الأربعاء، 15 يوليو 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة الحادية عشر"



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
في تسجيل مرئي للسيد منير الخبّاز تحدّث عن الفرق بين التصوّف والعرفان وأن بعض الناس يخلط بينهما ثم تطرّق إلى رواية عن مستدرك الوسائل في ذم المتصوّفة وقدح في سندها, وعرّج على المتصوّفة فقال لا يوجد لدينا دليل يشهد بأنّ طرقهم ترجع إلى الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم, فالذم الموجود في الرواية لو سلّمنا بصدورها فإنّ المقصود به هم هؤلاء المتصوّفة وليس عرفاء الشيعة الذين يعتمدون على معطيات العرفان الواردة في روايات أهل البيت عليهم السلام...
وسيعرف القارئ الكريم بإذن الله تعالى من خلال هذا المقال معنى التصوّف والصوفية وعلاقة عرفاء الشيعة بالمتصوّفة وهل كان العرفاء يعتمدون على روايات أهل البيت عليهم السلام كما ادعى السيد منير أم لا, وسنناقش بإذن الله تعالى ما ذكره حول سند الرواية ودلالتها.
وكما هي عادتنا في التوثيق نطرح بين أيديكم أولاً مقطع التسجيل المرئي :
يقول السيد منير: نجي إلى السؤال الثالث مَا الفرق بين التصوّف والعرفان ؟ ربما يخلط البعض بين التصوّف والعرفان ويعتبر العرفان هو التصوّف, والتصوف قد ورد ذمه في الروايات, مثلًا: إقرأ هذه الرواية في مستدرك الوسائل الجزء الثاني عشر عن ابن أبي نصر البزنطي عن الرضا علي السّلام قال: "قال رجلّ من أصحابنا للصادق قد ظهر فِي هذا الزمان -يعني في زمانِ الِإمام الصادق- قومٌ يُقال لهم الصوفِية، فما تقول فِيهم؟، قال إِنهُم من أعدائنا فمن مال إِليهم فهُو منهُم وسيحشر معهم، وسيكون أقوام يدعون حُبنا ويميلون إليهم وَيتشبهون بهم وَيُلقبون انفسهم بألقابهم ويُؤولون أقوالهم, ألا فمن مَال إليهم ليس منّا وإِنّا منهُم براء"  نجي احنا إلى الفرق, هذه الرواية طبعاً لا نبني على صحة سندها لان المحدث النُّوري في المستدرك نقلها عن حديقة الشيعة للأردبيلي ولم تثبت نسبة الكتاب إلى الأردبيلي كما لم يذكر لها سندًا مُتصلًا، ولكن على فرض صحتها فهِي تذم التصوّف وهو غير العرفان.
التصوّف وهو عبارة عن رياضات متوارثة تجري وفق سلسلة من السند يدعي أصحابها ان السلسلة تنتهي إلى الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أو إلى الإمام زين العابدين عليه السلام لكن احنا ما وجدنا دليلاً يشهد على رجوع الطرق التي يمارسها الصوفية إلى الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين لذلك ما ورد عن الصادق من الذم, ذمٌ للمتصوّفة الذين اعتمدوا طرقاً في العبادة ليست مأخوذة عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله, وأما العرفاء فهم لا، يعتمدون على أي رواية وعلى أي كلام لااا , العرفاء يعتمدون على المعطيات الروحية المستفادة من روايات أهل البيت ومن الأدعية الشريفة, دعاء أبي حمزة والصحيفة السجادية, أدعية الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام, لا يستندون إلى هذه الطرق المجهولة المصدر..

أقول : كثيراً ما يلجأ بعضهم للطعن في الروايات والغمز في سندها إذا كانت لا توافق هواهم أو يؤولونها على خلاف الظاهر إذا لم يستطيعوا الطعن في السند! وخصوصاً إذا كانت الرواية تطعن في الشخصية التي يقدسونها, أو هي فضيلة لشخصية لا يروق لهم أو تخالف الفكرة التي يعتقدون بها, كما يفعل المخالفون مع روايات ذم بعض الصحابة أو روايات فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.
فيبدأ أولاً بالطعن في السند وتكذيب الروايات وإذا لم يستطع تبدأ وسوسة شياطين التأويل والتبرير! فمثلاً حينما يقول عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله : إنّ الرجل ليهجر! يبدأ تفسير الماء بالماء!
يقول ابن الأثير في النهاية: ومنه حديث مَرضِ النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ قالوا : ما شأنُه ؟ أهَجَرَ ؟ ] أي اخْتَلَف كلامُه بسبب المرضِ على سبيل الاستفهام, أي هل تَغَيَّر كلامُه واخْتَلَط لأجل ما به من المرض؟ وهذا أحْسَنُ ما يقال فيه ولا يُجْعل إخباراً فيكون إمَّا من الفُحْش أو الهَذَيان . والقائل كانَ عُمَر ولا يُظَنُّ به ذلك .
المصدر: النهاية, ابن الأثير ,ج5ص245-246.

فتصريح عمر فاحش وقبيح بل هو كفر ولكن لأنّ القائل هو عمر لذلك يُفتح من أجله باب التأويل على مصراعيه وتساق التبريرات على طبق من ذهب!
عين الرضا عن كل عيب كليلة وهي ذاتها عندما لا ترضى عن أحدهم انظروا كيف تصنع عند المخالفين.
فمثلاً حينما يأتي ذكر الولاية لأمير المؤمنين علي عليه السلام في حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) لابد أن تُعمى الأبصار والبصائر عن السياق والمعنى المتبادر ويلزم الاستنجاد بالمعاني البعيدة والهروب إلى معنى كالناصر والمحب! أما إذا اقترن ذكر الولاية بعمر بن الخطاب تصبح بمعنى الخلافة!
وهذا عين ما يفعله العرفاء مع الروايات التي تذم الصوفية, فهم من جهة يحاولون نفي كونهم من أصول صوفية ومن جهة أخرى يطعنون في سند الروايات القادحة في المتصوّفة! ومن جهة ثالثة يوجّهون هذه الروايات في خصوص المتصوّفة لكي يخرجوا منها العرفاء المتلبّسين بالتشيّع!
وسنناقش بإذن الله تعالى كل هذه الأمور في السطور القادمة.

يقول السيد منير: مَا الفرق بين التصوّف والعرفان؟ ربما يخلط البعض بين التصوّف والعرفان ويعتبر العرفان هو التصوّف, والتصوف قد ورد ذمه في الروايات...

أقول : يحاول العرفاء التملّص من أصولهم وجذورهم الصوفية ولكن الله يفضحهم ويجري على ألسنتهم الاعتراف بأصلهم, وقد اعترف غير واحد منهم بأنّ التصوّف هو الوجه الآخر للعرفان, فهم في الجانب النظري يُطلق عليهم (عرفاء) والجانب العملي يطلق عليهم (متصوّفة).

يقول مرتضى المطهري : أهل العرفان إذا ذُكروا في معرض المعرفة دعوا بالعرفاء ؛ وإذا ذكروا في معرض أمر اجتماعي دعوا بالمتصوّفة.
المصدر :الكلام والعرفان, المطهري ص65, تعريب علي خازم.
1
ويقول كمال الحيدري : التصوّف مرحلة من مراحل العرفان فإنه عندما يريد الإشارة إلى العرفان باعتباره رؤية فإنه يطلق عليه اسم (العرفان) وأصحابه هم (العرفاء) وعندما يريد الإشارة إليه باعتباره تجربة عمل فإنه يطلق عليه اسم (التصوّف) وأصحابه هم (المتصوفة).
المصدر : العرفان الشيعي, كمال الحيدري, ص9.

