملة الأحكام وناشري شريعة سيد المرسلين ومروجي أخبار أهل البيت الطاهرين

أقول : نعم ونحن نتفق مع المجدد الشيرازي في إحسان الظن بمن تغلب عليهم سلامة المنهج ممن قد صدرت منهم بعض الهنات ممن لم يلصقوا تاريخهم بابن عربي وأمثاله ولم يقولوا بوحدة الوجود.

قال السيد المجدد : ولابد أن يؤل كلام المصنف بما لا ينافي ضرورة العقل والشرع، ونحن نشرح الأبيات ، من غير أن يكون ذلك اعتقادنا - لا من جهة المحذور الشرعي فقط ، بل البرهان العقلي قام على بطلان هذا المحتوى"

أقول : قال المجدد البرهان العقلي قام على بطلان هذا المحتوى لذا وجد أنه لزاماً عليه تأويله بما لا ينافي ضرورة العقل والشرع فذلك كفر بيّن ! وهو يؤكد على ذلك بقوله (ونحن نشرح الأبيات ، من غير أن يكون ذلك اعتقادنا - لا من جهة المحذور الشرعي فقط بل البرهان العقلي قام على بطلان هذا المحتوى )
فيجنح سماحته إلى محاولة تأويله بما لا ينافي ضرورة العقل والشرع أثناء شرحه للمنظومة، فاتّضحَ لك أيها القارئ العزيز أن هدف سماحته هو تنقية الفلسفة مما يتعارض مع العقل والشرع.
فلاحظ بدقه كلام سماحته (تأويل كلام المصنف) وليس (التأويل والتبرير للمصنف)! فهو هنا بصدد إبطال الفلسفة! فهو لم ينفِ أبداً أن ذلك اعتقاد السبزواري! لذا قال ونحن نشرح الأبيات من غير أن يكون ذلك اعتقادنا!! فذلك اعتقاد صاحب المنظومة لا اعتقاد سماحته! وإنما يجنح إلى تأويل ذلك الكلام الباطل البيّن في الكفر في سبيل تصحيح وتقويم السقيم من الفلسفة. وإلا فسماحته لم ينف انه كلام باطل فقد قال (بل البرهان العقلي قام على بطلان هذا المحتوى)

الخلاصة:
تبيـّنَ من خلال ما تقدّم أنّ المجدد الشيرازي (أعلى الله درجاته) لم يغيّر رأيه في الفلاسفة والعرفاء أبداً ولم يغيّر رأيه حول نظرياتهم الكفرية بل كان شرحه للمنظومة بغرض إبطال ما تحويه من أباطيل كقولهم بوحدة الوجود والعقول العشرة وغيرها من أباطيل وتصحيح وتقويم ما فيها من انحرافات، فحال سماحته كحال الشيخ الأوحد الاحسائي الذي شرح كتب الملا صدرا بغرض إبطال عقيدة ابن عربي وتلامذته وردِّ ما فيها من أباطيل.

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين


ذكرى رحيل المجدد الثاني أعلى الله درجاته


2/10/1435 هـ


طالب علم

السبت، 7 يونيو 2014

كمال الحيدري ينسف كشف العرفاء

كمال الحيدري ينسف كشف العرفاء

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
تطرق أحد أكبر مروجي التصوّف والعرفان الفلسفي في هذا العصر وهو كمال الحيدري لموضوع علم العرفاء وزعم بأنّ مصدر علمهم هو نفس مصدر علم الأنبياء عليهم السلام (أي الوحي) وليس علماً حصولياً مكتسباً, إنما هو علم لدني وهذا هو المقطع المرئي :
الرد على ما جاء به :
قال كمال الحيدري : العارف ماذا؟؟ العارف هو الذي يعتمد كشفَهُ لكشفِ حقائق الوجود ,, يعني يقول : (ما ينكشف لي) حسب الاصطلاح نسميه عارف  ,, يعني أداته الأصلية الكشف!
أقول : العارف لا يمتلك أيّاً من الدليلين العقلي والنقلي اللذين هما الحجة في الشرع لإثبات معتقداته وليس من طريق أمامه سوى  ان يدّعي علم الغيب بنسبة العلم اللدني إلى نفسه  فيزعم بأنّه يوحى إليه ولكنه يسمي ذلك كشفاً للتحايل والخداع فإنّ تسمية كشفه بأنه وحي بصريح العبارة سيعرضه للإحراج في حال تقرّرَ اختباره في سائر المسائل دون سابق إنذار, لذلك يراوغون فيصورون ما يخبرون به أخذاً عن الغيب على أنه حالة من الحالات التي يصلون فيها لدرجة من القرب الإلهي بحيث تنكشف لهم الأمور!!
ولكي يتبيّن للقارئ الكريم كذبهم وخداعهم ودجلهم فليراجع مكاشفاتهم الخرافية التي من بينها تشبيه الله بخلقه ورؤية الله في الآخرة! وقولهم (والعياذ بالله) بكفر مؤمن قريش شيخ البطحاء أبي طالب صلوات الله عليه وإيمان فرعون! بل القول بأنّ فرعون من العرفاء الشامخين. هذا عدا عن قولهم بعدم النص على الخلافة وقولهم بانقطاع العذاب في نار جهنم وتحوّل العذاب إلى عُذُوبة! وقولهم بأنّ الذبيح هو  إسحاق وليس إسماعيل عليهما السلام، وقولهم بتخطئة الأنبياء وتصحيح عمل الكفار! وادعاؤهم بأن كتاب فصوص الحكم عديم المثال والنظير وأنه مماثل للقرآن الكريم!! وغيرها من الكفريات والخرافات الكثيرة التي لا يسع المجال لذكرها هنا ومن أراد الاطلاع بشكل مفصّل فليراجع كتاب (مكاشفات العرفاء وحيٌ إلهي أم وسوسة شيطانية؟)

قال كمال الحيدري: ( لكي أضرب الأمثلة.. الأنبياء لكي يتعرفوا على حقائق هذا العالم ما هو طريقهم ؟ طريقهم الوحي,, لا طريقهم العقل ,, ولا طريقهم النقل ,, ولا طريقهم التجربة ,, أبداً مو طريقهم هذا، يعني عندما هو يتعرف على حقائق هذا العالم بأي طريق يتعرف عليها ؟ يتعرف عليها من خلال ماذا؟ من خلال الوحي ....
أقول : نعم.. الأنبياء عليهم السلام ثابت اتصالهم بالله سبحانه وتعالى عن طريق الوحي وقد أخبرونا بالحقائق الإلهية والأمور الغيبية. فهم بصريح العبارة يسمون ما يتلقونه وحياً , وما امتُحنوا في الإخبار عن غيب من الغيوب إلا وأخبروا به كما هو دون أي نسبة خطأ على الإطلاق، لذلك نقول هم قطعاً مرتبطون بالله تعالى وبالسماء فهم يتحدّونَ بالمُعجز ويخبرون بالمغيبات ويَصدُق دائماً إخبارهم.
بينما ما جاء به العرفاء والمتصوّفة خليط من الخرافات والخزعبلات التي تصادم العقل والنقل!
وثبت كما نقلنا أنّ كشفهم يخالف العقل والنقل, وإنهم كما يقول الحر العاملي قد تم اختبارهم فتبيّن كذبهم وهذا لا يحصل مطلقاً مع أنبياء الله تعالى. فالأنبياء كلما اختبرهم قومهم في الإخبار عن غيب من الغيوب فإنهم دائماً كانوا يصدقون ويخبرون بالصدق.
هنا ننقل كلام الحر العاملي رضوان الله تعالى عليه: ... عدم إفادته على تقدير وقوعه لليقين. ألا ترى أنه كثيراً ما ينكشف للإنسان أشياء ثم ينكشف له فسادها وكذا من يدعي الكشف أو يُدّعى له, وذلك معلوم منهم قطعاً ولعل جميع ذلك من هذا القبيل وعلى تقدير إفادته للظن خاصة كيف يجوز الجزم به؟ والاعتماد عليه وقد ادعى جمع منهم أنهم يرون نور الوضوء وينكشف لهم, فامتحنّاهم بأن يخبرونا عن حال جماعة محصورين وأي شخص منهم على وضوء وأي شخص منهم على غير وضوء فظهر عجزهم وافتضاحهم.

قال كمال الحيدري: العارف يدّعي أنه أيضاً تنكشف له حقائق هذا العالم بنفس هذا الطريق الذي ينكشف لمن ؟ للنبي...
أقول : هذا مجرّد ادعاء , والادعاء يحتاج إلى دليل ولا يوجد لدى العارف دليل , بل ثبت بالدليل والبرهان عكسُ مدعاهم وقد تبين زيف هذا الادعاء من خلال ما  صدر عنهم من مكاشفات خرافية!

