الأحد، 12 يوليو 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة العاشرة"

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
فضح الحلاّج عقيدة العرفاء على رؤوس الأشهاد بقوله (أنا الحق) وقوله (ليس في جبتي سوى الله) فحاول العرفاء إيجاد المخرج له والاعتذار عنه واختلاق التبريرات لحجب هذه الفضيحة! فانقسموا إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: قالوا بأن ما صدر عن الحلاّج من تصريحات كفرية صدرت عنه وهو في حالة المحو لا حالة الصحو أي أنه  كان في حالة سُكر من أثر الخمرة الإلهية! فأصبح لا يرى في الوجود إلا الله,لأنه لا يرى حتى نفسه فهو فانٍ في عين ذات الله! (والعياذ بالله) وهذا التبرير من العرفاء ليس سوى محاولة بائسة للهروب من المأزق الذي وقعوا فيه!
والجواب على ذلك : إنّ تصريحات الحلاّج الكفرية وقوله (أنا الحق) في كل المواطن كاشفة عن يقينه الحقيقي بهذه العقيدة عن وعي واختيار وليس كما يدّعي العرفاء أنّ هذه التصريحات لا تصدر عنه إلا في حال المحو أو الغفلة أو السُكر!
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكرته المستشرقة آنا ماري شيمل في كتابها الأبعاد الصوفية في الإسلام :
تقول : طرق الحلاّج باب الجنيد.
فسأل الشيخ الجنيد : من هناك؟
فقال الحلاّج : أنا الحق!
المصدر: الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف, آنا ماري شيمل, 78.
فتلاحظ أخي القارئ أنّ الحلاّج هنا في كامل وعيه, فلم يكن في حالة مناجاة مثلاً لكي يقال بأنه في حالة محو أو سكر أو غفلة كما يدّعي العرفاء.
وقد ذكر الحلاّج مقولته (أنا الحق) في شعره كثيراً ومنها قوله :
أنا سرّ الحق ما الحق أنا *** بل أنا الحق ففرق بيننا
أنا عين الله في الأشيا فهل*** ظاهر في الكون إلا عيننا؟
المصدر : الحب الإلهي , الشيخ شبّر الفقيه, 100.
وقال أيضاً:
خصّني واحدي بتوحيد صدق*** ما إليه من المسالك طرقُ
فأنا الحق حق للحق حقٌ*** لابسٌ ذاته فما ثم فرقُ
المصدر: أخبار الحلاج , ص65, المطبوع مع مقدمة ديوانه, دار الكتب العلمية.

رابعاً : الحلاّج نفسه لم يقل أنّ ما صدر منه كان في حالة محو أو سُكر أو غفلة بل كان بكامل وعيه يستدل على صحة قوله (أنا الحق) بأن الشجرة المباركة في القرآن قالت لنبي الله موسى عليه السلام (إِنِّي أَنَا اللَّهُ)!
يقول الحلاّج في كتابه الطواسين : من الشجرة من جانب الطور ما سمع من الشجرة من بررةٍ, ومثلي مثل تلك الشجرة.
المصدر: كتاب الطواسين , الحلاج, 156, منشورات الجمل.
فالذي يحاول تأصيل الفكرة والاستدلال على صحتها من القرآن كيف يقال عنه بأنه في حالة محو وغفلة وسُكر؟!
وتقول المستشرقة آنا ماري شيمل: هذه العبارة -أنا الحق- هي أشهر عبارة في الصوفية وقد ظهرت في أحد أبواب كتاب الحلاّج (الطواسين) فاقتبست من الكتاب في وقت مبكر جداً وأثيرت حولها المشاكل وفي الباب المذكور يناقش الحلاّج قوله هذا مقارنة مع ادعاء فرعون وادعاء الشيطان ففرعون قال كما جاء في القرآن (أنا ربكم الأعلى) والشيطان قال (أنا خير منه) وقد تخطاهما الحلاّج بقوله (أنا الحق) !
المصدر: الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف, آنا ماري شيمل, 78.