فالتصوّف هو الوجه العملي للعرفان والعرفان هو الوجه النظري للتصوّف فيصح أن تقول للعارف صوفي من الجانب العملي وتقول للصوفي عارف من الجانب النظري لذلك حينما عدد مرتضى المطهري أعلام العرفان عبر العصور ذكرهم جميعاً باسم عرفاء بينما كان أكثرهم من أكابر الصوفية كالجنيد والتستري والبسطامي والحلاج والرومي وابن عربي وغيرهم, وأضف إلى ذلك أن ابن عربي الصوفي المعروف هو من نظّر وفلسف العرفان وجعل له القسم النظري.
# راجع كتاب العرفان للمطهري.

يقول كمال الحيدري : ولهذه المدرسة –العرفانية- أتباع كثيرون في تاريخ الفكر الإسلامي منهم بايزيد البسطامي, الحلاّج , الشبلي , الجنيد , ذو النون المصري, أبو القاسم القشيري, ابن الفارض المصري, والمولوي الرومي , وأمثالهم.
ولكن يعد الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي على رأس مدرسة العرفان النظري, لأنه الذي استطاع أن يجعل هذا اللون من المعرفة علماً مستقلاً له موضوع ومسائل ومبادئ, وبذلك امتاز هذا الفرع من المعرفة عن باقي الفروع, وكل من جاء بعده من العرفاء فإنّه كان يدور في ذات الدائرة التي وضع أُسسها هذا العارف المحقق.
المصدر : دروس في الحكمة المتعالية, شرح بداية الحكمة , كمال الحيدري, ج1 ص67.

فتلاحظ أن كمال الحيدري ذكر كبار المتصوّفة على أنهم أتباع المدرسة العرفانية!

ويحدثنا الدكتور طراد حمادة عن سبب تبديل اسمهم من أهل التصوّف إلى أهل العرفان فيقول:
يرتبط العرفان بالتصوّف الشيعي ويتحدث مؤرخو الفلسفة عن العرفان الشيعي كيف شهد العصر الصفوي تحالفاً وثيقاً بين التشيع والتصوّف, لأن صفي الدين الأردبيلي كان صوفياً, واستطاع التشيع أن يبني دولته التي ما إن استقرت أحوالها حتى انقلبت على الصوفية.
عليه فإن المتصوّفة الشيعة وحتى ينجو بأنفسهم من الحملات المضادة غيروا اسمهم من أهل التصوّف إلى أهل العرفان تبديل ظاهري في الاسم فقط لأسباب سياسية ودينية إذن العرفان هو التصوّف وقد بدل اسمه!
المصدر: أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني,الدكتور طراد حمادة, ص31-32.

فالعارف والصوفي شيء واحد ولكن كما قلنا في الجانب النظري يسمى (عارف) وفي الجانب العملي يسمى (صوفي).
وقد سعى بعض العرفاء لتحويل الشيعة إلى صوفية وقد صرّح بهذا حيدر الآملي حيث قال: إن هذا الكتاب -جامع الأسرار ومنبع الأنوار- مشتمل على أعظم أقوال الصوفية والشيعة ومعارضاتهم ومجادلاتهم وأقوال علماء الظاهر أيضاً –الفقهاء- وأقوال الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) كذلك, وكان الغرض من ذلك –أي التأليف- أن يصير الشيعة صوفية والصوفية شيعة!
المصدر : جامع الأسرار ومنبع الأنوار, حيدر الآملي, ص544 ,طبعة دار المحجة البيضاء, بيروت.

وفي تصريح آخر يقول : إنّ الشيعي الحقيقي لا يكون إلا صوفيّاً!
المصدر : جامع الأسرار ومنبع الأنوار, حيدر الآملي, ص94.

وقال أيضاً : الشيعي والصوفي اسمان متغايران (يدلّان) على حقيقة واحدة، وهي الشريعة المحمديّة! وإن قيل: أنّ الصوفيّة على طريقة أهل السنّة وأصولهم وقواعدهم، فكيف جعلتهم شيعيّين حقيقيّين؟ أجيب عنه بأنّ الصوفيّة وإن كانت فرقاً كثيرة مثل الشيعة لكنّ الفرقة الحقّة منها واحدة، وهي الفرقة الموصوفة بهذه الأوصاف أي بحمل أسرارهم على ما ينبغي، والإيمان بهم (يعني بالأئمّة عليهم السلام) ظاهراً وباطناً، كما أنّ الشيعة وإن كانت فرقا كثيرة، لكنّ الفرقة الحقّة منها واحدة، وهي الفرقة الإماميّة.
المصدر : جامع الأسرار, حيدر آملي ,ص136, طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.

وقد وصف السيد محسن الأمين حيدر الآملي لا بالتصوف فقط بل الغلو في التصوف! يقول في موسوعته أعيان الشيعة عند ترجمة حيدر الآملي: ومن أدلة غلوّه في التصوّف شرحه لفصوص محيي الدين -ابن عربي-!
المصدر: أعيان الشيعة, محسن الأمين, ج6 ص272.
فرأي السيد محسن الأمين أنّ من يشرح فصوص الحكم مغالٍ في التصوّف! فكيف سيكون رأيه في من يقول أن فصوص الحكم منزّل من السماء وسر من الأسرار الإلهية؟! ويجعله من الدروس الأساسية في الحوزة العلمية؟!

فتبين مما سبق أنّ التصوّف هو الوجه العملي للعرفان والعرفان هو الوجه النظري للتصوّف.

أما من ناحية السلوك فالعرفاء المتلبّسون بالتشيّع غيّروا بعض الأمور وعدلوا طريقتهم لكي يظهر العرفان بمظهر حسن ولكن المعتقد هو هو, فلو كان معتقدهم مختلفاً لما وجدتهم يصرّحون بأقوال الحلاّج الكفرية ويلتمسون لها الأعذار! ويصفون حالهُ حينما قال (أنا الحق) بأنها أعلى درجات العرفان!
المصدر : قدوة الفقهاء والعرفاء, تقي الموسوي, هامش ص235.
بل طلب بعضهم من الله وتوّسل بالنبي محمد وآله بأن يرزقه تلك المنزلة العالية للحلاّج والبسطامي!
المصدر : جامع الأسرار, حيدر آملي ,ص199, طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.

قد يقول قائل : إن الملا صدرا ألف كتاباً ضد الصوفية باسم (كسر أصنام الجاهلية في الرد على الصوفية) فكيف يقال عنه بأنه صوفي؟!

أقول : إن هذا قول من لا اطلاع له على محتوى هذا الكتاب وتصريحات العرفاء عنه.
إن الملا صدرا في هذا الكتاب المسمى (كسر أصنام الجاهلية) كان بصدد الرد على فئة من المتصوّفة (أصحاب الخانقاهات) وليس زعماء المتصوّفة من أمثال البسطامي والحلاّج وابن عربي والرومي وغيرهم وقد اعترف بذلك العرفاء أنفسهم.
يقول محمد خواجوي : إنّ كلاً من الملا صدرا والفيض يميل نحو الحقائق العرفانية وبيان المقاصد العالية للتصوّف ولا يتمسك أي منهما بالظواهر التي يتشبث بها المتصوفة في سننهم الخانقاهية ولذلك قيل يقصد ملا صدرا في كتابه كسر أصنام الجاهلية المندسين والمتشبهين بالصوفية لأنه يبالغ في هذا الكتاب في مدح أهل الله وأرباب التصوّف الذين بلغوا المدارج العرفانية الحقيقية في ذات الوقت الذي يذم فيه المتصوفة الظاهريين والكاذبين.
المصدر : صدر المتألهين فيلسوفاً وعارفاً , محمد خواجوري , ص37 .