قال كمال الحيدري:  لا يسمى وحياً ولكن بنفس الآلية بنفس المنهج...
أقول : إنّ العرفاء  لا يستخدمون مصطلح (علم الغيب) ومصطلح (الوحي) لكي لا ينكشف أمرهم بل يستخدمون مصطلحات أخرى  لأن هذه المصطلحات من جهة ستفتح عليهم باب اتهامهم بادعاء النبوة وهذا لا قِبَلَ لهم به ومن جهة أخرى ستفضح كذبهم ودجلهم في ميدان الاختبار حيث سبختبرهم الناس كما كان يُصنع مع الأنبياء.
لذلك يتجنبون استخدام هذا المصطلح (الوحي) وإذا ذكروه ألحقوه بنفي النبوة!!
لئلا ُيفتضح أمر شعوذتهم فإنهم يحاولون أن يجعلوا للوحي الذي يدّعونه لأنفسهم مصطلحاً فضفاضاً  ليس لمعناه جوهر ثابت!
قال كبيرهم ابن عربي : فما أُلقي إلا ما يُلقى إلي , ولا أنزل في هذا المسطور (فصوص الحكم) إلا ما ينزّل به علي!!
المصدر: مقدمة فصوص الحكم, ابن عربي , بتعليق العفيفي, ص 47- 48.
فهذا شيخهم الأكبر ابن عربي يدّعي بأن كتاب فصوص الحكم جاءه عن طريق الوحي فقال :أُلقي إليّ ... ونزّل به علي!!
ولكي لا يفتضح أمره ويُتهم بأنه يدعي النبوة قال بعدها مباشرة : ولست رسولا ولكني وارث ولآخرتي حارث.
المصدر : فصوص الحكم , ابن عربي, بتعليق العفيفي, 47-48 .
إذاً ما يدعيه العارف هو وحي بالمعنى الاصطلاحي !!! ثم يقول لا ادعي النبوة!
فادعاء النبوة ما معناه إذاً؟
الوحي في الشرع : إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة.
فقول كمال الحيدري (لا يسمى وحياً) هو للتغطية على فضيحة القوم وللتخفيف من هول المعنى, و العجيب أنّه هو بنفسه اعترف و أوضح معنى الوحي عند العرفاء فقال : ولكن بنفس الآلية بنفس المنهج!!
فإذا كان كشف العرفاء بنفس آلية ومنهج  الوحي الذي يتلقاه الأنبياء فكيف لا يُسمى وحياً؟؟
هذا كمن يقول أكتب الشعر بنفس منهج وآلية قواعد العروض ولكنه لا يُسمى شعراً !!
أيُعقل هذا؟
والمصيبة العظمى حينما قال : الفرق انه: النبي ما ينكشف له معصوم لا يخطئ، أما العارف قد يصيب وقد يخطئ!!
أقول : كيف يكون كشف العرفاء بنفس آلية ومنهج وحي الأنبياء ثم يخطئ أو يختلف في كشفه مع كشف آخر؟!
نحن مثلاً نستدل على كون أئمتنا الأطهار كلهم معصومين وعلمهم لدني بأنّ أقوالهم لا تختلف!
مثلاً النبي عندما ينسخ شريعة سابقة ويأتي بحكم جديد فإنه يُخبر بالمنسوخ كما جاء وتُصدّقه في ذلك ما سطرته الكتب السماوية..
ثم أنت بنفسك يا كمال الحيدري تقول (بنفس)..
نفس الشيء يعني مطابق له ..
فكيف تكون آلية كشف العرفاء مطابقة لمنهج وآلية وحي الأنبياء ثم يخطيء كشفهم!
هذا يعني أنّ الأنبياء منهجهم وآلية وحيهم والعياذ بالله يُحتمل منها الخطأ!
هل من الممكن أن أقول بأنّ أحداً سلك في منهجه نفس منهج آل رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم في العقائد والعبادات والمعاملات ثم أشك بأنّه من المحتمل أن يدخل نار جهنم؟
هذا محض عبث!
تصبح القضية لعبة!
ألم تقل يا كمال الحيدري  أنّ من الخصائص الأساسية والمهمة للمعرفة العرفانية أن العلم فيها ليس من نوع (العلم الحصولي) وإنما هو من نوع (العلم الحضوري)؟
المصدر : العرفان الشيعي, كمال الحيدري, ص208.
فكيف من كان علمه حضورياً يقع في الخطأ؟؟
الحضور يعني الشهود. الشهادة الذاتية بيّنة وحجة في الشرع.. في الشرع تكون شهادة من حضر واقعة وعاينها وشهدها بنفسه حجة .
ألم تنقل عن الملا صدرا قوله : وحقيقة الحكمة إنما تُنال من العلم اللدني؟ !!
المصدر : معرفة الله, كمال الحيدري .ج1 ص209.

إنّ العرفاء و إن حاولوا التلاعب والفصل بين العلم الحضوري والعلم اللدني بقولهم انّ العلم الحضوري يختلف عن اللدني المستخدم كمصطلح كلامي غير أنهم في التعريف يعرفون اللدني على أنه علم حضوري!!! أي هو قطعي لا يقبل الخطأ لذا هو حضوري لأنّ العلم الحضوري يعني أن يكون المعلوم حاضراً بوجوده لدى العالم به !!
وقد عرَّفتَ أنت يا كمال الحيدري  العلم اللدني بقولك : العلم اللدني علم حضوري يمنحه الله تعالى لخاصة عباده المقربين فهو من لدنه سبحانه , وقد أشير إليه بقوله تعالى في قصة الخضر عليه السلام { وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
المصدر : معرفة الله , كمال الحيدري, ج1 ص208.
فإن قالوا نعني أنّ كل علم لدني هو حضوري وليس كل حضوري لدني قلنا لهم كيف وهما يشتركان في مناط واحد وهو حضور الشيء بوجوده ؟
نقول إنّ الرسول يختلف عن النبي لأنّ للرسالة مناطاً آخر ومهمات أخرى
لذا نقول كل رسول نبي وليس كل نبي رسول ..
فكيف من كان علمه لدنياً يقع في الخطأ؟
لو كان كشفهم كشفاً إلهياً ومتصلاً بجهة معصومة لا يمكن وقوعه في الخطأ والاختلاف.
هل أخطأ الأنبياء عليهم السلام في إخباراتهم؟
هل اختلف الأئمة عليهم السلام فيما بينهم؟
إذا كان العرفاء لديهم نفس آلية ومنهج  الوحي عند االأنبياء لا يمكن القول بأنهم يخطئون ويختلفون!
وإذا ثبت خطؤهم وهو ثابت وإذا ثبت اختلافهم وهو ثابت , يكون ادعاؤهم للكشف باطلاً وكشفهم ليس كشفاً إلهياً بل محض تخرصات وأوهام.
قال تعالى { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}
فالاختلاف والأخطاء  في الكشف عند العرفاء دليل على أنّ كشفهم هذا كشفٌ شيطاني وليس كشفاً إلهياً,, ولو كان كشفهم كشفاً إلهياً لما كانوا اختلفوا فيه ولما تخبطوا ولما خرج من بؤرة كشفهم سيل من الخرافات والخزعبلات .

فلنرجع لمعنى (الكشف) عند أهل اللغة وعند العرفاء أنفسهم ومن خلاله سنعرف هل يمكن لنا القبول بكلام كمال الحيدري أم لا؟
قال ابن منظور : ( كشف ) الكشْفُ رفعُك الشيء عما يُواريه ويغطّيه كشَفه يكشِفه كشْفاً وكشَّفه فانكَشَف وتكَشَّفَ.
وقال أيضا : وكشَف الأَمر يكْشِفه كَشْفاً أظهره.
المصدر : لسان العرب, ابن منظور , ج7 ص671 ,باب الكاف.
فهل الشيء الظاهر الواضح يُحتمل فيه الخطأ ممن يدعي لنفسه أنّه مُظهر للحقائق؟
قال الجرجاني : الكشف : في اللغة رفع الحجاب وفي الاصطلاح : هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقية وجوداً أو شهوداً.
المصدر : التعريفات , الجرجاني, ص184.
فهل إذا رُفع الحجاب ولو فرضنا كلهم يدّعون رفعه عن ذات الشيء, سيرى زيد شيئاً ويرى عمرو شيئا آخر؟
لو كان هناك حاجز خلفه ثمرة , فلنقل (تفاحة) فأتى ثلاثة أفراد كلهم يتمتعون بنظر سليم وعقل مميز وكانوا في كامل انتباههم ويقظتهم فرفع كل منهم الستار فهل سيرى أحدهم التفاحة برتقالة والآخر سيراها موزه ؟!
هي حقيقة واحدة (التفاحة) , انكشف الستار عنها لثلاثة أفراد كلهم يتمتعون بنفس الخصائص الثابتة لجميع الأفراد لذا فإنّ الطبيعي والمنطقي أن يكونوا كلهم قد شاهدوا ذات الحقيقة وهي (التفاحة).
فكيف يرى العارف بالكشف شيئاً ويرى العارف الثاني شيئاً آخر؟!
قال العارف عبد الرزاق الكاشاني : المشاهدة : شهود الذات بارتفاع الحجاب مطلقاً!!
المصدر : إصطلاحات الصوفية , عبد الرزاق الكاشاني, ص 289.
أقول : إذا كُشف الحجاب مُطلقاً وأصبح الأمر واضحاً على نحو الإطلاق فهل ثَمّ احتمال بالوقوع في أدنى نسبة من الخطأ؟
قال أبو نصر الطوسي : الكشف : وهو عبارة عن بيان ما يستتر على الفهم فيكشف عنه للعبد كأنه يراه رأيُ العين.
المصدر : مصطلحات التصوف الإسلامي, د. رفيق العجم, ص790.
هل ما يُرى بالعين يُختلف فيه فضلاً عن أن يُحتملَ الخطأ فيه؟
وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما تراه بعينك حق.
يقول ابن عربي : المشاهدة تطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد وتطلق بإزاء رؤية الحق في الأشياء وتطلق بإزاء حقيقة اليقين من غير شك.
المصدر : كتاب اصطلاح الصوفية , ابن عربي , ص415, مطبوع مع كتاب رسائل ابن عربي طبعة دار إحياء التراث العربي.
فإذاً ما معنى كلام الحيدري بأنّ العرفاء لديهم كشف بنفس منهج وآلية الوحي عند الأنبياء عليهم السلام وأنّ ما عندهم من علم هو علم حضوري (لدني) و ليس علماً حصولياً ثم بعد هذا يخطئون ويختلفون؟؟!!

