الجمعة، 21 ديسمبر 2018

محاولات للترقيع باءت بالفشل!


محاولات للترقيع باءت بالفشل!


تبيّن من خلال المقالات السابقة -(أينَ كانَ الإمامُ الخامنئيُّ سنةَ 1965م؟) و (الإمامُ الخامنئي يطوي سنوات الدراسة!) و (لغز الإمام الخامنئي مع فلسفة العلامة الطباطبائي) - تضارب سنوات دراسة الخامنئي مع بعضها البعض من جهة, وتضاربها مع سنوات جهاده السياسي من جهة أخرى, وعدم موافقتها مع التاريخ من جهة ثالثة!
وقد تنبّه بعض المطبّلين للخامنئي إلى هذا التضارب فحاولوا الترقيع وسد هذه الثغرة فجعلوا مجموع سنوات دراسته -بحث الخارج- خمسة عشر سنة بدون ذكر التفاصيل!

يقول تراب إمامي: (فقد تمكن –أي الخامنئي- من الاستقلال الفقهي بعد أن أحرز الملكة الفقهية والأصولية في استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المعهودة, بعد حضور دام خمس عشر سنة عند أساتذة في مشهد وقم والنجف). (الفقيه والمرجع, تراب إمامي, ص69).
وقال توفيق علوية: (وقد حضر سماحته البحث الخارج أكثر من خمس عشرة سنة, وكان حضوره لبحث الخارج على يد عدة أساتذة وفي غير واحد من المدن العلمية). (الموجز الجليّ من سيرة القائد الوليّ, توفيق علوية, ص94).

فكما تلاحظ أخي القارئ كيف جمعوا كل دراسته في 15 سنة ولم يذكروا تفاصيل هذه السنوات لأنها تحرجهم بتضاربها في التوقيت من جهة وعدد السنوات من جهة أخرى فقد جاء على لسان خامنئي أنه درس الفقه عند الخميني 14 سنة في النجف الأشرف وأكثر من 15 سنة عند الشيخ الحائري بقم وسنتين ونصف في الفقه وسنة في الأصول عند السيد الميلاني بمشهد وأضف إلى ذلك السنوات العديدة –غير المعلومة- في الأصول التي درسها في قم عند الخميني فلو كان عددها خمس سنوات مثلاً سيكون مجموع سنوات دراسته 37 سنة ونصف!

وقد بدأ الخامنئي –على الرواية المشهورة- بحث الخارج في منتصف سنة 1955م وعلى هذا يكون قد أنهى دراسة البحث الخارج في سنة 1993م, أي بعد تسلمه قيادة الثورة بأربع سنوات وقبل ادعائه للمرجعية بسنة واحدة!

ولا يمكن القول بدمج هذه السنوات مع بعضها البعض لأن الدروس كانت في حواضر علمية مختلفة وكذلك لا يمكن القول بالتنقل بين الحواضر العلمية في نفس العام لصعوبة التنقل في ذلك الوقت.

فلا يمكن جمع السنوات ولا يمكن دمجها لان ذلك يستلزم التناقض الواضح الفاضح ولهذا السبب جمعوها في 15 سنة بدون ذكر التفاصيل!

ولكنهم اصطدموا بالنص المتواتر الذي يقول أن الخامنئي درس أكثر من 15 سنة متواصلة عند الشيخ مرتضى الحائري في قم المقدسة حتى أجازه بالاجتهاد سنة 1974م !

جاء في كتاب مختصر شمس الولاية: (وقد حصل سماحته على رتبة الاجتهاد على يد استاذه آية الله العظمى الحائري عام 1974م بعد حضور البحث الخارج أكثر من خمسة عشر عاماً)! (مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص44).

ويقول علي المؤمن: (واستمر -أي الخامنئي- في الحضور على آية الله العظمى الحائري حتى عام 1974, حيث وصل خلالها إلى رتبة الاجتهاد, كما شهد له بذلك استاذه الحائري نفسه, أي أنه استمر في دراسة البحث الخارج أكثر من خمسة عشر عاماً متواصلة). (كراس بعنوان: لماذا الخامنئي, علي المؤمن, ص39).

ويقول محمود الغريفي: (ولم يدم بقاؤه في مدينة مشهد، حيث سافر في نفس العام -أي عام 1958م- وبإذن من والده إلى عش آل محمد -مدينة قم المقدسة-، وحضر دروس الأعلام: ... آية الله الشيخ مرتضى الحائري... واستمر في البحث لديه مدة خمسة عشر عاماً حتى حصل منه على إجازة الاجتهاد). (خليفة الإمام الراحل, السيد محمود الغريفي, ص32).

