الاثنين، 31 يوليو 2023

الإدمـــــــــــــــــــــاء.. هو التعبير الصادق عن يوم عاشوراء

 💔الإدمـــــــــــــــــــــاء

هو التعبير الصادق عن يوم عاشوراء 💫

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين.

لفت انتباهي قبل مدة أحد المشايخ الكرام حين قال: (لو أراد أحد الرسامين رسم لوحة عن يوم عاشوراء فإنه سيملأ تلك اللوحة باللون الأحمر تعبيرًا عن الدماء الطاهرة التي سفكت في ذلك اليوم، لأن لون الدم هو التعبير الصادق عن ذلك اليوم الدامي).

نعم، قد تتعدد اللوحات الفنية وتتشكل بحسب الصبغة التي يراد التعبير من خلالها عن مضمون اللوحة، فعندما يريد الرسام رسم منظرٍ طبيعيٍّ عن فصل الربيع (مثلًا) ستجد اللون الأخضر هو اللون الطاغي على تلك اللوحة، وفي فصل الشتاء ستجد اللون الأبيض- وهو لون الثلج- طاغيًا على تلك اللوحة، وكذلك في بقية الفصول ستجد هناك لونًا طاغيًا على تلك اللوحات، وكذلك لو أراد الرسام رسم السماء الصافية أو البحر، ستجد اللون الأزرق هو الطاغي وفي رسم الصحراء تجد لون الرمال.

وهذا الأمر نجده في كل لوحه فنية، فحينما يريد الرسام رسم ما حدث في يوم عاشوراء أو التعبير رسمًا عن تلك الواقعة الأليمة ستجد أنّ اللوحة في غالبها مصطبغة باللون الأحمر! وأنّ اللون الطاغي هو لون الدم! فالتعبير عن عاشوراء لا يتم إلا بالدم، فالدم هو التعبير الصادق عن تلك الحادثة!

إن الشعائر الحسينية المقدسة هي استحضار للمصيبة واستشعار للألم في يوم عاشوراء وكأنه حدث الساعة.

فما هو التعبير الأنسب الذي تتجلى من خلاله تلك الواقعة في أبلغ صورة؟

وكيف نرسم تلك اللوحة العاشورائية؟

نحاول في هذا المقال مقرين بالقصور والتقصير أن نستل من أنباء الروايات والأحاديث الشريفة على لسان المعصومين عليهم الصلاة والسلام ومن الآثار التاريخية بعض الآيات المرتلة في التعبير عن ذلك اليوم الدامي.

 

💫دماء صبغت السماء والأرض:

حينما أراد الله سبحانه وتعالى التعبير عن ذلك اليوم الدامي أظهر ذلك في مخلوقاته، فالسماء بكت دموعًا من دم! فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: (بكت السماء على الحسين أربعين يوماً بالدم) [1]!

وقالت السيدة زينب عليها السلام في خطبتها بالكوفة: (أفعجبتم أن تمطر السماء دماً) [2] ؟!

وعن نضرة الأزدية، أنها قالت: (لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام مطرت السماء دماً، وأصبح كل شيء لنا ملآنًا دما)[3].

وجاء عن أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" أنه قال: (بكت السماء والأرض على الحسين بن علي وعلى يحيى بن زكريا وحمرتها بكاؤها)[4].

وجاء أيضاً: (حين قُتل الحسين احمرّت السماء، ومكثت أيامًا مثل العلقة وكانت السماء عليلة)[5].

وفي رواية: (احمرّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يُرى فيها كالدم)[6].

وجاء أيضًا: (لم تكن في السماء حمرة حتى قتل الحسين، ولم تطمث امرأة بالروم أربعة أشهر إلا أصابها وضح فكتب ملك الروم إلى ملك العرب: قتلتم نبيًّا أو ابن نبي)[7]؟!

فكما تلاحظ إنّ السماء عبّرت عن ذلك اليوم باللون الأحمر فـ(حمرتها بكاؤها) كما عبّر الإمام الصادق عليه السلام، وكذلك بكت السماء بدموع من دم حيث أمطرت دمًا حتى ملأ كل شيء!

وبهذا المظهر عبّرت السماء عن يوم عاشوراء فبماذا عبّرت الأرض؟

حين أرادت الأرض التعبير عن يوم عاشوراء نبع الدم منها في كل بقاعها فما رُفع حجر عنها إلا وتحته دم عبيط!

فقد جاء في الخبر: (ما رفع حجر في الدنيا يوم شهادة الحسين إلا وتحته دم عبيط)[8].