قال كمال الحيدري : من قبيل يا اخوان ما الفرق بين المعصوم وبين الفقيه؟ المعصوم ما يقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} أما الفقيه قد يصيب وقد يخطئ...
أقول : هذا قياسٌ باطل ,, فالفقيه لم يدّعِ بأنّ له اتصالاً مع الله من خلال الكشف كما يدّعي العارف , إنما يستخدم القواعد و الأصول الفقهية لاستنباط الأحكام الشرعية فربما يصيب وربما يخطئ.
أما العارف يدّعي علم الغيب و يقول بأنه متصل بالوحي و أنّ ما لديه هو علم  حضوري (لدني) فلا يمكن (حسب ادعائه) وقوعه في الخطأ.

قال كمال الحيدري : الفرق بين النبي وبين العارف ,, المنهج واحد بين النبي وبين العارف ولكن الفرق أن النبي لا يخطئ بخلاف العارف قد يصيب وقد يخطئ ...
أقول : المنهجان مختلفان تماماً ولا يلتقيان :
منهج سائر الأنبياء وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وآله منهج سماوي إلهي رباني رحماني ,, مُسدد بروح القدس,, والنبي متصل بالوحي و أمينه جبرائيل عليه السلام, و منهجه هو منهج يحترم العقل والمنطق والفطرة السوية.
بينما منهج العرفاء منهج شيطاني خرافي قائم على الخزعبلات والأوهام واللعب بورق
( اليا نصيب) , وهو منهج لا يحترم العقل بل من يعتنقه لا يملك العقل أصلاً.
منهج العرفاء منهج يعتمد على وحي الشيطان باسم الرحمن !!
قال تعالى { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }
وبالفعل انك لا تجد قوماً أشد مراءً وجدلاً من هؤلاء المشعوذين الذين يسمون أنفسهم عرفاء.

الخلاصة:
إتضح لنا بجلاء من خلال ما تقدم بأنّ العرفاء يدّعون علم الغيب ويزعمون بأنّ الوحي ينّزل عليهم و أنّ علمهم لدّني وليس حصولي.
وقد بيّنا كذب ادعائهم وكشفنا زيف أقوالهم ووضّحنا بطلان منهجهم.
وتوضّح للقارئ الكريم سخافة ما استدل به كمال الحيدري لحجية الكشف ولكي تكتمل الصورة عند القارئ الكريم ندعوه للاطلاع على النماذج التي عرضناها في بحث (المكاشفات) لكي يتيقن بأنّ مكاشفات العرفاء محض خرافات وأنّ مشاهداتهم خزعبلات ووحيهم أوهام وخيالات ينسجها الشيطان لهم.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
مولد قمر بني هاشم عليه السلام
4/8/1435هـ
طالب علم

وأخيراً .. كمال الحيدري يثبت وحدة الوجود!

وأخيراً
كمال الحيدري يثبت وحدة الوجود!

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
أرسل لي أحد الأخوة الأفاضل مقطع فيديو لكمال الحيدري بعنوان (الدليل القرآني على وحدة الوجود) يدّعي فيه المتحدث بطريقة بهلوانية أن القرآن الكريم يُقرًُّ بوحدة الوجود الشخصية! وأن الذين لا يقولون بها لم يقرؤوا القرآن ولم يتدبّروا فيه!
يقول ذلك بطريقة استهزائية مخالفاً العرف العلمائي في أدب الحوار والمناظرة!
وهذا هو المقطع المرئي :
تعليقنا على المقطع:
لقد أثبتنا فيما سبق بطلان وحدة الوجود عقلاً ونقلاً وفصّلنا الحديث عنها في موضوع : (إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود)

أما استدلالاته المزعومة بالقرآن الكريم فهي تأويلٌ باطل وخزعبلات يضحك منها الأطفال الصغار!! وهذه الطريقة في التأويل هي طريقة شيخه الأكبر ابن عربي الذي كان يؤول القرآن على حسب هواه! وبتعسّف كما قال أحد المعلقين على الفصوص!
فقد نقل الدكتور أبو العلا عفيفي (المعلّق على فصوص الحكم) قول أستاذه الذي وصفه بالعلامة نيكولسون في وصف أسلوب ابن عربي في الفصوص : إنه يأخذ نصاً من القرآن أو الحديث ويؤوله بالطريقة التي نعرفها في كتابات فيلون اليهودي وأريجن الإسكندري... يستند كل فص من الفصوص السبعة والعشرين إلى طائفة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتصلة بالكلمة الخاصة (النبي) الذي تنسب حكمة الفص إليه .... يعتمد ابن عربي في كل ذلك إلى تخريج المعاني التي يريدها من الآيات والأحاديث بطريقة خاصة في التأويل ... ولا تخلو طريقة تأويله للآيات من تعسف وشطط أحياناً.
المصدر : فصوص الحكم , ابن عربي , بتعليق العفيفي, ص12-13.
فتلاحظ أخي القارئ اعترافهم بأنّ ابن عربي يؤول الآيات والروايات على حسب هواه , وقد سار العرفاء على نهجه وتناولوا من فتات مائدته (كما يعبّر المطهري) لذلك هم أيضاً يؤولون القرآن بتعسف وشطط, وهذا ما فعله الحيدري في هذا المقطع!

قال كمال الحيدري: إن كنت عارفاً أو قائلاً بالوحدة الشخصية للوجود, أنتم على أي أساس تقولون أن كل هذا العالم ليس له وجود؟
أقول: يعتقد العرفاء بأن هذا العالم لا وجود له في الحقيقة, فوجوده وجود خيالي كالظل  فهو عندهم خيال في خيال ووهم في وهم فليس في الدار غير الله ديار كما يعبّرون!
وقد رد عليهم علماؤنا بقولهم : هذا الكلام يرفضه منطق العقل , فإن العقلاء لا يمكنهم التصديق بأن كل هذه الموجودات الكثيرة بمناشئها المختلفة وآثارها الخاصة والمتنوعة , هي وهم , وأن الوجود الحقيقي لا يعدو أن يكون وجوداً واحداً.
المصدر: أسئلة في مدار العقيدة , السيد دستغيب, ص11-14.
ولأن العرفاء يمارسون التقية مع المؤمنين فإنهم يبررون اعتقادهم هذا بقول أنّ وجودنا في مقابل وجود الله لا شيء!
وهذا التبرير باطلٌ أيضاً , لأن الله سبحانه وتعالى عند الحديث عن وجود عباده في مقابل وجوده تعالى لم يذكر أبداً أنهم عدم أو وهم وخيال ولا حقيقة لوجودهم بل يصفهم بالذلة والفقر والعبودية كما في الآيات الشريفة والأدعية المأثورة عن آل رسول الله عليهم الصلاة والسلام.
(أنت الرب وأنا المربوب) , (أنت الغني وأنا الفقير) , (أنت الخالق وأنا المخلوق)  , (أنت القوي وأنا الضعيف) هذه وجوه المقابلة ولم يقل أحد من المعصومين عليهم السلام (أنت الحقيقة وأنا الخيال)!

قال كمال الحيدري: يقول ألم تقرأ القرآن؟ أين أنت من التدّبر في القرآن؟
أقول : إنّ علماءنا الأبرار رضوان الله تعالى عليهم قرؤا القرآن وتدبروا فيه وأخذوا تفسيره وتأويله عن المعصومين صلوات الله عليهم فلم يفسروا القرآن بالرأي والهوى كما يفعل كمال الحيدري وشيخه ابن عربي!
إن تأويل القرآن من دون الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام انحراف عن الهدى, وإنّ تفسير القرآن بالهوى والرأي ليس تدبراً , وإنّ التمسك بالمتشابه من دون رده إلى المحكم ضلال !
وهناك روايات متنوعة في هذا الصدد تؤكد بأن علم الباطن وتأويل القرآن لا يكون إلا عن طريق أهل البيت عليهم السلام, فمن يتأول آية من القرآن الكريم دون الرجوع لأهل البيت عليهم السلام فهو ممن قال الله فيهم : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}
وبخصوص رد المتشابه إلى المحكم فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : من رد متشابه القرآن إلى محكمه هُدي إلى صراط مستقيم ثم قال : إن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا .
المصدر: عيون أخبار الرضا (ع) , الشيخ الصدوق , ج 2 , ص 261.