فالحلاّج يدافع عن هذا الاعتقاد ويصرّ على أنه حق ويناقش ما قاله نظيراه (الشيطان وفرعون) فكيف يقال بعد ذلك بأنه قال هذه الأقوال الكفرية في حالة المحو لا حالة الصحو؟!
والطريف أنّ قول فرعون (أنا ربكم الأعلى) الذي خطّأهُ الحلاّج هنا قد صحّحَه شيخ العرفاء الأكبر ابن عربي فقال : فصح قوله {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى}. و إن كان عين الحق فالصورة لفرعون!
المصدر : فصوص الحكم , ابن عربي , ص211.
فيكون ابن عربي أسوء حالاً من الحلاج فهو لا يصحّح قول الحلاّج (أنا الحق) فحسب بل صحّح قول فرعون أيضاً!
ولأنّ قول الحلاج (أنا الحق) أثيرت حوله المشاكل وتعرّض الحلاّج للقتل بسببه, لذلك كان ابن عربي يمارس التقية ولا يصرّح بهذه المقولة بشكل مباشر! وكان ينصح المتصوّفة بعدم التصريح بهذه المقولة في العلن لكي لا يكون مصيرهم كمصير الحلاّج!
فيقول :
فمن فهم الإشارة فليصنها *** وإلا سوف يقتل بالسنانِ
كحلّاج المحبة إذ تبدّتْ*** له شمس الحقيقة بالتداني
فقال أنا هو الحق الذي لا*** يغير ذاته مر الزمانِ
المصدر: شرح وتحقيق ديوان الحلاج , هاشم عثمان,ص21, مؤسسة النور للمطبوعات.

القسم الثاني: وهم العرفاء الذين قالوا أن الحلاّج قال (أنا الحق) على سبيل الحكاية كما لو سمع من الحلاج وهو يتلو الآية {لا إله إلا أنا فاعبدني} وهذا نوع من أنواع التقية! يمارسه بعض العرفاء لكي لا يظهروا عقيدتهم الأصيلة أمام العوام!
وفي الرد على هذا الاعتذار السخيف بأنه لا توجد آية في كتاب الله جاءت بنص قول الحلاج (أنا الحق) أو قوله (ليس في جبتي سوى الله) لكي يقال بأن ما صدر عنه كان على سبيل الحكاية, ولا يوجد ربط بين قوله تعالى {لا إله إلا أنا فاعبدني} ومقولة الحلاج (أنا الحق)!
يقول الدكتور طراد حمادة: أكثر الذين تناولوا هذه الشطحة (أنا الحق) ذهبوا إما إلى أن الحلاج قالها على الحكاية كما لو سمع وهو يتلو آية {لا إله إلا أنا فاعبدني} أو أن الحق تعالى قالها على لسانه والحلاج فانٍ عن نفسه مستهلك في شهوده!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 106.
ومن الذين أخذوا بالتأويل الأول هو الغزالي وتبعه الملا صدرا الذي دافع عن البسطامي بقوله :وأما أبو يزيد البسطامي , فلا يصح عنه ما حُكي عنه لا لفظاً ولا مفهوماً ولا معنى . وإن ثبت أنه سُمع منه ذلك, فلعله كان يحكى عن الله تعالى في كلام يردد في نفسه, كما لو سمع منه وهو يقول : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} فإنه لا ينبغي أن يقال ذلك إلا على سبيل الحكاية!
المصدر : كسر أصنام الجاهلية , الملا صدرا, ص48.
وهذا مردود كما بيناه إذ أن الحلاّج لم يقل (إني أنا الله) بل قال (أنا الحق) ولم تأتِ الآية بلفظ (إني أنا الحق) لكي يقال بأنه قالها على سبيل الحكاية! وأصحاب هذا التبرير يمارسون التقية ويخفون عن العوام عقيدتهم الحلاجية! ولكن الله يفضحهم من خلال تبريراتهم للزنادقة.
أما الذين أخذوا بالتأويل الثاني -أن الله تعالى قال أنا الحق على لسان الحلاّج- وهو قولُ العرفاء الذين كانت درجة تقيتهم أقل من غيرهم لأنهم يصرّحون بالعقيدة الحلاجية بكل وضوح ولكن في بطون الكتب!
كالعارف حسن مسقطي الذي يقول : ليس هو العارف الذي يتكلم، ولكن الذي ينطق هو الوجود البحت البسيط (أي الله)!
ويقول أيضاً : العارف صادق حتى في "شطحاته" لأن الله هو الذي يتكلم ، وحاشا للعارف أن يتكلف، فكلامه صدق لأن حالته هي تلك. والذي قال "أنا الحق" ليس هو الحلاج!
المصدر: قدوة العارفين سيرة العارف حسن المسقطي, تقي الموسوي, ص145.