وأخرج البيهقي وأبو نعيم عن الزهري قال: (بلغني أنه يوم قتل الحسين لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس إلا وُجد تحته دم عبيط)[9].

 

وبكت الحيطات بالدم فقد جاء: (لمّا قُتل الحسين مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنها لطّخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس)[10]!

وجاء أيضًا: (لمّا جيء برأس الحسين إلى دار الإمارة شوهدت الحيطان تسايل دمًا)[11]!

فالسماء تبكي سموًّا سال دمه على الأرض، والأرض تبكي سماء النبوة المضرج دمها على ثرى كربلاء قبل أن تودعه إلى الخُلد.

ولكنّ قلوبًا ما عرفت سمو الولاء للإمام الحسين عليه السلام يومًا عجزت أن تكون كالسماء فتبكي منبع السمو، وكلُّ وضيعٍ أرَضٍّ عن العلياء عجز أنْ يكون كالأرض في ثورة الدماء التي أطلقتها إفتجاعًا على دمٍ لولا لطف الله بها ما أطاقت حمله على ظهرها وانخسفت بمن عليها.

 

💫سطرٌ من دم!

أخرج أبو نعيم من طريق ابن لهيعة عن أبي قبيل قال: (لما قتل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرًا بدم:

أترجو أمة قتلت حسينا *** شفاعة جده يوم الحساب)[12]

 

💫كفٌّ من دم!

انشق جدار فظهر منه كفٌّ مكتوب فيه بالدم:

أترجو أمّة قتلت حسينا *** شفاعة جدِّه يوم الحساب

لماذا التعبير بالدم؟ ولماذا تحوّل الحبر إلى دم؟

لماذا لم يكتب القلم باللون الأسود مثلا تعبيرًا عن الحزن؟

الحقيقة هي أنّ التعبير الصادق عن ذلك اليوم الدامي لا يتم إلا بالدم!

 

💫قميص ملطَّخ بالدَّم!

لما قُتل الإمام الحسين عليه السلام وُجد حجر مكتوب عليه:

لابُدَّ أن ترِدَ القيامة فاطمة *** وقميصها بدم الحسين مُلطّخُ

ويل لمن شُفعاؤه خُصماؤه *** والصُّورُ في يوم القيامة يُنفَخُ[13]

إنّ رفع القميص الملطخ بالدماء دلالة على طلب الثأر، وهو في نفس الوقت تعبيرٌ عن عظم المصيبة، كما أن كتابة الأبيات على ذلك الحجر معجزة سماوية ولون الدم تعبير عن ذلك اليوم الدامي.

 

💫شجرة نَبَتت بمعجزة ويوم قُتل الحسين نبعَ الدّم من ساقها!

جاء في الخبر: (لما قُتل الحسين يبست الشجرة التي نبتت بإعجاز النبي وجفّت بعد أن نبع من ساقها دم عبيط، وذبلت أوراقها وتقطَّر منها دم كماء اللحم)[14]!

لماذا نبع من ساقها وتقاطر من أوراقها الدم؟

لماذا لم تعبِّر الشجرة عن عظم الجرم والمصيبة بالجفاف وتساقط الأوراق فقط؟!

لماذا أضافت إلى ذلك نبوعَ الدم من ساقها وتقاطُره من ورقها؟!

لأنّ الدم هو التعبير الأتمُّ والأصدق عن ذلك اليوم.

 

💫طائر يتمرّغ في دم الإمام الحسين عليه السلام!

جاء في مقتل الإمام الحسين عليه السلام: (لمّا قُتل الحسين جاء غراب فوقع في دمه، ثم تمرّغ، ثم طار فوقع بالمدينة على جدار دار فاطمة بنت الحسين)[15]!

هكذا عبّر الطائر (الغراب) عن واقعة كربلاء حيث تمرّغ في الدم لكي ينقل إلى بنت الإمام الحسين عليه السلام في المدينة المشهد الدموي الذي حدث في كربلاء فلم يجد تعبيرًا أنسب ولا أدقَّ ولا أصدق من الدم!

وهذا ليس بمستغرب فالطائر (الغراب) مُلهم كما كان الطائر الذي علّم قابيل كيف يدفن أخيه!

 

💫كيف عبّر الأنبياء عليهم السلام عن يوم عاشوراء؟

روى العلامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار: (أنّ آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لم يرَ حواء، فصار يطوف الأرض في طلبها، فمر بكربلاء فاغتم وضاق صدره من غير سبب وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام حتى سال الدم من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به... فأوحى الله إليه: يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه)[16]!