قال كمال الحيدري: القرآن الكريم قال : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ثم قال في ... سورة الفرقان في آية (45) {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} فكل عالم الإمكان نورٌ لو ظلٌ؟, ظلٌ، والظل أمرٌ وجودي لو أمر عدمي؟ شتقولون مولانا؟ (عدمي)، جزاكم الله خيرا انتهت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته انتهت القضية هذا هم استدلال القران, الله ما يقول ألم ترَ كيف مد الوجود , كيف مد الممكنات، أبداً أبداً، ولا عبّر كيف مد المخلوقات، ولا ولا ولا ولا.... الخ أبداً،، قال {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} لأنه النور من هو؟ الله نور السموات، وهذا يدل على الحصر فما دونه شيصير بعد؟ نورٌ أو ظلٌ؟ {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} ، إذا ما كان يريد هم يكون له ظل أو لا يكون له ظل يعني لا يكون له خلق.. هذا من الاستدلال القرآني!
أقول: الرجل كما بينا يفسّر بالرأي والهرطقات والتأويلات السخيفة وهذا أول الوهن!
ما قيمة آرائك يا كمال؟
نحن نرجع في فهم الكتاب إلى العترة الطاهرة عِدل القرآن.
روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: " الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح " فقال: هو مثل ضربه الله لنا، فالنبي والأئمة صلوات الله عليهم من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد، ومصالح الدين و شرائع الإسلام والسنن والفرائض، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المصدر: التوحيد , الشيخ الصدوق, ص157.
يا أيها المدعو كمال الحيدري ألا تعلم أنّ الله تعالى يضرب أمثالاً لأفعاله ولمخلوقاته فقط؟
مثلا : إحياء الموتى مثّل الله تعالى له بمشهد صوّرَهُ لنا تعالى في سورة البقرة:
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
وعندما مثّل الله تعالى لعيسى عليه السلام قال:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
وأيضاً مثّل الله تعالى لمخلوقاته:
{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}
لكن الله تعالى عندما ذكر ذاته المقدسة قال:
{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}
فلاحظ أن الله تعالى عندما أتى بمفردة المثل مقترنة بذاته المقدسة لم تأتِ بمعنى الشبيه والنظير وإنما جاءت بمعنى الصفة أو الحجة.
أي فلله تعالى الصفة الأعلى والأسمى أو ولله الحجة الأعلى. راجع في ذلك كتب التفسير , فالله تعالى لم يشبه أو يمثّل لذاته المقدسة أبداً بشيء بل قال جلّ شأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
لم يقل تعالى: الله (عين) نور السماوات والأرض أو الله (ذات) نور السماوات والأرض أو الله (نفس) نور السماوات والأرض.
قال تعالى { مَثَلُ نُورِهِ} ولم يقل (مثل ذاته) والنور شيء والذات شيء آخر.
في لغة العرب دارج عندهم إطلاق المصدر (الصفة) كناية عن كثرة وغلبة الفعل كما ورد في كتب التفسير كمجمع البيان , وهذا كقولهم فلان رحمة و فلان عذاب إذا كثُرَ فعل ذلك منه و على هذا قول الشاعر:
ألم تر أنّا نور قوم و إنما** يبين في الظلماء للناس نورها .
وكذا قول أبي طالب في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه، * ثمال اليتامى، عصمة للأرامل
يا كمال الحيدري تقول ( فلان جُودُ العشيرة) كناية عن مداومته على فعل الكرم والعطاء
الله تعالى ينوّر السموات والأرض بالشمس والقمر ظاهراً ، وتأويلاً ينورها بهداته والأدلاء عليه محمد وآله الأطهار صلوات الله عليهم، فلغلبة الفعل عبّر الله تعالى بالصفة محل الفعل، وهذه أيضاً يمكن أن تكون نسبة تشريف كقولنا عن الكعبة ( بيت الله)
نحن ليس بالهوى علمنا أن المقصود فعل التنوير بل لأننا قرأنا قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فكيف يصف ذاته تعالى بأنه لا شيء مثله ثم يمثل لذاته؟ كلا وإنما المقصود هنا هو فعلُ التنوير.

أما قولك : قال {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} لأنه النور من هو؟ الله نور السماوات وهذا يدل على الحصر فما دونه شيصير بعد؟ نورٌ أو ظلٌ؟ {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} ، إذا ما كان يريد هم يكون له ظل أو لا يكون له ظل يعني لا يكون له خلق،،هذا من الاستدلال القرآني!
أقول : توضح مما سبق بأنّ معنى قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو فعل التنوير.
أما الظل فقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} فقال: الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
المصدر: تفسير نور الثقلين , الحويزي, ج4 ص22.
جاء في لسان العرب: الفيء بالعَشِيِّ والظِّلُّ بالغداة، فالظِّلُّ ما كان قبل الشمس، والفيء ما فاء بعد.
ويوافق ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما جاء في مجمع البيان للطبرسي ونصه:
((أي: ألم تر إلى فعل ربك، ثم حذف المضاف، عن ألم تر إلى الظل كيف مده ربك، يعني الظل من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، عن ابن عباس والضحاك وسعيد بن جبير. وجعله ممدودا لأنه لا شمس معه، كما قيل في ظل الجنة ممدودا إذ لم تكن معه الشمس.
وقال أبو عبيدة: الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفئ ما نسخ الشمس وهو بعد زوال الشمس. ويسمى فيئاً لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} أي: مقيماً دائماً لا يزول، ولا تنسخه الشمس.
يقال: فلان يسكن بلد كذا: إذا أقام به. فهو مثل قول سبحانه: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) الآية.
في المعنى وفي هذا إشارة إلى أنه قادر على تسكين الشمس، حتى يبقى الظل ممدودا بخلاف ما يقوله الفلاسفة))
المصدر: تفسير مجمع البيان, الطبرسي,ج7 ص300.

قال كمال الحيدري: هسا سؤال: ليش تقولون عالم الإمكان واحد مو متعدد؟ أعزائي ليش تقولون وحدة وجود ما تقولون مولانا متعدد؟, أقول بيني وبين الله القرآن قال لنا كله واحد، تعدد ماكو، قرآن قال؟ بلي أنتم ماتقرؤون القرآن،، احنا ماذا نفعل لكم عندما ما تقرؤون القرآن!
القرآن يقول : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خلي ذهنك يمي،سموات وأرض جمعٌ لو مفردٌ؟ شتقولون جمع لو مفرد؟ -هذي نقطة- الضمير الذي يعود عليها جمع المذكر السالم لو يعود عليها المفرد؟ يا هو منهم؟ لابد إما يعود إذا جمع مذكر غير عاقل يعود عليها ضمير التأنيث، وإذا كان مجموع عاقل يعود عليه ضمير الجمع، أما إذا كان واحد قال {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} مع أنه لابد أن يقول (ربنا ما خلقت هذه باطلا) مو هذا باطلا شنو واحد ذا يتكلم لو كثير؟ هسا هنانا المفسرين حاروا أنّ المراد مولانا الخلق، وأنّ المراد المخلوق، هذا كله خلاف ظاهر الآية المباركة، قالوا هذي الآية تقول أنّ كل السموات والأرض وما بينهما كله واحد لو متعدد؟ هذا هم دليل القران!!
أقول: لا يحتاج الأمر عبقرية لنعرف علامَ يعود ضمير المفّرد المذّكر:
الله تعالى يقول: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
ركز يا كمال في المضاف كلمة (خلق) في الآية الكريمة تعرف أنّ الضمير (هذا) راجع على (الخلق)
في مجمع البيان للطبرسي في تفسير قوله تعالى {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} :
يقول: أي ما خلقتَ هذا (الخلق) عبثا..
فما الداعي لبهلوانياتك المضحكة تلك كلها يا كمال؟ هداك الله وشفاك..
هذا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين..
ذكرى مولد الإمام الحسين عليه السلام
3/8/1435 هـ
طالب علم

الاثنين، 28 أبريل 2014

إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود

إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم

يحاول العرفاء وبعض المتزلفين التغطية على عقيدة وحدة الوجود الكفرية باستخدام تعليقة السيد الخوئي (أعلى الله درجاته) على هذه المسألة ويروجونها بين المؤمنين للتمويه عليهم وخداعهم وصدهم عن الجادة بالتركيز على مسألة تعدد الأقوال حول الوحدة وأنواعها! فيدفع ذلك بعض من لا اطلاع له ولا باع في هذا المجال إلى أن يتوّهم بأن هناك قسماً مقبولاً من أقسام وحدة الوجود وأنّ ذلك هو الذي يعتقد به العرفاء!
فيصوّر المدلّسونَ للسذج من الناس بأنّ السيد الخوئي (رحمه الله) يوافقهم على هذا الاعتقاد الباطل! مستغلين جهلهم بمصطلحات الفقه والفلسفة والعرفان!
وللأسف الشديد رأيت بعضاً من المشايخ سليمي العقيدة ينقل التعليقة للعوام بغرض تبرئة العرفاء والحال أنها تدينهم وذلك إما جهلاً بمعناها أو تعمداً لتجنّب الإحراج حينما يسأله السائل عن عقيدة العرفاء فيجنح للهروب عن الجواب باستخدام تعليقة السيد الخوئي (رحمه الله) العصيّة على الفهم شيئاً على غير المتخصصين فيضيع السائل بين تلك الأقوال الكثيرة وغموضها! فيؤدي به الأمر في نهاية المطاف إلى أن يكون بسبب عدم فهمه وقلة علمه مصدوداً عن الحق من قبل المعاندين المُضلين تارة ومن قبل الجبناء تارة أخرى..

لذلك رأينا من اللازم في هذا المقال توضيح ما التبس على المؤمنين في هذه الفتوى وما لُبِّسَ عليهم، وأن نبيّن عقيدة العرفاء الحقيقية وبطلانها بحسب فتوى السيد الخوئي نفسه عسى أن نتمكن بفضل الله تعالى وببركات أهل البيت عليهم السلام من إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود.

أخي القارئ الكريم تجد هنا رابطاً لسؤال عن وحدة الوجود تم توجيهه إلى مركز الأبحاث العقائدية فأجابوا عليه بتعليقة السيد الخوئي (رحمه الله):

أما جوابنا حول تلك التعليقة فهو التالي:
إنّ السيد الخوئي (رحمه الله)  كان يناقش الأقوال في مسألة وحدة الوجود في جنبة الفقه للانتهاء إلى الحكم الشرعي الذي يترتّب على كل قول منها بالنسبة لقائله. وقد صرّح في بعضها بالكفر والزندقة، وفي أخرى بالبطلان والتخطئة وإن لم يستتبع ذلك عنده الكفر والزندقة حكماً تماماً كما هو الحال مع المخالفين المجسّمة فمقولتهم تلك هي كفر في الموضوع وليس في الحكم. أي أننا نحكم عليهم بالإسلام في الدنيا ولكنهم في الآخرة يُحشرون مع أهل الاعتقادات والملل الباطلة من المشركين والكفرة.. والحال ذاته بالنسبة لما تعرض له السيد في رأيه الفقهي حول الحكم على أصحاب كل مقالة لأهل وحدة الوجود، فالبحث إذن فقهي صرف لا كلامي أو فلسفي.. وإن كان السيد الخوئي في جزئية بسيطة قد عرض إلى نقض عقيدة وحدة الموجود بعيداً عن الجدل الكلامي من خلال الاحتجاج بقول أحد زعمائهم كما سيتبين لنا.