ولكن هذه المصادر نفسها تذكر بأن الخامنئي لم يمكث في قم إلا ست سنوات فقط!
فقد جاء في كتاب "الإمام الخامنئي السيرة والمسيرة": (أما إقامة السيد في قم فقد دامت ست سنوات ليعود بعدها إلى مشهد المقدسة)! (الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص31).

وقد تنبّه المطبّل للنظام الإيراني الكاتب تراب إمامي لهذا التضارب لذلك حاول الترقيع فقال: (ولسابقته ودراسته –أي الخامنئي- أكثر من ست سنوات في قم, وصلته بأستاذه الجليل آية الله العظمى الشيخ مرتضى الحائري أقر له بالاجتهاد)! (الفقيه والمرجع, تراب إمامي, ص31).

 أي أنه حضر إلى قم المقدسة من سنة (1958م) إلى نهاية سنة (1964م)!
وبهذا التصريح قد كذّب الكاتب تراب إمامي كل السير التي ذكرت أن الخامنئي درس عند الشيخ الحائري خمسة عشر سنة فجعلها ست سنوات! 

ولأن حبل الكذب قصير ولا حافظه لكذوب فقد تناقض الكاتب من حيث لا يشعر وذكر بأن آخر درس حضره الخامنئي هو درس الشيخ الحائري سنة 1974 م!
فقد ذكر في كتابه "الإمام الخامنئي الولي الفقيه" ما نصه: (وكان آخر دروس الخارج حضوراً بالنسبة له هو بحث أستاذه آية الله العظمى الشيخ مرتضى الحائري في عام 1974م)! (الإمام الخامنئي الولي الفقيه, تراب إمامي,ص69-70).

فهو من جهة يقول أن الشيخ الحائري أقرَّ للخامنئي بالاجتهاد سنة 1974م بناءً على ست سنوات التي درسها من قبل في قم – أي من سنة 1958م إلى سنة 1964م-  ومن جهة أخرى يقول بأنه آخر درس حضره الخامنئي هو درس الشيخ الحائري سنة 1974م!

ثم كيف يكون آخر درس حضره الخامنئي سنة 1974م وفي حينها كان في السجن كما صرّح هو بنفسه!
فقد جاء في كتاب "الامام الخامنئي السيرة والمسيرة" أن الخامنئي كان في السجن عامي 74 و 75 حيث قال الكاتب: (أما نشاطاته مع الطلبة الجامعيين وخلق الدوافع الفكرية والسياسية ثم ترسيخها في أذهانهم، فقد كانت من أبرز الأمور التي دفعت بالسافاك لاخضاعه للمراقبة الشديدة واستحضاره بشكل دائم، ناهيك عن محاصرة داره والحيلولة دون دخول الناس اليه، وعدم السماح للسيد بمواصلة دروسه إلى أن قامت الأجهزة الأمنية في عام 1974م باعتقاله ونقله إلى طهران واحتجازه في دهاليز زنزانات ما يسمى بـ «شعبة مكافحة التخريب» الانفرادية ليشهد أنواع العذاب والإرهاب)! (الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص58-59).

وجاء أيضاً: (وبدوره تحدث السيد القائد-أي الخامنئي- في مذكراته بشأن المرحوم الشهيد رجائي...فقال: "لقد لمست صمود المرحوم الشهيد رجائي بأم عيني في زنزانات تلك الشعبة عامي 74 و75م، وقد عرّض رحمه الله لما لا يمكن تحمله من ألوان التعذيب والاضطهاد")! الامام الخامنئي السيرة والمسيرة, ص60.

وقال صاحب كتاب مختصر شمس الولاية: (يقول الشهيد رجائي: في تلك السنة التي قضيتها في قبضة لجنة مكافحة التخريب عام 1974م ... كنت في الزنزانة رقم 18, وكان السيد الخامنئي في الزنزانة رقم 20...) ثم يعلق الكاتب فيقول: (فعلى الرغم من كل الضغوط والتعذيب, إلا أن جهاز السافاك الرهيب لم يستطع معرفة أسرار تلميذ الإمام ولم يتمكن من الحصول على أي دليل ولو صغير ضده لإتمام ملف المحاكمة وإصدار الحكم ضده, لذا وبعد تغير سياسة أسيادهم الأمريكان ووصول جيمي كارتر إلى سدة الحكم عام (1975م), اضطر السافاك إلى إطلاق سراحه, فعاد إلى مشهد واستمر في جهاده المرير ضد نظام الشاه وأجهزته). (مختصر شمس الولاية, مركز باء للدراسات, ص66-67).