ومن الطريف ما ذكره اللاهيجي للاعتذار عن الحلاج حيث قال : إنّ (أنا الحق) الذي سُمع في الحلاّج وغيره كان صوت الحق ونطقه! وقد سمع في الحلاّج وسواه عن طريق الانعكاس، فكان على هيئة صدى ظُنّ أنه هو قائله. ومثل هذه مثل امرئ يطلق صوتاً عند جبل، فيُسمع هذا الصوت ـ بالانعكاس ـ من الجبل نفسه، فيحسبه الجاهل صوت الجبل».
وهذا التبرير السخيف والمضحك هو شرح لبيت من الشعر للشبستري :
كل من خلا من نفسه، وصار كالخلاء
فإن «أنا الحق» يتبدّى صوتاً في داخله وصدى
المصدر : نهاية العشق , عبد الله الفاطمي, ص35 -36 نقلاً عن شرح روضة السر , ص375.
فعلى هذا كل من قال بتجرّد في أي سياق شاء: (أنا الله) -والعياذ بالله- فإنه يستطيع أن يقول إنّ كلمته تلك مجرّد انعكاس وصدى لصوت الله!

القسم الثالث : وهم الأخطر لأنهم يؤولون الآيات والروايات لكي تتوافق مع كلمات الحلاّج الكفرية! وبمعنى آخر  هم من سعوا  لأسلمةِ الكفر  الصادر عن الحلاّج على طريقة (خنزير مذبوح على الطريقة الإسلامية)! فهؤلاء قالوا بأن الحلاّج حاله كحال الشجرة المباركة التي جاء النداء منها (إني أنا الله) للنبي موسى عليه السلام!
يقول العارف عبد الله الفاطمي: وما أحسن قول الشيخ الشبستري:
تُقْبَل «أنا الحق» من شجرة
فلم لا تقبل ممن أقبل عليه السعد؟!
المصدر: نهاية العشق, عبد الله الفاطمي, ص38.
فلسان حال العرفاء يقول لماذا تطعنون في الحلاّج وتكفرونه؟ فإذا صّح قول الشجرة (إني أنا الله) فلماذا لا يصح قول الحلاّج ( أنا الحق)؟!
والجواب على  هذا هو أنّ الله سبحانه وتعالى حينما أراد مخاطبة النبي موسى عليه السلام خلق الكلام في الشجرة وليس كما يدّعي الحلاج وأبناؤه العرفاء بأن الشجرة هي عين ذات الله وأن الناطق هو الله بعينه (والعياذ بالله)!
يقول شيخ الطائفة الطوسي "قدس سره" : إنّ الكلام والنداء سمعه موسى من ناحية الشجرة، لأن الله تعالى فعل الكلام فيها لا أن الله تعالى كان في الشجرة، لأنه لا يحويه مكان، ولا يحل في جسم، فتعالى الله عن ذلك.
المصدر : التبيان, الشيخ الطوسي, ج8 ص146.
ويقول المحقق الكركي: أنه - الله- متكلم، بمعنى أنه خلق الكلام من جسم جامد، لأن ذلك ممكن، وهو سبحانه قادر على الممكنات، ولقوله تعالى : "وكلم الله موسى تكليما "
المصدر : رسائل الكركي ,المحقق الكركي , ج 1ص 60.
ويقول السيد مسلم الحلي : أن معنى اتصافه تعالى بالكلام وانتساب الكلام إليه، هو أنه تعالى يخلق أصواتاً وحروفاً في أجسام تدل على المراد، فمعنى أنه تعالى متكلم، أنه خلق الكلام لا أنه قام به.
المصدر : القرآن والعقيدة ,السيد مسلم الحلي ,ص 48.
فالشجرة حين تكلمت لم يكن كلامها سوى التبليغ عن الله تعالى بأنْ خلقَ الله تعالى الكلام فيها كما يبلّغ أمين الوحي جبريل عليه السلام بدلالة أنها مسبوقة بقوله تعالى: (إنّي) ولم تكن مباشرة (أنا الله) وبعدها (فاخلع نعليك) أي هو خطاب تنبيهي بغرض إبلاغ أمر.
أما هؤلاء الزنادقة يقولون مباشرة (أنا الحق)!
قد وردت آيات عن لسان أمين الوحي جبرائيل عليه السلام {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فهل من حق أحدنا أن يجتزئ النص القرآني ويستحمق نفسه والآخرين فيقول: (أنا الغفور الرحيم)؟
تلك آية على لسان جبرائيل عليه السلام عن الله سبحانه وتعالى.