هناك فرق بين (وحدة الوجود) و (وحدة الموجود) ولكن جرى العرف بين أهل العلم على شمولهما بتعبير واحد وهو وحدة الوجود.
وحدة الموجود هي نظرية فلسفية شائعة عند العرفاء والمتصوّفة المنحرفين عن الإسلام وأهل البيت صلوات الله عليهم، ومفادها (حسب ما يدّعون) هو أن جميع الموجودات والماهيات إنما هي وحدة واحدة في الحقيقة، لا تختلف عن بعضها إلا بالظهور والتكثّر وما أشبه، كالبحر الذي هو واحد لكن أمواجه تختلف في ظهورها ليس إلا، وعلى هذا لا يكون ثمة خالق ومخلوق، فالكل واحد ذو حقيقة واحدة!
جاء في مادة العرفان للدكتور الشيخ محمد شقير  (التي تدرّس في جامعة آزاد الإيرانية (المصطفى) كلية الفلسفة والإلهيات) بعد أن عدد أنواع وحدة الوجود يقول : تعتقد فئة أخرى وهم العرفاء بوحدة الوجود والموجود معاً أي أن حقيقة الوجود أمر واحد وشخصي وأما بقية الموجودات فهي من تجليات تلك الحقيقة.
ويضيف أيضاً : يعتقد العرفاء أنه لا يوجد في الواقع سوى وجود وموجود واحد, وهذه الحقيقة الواحدة هي حقيقة مقيدة بجملة من القيود الاعتبارية , وهذا التقيد الذي هو سبب ظهور تلك الكثرات الوهمية وإلا فلا تكثر لا في الوجود ولا في الموجود!!
المصدر : مادة العرفان , الشيخ محمد شقير, ص17, جامعة آزاد الإسلامية, كلية الفلسفة والإلهيات.

فهم إذاً يعتقدون بوحدة الموجود لا وحدة الوجود فقط , وهذا القول (أي وحدة الموجود) أكثر كفراً من القول بوحدة الوجود, فهذا الثاني يثبتون فيه على الأقل تمييزاً بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه بادّعاء اختلاف المراتب وإن كان الوجود في مجموعه واحداً في الحقيقة.
وبشكل مبسّط نقول  : وحدة الوجود قول من لم يعرف الله تعالى فكأنما جعل وجود الله شيئاً وذاته شيئاً آخر..
مثلاً أنا بوصفي بشراً وجودي في الكون يعني أني أشغل حيزاً , فذاتي شيء, ووجودي شيء آخر..
وحدة الوجود كأن تقول انّ هناك نهران كلاهما يجريان في وقت واحد وفي مكان واحد نظير مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ وهذا البرزخ هو الفاصل بينهما ولكنهما من حيث الوجود متحدان في المكان والزمان وحقيتهما واحدة ولكنّ احدهما عذب والآخر أشد عذوبة..
وهذا باطل فإنّ وجود الله يختلف عن وجودنا.. وجود الله عين ذاته وذات الله فوق ان تُوصف أو تُقاس بالمخلوق.. بمعنى انّه ليس وجود الله شيئاً وذاته شيء آخر كما نحن البشر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا..
أما وحدة الموجود فلا تختلف عن وحدة الوجود سوى بكون القائلين بها يقولون بعينية ذات المخلوق والخالق..
بمعنى أنّ هناك نهراً واحداً فقط ولكنّ هذا النهر تارة نراه في صورة البول وتارة العرق وتارة العصير وهكذا..
المخلوق عندهم هو عين ذات الخالق ولكنه ظهر في صور متكثرة والعياذ بالله..

انّ سماحة السيد الخوئي (أعلى الله درجاته) تكلم عن وحدة الوجود التي هي أقل كفرية من وحدة الموجود التي يتبناها ابن عربي لأنّ الوجود حسب الظاهر تبدو حقيقته واحدة في الفكر الساذج البسيط فهذا على رأي سماحة السيد لا يستلزم تكفير قائله (حكماً).
السيد الخوئي (رحمه الله) بيّن أنه يقصد وحدة الوجود دون وحدة الموجود من كلامه بقوله:
القائل بوحدة الوجود إن أراد أن الوجود حقيقة واحدة ولا تعدد في حقيقته وأنه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن فهما موجودان وحقيقة الوجود فيهما واحدة والاختلاف إنما هو بحسب المرتبة لأن الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوة والتمام، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة وأحدهما خالق للآخر وموجد له. فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً...
فتلك هي وحدة الوجود وليست وحدة الموجود, وذلك الكلام في (العمق) ترد عليه إشكالات ويفنّده كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (الذي لما شبّههُ العادلون بالخلق المُبعّض المحدود في صفاته ، ذي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته ، وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته ، انتفى أن يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعاً عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
المصدر: التوحيد, الصدوق, ص55.
فقوله عليه السلام (وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته) أي لما شبهه الجاهلون به تعالى بالمخلوق ذي الصفات الماضي ذكرها في كلام المولى عليه السلام، وكان عز وجل بخلافها حيث أنه موجود بذاته عز وجل لا بأداته.. بمعنى أنه تعالى لا يحتاج إلى الوسائل التي هو سبحانه خالق لها كالمكان والزمان والأجزاء وهي أدوات ووسائل للمخلوق, والخالق غني عنها فوجوده تعالى وجود قائم بذاته منزّه عن الاحتياج للأداة، وكان تعالى بخلافها لأنّ وجوده تعالى قائم بذاته لا بأداته فقد انتفى عنهم مقام المعرفة الحقة لله تعالى والتقدير بمعنى التوقير والتعظيم لله تعالى..
إنّ وجود الله مغاير لوجود خلقه ولكن القول بوحدة الوجود يمكن حمله على الجهل بعظمة الله تعالى ونقص العلم وبساطة وسذاجة الفكر لدى من يقول بذلك.

أما وحدة الموجود وهي أن الله تعالى بوصفه موجوداً فإنه متحدٌ مع الموجودات الممكنة - والعياذ بالله- فهو زندقة بيّنة وانحراف فطري عن الإسلام والتوحيد وهذا (حكم) عليه سماحته بالكفر والزندقة!
فلو كان العرفاء يعتقدون بوحدة الوجود فقط دون وحدة الموجود لالتمسنا لهم الأعذار (رغم أن وحدة الوجود قول يتوهمه العقل الضعيف أما العالم العارف فلا يتوهم ذلك) ولكنهم في الحقيقة يعتقدون بوحدة الموجود  كما صرّح بذلك الدكتور الشيخ محمد شقير  مؤّلف مادة العرفان والتي تدرّس في جامعة آزاد الإيرانية (المصطفى) كلية الفلسفة والإلهيات.
المصدر : مادة العرفان , الشيخ محمد شقير, ص17, جامعة آزاد الإسلامية, كلية الفلسفة والإلهيات.

ويقول حسن زادة آملي : العارف في هذا المقام (أي مقام الفناء في الذات) يرى جميع أنواع الكائنات المختلفة متحدة كما أن الجاهل يحسبها متكثرة... وفي هذا المقام يتحقق بحقيقة التوحيد وكلمة ((لا إله إلا الله)) الطيبة، قائلاً بلسان الحقيقة ((يا هو يا من ليس إلا هو)) فإذن لا يبقى له ولا للممكنات الأخرى هوية، بل هوية الكل مضمحل ومتلاشٍ في تجلّي حقيقة الحق!!
المصدر : السير إلى الله , حسن زاده آملي, ص164- 165.
فهذا نص صريح وواضح من حسن زادة آملي على أنّ كل الكائنات متحدة مع الله (أي وحدة موجود)

إن حقيقة وجود الله تعالى لا يمكن إدراكها عقلاً لاستحالة إدراك كنهه جل وعلا، وهذا هو الموافق للأخبار والآثار، وإلا كان ذلك إحاطة به من الممكن، وهو أمر لا يمكن أن يقع كما لا يخفى، فالله محيط بالممكنات من كل الجهات إحاطة قدرة وعلم، ومنها الوجود بما هو وجود، فهو ممكن مخلوق له تعالى شأنه.
وليس قولنا: "الله موجود" إلا إثبات حقيقة مجهولة الكُنه خارجة عن حد التعطيل وحد التشبيه.
أما أهل الزيغ من الفلاسفة والعرفاء فإنهم لنفيهم غيرية الوجود بين الواجب والممكن فقد شبّهوا ومثّلوا الله تعالى بخلقه في هذه الصفة إذ جعلوا حقيقة وجوده نفس حقيقة وجود خلقه!
وهذا باطل عقلاً كما مرّ كما أنه باطل شرعاً، فقد قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ((ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إياه عنى من شبّهه))
المصدر :التوحيد للصدوق ص35.
وقال مولانا الصادق صلوات الله عليه: ((من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه))
المصدر: التوحيد للصدوق ص80.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام (وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفياته)
يقول العلاّمة المجلسي رحمه الله في شرحه : ( تنزّه ) أي تباعد وتقدّس عن (مجانسة مخلوقاته) أي أن يكون من جنسها إذ لا يشاركه شيء في المهيّة.
المصدر : بحار الأنوار , العلامة المجلسي, ج84 ص344.
ولآل رسول الله عليهم الصلاة والسلام أحاديث كثيرة يثبتون فيها (الهيمنة)المطلقة لله تعالى على مخلوقاته مقترنة (بالغيرية) لا الوحدة.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ((إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه (شيء) ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
المصدر : الكافي , الكليني, ج1 ص82.