وجاء أيضًا: (أنّ النبي إبراهيم عليه السلام مرَّ في أرض كربلاء وهو راكب فرسًا فعثرت به وسقط إبراهيم عليه السلام وشُجَّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء... فسال دمك موافقة لدمه)!

وجاء أيضًا: (أنّ موسى عليه السلام كان ذات يوم سائرًا ومعه يوشع بن نون، فلما جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه، فقال: إلهي أي شيء حدث مني؟ فأوحى إليه: أن هنا يُقتل الحسين عليه السلام وهنا يُسفك دمه، فسال دمك "موافقةً" لدمه)!

أراد الله سبحانه وتعالى من صفوة أنبيائه عليهم السلام مشاركة الإمام الحسين عليه السلام ومواساته في مصيبته فسال دمهم موافقة لدمه الطاهر وهذا هو التعبير الأكمل الأصدق عن ذلك اليوم الدامي، فلا يوفَّق لإسالة دمه موافقةً لدماء سيد الشهداء عليه السلام إلا النخبة ممن وفقهم الله تعالى لذلك الشرف كما وفَّق صفوة من أنبيائه العظام صلوات الله عليهم.

ولو رجعنا بالزمن إلى الوراء حيث عصر رسول الله صلى الله عليه وآله سنجده جعل علامة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام تحوُّل التربة إلى دم!

فالتربة الحمراء تشير إلى لون الدم وقد تحولت إلى دم عبيط يوم عاشوراء! وصرّحت بذلك بعض الروايات:

عن أم سلمة قالت: (كان الحسن والحسين يلعبان ببيتي فنزل جبريل فقال يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك وأومأ إلى الحسين وأتاه بتربة فشمها ثم قال ريح كرب وبلاء وقال يا أم سلمة (إذا تحولت هذه التربة دمًا فاعلمي أنّ ابني قد قُتل فجعلتها في قارورة)!

وقد تحولت التربة إلى دم عبيط يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.

تقول أم سلمة رضوان الله عليها: (فأخذتها -أي التربة- فإذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وسددتُ رأسها واحتفظتُ به، فلما خرج الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق، كنت أُخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان في اليوم العاشر من المحرم - وهو اليوم الذي قُتل فيه عليه السلام - أخرجتُها في أول النهار وهي بحالها، ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دمٌ عبيط، فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيُسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت حتى جاء الناعي ينعاه فحقَّقَ ما رأيت)[17].

وروي عن ابن عباس قال: (رأيت النبي -صلى الله عليه (وآله) وسلم- فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا قال "هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم")[18].

وفي رواية زاد عليه: (فأحصى ذلك الوقت فوجدَ قد قُتل ذلك اليوم)[19] أي يوم عاشوراء.

تربةٌ تحكي ما حدث لسبط النبي بكربلاء وتعبّر عن ذلك المشهد بالدم العبيط، فلم تعبر عن تلك المصيبة العظيمة إلا الدم.

فأرضٌ تموج وتبكي ودمُ الطُهر الذي ضرَّجها يبكي معها، ورسول الله صلى الله عليه وآله بين هذا وذاك ينزف قلبه الطاهر وعينه الشريفة دمًا على سبطه الحسين عليه السلام ويلتقط دماءه الزاكية ليُودِعها إلى حيث مأواها هناك في الخلد.

 

💫كيف عرض الإمام الحسين عليه السلام مصيبته؟

قال الإمام الحسين عليه السلام حين أراد استلال السهم من صدره: (بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلًا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره! ثم أخذ السهم وأخرجه من وراء ظهره، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت دمًا رمى بها إلى السماء، فما رجع من ذلك قطرة! وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء! ثم وضع يده على الجرح ثانيا فلما امتلأت لطَّخ بها رأسه ولحيته، وقال: هكذا والله! أكون حتى ألقى جدي محمّدًا، وأنا مخضوب بدمي، وأقول: يا رسول الله! قتلني فلان وفلان)[20]!

 

💫خضاب الشهادة

قال الحسين عليه السلام حين خضب رأسه الشريف ولحيته الطاهرة بالدماء الزكية: (هكذا أكون والله حتى ألقى جدي وأنا مخضوب بدمي) والخضاب يراد به تجميل المظهر وهكذا دماء الشهادة وسام فخر يفيض بجمال العزة والإباء والكرامة لكنه جمال غارق في الألم ولوعة المصاب يضج بنداء المظلومية التي تريد إيقاظ ما تبقَّى من ضمير في كيان المسلمين والبشرية ولذا فهي تشع بجمال الحق على مدى الدهور. (السَّلَامُ عَلَى الشَّيْبِ الخضيب)[21].