إن هذه التناقضات الكثيرة في السيرة العلمية والجهادية للخامنئي تجعل المرء في حيرة من أمره اتجاها فلا يمكن جمعها ولا دمجها ولا حلّ تعارضها إلا بإنكارها من رأس, فلا يوجد سيرة علمية أو جهادية للخامنئي أصلاً, ولو راجع الباحث الكتب التي أُلِّفت من سنة 1979م حتى سنة 1989م حول الثورة الإيرانية لوجدها تختلف في صياغتها عن الكتب التي أُلِّفت بعد ذلك, فقد وضعوا له سيرة علمية وجهادية بعد وصوله إلى منصب قيادة الثورة لكي تكون له مميزات تؤهله للبقاء في هذا المنصب! لذلك سعى هو مع جيش من القصاصين وفقهاء البلاط فاختلقوا ما شاء الله من القصص الخيالية لدعم مرجعيته المزعومة! وهذا هو ما يفسر كل هذه التناقضات في سيرته التي عجزت حتى المعاجز والكرامات في حلها!


هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
طالب علم
30/ربيع الأول/ 1440 هـ




الاثنين، 19 نوفمبر 2018

لغز الإمام الخامنئي مع فلسفة العلامة الطباطبائي

لغز الإمام الخامنئي مع فلسفة العلامة الطباطبائي


في بداية خمسينيات القرن الماضي عقد العلامة الطباطبائي جلسات خاصة لتدريس الفلسفة وقد تولى تلميذه المقرّب الشيخ مرتضى المطهري مهمة تقرير هذه الدروس ثم علّق عليها وطبعت سنة 1953م في كتاب بعنوان: "أصول فلسفة وروش رئاليسم" أي أصول الفلسفة والمنهج الواقعي وقد حصل هذا الكتاب على جائزة الشاه محمد رضا بهلوي!

جاء في مقدمة كتاب مفاهيم إسلامية: (واشترك الأستاذ-أي المطهري- في سنة 1329 الموافق لعام 1371هـ ق (1951م). في محضر بحث المرحوم الاستاذ العلامة الطباطبائي وقرأ لديه فلسفة ابن سينا. وعقد له مجلس درس خاص للتحقيق عن الفلسفة المادية فكانت أبحاثه حجر الأساس لتأليف كتاب “أصول فلسفة وروش رئاليسم”). (مفاهيم إسلامية، المطهري،ص7).

وقد اشترك السيد محمد حسيني بهشتي في حضور هذا الدرس حيث دعاه الشيخ المطهري للحضور وقد جاء ذلك على لسان ابنه السيد محمد رضا بهشتي حين قال: (وفي سنة 1952م نجح-أي السيد محمد حسيني بهشتي- في امتحان القبول للحصول على زمالة دراسية خارج البلاد وقال: “ذات يوم قال لي الشهيد مطهري بأن السيد الطباطبائي بدأ بتدريس الحكمة والفلسفة الإسلامية ومن الأفضل أن نحضر هذا الدرس فذهبنا وكان أسلوب وسلوك الاستاذ الطباطبائي بدرجة بحيث أسرنا، واستمرت هذه الجلسة خمس ساعات وبعد ذلك تحول هذا الدرس إلى درس قواعد الفلسفة والمنهج الواقعي). (سيرة وحياة الشهيد بهشتي،ص46).
تلاحظ أخي القارئ أنّ هذه الدروس بدأت عام 1371هجري قمري الموافق لسنة 1951 ميلادي وقد قررها الشيخ المطهري وبعد ذلك علّق عليها وطبعت في كتاب سنة 1953م.
جاء في كتاب جولة في حياة الشهيد مطهري: (وفي شوال عام 1371هـ. ق-الموافق لعام 1951م-… وفي العام نفسه بدأ نشاطاته العلمية وأنهى تأليف مقدمة الجزء الأول من كتاب أصول الفلسفة كما أنهى حاشيته عليه في عام 1372هـ. ق –الموافق لعام 1952م- وفي السنة التي تلته أنهى شرح الجزء الثاني من الكتاب). (جولة في حياة الشهيد مطهري، ص145).
وقد ذكرت بعض المصادر أن الكتاب-أي أصول الفلسفة والمنهج الواقعي- طبع قبل سنة 1953م فقد جاء: (الآثار العلمية للعلامة …الآثار المطبوعة …اللغة الفارسية…اصول فلسفة وروش رئاليسم “مبادئ الفلسفة ومنهج الواقعية” قبل عام 1953م). (محمد حسين الطباطبائي مفسراً وفيلسوفاً،ص354).