فتلاحظ أخي القارئ بأنه يعني بهذا الكتاب فئة من المتصوّفة وهم أصحاب الخانقاهات وليس رؤوس المتصوّفة بل صرّح الكاتب بأن الملا صدرا يبالغ في مدح أرباب التصوّف! فهو لا يتمكن من إخفاء مودته للزنادقة من المتصوّفة فمودته لهم مصدرها تشابه قلوبهم.
والأمر الآخر أن العلماء في عصره ألفوا كتبا كثيرة ضد المتصوّفة فلكي لا يتهم بالتصوّف ألف هذا الكتاب الذي هاجم فيه فئة من المتصوفة!

يقول جمال اليوزبكي: كان صدرا قد شاهد وبنفسه الكثير من علماء عصره, يهتمون بمناهضة المتصوّفة ومحاربة طرقهم وشعوذتهم ودجلهم
والمجالس التي جعلت تخالطها أعمال المنكرات والسيئات, فضلا عما صار يطالها ويعمّها من ألوان البدع والخرافات.
المصدر: غضبة الفلاسفة أو الغضبة المتعالية , جمال اليوزبكي, ص293.

ولهذا كتب في ذم أصحاب الخانقاهات وفي نفس الوقت كان يمدح كبار المتصوّفة!
يقول جمال اليوزبكي: لم يجد-الملا صدرا- في جماعتهم الذين ليست عندهم أية معرفة علمية, ولا أية مشاهدة كشفية إلا أنهم سمعوا كلمات وأقوال من العرفاء, ولم يفهموا مغزاها ومعناها, فتفوّهوا بكلمات وأقوال ضلّوا بها وأضلوا, ولذلك لا يدع صدر المتألهين أيما فرصة في التحامل عليهم وتسفيه أقوالهم وعقائدهم, في حين يطفق صدرا لإبراز مكان العرفاء إعمال منه في تعميق ألوان الفروق ما بينهم وبين هؤلاء المبتدعة ولقد كان يدرك ما للعرفاء من مقام شامخ, وهم الحكماء الحقيقيون, وأهل الحق وأولوا الألباب.
المصدر: غضبة الفلاسفة أو الغضبة المتعالية , جمال اليوزبكي, ص293.

ثم يبيّن لك من هم هؤلاء العرفاء فيقول: ينعطف بكلامه على حديث العرفاء وهو يمدحهم في نفس الأرضية السابقة التي ذم فيها المتصوّفة, حتى يصير البعض من هؤلاء يتحسس من قوله أنه ما عنى إلا الشيخ محيي الدين بن العربي !
ثم يتحدث عن ابن عربي وأمثاله فيقول : لحسن ظننا بهؤلاء الأكابر, لما نظرنا في كتبهم ووجدنا منهم تحقيقات شريفة ومكاشفات لطيفة وعلوماً غامضة مطابقة لما أفاض الله على قلوبنا وألهمنا به – مما لا شك فيه, ونشك في وجود الشمس في رابعة النهار
المصدر: غضبة الفلاسفة أو الغضبة المتعالية , جمال اليوزبكي, ص293.
ولكي يطمئن القارئ الكريم من أن الكتاب المسمى (كسر أصنام الجاهلية) هو للدفاع عن كبار المتصوّفة أنقل له كلام الملا صدرا عن الصوفي المشهور بايزيد البسطامي وتبرير أقواله الكفرية كقوله : (ليس في جبتي سوى الله) وقوله (سبحاني ما أعظم شأني) وغيرها!
يقول الملا صدرا في هذا الكتاب : وأما أبو يزيد البسطامي, فلا يصح عنه ما حُكي عنه لا لفظاً ولا مفهوماً ولا معنى . وإن ثبت أنه سمع منه ذلك, فلعله كان يحكى عن الله تعالى في كلام يردد في نفسه, كما لو سمع منه وهو يقول : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} فإنه لا ينبغي أن يقال ذلك إلا على سبيل الحكاية.
المصدر : كسر أصنام الجاهلية , الملا صدرا. ص48, تحقيق الدكتور محسن جهايكيري,بإشراف محمد الخامنئي.

فتلاحظ أخي القارئ أنّ الملا صدرا هنا ينكر الواضحات, فتصريحات البسطامي الكفرية ثابتة عليه ومتواترة عنه فلا مجال لإنكارها, ولكن الملا صدرا ينكر ومن ثم يجمّل الوجه القبيح لأقوال البسطامي الكفرية!
فتبيّن للقارئ الكريم مما تقدم أن هذا الكتاب المسمى (كسر أصنام الجاهلية) هو للرد على فئة من المتصوّفة -وليس كل المتصوّفة- وهم أصحاب الخانقاهات ,وفي نفس هذا الكتاب دافع الملا صدرا عن كبار المتصوّفة ومدحهم!

نرجع لقول السيد منير : ربما يخلط البعض بين التصوّف والعرفان ويعتبر العرفان هو التصوّف, والتصوف قد ورد ذمه في الروايات...

أقول : تبيّن من خلال ما تقدّم أن التصوّف هو العرفان من  الجانب العملي, والعرفان هو التصوّف من الجانب النظري ولكن العرفاء وأتباعهم اليوم يحاولون التملّص من أصولهم الصوفية لأن التصوّف ورد ذمه في الروايات الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام!
وحينما لم تنفع محاولتهم البائسة في نفي التصوّف عنهم عمدوا للطعن في الروايات نفسها!

يقول السيد منير: مثلًا أقرأ هذه الرواية في مستدرك الوسائل الجزء الثاني عشر عن ابن أبي نصر البزنطي عن الرضا علي السّلام قال: "قال رجلُ من أصحابنا للصادق قد ظهر في هذا الزمان -يعني في زمان الِإمام الصادق- قومٌ يُقال لهم الصوفِية، فما تقول فِيهم؟، قال إنهم من أعدائنا فمن مال إليهم فهُو منهُم ويُحشر معهم، وسيكون أقوامٌ يدعون حُبنا ويميلون إليهم وَيتشبهون بهم وَيُلقبون انفسهم بألقابهم ويُؤولون أقوالهم ألا فمن مَال إليهم ليس منّا وإنّا منه براء"

أقول: نحن نتمّ ذيل الحديث الذي لم ينقله السيد منير وهو: " ومن أنكرهم وردّ عليهم، كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله“

ثم علّق السيد منير بقوله : نجي احنا إلى الفرق, هذه الرواية طبعاً لا نبني على صحة سندها لان المحدث النُّوري في المستدرك نقلها عن حديقة الشيعة للأردبيلي ولم تثبت نسبة الكتاب إلى الأردبيلي كما لم يذكر لها سندًا مُتصلًا، ولكن على فرض صحتها فهِي تذم التصوّف وهو غير العرفان.