💔بالدَّم عبَّر الإمام الحسين عليه السلام عن مظلوميته وبالدم أراد عرض المصيبة على جده صلى الله عليه وآله.

 

💫كيف عبرت السيدة زينب عليها السلام عن تلك المصيبة؟

السيدة زينب عليها السلام لها مع الدماء الزاكيات وقفات، منها حين خاطبت جدها رسول الله صلى الله عليه وآله بصوت تفطرت له السماء والأرض: (وامحمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء)[22] فالحوراء عليها السلام ترسم لوحة العزاء الدامي التي أخرست كل اللوحات وأذهلت كل ريشة تحاول أن تقترب من الصورة!

وحين أرادت الحوراء أن تفجر الوجود عويلًا خاطبت سيد الشهداء عليه السلام بقولها:(بأبي من شيبته تقطر بالدماء)[23] إنه مشهد مؤلم مفجع يتفطر قلب المؤمن من تخيله فضلا عن رسمه ولكنه مشهد يحكي عن واقع ذلك اليوم الدامي!

جاء في بحار الأنوار عن مسلم الجصاص رواية طويلة جاء فيها: (فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدَّم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها)[24]!

والسيدة زينب عليهم السلام (عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة)[25] لم تُوصِل لنا التعبير عن عظم الفجيعة إلا بالدم فنطحت جبينها بمقدم المحمل لكي تعبر عن هول المصيبة وعظم الرزية فسال دمها الطاهر من تحت قناعها يحكي ألم المصاب!

 

💫كيف عبر الإمام زين العابدين عليه السلام عن تلك المصيبة؟

روى العلامة المجلسي في البحار والسيد عبد الله شبر في جلاء العيون: (أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان إذا أخذ إناءً ليشرب يبكي حتى يملأه دمًا)[26].

وهذا يعني أن الدموع قد نفذت من عيون الإمام السجاد عليه السلام إلى أن أصبحت عيناه تبكي دمًا[27] بدل الدموع!

وجاء في كتاب دار السلام للمحدث النوري رحمه الله: (قال الراوي: لما سمع علي ابن الحسين سقوط الرأس في حجر الجارية الحسناء، قام على طوله ونطح جدار البيت بوجهه، فكسر أنفه وشج رأسه وسال دمه على صدره، وخر مغشياً عليه من شدة الحزن والبكاء)[28]!

لم يُعلمنا السجاد عليه السلام تعبيرًا دقيقًا صادقًا يحكي هول المصيبة وعظمتها إلا بإسالة دمه الطاهر جزعًا وهلعًا من تلك الفاجعة!

 

💫تعبير الإمام الصادق عليه السلام عن "الدم الخالد"

لا يجازف من يقول أن الخلود خُلق ليكون صنوًا لكربلاء الحسين عليه السلام، فكلما ذُكر الخلود ذُكر الحسين وكربلاء والعكس بالمثل، فالخلود قدر لكربلاء ولدم الشهيد بكربلاء.

جاء في زيارة الإمام الصادق عليه السلام لجده سيد الشهداء عليه السلام: (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد، واقشعرت له أظِلَّة العرش)[29].

لماذا لم يقل الإمام عليه السلام أشهد أنك سكنت في الخلد؟ 

لماذا عبَّر عن خلود الدم الطاهر بقوله: (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد

بعضهم قال دلالة على طلب الثأر، وبعضهم قال أنَّ دمه سال بكربلاء وهي قطعة من الجنة وقال غيرهم أنَّ الخلد صار مسكنا لدمه الطاهر.

 

💫كيف عبر الإمام الرضا عليه السلام عن تلك المصيبة؟

روى الشيخ الصدوق "رضوان الله عليه" عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: (أنَّ يوم الحسين أقرح جفوننا)[30].

وشرحُ لفظ هذه العبارة يفيد الإدماء وإن كان داخليًّا إذ يتجلَّى المعنى في الحديث من خلال كون الإمام الرضا عليه السلام قد أدمى عينيه بالبكاء على الإمام الحسين صلوات الله عليه.