قال السيد الخوئي : بل هو مذهب أكثر الفلاسفة بل مما اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى أ نّه (عليه السلام) يقول : «أنت الخالق وأنا المخلوق وأنت الرب وأنا المربوب» وغير ذلك من التعابير الدالة على أن هناك موجودين متعدِّدين أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامِّي...
أقول : هذا القول كما هو واضح لا علاقة له بدين العرفاء فكل الآيات والروايات التي يؤولها العرفاء يحاولون من خلال تأويلها إثبات الوحدة وليس الثنائية, ليس عندهم سوى الوحدة لأنهم ينفون الغيرية والاثنينية.. هي وحدة وفقط وحدة, حتى في عين الكثرة كما يقولون هي وحدة.
وأما هذا القول (أنت الرب وأنا المربوب) يثبت الثنائية.. كما أن السيد الخوئي لم يصنّف (العرفاء) تحت هذا الاعتقاد، فلاحظ هنا أنه يقول لك: أكثر الفلاسفة.. أي ليس جميعهم فهذا ليس توحيد العرفاء منهم, حيث سماحة السيد يقول (توحيد العامة)! وهذا تعريضٌ بالعرفاء لأنه خلاف توحيدهم !
العرفاء يسمون توحيدهم (توحيد خاصة الخاصة!) أو (باطن الخاص) لأنهم يقولون بالوحدة الشخصية الحقيقية .
يقول كمال الحيدري : وأما التوحيد الأرقى والأعلى مرتبة فهو توحيد أهل الطريقة والحقيقة (العرفاء) وهو المقصود في كلامه (أي حيدر الآملي) بتوحيد الباطن الخاص, وغاية مقصده ومنتهاه وصول الخلق إلى مشاهدة وجود مطلق (الله) والعزوف عن مشاهدة موجودات كثيرة!!
المصدر : العرفان الشيعي, كمال الحيدري, ص140.
فتبيّن إذاً أنّ العرفاء غير مقصودين من القول الأول فهو يشير إلى توحيد العامة وليس توحيد خاصة الخاصة  .
وهناك نوع آخر من الوحدة ويسمى توحيداً خاصياً وقد بيّن السيد الخوئي (رحمه الله) بطلانه أيضاً فقال : وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه لابتنائه على أصالة الماهية ـ على ما تحقق في محله ـ وهي فاسدة لأن الأصيل هو الوجود إلاّ أنه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .
أقول : وإن لم يستتبع ذلك عند السيد الخوئي (الحكم) بالكفر والزندقة إلا أنه حكم ببطلانه في جنبة (الموضوع) أي أنه كفر في الآخرة.

قال السيد الخوئي : إذا أراد القائل بوحدة الوجود وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما فيلتزم بوحدة الوجود والموجود وأنه الواجب سبحانه إلاّ أن الكثرات ظهورات نوره وشؤونات ذاته ، وكل منها نعت من نعوته ولمعة من لمعات صفاته ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص ، وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألِّهين ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين قائلاً : بأن الآن حصص الحق واضمحلت الكثرة الوهمية وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلاّ أنه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام . وكيف كان فالقائل بوحدة الوجود ـ بهذا المعنى الأخير ـ أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته ما دام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد.

أقول : بينّا في  المقدمة بأن السيد الخوئي (أعلى الله درجاته)  كان يناقش الأقوال في مسألة وحدة الوجود في جنبة الفقه فالبحث فقهي صرف لا كلامي أو فلسفي لذلك كان يذكر الحكم على كل نوع.
وفي هذا النوع لم يصدر السيد الخوئي (رحمه الله) (الحكم) بالكفر في الدنيا على من يقول بهذا النوع من الوحدة في حال لم يظهر منه إنكار لواجب أو ضروري.
فيقول: ما دام لم يلتزم بتوالٍ فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد.
هذا الصنف يعتقد بوحدة الوجود أي يثبت وجود الواجب (الله) ووجود المخلوق ولكنه أيضاً يعتقد بوحدة الموجود فيقول إن الموجودات تجليات لذات الله تعالى والعياذ بالله! وهذا قول باطل فذات الله تعالى لا يمكن أن تتجلى بحال في عالم الإمكان وإلا تكون مخلوقة لا خالقة والعياذ بالله.. إنما المخلوقات (آيات) تتجلى (بها) ومن خلالها عظمة الذات الإلهية وليست هي نفسها (تجليات) الذات الإلهية..
الأمر الآخر أنّ السيد الخوئي صرح بأنه لم يظهر له المعنى من كلامهم لذلك قال : إلاّ أنه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام...) ولذلك لم يحكم عليهم بالكفر والنجاسة في الدنيا..

ذكر السيد الخوئي رحمه الله أنّ الملا صدرا نسب هذا القول إلى الذين وصفهم الملا صدرا بالأولياء وعظماء أهل الكشف واليقين . وذلك الكلام من الملا صدرا مبهم كما هي عادة القوم في استخدام التورية وإحاطة أنفسهم بالأسرار والضبابية!
(اضمحلت الكثرة الوهمية)!
إنّ  الكثرة وهم عندهم وهذه رموز بينهم وهم يعرفون فك شفراتها! وكأنهم المنظمة الماسونية!!
فلو ظهر للسيد الخوئي (رحمه الله) معنى ما يريدونه أي أفصحوا عنه صراحة لأصدر الحكم بالكفر ولكنه وفق اجتهاده لم يصدر هذا الحكم عليهم من خلال عبارات تبدو مبطّنة كتلك! إلا أنّ غير السيد الخوئي ممن بدا وتجلى لهم من خلال تتبعهم وتفحصهم حقيقة ما يريدون قد حكموا عليهم بالكفر كالمرعشي النجفي والسيد الشيرازي والشيخ الفياض والسيد عبد الحسين دستغيب وغيرهم (رضوان الله عليهم)
ولفك بعض شفرات عقيدة العرفاء ومعرفة حقيقة ما يعتقدون راجع مقالتنا بعنوان (ما معنى الشطح عند العرفاء ؟)

وعلى كل حال السيد الخوئي لم يصحّح هذا القول ولم يقل بأنه عقيدة إسلامية  بل على العكس فقد حكم ببطلانه ( أي أنه ضلال وزيغ من حيث الموضوع) إلا أنه لم يحكم على القائل به بالكفر في دار الدنيا إذا لم ينكر الواجب والضروري..
ولو تأمل القارئ الكريم وتتبع أقوال العرفاء وتصريحاتهم لعلم بأنهم لا يعتقدون بهذا القول السابق أصلاً وإنما يقولون أنه لا يوجد سوى الواجب فقط وليس هناك سوى وجود واحد وكل ما هو موجود هو (الله) وستتضح للقارئ الكريم هذه الحقيقة فيما يلي.

قال السيد الخوئي : وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأول وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة وأنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة ، لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما أنه في السماء سماء وفي الأرض أرض وهكذا ، وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص وهذا القول نسبه صدر المتألهين إلى بعض الجهلة من المتصوفين ، وحكى عن بعضهم أنه قال : ليس في جبتي سوى الله ، وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار فان العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدعي اختلافهما بحسب الاعتبار وكيف كان فلا إشكال في أن الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة ، لأنه إنكار للواجب والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلاّ بالاعتبار ، وكذا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبو جهل مثلاً متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس وإنما يختلفان بحسب الاعتبار....
أقول : لقد أنكر الملا صدرا أنّ العرفاء يعتقدون بوحدة الموجود التي تسمى عندهم بتوحيد خاصّ الخاصّ فنسب هذه العقيدة إلى جهّال المتصوّفة!!ونفى أن تكون هي عقيدة كبارهم ورؤسائهم! وسنبيّن كذب هذا الإدعاء في السطور القادمة إن شاء الله.

لقد نسب الملا صدرا هذا القول إلى جهّال المتصوّفة لكي يُوهم الناس بأن العرفاء لا يعتقدون بوحدة الموجود التي يقولون فيها بالوجود الواجبي فقط بمعنى أنه لا يوجد سوى الله فقط وليس ثمّة وجود للممكن (المخلوق) , والصحيح أنهم يعتقدون بها وصرّح بهذه العقيدة كبارهم كابن عربي والرومي (صاحب المثنوي) وحيدر الآملي والخميني وحسن مسقطي وأخيه الأصغر حسين المسمى بالعالم وغيرهم  وقالوا بكل صراحة مقولة الحلاج والبسطامي (ليس في جبّتي سوى اللّه) وبرروا التفوّه بها!
وهذه الكلمة هي ترجمان واضح لهذه العقيدة الكافرة لذلك ربطها السيد الخوئي (رضوان الله عليه) بالقول بوحدة الموجود فقال: وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه . . . فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟ ! كيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
المصدر: التنقيح , الخوئي, ج3 ص81-82.
إذاً كل من يصرّح بهذا القول (ليس في جبّتي سوى اللّه ) أو يجوّزه يكون في (الحكم والموضوع) كافراً زنديقاً بحسب فتوى السيد الخوئي (قدس سره) لأن هذا القول من مصاديق الاعتقاد بوحدة الموجود.
إنّ مقولة (ليس في جبتي سوى الله) هي من لوازم القول بوحدة الموجود الكفرية!
يقول العلاّمة الميرزا حبيب الله الخوئي (رحمه الله) حول هذه المقولة: والظاهر صدور هذا الهذيان (أي قول ليس في جبتي سوى الله) من خبيثِ لسانِ كلا الرّجلين (البسطامي والحلاج) بلا اختصاص له بأحدهما ، لأنّه مقتضى القول بوحدة الوجود و من لوازمه...)
المصدر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص292.