أقول : إن لعبة الإسناد هي لعبة المخالفين للخروج من المآزق التي سقطوا فيها, فحينما تعرض عليهم الأدلة من كتبهم ومصادرهم فمباشرة يعمد المخالف للطعن في السند!
وقد تأثر بهم العرفاء أيضاً فراحوا يطعنون في كل حديث لا يوافق مشتهياتهم لذلك طعنوا في الروايات التي تذم المتصوّفة ومن يميل إليهم بينما هي روايات معتبرة مقبولة عند جمهور الفقهاء.
وقد علم العرفاء والمتزلفون لهم أن دلالة هذه الروايات تهدم دين العرفاء من رأس, لذلك حاولوا الطعن في سندها والتشكيك في مصدرها! وهذا كيل بمكيالين, لأن العرفاء من جهة أخرى يعملون بالروايات الضعيفة والمرسلة والموضوعة وروايات المخالفين، بل اختلقوا روايات لا أصل لها ولا وجود وتعدى بعضهم حتى جعل من أقوال المتصوّفة أحاديث نبوية! فما نرجوه من السيد منير أن لا يدخل هذه اللعبة من غير أن يشعر!
إن الفقهاء العظام لا يلتفتون إلى السند إذا كان المتن لا يخالف الأصول هذا أولاً.
ثانياً : الإسناد هو آخر ما يفكر فيه الفقيه فهناك قواعد مفصلة في قبول ورد الروايات، فكم من رواية صحيحة السند ولكنها غير مقبولة بحسب القواعد الأخرى, وكم من رواية ضعيفة السند ولكنها مقبولة لأن متنها معتبر وموافق للأصول.
إن الحجة عندنا نحن الإمامية هي في اعتبار الرواية من عدمه وليس في صحة السند من عدمه فتنبه! لأن مبانينا في علم الحديث ليست مباني المخالفين.
يقول السيد جعفر الجزائري المروج: (الملاك في حجيّة الخبر هو الوثوق بالصدور المعبّر عنه بالوثوق الخبري، دون الوثوق المخبري كما أصرّ عليه بعض الأعلام دام بقاؤهم. فمع حصول الوثوق بصدور الخبر تشمله أدلة حجية الخبر، ولا ينظر حينئذ إلى الراوي، كما هو كذلك في بعض النبويات, فمع عدم نقل الحديث في كتب الخاصة ، وفرض استناد المشهور إليه في مقام الفتوى يصحّ الاعتماد عليه والركون إليه)
المصدر: هدى الطالب إلى شرح المكاسب:ج4 هامش ص364.

ثالثاً : الروايات التي تذم المتصوّفة معتبرة وقد تلقاها العلماء بالقبول ورواها غير واحد منهم.

يقول السيد منير: هذه الرواية طبعاً لا نبني على صحة سندها ..
أقول : ولماذا بنى السيد منير على صحة حديث (من عرف نفسه فقد عرف ربه)؟ وأسس من خلاله منهجاً عرفانياً يبحث فيه كيفية الوصول إلى حقيقة الله تعالى من خلال معرفة حقيقة النفس مستنداً على ذلك الحديث الشريف مع أنه حديث مرسل وغير موجود في الكتب المعتبرة؟!
فإن قال أن العلماء تلقوه بالقبول, قلنا له أيضاً بأن العلماء تلقوا الأحاديث الواردة في ذم الصوفية بالقبول أيضاً مع الفارق وهو أن روايات ذم المتصوّفة صحيحة كما صرح بذلك العلماء الأبرار.
ثم لماذا لا ينتقد العرفاء كالخميني مثلاً الذي استعان برواية منكرة مرسله مرفوضة عند جمهور الفقهاء لكي يبرر عقيدته -وحدة الموجود-؟!
فقد نسب لأحد المعصومين عليهم السلام القول : لنا مع الله حالات هو هو، ونحن نحن؛ وهو نحن، ونحن هو.
المصدر: شرح دعاء السحر, الخميني,ص111 , مصباح الهداية, الخميني, ص114.
بعض العرفاء ينسب هذا الحديث للإمام الصادق عليه السلام على أنه ثابت الصدور! وبعضهم كالخميني لا ينسبه إلى أحد منهم عليهم السلام بالخصوص فمرة قال : (بلسان أحد الأئمة)! وأخرى قال: (ورد) بدون أن ينسبه إلى أحدهم عليهم السلام!
والخميني يستشهد بهذا الحديث المطروح ليبرّر أقوال ابن عربي الزنديق لذلك قال بعد أن ذكر هذا الحديث : وكلمات أهل المعرفة خصوصاً الشيخ الكبير محيي الدين -ابن عربي- مشحونة بأمثال ذلك؛ مثل قوله: الحقّ خلق، والخلق حقّ والحقّ حقّ والخلق خلق. وقال في فصوصه: ومن عرف ما قرّرناه في الأعداد وأنّ نفيها عين ثبتها علم أنّ الحق المنزّه هو الخلق المشبّه وإن كان قد تميّز الخلق من الخالق فالأمر الخالق المخلوق والأمر المخلوق الخالق إلى أن قال :
فالحقّ خلق بهذا الوجه فاعتبروا***وليس خلقاً بذاك الوجه فادّكروا
من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته***وليس يدريه إلا من له البصر
جمّع وفرّق فإنّ العين واحدة*** هي الكثيرة لاتبقى ولا تذر.
المصدر: مصباح الهداية, الخميني, ص114.

فالخميني يوظف مثل هذا الحديث المنكر المعارض للكتاب والسنة لخدمة عقيدته -وحدة الموجود- ولتبرير أقوال ابن عربي الزنديق الأكبر.
وقد كشف ما في هذا الحديث من خلل المحقق الكبير آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي "أعلى الله مقامه" حينما جاء على ذكر المتصوّفة في كتابه شرح إحقاق الحق.
فقال "رحمه الله" : رأيت بعض من كان يدّعى الفضل منهم -أي من العرفاء- يجعل بضاعة ترويج مسلكه أمثال ما يعزى إليهم (عليهم السلام) "لنا مع الله حالات فيها هو نحن ونحن هو"وما درى المسكين في العلم والتتبع والتثبت والضبط أنَّ كتاب مصباح الشريعة وما يشبهه من الكتب المودعة فيها أمثال هذه المناكير مما لفقتها أيادي المتصوفة في الأعصار السالفة وأبقتها لنا تراثاً...
المصدر: شرح إحقاق الحق, المرعشي النجفي, ج1 ص184.

فالرواية منكرة ومرسلة أيضاً وليست موجودة في مصادرنا المعتبرة ومع هذا يستخدمها العرفاء لتبرير معتقدهم الزائف!
فلماذا لم يعترض السيد منير عليه ويبيّن له بأن الرواية منكرة مرفوضة؟! أم لأن الرواية يسهل تأويلها بما يوافق معتقد العرفاء فيجب أن نغض الطرف عنها؟!
والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة جداً وسنعرض بعضها في السطور القادمة.

يقول السيد منير: هذه الرواية طبعاً لا نبني على صحة سندها...

أقول : لقد تلقى علماؤنا الأبرار "رضوان الله عليهم" روايات الذم في المتصوّفة بالقبول وصححها بعضهم وإليكم بعض النماذج:

السيد نعمة الله الجزائري "رحمه الله" :
يقول: وأما الأخبار الواردة في ذمهم فهي كثيرة جداً منها ما رواه البزنطي في الصحيح عن الرضا عليه السلام قال (من ذكر عنده الصوفية ولم ينكرهم بلسانه أو قلبه فليس منا ومن أنكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله), وفي الصحيح أيضاً عن البزنطي قال قال رجل للصادق عليه السلام قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم؟ فقال عليه السلام: إنهم أعدائنا...الخ
المصدر : الأنوار النعمانية , السيد نعمة الله الجزائري,ج2 ص202.
فالسيد نعمة الله الجزائري حكم بصحة الرواية فقال : (وفي الصحيح).

المحدث النوري:
ففي مستدرك الوسائل قال المصنف : وفي الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن الرضا عليه السلام ، أنه قال : " قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم : الصوفية ، فما تقول فيهم ؟ قال : إنهم أعداؤنا...الخ
المصدر: مستدرك الوسائل, الميرزا النوري ,ج 12 ,ص 323.
فالمحدث النوري حكم بصحة الرواية فقال : (وفي الصحيح).