وقد بيّنا بالتفصيل بطلان هذه التبريرات في عدة مقالات بعنوان (حلاّجيون بلباس التشيّع)!

وقد احتمى بعض العرفاء بأسلوب آخر للفرار من التكفير, فمارسوا التقية وتظاهروا بمخالفة الحلاّج وبطريقة ماكرة! حيث أن أصل مخالفتهم للحلاّج تتمّثل في كشف سر عقيدتهم لا في أصل العقيدة! ولكنهم يتظاهرون بمخالفة عقيدته وبأساليب ملتوية!
ولكن السيد منير الخبّاز (هداه الله) لم يكن يعرف كل هذه الحقائق لذلك نفى أن يكون العرفاء يعتقدون كما يعتقد الحلاج واعتبر أنّ ما قاله الحلاج كفر! وأنّ العرفاء لا يقولون بقوله! وقريب من قوله ما ذكره الشيخ جعفر المبارك!
وكما هي عادتنا في التوثيق نطرح بين أيديكم أولاً مقطع التسجيل المرئي :
يقول السيد منير : إذن هذا هو الفرق بين ما يطرحه الفيلسوف وما يطرحه العارف من مبدأ ومفهوم وحدة الوجود, العرفاء لا يدّعون أنّ الإنسان يتحد مع الله أو كما ينقل عن الحلاج (الله في جبتي) و (الله في رأسي)لااا . لا يدّعون التوحّد بين وجود الله ووجود الإنسان هذا كفر لا يدعيه العرفاء إنما العرفاء يقولون أن هناك حقيقة هي لا موجود واقعاً إلا الله وما سواه إشارات له وهذا المدعى لا يمكن إقامة البرهان العقلي عليه بل الطريق لاستكشافه هو الشهود القلبي والشهود الوجداني ..