 

💫كيف عبَّر الإمام المهدي عليه السلام عن تلك المصيبة؟

عبَّر الإمام المهدي صلوات الله عليه بالدموع الدامية على المصاب الدامي حيث قال كما في زيارة الناحية المقدسة: (لأَندُبَنَّكَ صَباحاً ومَساءً ولأَبكِيَنَّ عَلَيكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَمًا)[31]!

بعضهم قال مجاز أو كناية عن شدَّة البكاء واستمرار الحزن ودوام اللوعة، لا البكاء دمًا على وجه الحقيقة.

وقال آخرون بل المعنى حقيقي فإنَّ العين تستمر في البداية بإفراز الدمع، الذي هو بخار الدم فإذا توقف بخار الدم مع كثرة البكاء المتواصل فإنّ العين تخرج الدم نفسه، وإذا استمرَّ الفرد بالبكاء وإجراء الدم من العين يؤدي إلى وقوع تلفٍ فيها إلى أن تسبب كثرة البكاء العمى!

وهذا ما حدث لنبيّ الله يعقوب عليه السلام حيث قال تعالى: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[32] فإنّ يعقوب عليه السلام قد عميت عينه -بعد جريان الدم منها- ويشهد لذلك قول الله تعالى: {فارتدَّ بصيرًا}[33].

إنَّ المهدي عليه السلام عبَّر بالبكاء دمًا في قوله: (ولأَبكِيَنَّ عَلَيكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَمًا) على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام لأن التعبير الأكمل والأصدق عن تلك المصيبة لا يكون إلا بالدم!

ولا يستطيع أن يبذل لقضية بما هو من سنخها إلا من بلغ درجة المعرفة التامة بها، وذاك لا يكون سوى الإمام المعصوم عليه السلام ومن وفّقه الله تعالى بعناية منه أرواحنا فداه لبلوغ تلك المرتبة أو شيء منها.

 

💫الخلاصة:

إنّ من أراد إحياء ذلك اليوم الدامي وأن يستشعر تلك المصيبة الأليمة ويستحضر ذلك المشهد الحزين ويرسم تلك اللوحة العاشورائية عليه أنْ يكون كالسماء التي تبكي سموًّا سال دمه على الأرض، وكالأرض التي تبكي سماء النبوّة المضرج دمها على ثرى كربلاء، وكالتربةِ التي تحكي ماذا حدث لسبط النبي بكربلاء بالدم العبيط، وقبل كل ذلك عليه أن يكون كالأنبياء والأئمة عليهم السلام.. فيعبِّر عن هول ذلك اليوم بما عبروا وأن يُسيل دمه مُوافقةً لدم سيد الشهداء عليه السلام لكي يرسم بريشةِ ولائه أصدق لوحة عاشورائية.

رائد أحمد

9/محرم الحرام/1444هـ

 


[1] - مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب،ج4 ص61.

[2] - الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج2 ص31.

[3] - تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج14 ص227.

[4] - كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، ص 188.

[5] - المعجم الكبير، الطبراني، ج3ص190.

[6] - تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج14 ص227.

[7] - المحاسن والمساوى، البيهقي، ص62.

[8] - ينابيع المودة، القندوزي، ج3ص102.

[9] - المعجم الكبير للطبراني،ج3 ص113.

[10]- تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي،ص284، الكامل في التاريخ،ابن الأثير، ج3ص301.

[11] - ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، ابن عساكر، ص٣٦1.

[12] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج45ص305.

[13] - ينابيع المودة، القندوزي، ج ٣ ص٤٦.

[14] - ربيع الأبرار، الزمخشري،ص44.

[15] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج45 ص171.

[16] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٤٤ - الصفحة ٢٤٢

[17] - الإرشاد، الشيخ المفيد،ج 2 ص130- 131.

[18] - المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج 4 ص 439.

[19] - ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد، ص٤٧.

[20] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٤٥ ص٥٣.

[21] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٩٨ ص٢٣٦.

[22] - مثير الأحزان، ابن نما الحلي، ص٥٩.

[23] - بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج45 ص59.

[24] - بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج45 ص115.

[25] - الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج ٢ ص٣١.

[26] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج45ص115.

[27] - نصرة المظلوم، الشيخ حسن المظفر، ص10.

[28] - دار السلام، المحدث النوري،ج2 ص179.

[29] - الكافي الشريف،الشيخ الكليني، ج4ص576.

[30] - عيون أخبار الرضا

[31] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج101ص238.

[32] - سورة يوسف: آية 60.

[33] - سورة يوسف: آية 96.