الخراساني الكرباسي :
يقول : وفي كثير من أخبارنا ورد ذمهم –الصوفية- ومن ذلك ما ذكره بعض الثقات من أصحابنا وهو هكذا : وفي الصحيح عن البزنطي قال : قال رجل للصادق ( عليه السلام ) : قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية ، فما تقول فيهم ؟ فقال ( عليه السلام ) : إنهم أعداؤنا...الخ
المصدر: إكليل المنهج في تحقيق المطلب - محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي - ص 128.

فتلاحظ قوله : (وفي كثير من أخبارنا ورد ذمهم) وقوله (وفي الصحيح عن البزنطي..)

السيد البروجردي :
يقول السيد البروجردي : الأردبيلي في حديقة الشيعة وفي الصحيح عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي عن الرضا عليه السلام أنه قال قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية...الخ
المصدر :جامع أحاديث الشيعة, السيد البروجردي, ج 14 ص 450.

العلامة الميرزا حبيب الله الخوئي "قدس سره":
في حديقة الشيعة بسند صحيح عن أحمد بن محمّد بن أبى نصر البزنطى قال : قال رجل من أصحابنا للصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام : قد ظهر في هذا الزّمان قوم يقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم ؟ فقال عليه السّلام : إنّهم أعداؤنا...
المصدر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, الخوئي.

وهناك مصادر كثيرة ذكرت هذه الأحاديث الشريفة مؤكدة على صحتها واعتبارها وقد تلقاها العلماء بالقبول وصححوها وعملوا بها.
وفي هذا يقول العلامة المجلسي رضوان الله عليه تعليقاً على إحدى الروايات: عزيزي ! لو فتحت عصابة العصبيّة عن عينيك، ونظرت بعين الإنصاف لكفاك في بطلان هذه الطائفة المبتدعة الصوفية هذه الفقرة الشريفة من الحديث مع قطع النظر عن الأحاديث الكثيرة الواردة تصريحاً أو تلويحاً على بطلان أطوارهم وأعمالهم ، وذمّ شيوخهم وكبارهم.
ولقد ذمّهم أكثر القدماء والمتأخرين من علماء الشيعة رضوان الله عليهم ، وألّفوا كتباً في ردّهم كعليّ ابن بابويه حيث كان يبعث إلى الإمام الحجة عليه السلام رسائل وكان يأتيه الجواب ، وابنه السعيد محمد ابن بابويه وهو رئيس محدّثي الشيعة حيث ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات الله عليه، ويشتمل دعاؤه عليه السلام له على مدحه أيضاً.
وكالشيخ المفيد الذي هو عماد مذهب التشيّع و إنّ أكثر المحدثين والفضلاء المعروفين من تلامذته، وخرج التوقيع من صاحب الأمر عليه السلام له مشتملاً على مدحه، وقد ألّف كتاباً مبسوطاً في ردّهم.
وكالشيخ الطوسي وهو شيخ طائفة الشيعة وعظيمها، وتنسب أكثر أحاديث الشيعة إليه، وكالعلامة الحلّي رحمه الله المشهور في الآفاق بالعلم والفضل، وكالشيخ علي في كتابه (مطاعن المجرمية ) وابنه الشيخ حسن في كتابه (عمدة المقال) ، والشيخ العالي القدر جعفر بن محمد الدرويستي في كتاب الاعتقاد، وابن حمزة في كُتب.
والسيد المرتضى الرازي في كتب، وزبدة العلماء والمتورعين مولانا أحمد الأردبيلي قدس الله أرواحهم وشكر الله مساعيهم، وغيرهم من علماء الشيعة رضوان الله عليهم ، وذكر كلام هؤلاء الفضلاء العظماء شأناً والأخبار التي ذكروها في هذا الأمر يوجب التطويل، وسأقوم بتأليف كتاب مستقل في هذا المطلب إن شاء الله تعالى.
فإن كنت تعتقد بيوم الجزاء فهيىء حجتك اليوم كي تجيب غداً عند الله لو طلب منك الحجة بجواب شاف، ويكون لك عذر موجه، ولا أدري كيف تكون معذوراً عند الله تعالى بعد ورود هذه الأحاديث الصحيحة من أهل بيت الرسالة عليهم السلام، وبعد شهادة هؤلاء العظماء من علماء الشيعة رضوان الله عليهم على بطلان هذه الطائفة والطريقة ومتابعتهم.
المصدر: عين الحياة, المجلسي, ج2 ص403- 404.

أقول : وها هو العلامة المجلسي "أعلى الله مقامه" يؤكد على صحة هذه الأحاديث ويعاتب من اغتر من الشيعة بهذه الفرقة الضالة,  ولسان حاله يقول: ماحجتك أمام الله وأنت تسلك مسالك المتصوّفة وقد ورد ذمهم في روايات صحيحة!
ثم إن ألفاظ الأحاديث الذامة للصوفية تدل بحد ذاتها على صدورها عن المعصوم. وفي بعضها إخبارات بأمور غيبية تحدث في المستقبل وقد وقعت .

يقول السيد منير: هذه الرواية طبعاً لا نبني على صحة سندها لان المحدث النُّوري في المستدرك نقلها عن حديقة الشيعة للأردبيلي ولم تثبت نسبة الكتاب إلى الأردبيلي كما لم يذكر لها سندًا مُتصلًا، ولكن على فرض صحتها فهِي تذم التصوّف وهو غير العرفان.

أقول: تبيّن للقارئ الكريم من خلال ما تقدم صحة الروايات الذامة للمتصوّفة واعتبارها حيث حكم عليها العلماء الأبرار رضوان الله عليهم بالصحة والاعتبار وعملوا بها.
وقد تصدى علماء الطائفة للرد على شبهات وضلالات هذه الفرقة المنحرّفة الدخيلة على التشيع وتفنيد أباطيل كهنتها وتعريتهم منذ القرون الأولى واستمر الخلف على سيرة السلف في بيان انحرافات العرفاء حتى عصرنا هذا, وقد ألفوا عشرات الكتب والرسائل والمقالات في رد اعتقاداتهم الباطلة ودحضها.
وما فعل ذلك العلماء إلا لاعتمادهم على صحة هذه الروايات واليقين بصدورها عن المعصومين صلوات الله عليهم.

أما قول السيد منير: ولم تثبت نسبة الكتاب –حديقة الشيعة- إلى الأردبيلي...