والصحيح هو أن الدروس كانت قبل سنة 1953م ولكن الطباعة حدثت في طهران بعد هجرة المطهري إليها سنة 1953م فقد جاء: (ونلفت إلى أنّ الكتاب-أي أصول الفلسفة والمنهج الواقعي- صدر مع هوامش توضيحية أحد أبرز تلاميذ الإمام رحمه الله والعلامة الطباطبائي وهوالعلامة الشهيد مطهري، وانتشر على نطاق واسع منذ عام1953م). (الخريطة الفكرية الإيرانية عشية الثورة،حميد بارسا نيا، ص401).
فكما تلاحظ أخي القارئ أن الدروس الفلسفية التي تمخض عنها كتاب “أصول الفلسفة والمنهج الواقعي” كانت في سنة 1951م ثم طبعت في طهران سنة 1953م.

ولكن الأمر العجيب الذي حيّر العقلاء وأدهش العلماء هو حضور الإمام الخامنئي هذه الدروس رغم الفارق الزمني حيث جاء في كتاب “الامام الخامنئي السيرة والمسيرة”: (كان للسيد القائد حين إقامته (1958 ـ 1964م) في قم إلى جانب دراسته للعلوم الدينية، حضوره الفاعل في النهضة التي بدأها الإمام في إطار مواجهته للاستبداد الذي كانت تمارسه حكومة الشاه العميلة. وكان السيد قد تعرف على كبار الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في قيام الثورة آنذاك منسقاً معها في أنشطته وفعالياته السياسية) ثم نقل الكاتب قول الإمام الخامنئي: (لقد حضرت في السنة الأولى والثانية لدراستي في قم جلسات ليالي الخميس والجمعة التي كان يلقي فيها العلامة الطباطبائي محاضراته الفلسفية والتي تمخضت في الختام عن تأليفه لكتاب أصول الفلسفة، حيث ابتدأ محاضراته منذ سنة 56ـ57 وقد حضرت تلك الجلسات لبضع شهور، الأمر الذي جعلني أتعرف على بعض الفضلاء الذين كانوا يشتركون فيها)! (الإمام الخامنئي السيرة والمسيرة، ص37).

كما تلاحظ أخي القارئ فإنّ الإمام الخامنئي ذكر في هذا النص أنه حضر في السنة الأولى والثانية من تواجده في قم درس الفلسفة عند العلامة الطباطبائي وقد تحوّل هذا الدرس إلى كتاب أصول الفلسفة!
ويشير الكاتب إلى أنّ فترة وجود الإمام الخامنئي في قم المقدسة كانت من سنة 1958 إلى سنة 1964، ولكن حينما ترجع لتصريح الإمام الخامنئي حول دراسته عند السيد الميلاني في مشهد تجد أنه قال قد حضر عنده إلى أواخر سنة (1958م)!
جاء في كتاب مختصر شمس الولاية على لسان الإمام الخامنئي: (فحضرت درسه -أي السيد الميلاني- في الأصول لمدة سنة، والفقه سنتان ونصف حتى أواخر عام (1958م) عندها توجهت إلى قم). (مختصر شمس الولاية، مركز باء للدراسات، ص42).

وهذا يعني أنه ذهب إلى قم المقدسة في أواخر أيام سنة (1958م) فتكون السنة الأولى من تواجده في قم المقدسة هي سنة 1959م.
وعلى هذا نكتشف أن الدرس الذي ألقاه العلامة الطباطبائي سنة 1951م والكتاب الذي قرره الشيخ المطهري وعلّق عليه وطبع سنة 1953م , قد رد من جديد لكي يحضر الإمام الخامنئي الدرس سنة 1959م! فقد رد الدرس كما ردت الشمس!

وقد تحدثنا في المقالين السابقين عن المعاجز والخوارق التي حدثت للإمام الخامنئي أثناء دراسته العلوم الدينية في الحواضر العلمية, وقد عرضنا بعض النصوص التي يفهم من خلالها طيّه للأرض وكذلك الزمن!
وفي هذا المقال نموذج آخر من معجزاته وخوارقه العجيبة حيث رُدَّ له الماضي وعاد به الزمن إلى الوراء واستطاع حضور درس الفلسفة عند العلامة الطباطبائي, فكأنما رُدَّ الدرس كما ردت الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام!

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
9/ربيع الأول/1440 هـ
عيد الغدير الثاني