الاثنين، 19 نوفمبر 2018

لغز الإمام الخامنئي مع فلسفة العلامة الطباطبائي

لغز الإمام الخامنئي مع فلسفة العلامة الطباطبائي


في بداية خمسينيات القرن الماضي عقد العلامة الطباطبائي جلسات خاصة لتدريس الفلسفة وقد تولى تلميذه المقرّب الشيخ مرتضى المطهري مهمة تقرير هذه الدروس ثم علّق عليها وطبعت سنة 1953م في كتاب بعنوان: "أصول فلسفة وروش رئاليسم" أي أصول الفلسفة والمنهج الواقعي وقد حصل هذا الكتاب على جائزة الشاه محمد رضا بهلوي!

جاء في مقدمة كتاب مفاهيم إسلامية: (واشترك الأستاذ-أي المطهري- في سنة 1329 الموافق لعام 1371هـ ق (1951م). في محضر بحث المرحوم الاستاذ العلامة الطباطبائي وقرأ لديه فلسفة ابن سينا. وعقد له مجلس درس خاص للتحقيق عن الفلسفة المادية فكانت أبحاثه حجر الأساس لتأليف كتاب “أصول فلسفة وروش رئاليسم”). (مفاهيم إسلامية، المطهري،ص7).

وقد اشترك السيد محمد حسيني بهشتي في حضور هذا الدرس حيث دعاه الشيخ المطهري للحضور وقد جاء ذلك على لسان ابنه السيد محمد رضا بهشتي حين قال: (وفي سنة 1952م نجح-أي السيد محمد حسيني بهشتي- في امتحان القبول للحصول على زمالة دراسية خارج البلاد وقال: “ذات يوم قال لي الشهيد مطهري بأن السيد الطباطبائي بدأ بتدريس الحكمة والفلسفة الإسلامية ومن الأفضل أن نحضر هذا الدرس فذهبنا وكان أسلوب وسلوك الاستاذ الطباطبائي بدرجة بحيث أسرنا، واستمرت هذه الجلسة خمس ساعات وبعد ذلك تحول هذا الدرس إلى درس قواعد الفلسفة والمنهج الواقعي). (سيرة وحياة الشهيد بهشتي،ص46).
تلاحظ أخي القارئ أنّ هذه الدروس بدأت عام 1371هجري قمري الموافق لسنة 1951 ميلادي وقد قررها الشيخ المطهري وبعد ذلك علّق عليها وطبعت في كتاب سنة 1953م.
جاء في كتاب جولة في حياة الشهيد مطهري: (وفي شوال عام 1371هـ. ق-الموافق لعام 1951م-… وفي العام نفسه بدأ نشاطاته العلمية وأنهى تأليف مقدمة الجزء الأول من كتاب أصول الفلسفة كما أنهى حاشيته عليه في عام 1372هـ. ق –الموافق لعام 1952م- وفي السنة التي تلته أنهى شرح الجزء الثاني من الكتاب). (جولة في حياة الشهيد مطهري، ص145).
وقد ذكرت بعض المصادر أن الكتاب-أي أصول الفلسفة والمنهج الواقعي- طبع قبل سنة 1953م فقد جاء: (الآثار العلمية للعلامة …الآثار المطبوعة …اللغة الفارسية…اصول فلسفة وروش رئاليسم “مبادئ الفلسفة ومنهج الواقعية” قبل عام 1953م). (محمد حسين الطباطبائي مفسراً وفيلسوفاً،ص354).

والصحيح هو أن الدروس كانت قبل سنة 1953م ولكن الطباعة حدثت في طهران بعد هجرة المطهري إليها سنة 1953م فقد جاء: (ونلفت إلى أنّ الكتاب-أي أصول الفلسفة والمنهج الواقعي- صدر مع هوامش توضيحية أحد أبرز تلاميذ الإمام رحمه الله والعلامة الطباطبائي وهوالعلامة الشهيد مطهري، وانتشر على نطاق واسع منذ عام1953م). (الخريطة الفكرية الإيرانية عشية الثورة،حميد بارسا نيا، ص401).
فكما تلاحظ أخي القارئ أن الدروس الفلسفية التي تمخض عنها كتاب “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي” كانت في سنة 1951م ثم طبعت في طهران سنة 1953م.