أقول :  لم يثبت العكس أصلاً , فالعلماء الأجلاء لم يشكوا في نسبة الكتاب إليه ولذلك نقلوا الأحاديث منه ونسبوها للمقدس الأردبيلي رضوان الله عليه. ولم ينكر صدورها إلا العرفاء المتصوفة لأنها تهدم دينهم من رأس.
يقول السيد محسن الأمين : كتاب حديقة الشيعة قد تكلم عليه المحدث المتتبع الميرزا حسين النوري في مستدركات الوسائل مستوفى وسبب ذلك نقل صاحب الروضات التشكيك في صحة نسبة الكتاب إلى الأردبيلي عن بعضهم وكون بعض الناس سرق الكتاب المذكور وغيّر خطبته ونسبه إلى نفسه فأطال المحدث النوري في إقامة البرهان على أن الكتاب المذكور هو للأردبيلي وأنَّ الحامل على إنكار نسبته إليه ذمه للصوفية فيه فقال –المحدث النوري- : صرح بنسبة الكتاب إليه في أمل الآمل وأكثر النقل عنه في رسالته التي رد بها على الصوفية قائلاً : أورد مولانا الفاضل الكامل العامل المولى أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة. 
وصرّح به –أي بكتاب حديقة الشيعة- المحدث البحراني في اللؤلؤة ونقله عن شيخنا المحدّث الصالح عبد الله بن صالح والشيخ العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني الذي يعبّر عنه البهبهاني في التعليقة بالمحقق البحراني وغيرهم.
قال–المحدث النوري-: فلا يلتفت إلى إنكار بعض أبناء هذا الوقت له وقولهم أن الكتاب –حديقة الشيعة- ليس له وأنه مكذوب عليه ونقل ذلك عن الآخوند المجلسي ولم يثبت.
وصرّح به – أي بالكتاب- أستاذ هذا الفن الميرزا عبد الله الأصفهاني في رياض العلماء فقال في ترجمة العصار المعروف, قال: محمد بن غياث الدين في تلخيص كتاب حديقة الشيعة للمولى أحمد الأردبيلي بالفارسية ومثله في ترجمة عبد الله بن حمزة الطوسي. قال–المحدث النوري- وهؤلاء الخمسة من أساتيذ هذا الفن وكفى شاهداً.
ويؤيده الحوالة في الكتاب المزبور –حديقة الشيعة- على كتابه زبدة البيان قال عند ذكر أحوال الصادق (عليه السلام) ما ترجمته : ورد في حق أبي هاشم الكوفي واضع هذا المذهب التصوّف عدة أحاديث منها ما رواه في كتاب قرب الإسناد علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال سئل أبو عبد الله يعني الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبي هاشم الصوفي الكوفي فقال (إنه كان فاسد العقيدة جداً وهو الذي ابتدع مذهباً يقال له التصوّف وجعله مفراً لعقيدته الخبيثة وأكثر الملاحدة وجُنّة لعقائدهم الباطلة).
قال وهذا الكتاب الشريف وقع إلي بخط مصنفه وفيه حديث آخر في هذا الباب وقد فصلت ذلك في زبدة البيان بأوضح من هذا وذكر فيه كلاماً في مسألة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) هو كالترجمة لما ذكره في زبدة البيان, وأحال فيه في مواضع على شرح الارشاد وكذلك أحال فيه على رسالته الفارسية في أصول الدين وعلى رسالته في إثبات الواجب. قال فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الروضات بعد نقل صحة النسبة عن المشايخ الأربعة المتقدم ذكرهم من قوله وقد نفاها بعضهم ونقل ذلك عن محمد باقر المجلسي لكن النقل لم يثبت وذلك لفقد الدليل على صحة هذه النسبة, ولكثرة نقله عن الضعفاء الذين لا يوجد النقل عنهم في الكتب المعتمدة أو لوجود مضمون الكتاب بعينه في بعض كتب الشيعة الأعاجم المتقدمين إلا قليلاً من ديباجته كما قيل أو لبعد التأليف بهذا السوق واللسان من مثله وفي مثل الغري السري العربي.
وأجاب –المحدث النوري- أما عن النقل عن الضعفاء فبأنه في مقام الرد على الغير من صحاحهم وتفاسيرهم وفي مقام الفضائل والمعاجز التي يكتفي فيها بالنقل من الكتب المعتبرة من غير نظر للأسانيد فهو لا يختلف في ذلك عن كتب العلامة وابن شهرآشوب وغيرهما.
وأما وجود مضمونه في كتاب آخر فإن بعض من لم يجد بزعمه وسيلة إلى جلب الحطام إلا التدثر بجلباب التأليف وإن لم يكن له حظ في الكلام سافر إلى حيدرآباد في عهد السلطان عبد الله قطبشاه الإمامي واتصل به ثم عمد إلى كتاب حديقة الشيعة فأسقط الخطبة وأسطراً من بعدها ووضع له خطبة من نفسه وجعله باسم السلطان المذكور وسرق الكتاب وأسقط منه ما يتعلق بأحوال الصوفية وذمهم لميل السلطان إليهم وفي المواضع التي أحال فيها الأردبيلي على مؤلفاته قال وذكر الأردبيلي ذلك في كتاب كذا.
قال–المحدث النوري- والبعد الذي ذكره أشبه بكلام الأطفال ثم قال وسمعت من بعض المشايخ أن أصل هذه الشبهة من بعض ما انتمى إلى التصوف من ضعفاء الإيمان لما رأوا في الكتاب من ذكر قبائح القوم ومفاسدهم مع ما عليه الأردبيلي من الاشتهار بالتقوى والقبول عند الكافة فدعاهم ذلك إلى إنكار كونه منه تشبثاً بما هو أوهن من بيت العنكبوت.
المصدر: أعيان الشيعة , السيد محسن, ج3 ص82.

أقول : اكتفينا بهذا المختصر في رد هذه الشبهة ومن أراد التوسعة فليراجع كتاب مستدرك الوسائل للمحدث النوري "قدس سره".

يقول السيد منير: ولكن على فرض صحتها فهِي تذم التصوّف وهو غير العرفان.
وقال أيضاً : لذلك ما ورد عن الصادق من الذم, ذمٌ للمتصوّفة الذين اعتمدوا طرقاً في العبادة ليست مأخوذة عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله...

أقول : تبين مما تقدم صحة الأحاديث الذامة للمتصوفة وقد تلقاها علماؤنا الأبرار وصححها بعضهم ,وتبيّن أيضاً أنَّ كتاب حديقة الشيعة هو كتاب معتبر شهد الأعلام باعتباره وأكدوا على أن محتواه من تأليف المقدس الأردبيلي رضوان الله عليه.
نأتي الآن لبيان معنى الحديث وهل هو يذم المتصوفة فحسب؟ أم أنه ذم من مال إليهم من الشيعة أيضا؟!
رُوي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حين سأله رجل عن قوم ظهروا في ذلك الزمان، يقال لهم الصوفية؟
قال (عليه السلام): إنهم أعداؤنا، فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم, وسيكون أقوام، يدعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم، ويلقبون أنفسهم بلقبهم، ويقولون أقوالهم، ألا فمن مال إليهم فليس منا، وأنا منه برآء، ومن أنكرهم وردّ عليهم، كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).
المصدر : مستدرك الوسائل, النوري, ج12 ص323 ح15, إكليل المنهج, الكرباسي, الإثنا عشرية, الحر العاملي, ص32 , حديقة الشيعة, المقدس الأردبيلي, ص563.

أقول : ذكر السيد منير أن الحديث في ذم المتصوفة فقط! فهل هذا الكلام صحيح أم لا؟
نستفيد من هذا الحديث الشريف عدة أمور بعد التأمل هي:
1- التحذير من الصوفية وأنهم أعداء أهل البيت (عليهم السلام).
2- التحذير من الميل إليهم.
3- إخبار المعصوم بتصوّف بعض الشيعة وميلهم للمتصوفة وتشبههم بهم والتلقّب بألقابهم وأخذهم بأقوالهم!
4- التحذير الشديد من الميل لمتصوفي الشيعة!
5- براءة المعصوم (عليه السلام) من متصوفي الشيعة!
6- الثواب العظيم لمن حارب المتصوفة وجاهدهم!
تلاحظ أخي القارئ الكريم شدة تحذير الإمام الصادق (عليه السلام ) من المتصوفة ووصفهم بالأعداء, وكذلك شدة تحذيره من الشيعة المائلين إلى المتصوفة ! وهذه الشدة من قبل الإمام (عليه السلام ) تبين لك مدى خطورة هذه الفرقة المنحرفة التي تنخر التشيع من الداخل كما ينخر السوس الأسنان!
وقد سأل رجل الإمام الهادي عليه السلام -بعد أن ذم الإمام المتصوفة- فقال: وإن كان معترفاً بحقوقكم؟ - أي وإن كان من الشيعة الموالين؟-
قال-الراوي-: فنظر إليه -الامام الهادي عليه السلام - شبه المغضب وقال :دع ذا عنك, من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا, أما تدري: أنهم أخس طوائف الصوفية, والصوفية كلهم من مخالفينا, وطريقتهم مغايرة لطريقتنا, وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الأمة,أولئك الذين يجهدون في إطفاء نور الله, والله يتم نوره ولو كره الكافرون.
المصدر : سفينة البحار , الشيخ القمي, ج2 ص58, حديقة الشيعة, الأردبيلي, ص603.