هل صرّح العرفاء بهذا العبارة؟
تبيّن مما تقدّم أن عبارة (ليس في جبتي سوى الله) من لوازم القول بوحدة الوجود الكفرية والتي أفتى فيها السيد الخوئي (رحمه الله) بقوله : لا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
وهذا الحكم ينطبق على كل من يصرّح بهذا التصريح من  العرفاء!

ليس في جبتي سوى الله على لسان ابن عربي:
يقول ابن عربي:
ليس في الجبة شيء غير ما *** قاله الحلاج يوماً فانعموا
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2 ص320.
فهذا ابن عربي كبير العرفاء يصرّح بمقولة الحلاّج الكفرية ويعتقد بها لذلك قال هذه العبارة: (ليس في الجبة شيء غير ما) مقرونة بقوله (قاله الحلاج) فهو هنا يؤّكد على صحة قول الحلاّج! بل يختلق له التبريرات أيضاً!
يقول ابن عربي : قال بعض الرجال (أي الحلاج) ما في الجبة إلا الله وأراد هذا المقام يريد أنه ما في الوجود إلا الله كما لو قلت ما في المرآة إلا من تجلى لها لصدقت مع علمك أنه ما في المرآة شيء أصلاً!!
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج3 ص79.

أقول : العرفاء اليوم يسيرون بسيرة ابن عربي فبدلاً من قولهم (ليس في جبتي سوى الله) يقولون (ليس في الدار غيره ديار)!!
فابن عربي حلاجي العقيدة فهو كالحلاّج تماماً ويصرّح بنفس قوله! (ليس في جبّتي سوى اللّه) فهو إذن في الحكم والموضوع كافرٌ زنديقٌ بحسب فتوى السيد الخوئي (رحمه الله).
وقد سار العرفاء على دين كبيرهم ابن عربي فأخذوا يسوقون التبريرات لهذا القول الكفري ويلبسونه ثوب الإسلام!
يقول العارف حسين العالم (وهو الأخ الأصغر للعارف حسن مسقطي) : عندما يصل العبد إلى هذا المقام (الفناء في الذات الإلهية) لا يبقى هناك إلا المحبوب الحقيقي ، فكما أن الفراشة عندما تحترق بالنار لا يبقى منها إلا النار ، كذلك السالك حينما يفنى في النور لا يبقى منه إلا النورانية. وعند وصوله إلى هذا المقام ، بأي طرف يرنو بنظره لا يرى غير الله ، وعندما ينظر إلى نفسه لا يجد لنفسه أثراً ، فتخرج الصيحة منه بلا اختياره "لا إله إلا أنا فاعبدوني" ، أو "سبحاني ما أعظم شأني" ، أو "ليس في جبتي سوى الله تعالى". لماذا يقول ذلك في حين أنه ليس الله ؟ يا عزيزي كلما يرنو بنظره لا يرى نفسه ... فهو فاني. فماذا يفعل فإنه لا يرى غير المحبوب. وعندها يتكلم لا بلسانه بل بلسان الله يتكلم.
المصدر: قدوة الفقهاء والعرفاء ,تقي الموسوي,ص286.
يقول إن الله هو الذي يتكلم !! فيقول الله ليس في جبتي سوى الله!! (نعوذ بالله)
فهل بعد هذا الكفر كفر؟!

ليس في جبتي سوى الله على لسان صاحب المثنوي:
يقول جلال الدين الرومي : عندما طارت عنقاء الانسلاخ عن الذات بدأ أبو اليزيد (البسطامي) في ذلك الكلام. (أي تصريحه بقوله ليس في جبتي سوى الله)
- اختطف سيل الحيرة منه العقل فنطق بأفظع مما نطق به في البداية!
قال (البسطامي) ما في الجبة غير الله فإلامَ بحثك في الأرض والسماء؟
- فجن أولئك المريدون جميعاً وأخذوا يطعنون جسده الطاهر بالمُدى! (أي طعنوا جسد البسطامي بالسكاكين)
كان كل واحد منهم كملحدى (كزده كوه) قد أخذ في طعن شيخه (البسطامي) دون انقطاع!
وكان كل من يطعن الشيخ بسلاحه يرتد إليه ويمزق جسده هو!!
ولم يكن هناك أثر واحد على جسد صاحب الفضل ذاك (أي البسطامي), وأولئك المريدون جرحى وغرقى في الدم!
فكل من وجه في صدره مزق صدره هو وأصبح ميتاً إلى الأبد!
وذلك الذي كان عارفاً ـ نصف معرفة ـ بمقام ذلك السلطان (البسطامي) لم يطاوعه قلبه على أن يطعنه طعنة ثقيلة!
لقد قيدت نصف معرفة يده فكسب روحه إلا أنه جرح نفسه فحسب.
وانتهى اليوم وقد ارتفع النواح من بيوت أولئك المريدين الناقصين!
ذلك أن المنسلخ عن الذات فانٍ في الله وآمن وهو ساكن إلى الأبد في الأمن.
لقد صارت صورته فانية وصار هو مرآة ولا يبدو في المرآة إلا صورة وجه الغير.
فإن بصقت في المرآة فإنما تبصق على نفسك وإذا ضربت أمام المرآة فإنك تضرب نفسك.
وإذا رأيت وجها قبيحاً فهو وجهك وإن رأيت عيسى بن مريم فهو أنت أيضاً!!
المصدر : المثنوي , جلال الدين الرومي ,ج4 ص221-222.

أقول: لقد بينا في مقالاتنا السابقة بأن العرفاء لا يكشفون عن عقيدتهم الأصلية ولا يصرّحون بها أمام الناس فهي عندهم سر من الأسرار التي لا يمكن كشفها إلى غيرهم بل لا يكشفونها حتى للسالك نفسه إلا إذا تعدى مرحلة الشريعة والطريقة ووصل إلى مرحلة الحقيقة!!
فهم لا يكشفون عن هذا السر للسالك إلا بعد عملية إعادة  برمجة دماغ تامة  تبدأ بإجهاده بالرياضات النفسية لكي يختل عقله أولاً ثم بعد ذلك يسهل اعتقاده بهذه الخزعبلات!!
ولكن أبا يزيد البسطامي صرّح بهذه العقيدة أمام مريديه وهم في بداية المشوار لذلك ثاروا عليه وطعنوه بالسكاكين!!
فيقول الرومي المعتقد بوحدة الموجود: قال (البسطامي) ما في الجبة غير الله ...فجنّ أولئك المريدون جميعاً وأخذوا يطعنون جسده ( أي البسطامي) الطاهر بالمُدَى (أي السكاكين)!
ولأنه كان في حالة الفناء المطلق مع الله والتي عبر عنها الرومي بقوله: أن المنسلخ عن الذات فانٍ في الله وآمن وهو ساكن إلى الأبد في الأمن, لقد صارت صورته فانية وصار هو مرآة ولا يبدو في المرآة إلا صورة وجه الغير.
فأصبح البسطامي عين ذات الله لأنه فني في الذات الإلهية! فهو الله والله هو (والعياذ بالله) فقد فنيت صورة البسطامي فأصبحت (عين) الذات وبهذا تحول إلى مرآة تبدو فيها صورة وجه الكائنات الأخرى. فحتى المريدون على هذا هم ذات الله ولكن لا يشعرون.
ما الذي يراه الإنسان في المرآة؟ صورته؟ أي عند ذلك الزنديق المخلوق يرى من خلال النظر إلى الخالق انعكاس صورته! أي ليس يوجد شيء في الحقيقة سوى المخلوق وبهذا يكون هو الله والعياذ بالله!
يقول الرومي: إن بصقت في المرآة فإنما تبصق على نفسك وإذا ضربت أمام المرآة فإنك تضرب نفسك, وإذا رأيت وجها قبيحاً فهو وجهك وإن رأيت عيسى بن مريم فهو أنت أيضاً!! (كل شيء هو أنت وأنت كل شيء)
المريدون الجهلة لم يكونوا يعلمون بأنهم عين ذات الله ولم يعلموا بأن البسطامي فانٍ في الذات الإلهية! فهم إذا طعنوا البسطامي يطعنون أنفسهم!
أما الذي كانت عنده نصف معرفة بعقيدتهم وحدة الموجود لم يطعن شيخه بقوة ولو كان عنده النصف الآخر لأيقن بأنه لا يستطيع الطعن في الذات الإلهية!!
هكذا يعرض الرومي (صاحب المثنوي) عقيدته وحدة الموجود فهو على دين الحلاّج والبسطامي والعرفاء تبعاً له يعتقدون بهذا الاعتقاد الكافر! فلا تجد أحداً منهم إلا ويمجد المثنوي وصاحبه!!

ليس في جبتي سوى الله على لسان حيدر الآملي:
يقول حيدر الآملي : إعلم أن الفقر هو عدم التمليك مطلقاً حتى عن وجوده وكل شخص يحصل له هذا الفقر على ما ينبغي لا شك أنه يخرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني وإذا خرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني لابدّ وأن يدخل في حكم الوجود الحقيقي الواجبي الكلي لأن الشيء إذا جاوز حدّه انعكس ضدّه , والوجود إما واجبي أو إمكاني والاتصاف بأحدهما ضروري فافهم وحقق معنى قولهم: إذا تم الفقر فهو الله!!! وأعرف بالحقيقة أن افتخار النبي عليه السلام بالفقر لم يكن إلا بمثل هذا , وسبحاني ما شأني ليس إلا في هذا المقام وكذلك أنا الحق ومن مثلي وهل في الدارين غيري وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
المصدر : تفسير المحيط الأعظم, حيدر الآملي ,ج2 ص431.