أقول : سيتبين للقارئ الكريم من خلال السطور القادمة أن العرفاء كالحلاج تماماً ولكنهم يخفون عقيدتهم ولا يظهرونها أمام الناس, بينما كان الحلاج يجهر بها على رؤوس الأشهاد ففضح سر عقيدتهم! وهذا الأمر هو سبب نقمتهم عليه!
وقبل الدخول في البحث نحتاج إلى مقدمة توضيحية وهي : إنّ العرفاء والمتزلفين لهم يقومون بحرف مسار الحوار حينما تناقشهم في وحدة الموجود التي يعتقدون بها, فتجدهم عادةً ينتقلون إلى موضوع الحلول والاتحاد, فيقول قائلهم (نحن لا نعتقد بالحلول والاتحاد)! وهذا أسلوب من الأساليب التمويهية التضليلية لخداع المؤمنين وإخفاء حقيقة ما يعتقدون, فالعارف لا يعتقد بوجود شيء آخر غير الله مختلف ومنفصل عنه لكي يتحد معه أو يحلّ فيه فالمخلوقات فانية فيه متحدة به دائماً وأبداً– أي فناءٌ أزلي- وعلى وتيرة واحدة كما صرّح بذلك كمال الحيدري .
المصدر: العرفان الشيعي, الحيدري,ص150.
وكل ما يحدث في هذا العالم من تغيرات  هي  تطورات في الذات الإلهية!
يقول حسن زادة آملي : العارف في هذا المقام-أي مقام الفناء في الذات-يرى جميع أنواع الكائنات المختلفة متحدة كما أن الجاهل يحسبها متكثرة...وفي هذا المقام يتحقق بحقيقة التوحيد وكلمة (لا إله إلا الله) الطيبة، قائلاً بلسان الحقيقة (يا هو يا من ليس إلا هو) فإذن لا يبقى له-العارف- ولا للممكنات الأخرى هوية،بل هوية الكل مضمحل ومتلاشٍ في تجلّي حقيقة الحق –الله-!
المصدر : السير إلى الله , حسن زاده آملي, ص164- 165.
فهذا نص صريح وواضح من حسن زادة آملي يثبت أنّ كل الكائنات متحدة مع الله (أي وحدة موجود)
ولذلك يجب الالتفات إلى محاولات العرفاء الماكرة التي يريدون من خلالها حرف الحوار والتمويه على المؤمنين لإيهامهم بأنهم لا يعتقدون بوحدة الموجود الكفرية.

يقول السيد منير : العرفاء لا يدّعون أن الإنسان يتحد مع الله أو كما ينقل عن الحلاج (الله في جبتي) و (الله في رأسي) لااا .

أقول : أتصوّر من خلال هذا التصريح أن السيد منير الخبّاز لم يستوعب مقامات عقيدة وحدة الموجود جيداً فأنكر اعتقاد العرفاء بها وأنكر توافق عقيدتهم مع عقيدة الحلاج! لذلك تسرّع وكفّر الحلاّج والقائلين بالتوحّد من غير الرجوع إلى أقوال العرفاء  وتصريحاتهم في الدفاع عنه!
فلا ندري أنأخذ بقول السيد منير أن العرفاء لا يقولون كما يقول الحلاج أم نأخذ بقول كبار العرفاء كالقاضي الطباطبائي القائل : إن أساس مطالب منصور الحلاّج هي نفس مطالب سائر العرفاء وليس لديه شيء آخر دونهم لكنّه كان مفشياً للأسرار الإلهيّة !
المصدر: الروح المجرد, الطهراني , ص444 طبعة دار المحجة البيضاء.
فالقاضي هنا يتكلّم على نحو الإطلاق وهو يقّر أن مطالب الحلاّج لم تكن تختلف عن مطالب سائر العرفاء.
ولاحظ قوله: (هي نفس مطالب سائر العرفاء!) ونفس الشيء يعني مطابق له فتكون كل مطالب الحلاّج الكفرية هي نفس مطالب سائر العرفاء!
ويؤكد القاضي الطباطبائي على تطابق معتقدهم بقوله : (وليس لديه شيء آخر دونهم!) فالحلاّج متساوٍ مع سائر العرفاء.
أما عن الأسرار التي كشفها الحلاّج, فهو لم يكشف إلا عن عقيدتهم (وحدة الموجود) حينما قال : (أنا الحق) -أي هو الله- وقال أيضاً :ليس في جبتي سوى الله!
فالعرفاء كالحلاّج يعتقدون بوحدة الموجود لا وحدة الوجود فحسب ولكن الفرق هو أن الحلّاج كان أكثر جرأة من أبنائه العرفاء فصرّح بعقيدته على رؤوس الأشهاد! فكفّره أغلب علماء عصره وعُلّق على حبل المشنقة! بينما كتمها العرفاء خوفاً من التكفير والقتل فجعلوها في كتبهم مغلّفة بعبارات مبهمة, فهم لا يملكون الجرأة التي يمتلكها الحلاّج.