وفي رواية عن الإمام العسكري عليه السلام تحدث فيها عن آخر الزمان جاء فيها : علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض,لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف, وأيم الله: إنهم من أهل العدوان والتحرّف, يبالغون في حب مخالفينا -من أمثال ابن عربي والرومي والبسطامي- , ويضلون شيعتنا وموالينا...ألا إنهم قطاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين -وحدة الموجود- فمن أدركهم فليحذر منهم وليصن دينه وإيمانه.
المصدر : مستدرك الوسائل, الميرزا النوري, ج11 ص380, جامع أحاديث الشيعة, البروجردي, ج13 س377, مستدرك سفينة البحار, الشاهرودي, ج8 ص299.

لم يعيّن الإمام العسكري عليه السلام نوعاً صالحاً من أنواع التصوّف بل قال بأنهم جميعاً مخالفون لأهل البيت عليهم السلام! فقال عليه السلام: (والصوفية كلهم من مخالفينا,وطريقتهم مغايرة لطريقتنا, وإن هم إلا نصارى ومجوس هذه الأمة)!
وقبلها قال بأن متصوّفة الشيعة أخس طوائف الصّوفية لأن هذه الفرقة المندسة في الجسد الشيعي تروّج عقيدة المتصوّفة من الداخل وباسم العمامة الشيعية فينخدع بها الكثير ولذلك تكون فتنتهم أشد خطراً على الشيعة من فتنة المتصوّفة الرسميين!
وقد أشار الإمام الحسن العسكري عليه السلام في الحديث الشريف  إلى أن العرفاء المتصوّفة هم الدعاة إلى نحلة الملحدين وهي إشارة واضحة إلى اعتقادهم بوحدة الوجود والموجود التي صرّح بها الحلاّج على رؤوس الأشهاد حينما قال (أنا الحق) و (ليس في جبتي سوى الله) وكذلك قول البسطامي : (أنا لست أنا بل أنا الحق) و (سبحاني ما أعظم شأني) وقد صحّح العرفاء هذه الأقوال ورددوها في مؤلفاتهم وقد نقلنا بعض نصوصهم في المقالات السابقة.
فتبين مما تقدم أنّ الروايات تذم العرفاء المتصوفة ومن مال إليهم من عرفاء الشيعة وليس كما قال السيد منير بأنها تخص المتصوفة فقط محاولاً فصلهم عن عرفاء الشيعة الآخذين عنهم!

يقول السيد منير: التصوّف وهو عبارة عن رياضات متوارثة تجري وفق سلسلة من السند يدعي أصحابها ان السلسلة تنتهي إلى الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام او إلى الإمام زين العابدين عليه السلام لكن احنا ما وجدنا دليلا يشهد على رجوع الطرق التي يمارسها الصوفية إلى الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين لذلك ما ورد عن الصادق من الذم, ذمٌ للمتصوّفة الذين اعتمدوا طرقاً في العبادة ليست مأخوذة عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله , وأما العرفاء فهم لا يعتمدون على أي رواية وعلى أي كلام لااا , العرفاء يعتمدون على المعطيات الروحية المستفادة من روايات أهل البيت ومن الأدعية الشريفة , دعاء أبي حمزة والصحيفة السجادية , أدعية الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام , لا يستندون إلى هذه الطرق المجهولة المصدر..

أقول: بينا سابقاً أن العرفاء يؤولون الآيات والروايات بما يوافق عقيدتهم الباطلة فإنّ ادعاءهم  الأخذ عن القرآن والعترة ما هو إلا خداع ودجل وقد بينّا ذلك مفصلاً في الحلقات السابقة من هذه السلسلة.

أما قوله : وأما العرفاء فهم لا يعتمدون على أي رواية وعلى أي كلام لااا ... لا يستندون إلى هذه الطرق المجهولة المصدر..

أقول قد أخذ العرفاء -المتلبسون بالتشيع- عن المتصوّفة روايات لا أصل لها يستندون عليها لإثبات اعتقاداتهم الباطلة، بل جعلوا من بعض الأقوال الكفرية أحاديث نبوية!
وإليك بعض النماذج :
ذكر الخميني في كتابه تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس مستشهداً بحديث من مصادر المخالفين والثاني مُنكر قطعاً:
يقول القيصري : كما ورد في الخبر أن لله ثلاثمائة خلق من تخلّق بواحد منها دخل الجنة فقال أبو بكر هل فيّ منها شيء يا رسول الله قال صلى الله عليه وآله كلها فيك"
فقال الخميني تعليقاً عليه : قوله: (قال صلى الله عليه وآله كلها فيك) بحكم اضمحلال الكثرات واندكاكها في الحضرة الأحدية وفنائها فيها لدى شهود القيامة الكبرى وبهذا الاعتبار يكون كل الصفات في كل موجود ولهذا ورد أنه تعالى أوحى إلى موسى (ع) أن جيء بموجود أخس منك فأخذ برجل ميتة كلب ثم تنبه على خطأه فتركها فأوحى الله تعالى إليه أن لو جئت بها لسقطت من مقامك فافهم ولا تغفل.
المصدر : تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس ، الخميني , ص310-311.

أقول : لم يرد الخميني هذا الحديث الباطل بل وافقه وراح يؤول معناه بديانة وحدة الموجود فقال بأن الصفات الإلهية في كل موجود ومن بين الموجودات أبو بكر فلا اختصاص له, فكل المخلوقات هي عين ذات الله تعالى وفيها كل الصفات الإلهية!
وفي الحديث الثاني طعنٌ صريح في النبي موسى عليه السلام وقد تشبّث العرفاء بهذا الحديث المنكر ليبيّنوا وحدة المخلوقات مع الخالق وأنه لا فرق -والعياذ بالله- بين رجل ميتة الكلب والنبي موسى عليه السلام!
فهل بعد هذا سيقول السيد منير بأن العرفاء لا يعتمدون على أي رواية وعلى أي كلام ولا يستندون إلى الطرق المجهولة المصدر؟!

وقد استدلوا ببعض كلمات ومقولات المتصوّفة الكفرية وجعلوها أحاديث منسوبة لرسول الله صلى الله عليه وآله, وقد تم التعامل معها على ظاهرها وأخذوا بها وتعاملوا معها على أنها أحاديث معتبرة!
فمن المعروف المشهور أنّ مقولة (سبحاني ما أعظم شأني) هي من مقولات أبو يزيد البسطامي لعنه الله ولكن العارف حيدر الآملي وهو من كبار العرفاء جعل مضمون ومعنى هذه المقولة حديثاً نبويا ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ويتعامل معه على أنه حديث معتبر! فقال : يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( من رآني فقد رأى الحق, وسبحاني ما أعظم شأني))
المصدر: أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة , حيدر الآملي ,ص 270.

وقد استدل حيدر الآملي بالمقولة وجعلها حديثاً نبوياً لكي يبرّر مقولة الحلاج (أنا الحق)!

فهل بعد هذا سيقول السيد منير بأن العرفاء لا يعتمدون على أي رواية وعلى أي كلام ولا يستندون إلى الطرق المجهولة المصدر؟!