أقول : هنا الآملي يعترف بكل صراحة بأن كل شخص يحصل له هذا الفقر الذي يعني الفناء المطلق في الله , يخرج من حكم الإمكان (المخلوقات) إلى حكم الواجب (الله) فيصبح هو والواجب شيئاً واحداً!!
ولكي لا تتوهم أنه يقصد شيئا آخر جاء لك بنصوص المتصوّفة ليؤكد على هذا المعتقد الكافر فقال : (وسبحاني ما شأني) ليس إلا في هذا المقام وكذلك ( أنا الحق، ومن مثلي، وهل في الدارين غيري، وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
فهو إذاً يعتقد بوحدة الوجود والموجود (حقيقة) وأنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ (موجود واحد) هو الله  وهي ما تسمى بـ (توحيد خاص الخاص)
إنّ ما يعبّرون عنه في محاولات التمويه بالفناء في الذات الإلهية والحب والعشق هو فقط سلوك عملي عبادي يتم تكريسه لتثبيت أصل اعتقادي عندهم وهو وحدة الموجود..

نرجع للملا صدرا الذي نسب هذه العقيدة إلى جهّال المتصوفة ونقول له :
هل ابن عربي من جهّال المتصوفة؟
وهل الرومي من جهّال المتصوفة؟
وهل حيدر الآملي من جهّال المتصوفة.؟
وهل فلان وفلان وفلان ... من جهّال المتصوفة؟
كل هؤلاء صرّحوا بهذه العقيدة وبرروا قول (ليس في جبتي سوى الله)!! وهم من كبار القوم بل أكبرهم فابن عربي هو شيخهم الأكبر وقد صرّح بقوله :
ليس في الجبة شيء غير ما *** قاله الحلاج يوماً فانعموا
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2 ص320.
وهذه المقولة (ليس في جبتي سوى الله) مشهورة على لسان أبي يزيد البسطامي ومتواترة عنه ولكن الملا صدرا ينكر ذلك أيضاً ويدافع عن البسطامي!!
يقول المقدّس الأردبيلي في حديقة الشّيعة : إنّ هذه الطايفة أي الصوفيّة كانوا يؤدّون في المجالس بعض أسرارهم الكفرّية بالرّمز والإشارة إلاّ أبو يزيد (البسطامي) ، فإنّه يقول مكرراً غير هائب و لا محتشم : ليس في جبّتي سوى اللّه و سبحاني سبحاني ما أعظم شأني!!
المصدر : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص297.
لقد وضّح المقدّس الاردبيلي هنا بأن المتصوّفة يخفون كفرهم باستخدام الرموز والإشارات أما أبو يزيد البسطامي كان يجاهر بالكفر وبدون خوف ولا خجل ولا حياء فيقول : ليس في جبّتي سوى اللّه!!
فهي مقولة مشهورة جداً على لسان البسطامي إلا أن الملا صدرا يداري ويتسّتر على سر عقيدتهم الكافرة بمثل ذلك الإنكار السمج المفضوح الذي يستخف فيه بعقول الناس كعادته!!
يقول الملا صدرا : أما أبو يزيد البسطامي , فلا يصح عنه ما حُكي عنه لا لفظاً ولا مفهوماً ولا معنى . وإن ثبت أنه سُمع منه ذلك , فلعله كان يحكي عن الله تعالى في كلام يردد في نفسه , كما لو سمع منه وهو يقول : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} فإنه لا ينبغي أن يقال ذلك إلا على سبيل الحكاية.
المصدر : كسر أصنام الجاهلية, الملا صدرا ,ص48.
فإذا كان الملا صدرا ينكر المسلَّمات هكذا بكل وقاحة لأجل عيون أبي يزيد البسطامي وأتباعه ويُجمّل الوجه القبيح لأقواله الكفرية  فما ظنك أن يفعل للتستر على شيخه الأكبر ابن عربي وغيره من كبار العرفاء؟؟!

يقول السيد الخوئي: (إنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار)
ملا صدرا مُجبرٌ لا بطل وليس أمامه سوى الإنكار لكون إنكار تلك الخزعبلات هو ما يؤيده الاعتبار عند العقلاء وهو يعلم أنه لا عاقل يقبل بمثل تلك المقولات الكفرية.
السيد الخوئي ينقل فقط إنكار ملا صدرا لهذه العقيدة الكفرية ، وسماحته هنا قد هدم ونقض تلك العقيدة الكفرية في سطر واحد بنقله ذلك الإنكار من الملا صدرا وهذا في مقام الاحتجاج يحرج العرفاء وأتباعهم. فإن كان اعتقادهم حقاً ولا معابة عليه فلماذا ينسبه الملا الملا صدرا إلى من أسماهم جهّال المتصوفة! وهذه النقطة قد تنبّه لها الخميني فانبرى للرد على الملا صدرا كما سيتبين خلال السطور القادمة.

كما أسلفنا فإنّ السيد الخوئي ينقل فقط إنكار ملا صدرا لهذه العقيدة الكفرية كما هي عادة أهل الباطل, ولكن الله يظهر الحق على ألسنتهم كما هي سنته تعالى على مدى الأعصار! لقد نقلنا بعض تصريحات العرفاء التي جرت على ألسنتهم وهي تدّل على اعتقادهم بهذه العقيدة الإلحادية!
إنّ العرفاء قوم يحيطون أنفسهم بالضبابية ويتحايلون ويتلونون ويتناقضون فعقائدهم باطنية ويمارسون ما يشبه التقية من المؤمنين الموحدين الذين يسلقونهم بأحد لسان وينبذونهم، ولكن الله يفضحهم فهم لا يتمكنون من إخفاء مودتهم للزنادقة من المتصوّفة فمودتهم لهم مصدرها تشابه قلوبهم.
ورغم أنّ الملا صدرا تصدرُ منه بعض التصريحات في هذه العقيدة (وحدة الموجود) ويدافع عن الزنادقة المعتقدين بها إلا أنه من جانب آخر لم يستوعب مقامات هذه العقيدة جيداً كما يبدو, وهذا ما كشفه كبير العرفاء في هذا العصر !
فحينما نسب هذه العقيدة (وحدة الموجود) إلى جهال المتصوّفة غضب الخميني عليه فأخرجه من زمرة العرفاء الواصلين!!
يقول مصطفى الخميني : قوله جهّال المتصوفة . أقول : هو (أي الملا صدرا) قدس سره متّهم في نقل كلمات الأكابر (المتصوّفة) , وقد سمعت من والدي العارف (الخميني) الجامع بين العلم والعمل أنه (أي الملا صدرا) ليس من أهل هذا العلم فلا وجه لتصرفه في مقالتهم ولذلك ترى إنكار بعض ما هو بديهي عندهم منه مثل قاعدة (كل شيء في كل شيء) بل هي خفية على أرباب العقول (الفلاسفة) و جلية على أصحاب الشهود (العرفاء)!!
المصدر : تعليقات على الحكمة المتعالية , مصطفى الخميني, ص619.

أقول : يبيّن الخميني هنا بأنّ الملا صدرا مائلٌ إلى الفلسفة أكثر من العرفان فلذلك لم يستوعب مقامات عقيدة العرفاء (وحدة الموجود) بشكل جيد فأنكر بعض المسلَّمات عندهم ونسبها لجهال المتصوفة!!

الخلاصة:
انكشف من خلال ما تقدّم الالتباس الواقع فيه بعض المؤمنين حول تعليقة السيد الخوئي (أعلى الله درجاته) على وحدة الوجود وقد بينّا بأن العرفاء يعتقدون بوحدة الموجود الحقيقية لا وحدة الوجود فقط, لأنهم يصرّحون بمقولات كفرية هي من لوازم القول بوحدة الموجود الحقيقية الكفرية كقولهم (أنا الحق) و (ليس في جبتي سوى الله) و (سبحاني ما أعظم شأني)
وقد بيّنا بأنها كفر وزندقة والقائل بها محكوم بالكفر بحسب فتوى السيد الخوئي (قدس سره) حيث قال : : وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه . . . فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟ ! كيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
المصدر: التنقيح , الخوئي, ج3 ص81-82.
كما كشفنا سخافة ادعاء الملا صدرا وبطلانه حينما أنكر اعتقاد العرفاء بهذه العقيدة ونسبها إلى جهال المتصوّفة ليتستر على كبارهم بسلاح الإنكار كما فعل ذلك حينما دافع عن البسطامي الذي اشتهر عنه قوله: (ليس في جبتي سوى الله) فأنكر المقولة من رأس!
وقد فعل ذلك خوفاً من نقمة المؤمنين , بينما من جهة أخرى امتعض الخميني من مقالة ملا صدرا تلك وكشف عن كون الملا صدرا كان فيلسوفاً أكثر منه عارفاً لذا لم يستوعب مقامات عقيدة وحدة الموجود جيداً فأنكر بعض المسلَّمات عندهم ونسبها إلى جهال المتصوّفة.
ولهذا لا ينفع المدافعين عن العرفاء التشدّق بتعليقة السيد الخوئي (رحمه الله) حول وحدة الوجود لأن السيد حكم بكفرية عقيدتهم وحكم ببطلانها في نفس هذا التعليق!
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
15/6/1435 هـ