يقول محمد حسين الحسيني الطهراني : نعم ، لكأنّ الجميع –العرفاء- يتّفقون على أنّ جرم الحسين بن منصور الحلاّج كان كشف الأسرار الإلهيّة، وهو جرم عظيم!
المصدر : الروح المجرد, الطهراني, ص448.
1
فمشكلة الحلاج أنه أفشى هذا السر (وحدة الموجود) في العلن وليست مشكلته عند العرفاء أنه يعتقد بهذا الاعتقاد!
يقول سنائي:
*اللسان الذي باح بالسرّ المطلق
كان الحلاّج في صيحته: أنا الحقّ
المصدر: نهاية العشق, عبد الله الفاطمي,ص27.
وبيّن الحافظ الشيرازي مشكلة الحلاج الأساسية بقوله:
ذاك الذي فيض المعارف عنه قد فاحا *** كل ما جناه أنه بالسر قد باحا
المصدر: العرفان والدين والفلسفة, المطهري , ص361.
ويقول المستشرق إدوارد براون: من العرفاء كفريد الدين العطار وحافظ –الشيرازي- وأمثالهم يعتبرون الحلاج بطلاً ويرون أن عيبه الوحيد هو إفشاء الأسرار هذا في حالة ما إذا كان من الممكن نسبة العيب إليه!
المصدر: تاريخ الأدب في إيران, إدوارد براون, ج1ص333.
ويقول المطهري : اتهمهُ العرفاء بإذاعة أسرارهم وإفشائها!
المصدر : الكلام, العرفان, الحكمة العملية, مطهري ص 84 المترجم: حسن الهاشمي, طبعة دار الكتاب الإسلامي.
فمشكلة الحلاج الوحيدة عند العرفاء هي أنه (بالسر قد باحا) أي أنه فضح سرهم (وحدة الموجود) على رؤوس الأشهاد حينما قال (أنا الحق) و (ليس في جبتي سوى الله)! وإلا فالحلاج عندهم ممدوح كما هو واضح في الشطر الأول من البيت الشعري لحافظ (ذاك الذي فيض المعارف عنه قد فاحا) فالمعارف برأيه تفيض من كلمات الحلاّج ولكن مشكلته أنه قالها في العلن!
يقول كمال الحيدري: ينبغي أن يكون الهدف الأسمى هو العود إلى ذلك الأصل واندراج وانطفاء ذواتنا في طيّ الذات الواجبة -الله- كما تندرج القطرة في البحر , وهذا هو معنى الفناء الحقيقي للذات,فلا غضاضة بعد ذلك إذا ما سُئلت القطرة : ما أنتِ ؟ فتقول: أنا البحر!
المصدر : العرفان الشيعي, كمال الحيدري,ص 252-253.
أقول: فلا غضاضة -عند العرفاء- إذا ما سُئل الحلاّج ما أنت؟, فقال : أنا الحق!

ولو ذهبنا لعارف آخر أقل تقيه من بقية العرفاء كالعارف حيدر الآملي وسألناه عن عقيدة الحلاّج وهل هي صحيحة في نظره أم لا ؟
لأجابك بكل صراحة وقال سأضرب لك مثالاً لعلك تستوعب هذه العقيدة: نفرض هناك ناراً موصوفة بالضوء والإحراق والحرارة والإنضاج وغير ذلك, ونفرض بإزائها فحماً موصوفاً بالظلمة والكدورة وعدم الحرارة والإنضاج, ثم نفرض أنه حصل لهذا الفحم قرباً إلى تلك النار بالتدريج واتصف بجميع صفاتها فصار ناراً وحصل منه ما حصل من النار, بل صار هو هي, فلا يجوز له أن يقول أنا النار؟ كما قال العارف (الحلاّج) أنا الحق؟ ومعلوم أنه يجوز لأنه صادق في قوله وفيه قيل : أنا من أهوى ومن أهوى أنا !!
المصدر : أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة, حيدر الآملي , ص270-271.