ومن المقولات الصوفية التي جعل العرفاء من مضامينها أحاديث نبوية "معتبرة" هي مقولة الصوفي المعروف "أبي سعيد أبي الخير" (إذا تم الفقر فهو الله) فهي كلمة تعادل كلمة الحلاج (أنا الحق) !
المصدر : منازل السائرين, عبد الله الأنصاري , شرح عبد الرزاق الكاشاني, ص 108.

يقول العارف حسين العالم -الأخ الأصغر لحسن مسقطي- :يظن الناس أن الفقر هو فقدان المال والثروة كلا إنه فناء الذات في ذات الله ، إنه الإلمام والإحاطة واليقين الكامل بفقر الإنسان التام المطلق في ذات الله!
المصدر : قدوة الفقهاء والعارفين, تقي الموسوي, ص210.

وقد سُئل أحد زعماء المتصوفة وهو شاه نقشبند عن قول البعض « اذا تم الفقر فهو الله» فقال: هذا إشارة إلى الفناء. وأنشد يقول :
من كان لم تكن …لم يك إلا الله
وإذا فنيت من بقي…لم يبق إلا الله
وقد تركوا للحلاج تبيين المعنى فقالوا: هو كقول الحلاج: أنا الحق وقول أبي يزيد: سبحاني!
المصدر : البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية, ص81 .الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية, ص180.

فمعنى هذه المقولة (إذا تم الفقر فهو الله) هو نفس معنى قول الحلاج (أنا الحق) وقد جعل العرفاء المتصوفة من مضمونها حديثاً نبوياً "معتبراً" ليشرعنوا لهذا المعتقد الكفري الباطل ويلبسوه ثوب الإسلام!
بينما حكم كبار علماء المخالفين على هذا الحديث بالوضع والبطلان!
يقول ابن حجر عن حديث الفقر فخري : باطل موضوع وأشد منه وضعاً وبطلاناً ما يذكره بعض المتصوفة (إذا تم الفقر فهو الله) سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
المصدر: تفسير الآلوسي , ج 30 ص 163.

ثم جاء العرفاء الدخلاء على التشيّع والمنتسبون له فاستخدموا هذه المقولة (إذا تم الفقر فهو الله) فجعلوا من مضمونها حديثاً نبوياً "معتبراً" يستدلون به على ديانتهم, سائرين بذلك على نهج وخطى المتصوّفة من الطائفة البكرية العمرية المسماة أهل السنة والجماعة!
يقول العارف تقي الموسوي في كتابه قدوة الفقهاء والعارفين : إذا فني السالك في الله، فهو (أنا) الذي فني في الله. "وإذا تم الفقر فهو الله" كما يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فهذا أعلى درجة العرفان, وإذا قال الحلاج: "أنا الحق" فلا غرابة في ذلك ، فقد وجد الحقيقة الثابتة ، وفني في الحقيقة الثابتة.
قدوة الفقهاء والعارفين, تقي الموسوي, هامش ص235.

وصرّح حيدر الآملي في تعريفه لمعنى الفقر بأن هذا الحديث هو كقولهم (أنا الحق) وقولهم (ليس في جبتي سوى الله)!
يقول حيدر الآملي : اعلم أن الفقر هو عدم التمليك مطلقاً حتى عن وجوده وكل شخص يحصل له هذا الفقر على ما ينبغي لا شك أنه يخرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني وإذا خرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني لابدّ وأن يدخل في حكم الوجود الحقيقي الواجبي الكلي لأن الشيء إذا جاوز حدّه انعكس ضدّه, والوجود إما واجبي أو إمكاني والاتصاف بأحدهما ضروري فافهم وحقق معنى قولهم: إذا تم الفقر فهو الله وأعرف بالحقيقة أن افتخار النبي عليه السلام بالفقر لم يكن إلا بمثل هذا , وسبحاني ما أعظم شأني ليس إلا في هذا المقام وكذلك أنا الحق ومن مثلي وهل في الدارين غيري وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
تفسير المحيط الأعظم, حيدر الآملي ,ج2 ص431.

فمعنى حديثهم المزعوم (إذا تم الفقر فهو الله) هو نفس معنى قولهم (أنا الحق) وهو أيضاً نفس معنى قولهم (ليس في جبتي سوى الله) فلم يستدلوا بهذا الحديث الموضوع إلا لتبرير هذا المعتقد الحلاجي الكافر!
وقد استشهد الخميني بذلك الحديث ذاته مورداً إياه في معرض الاستدلال على وحدة الوجود! فيقول: العالم إذا كان في حجاب نفسه يكون مفترقاً وممتازاً بالافتراق البينوني وإذا خرج عن حجاب نفسه وتعلق بعز قدسه وأفتقر وفنا عن ذاته رفع الغيرية وإذا تم الفقر فهو الله أي الهوية له لا لغيره.
المصدر : تعليقات على شرح فصوص الحكم ومصباح الأنس ، الخميني , ص65-66.

أقول: تلاحظ أخي القارئ كيف أرسل الخميني هذا الحديث الموضوع إرسال المسلمات واستشهد به لإثبات عقيدته الحلاجية!
فإن قال قائل بأن الخميني لم يقل عنه بأنه حديث ؟ قلنا بأنه لم يسمه بعدم الثبوت ولم يصرفه إلى معنى غير ظاهره على الأقل, ولو سلّمنا جدلاً بأنه لا يقول عن هذه المقولة أنها حديث نبوي, فليس من أحد ينكر بأنّ تلك العبارة المنسوبة لرسول الله صلى الله عليه وآله كذباً وزواً هي من مختصات المتصوّفة ومضمون ظاهرها هو على نمط قولهم (أنا الحق) وقولهم (ليس في جبتي سوى الله) كما صرّح بذلك حيدر الآملي فالاستشهاد بهذه المقولة -إذا تم الفقر فهو الله- يعني اعتقاد الخميني بالعقيدة الحلاجية !
فهل بعد هذا سيقول السيد منير بأن العرفاء لا يعتمدون على أي رواية وعلى أي كلام ولا يستندون إلى الطرق المجهولة المصدر؟!

الخلاصة:
تبيـّنَ من خلال ما تقدم بأن العرفان والتصوّف شيء واحد ولكنه في الجانب النظري يطلق عليه عرفان وفي الجانب العملي يطلق عليه تصوّف, وقد أثبتنا ذلك من خلال نصوصهم وأقوالهم .
وأما محاولات التفريق بينهما هي لذر الرماد في العيون والفرار من النصوص الصادرة بحق هذه الفرقة المنحرّفة, ولهذا جهدوا بعد ذلك في الطعن في سند هذه الروايات وتحريف مضمونها! وقد بينّا بطلان مدعاهم وكشفنا زيف قولهم وأثبتنا بأن الروايات صحيحة السند وقد حكم العلماء الأبرار بصحتها واعتبارها وعملوا بمضمونها, ثم نقلنا مختصراً لكلام المحدّث النوري في إثبات نسبة كتاب حديقة الشيعة للمقدس الأردبيلي أعلى الله مقامه, وتبين أن الاعتراض على الكتاب لم يأتِ إلا من قبل المتصوفة وبسبب الروايات الذامة للتصوّف!
ثم تطرّقنا لدلالة الروايات وأثبتنا بأنها تذم المتصوفة ومن يميل إليهم ولو كان حسب الظاهر من الشيعة الموالين, وليس كما زعم السيد منير بأنها خاصة في المتصوفة لكي يخرج العرفاء المتلبسين بالتشيّع!
وختمنا هذه المقالة بذكر بعض النماذج من مصادر العرفاء تثبت أخذهم عن المتصوفة معتقدهم واستنادهم على أقوالهم وتصريحاتهم!
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
10/شهر رمضان المبارك/ 1436 هـ