ولكن الأمر العجيب الذي حيّر العقلاء وأدهش العلماء هو حضور الإمام الخامنئي هذه الدروس رغم الفارق الزمني حيث جاء في كتاب “الامام الخامنئي السيرة والمسيرة”: (كان للسيد القائد حين إقامته (1958 ـ 1964م) في قم إلى جانب دراسته للعلوم الدينية، حضوره الفاعل في النهضة التي بدأها الإمام في إطار مواجهته للاستبداد الذي كانت تمارسه حكومة الشاه العميلة. وكان السيد قد تعرف على كبار الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في قيام الثورة آنذاك منسقاً معها في أنشطته وفعالياته السياسية) ثم نقل الكاتب قول الإمام الخامنئي: (لقد حضرت في السنة الأولى والثانية لدراستي في قم جلسات ليالي الخميس والجمعة التي كان يلقي فيها العلامة الطباطبائي محاضراته الفلسفية والتي تمخضت في الختام عن تأليفه لكتاب أصول الفلسفة، حيث ابتدأ محاضراته منذ سنة 56ـ57 وقد حضرت تلك الجلسات لبضع شهور، الأمر الذي جعلني أتعرف على بعض الفضلاء الذين كانوا يشتركون فيها)! (الإمام الخامنئي السيرة والمسيرة، ص37).

كما تلاحظ أخي القارئ فإنّ الإمام الخامنئي ذكر في هذا النص أنه حضر في السنة الأولى والثانية من تواجده في قم درس الفلسفة عند العلامة الطباطبائي وقد تحوّل هذا الدرس إلى كتاب أصول الفلسفة!
ويشير الكاتب إلى أنّ فترة وجود الإمام الخامنئي في قم المقدسة كانت من سنة 1958 إلى سنة 1964، ولكن حينما ترجع لتصريح الإمام الخامنئي حول دراسته عند السيد الميلاني في مشهد تجد أنه قال قد حضر عنده إلى أواخر سنة (1958م)!
جاء في كتاب مختصر شمس الولاية على لسان الإمام الخامنئي: (فحضرت درسه -أي السيد الميلاني- في الأصول لمدة سنة، والفقه سنتان ونصف حتى أواخر عام (1958م) عندها توجهت إلى قم). (مختصر شمس الولاية، مركز باء للدراسات، ص42).

وهذا يعني أنه ذهب إلى قم المقدسة في أواخر أيام سنة (1958م) فتكون السنة الأولى من تواجده في قم المقدسة هي سنة 1959م.
وعلى هذا نكتشف أن الدرس الذي ألقاه العلامة الطباطبائي سنة 1951م والكتاب الذي قرره الشيخ المطهري وعلّق عليه وطبع سنة 1953م , قد رد من جديد لكي يحضر الإمام الخامنئي الدرس سنة 1959م! فقد رد الدرس كما ردت الشمس!

وقد تحدثنا في المقالين السابقين عن المعاجز والخوارق التي حدثت للإمام الخامنئي أثناء دراسته العلوم الدينية في الحواضر العلمية, وقد عرضنا بعض النصوص التي يفهم من خلالها طيّه للأرض وكذلك الزمن!
وفي هذا المقال نموذج آخر من معجزاته وخوارقه العجيبة حيث رُدَّ له الماضي وعاد به الزمن إلى الوراء واستطاع حضور درس الفلسفة عند العلامة الطباطبائي, فكأنما رُدَّ الدرس كما ردت الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام!

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
9/ربيع الأول/1440 هـ
عيد الغدير الثاني