فلا تتوهموا بأن قول الحلاّج (أنا الحق) كفرٌ وزندقة, لا بل هو الإيمان الخالص والعرفان الكامل فيجوز للحلاج أن يقول (أنا الحق) فقد قالها بعد تحقيق والقائل صادق!
وهكذا يبرّر العرفاء أقوال الحلاج الكفرية ويلبسونها ثوب الإسلام! واللطيف أن يختم حيدر الآملي تصريحهُ هذا بقوله: وهاهنا أسرار لا يجوز إفشاؤها أكثر من هذا!

أما عن قول السيد منير : العرفاء لايدّعون أن الإنسان يتحد مع الله أو كما ينقل عن الحلاج الله في جبتي والله في رأسي لااا .

أقول :بينا فيما سبق معنى الاتحاد عند العرفاء, فالعارف لا يعتقد بوجود شيء آخر متمايز ومنفصل عن الله لكي يتحد معه أو يحلّ فيه ولكن العارف يقول أنّ المخلوقات فانية فيه متحدة به دائماً وأبداً – أي فناءٌ أزلي- وعلى وتيرة واحدة!
ولقد دافع العرفاء عن الحلاّج محاولين تبرئته من الحلول والاتحاد, ولكن كما بينّا أن السيد منير الخبّاز بعيد عن هذه الحقائق ولم يحقق هذه المطالب بدقة كما ينبغي لذلك تصوّر أن الحلاّج يختلف عن العرفاء وأنّ العرفاء لا يقبلون تصريحاته الكفرية مثل (أنا الحق) و (ليس في جبتي سوى الله)!
يقول الدكتور طراد حمادة : الإمام –الخميني- يحسن الظن بالحلاج, ويربطه بطلب موسى للرؤية, ويعفيه من الحلول والشطح!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
ويقول أيضاً : إن حسن ظن الإمام –الخميني- بالحلاج يتوافق مع موقف الإمام الغزالي , لكنه يتجاوزه إلى ما هو أبعد في سلوك العاشق للفناء في المحبوب الإلهي!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 109.
ويقول الخميني في قصيدة له : أن صيحة الحلاج -أنا الحق- صيحة عاشق صيحة مستهام وأن هذه الصيحة تعبير عن الحال ولا تبلغ ما بلغته شطحات الشاطحين!
المصدر : أسرار الحكمة والعرفان في شعر الإمام الخميني ص 108.
ولذلك صرّح الخميني نفسه بهذه المقولة فقال في شعره:
ذَهَلَتْ نفسيَ عن نفسي ـ «أنا الحقُّ» صرختُ
فاشتريتُ، مثلما الحلاّجِ يوماً، حَبْلَ شَنْقي
المصدر: نهاية العشق, عبد الله الفاطمي,ص3.
فالحلاّج عند الخميني لا يعتقد بالحلول ومعفيٌ عن الشطح كما أنه يصحح أقواله الكفرية كقوله (أنا الحق)!
1
يقول الشيخ علي البستاني : إن الإنسان في الوهلة الأولى وخاصة البعيد عن المنهجية العرفانية تجده من الصعب جداً أن يصل إلى قناعة وتصديق بما يقوله السالك وخاصة عندما يكون في حالة من حالات العرفانية المتقدمة والتي لا يشعر فيها بوجوده ولا بوجود غيره والتي تسمى حالة السكر أو الذهول فحينها قد يتفوه بكلام ظاهره الكفر وباطنه عمق الوصول إلى المعشوق وهي الغاية التي يصبو إليها, بل هي غاية الغايات عنده, وهذا ما حصل مع الحلاّج حسين بن منصور, حين اتهم بالكفر والارتداد وادعاء للألوهية تارة والحلول تارة أخرى, عندما سمعوه يقول أنا الحق , وما في الجبة إلا الله, أو قوله الذي أدى به إلى حبل المشنقة :
نحن روحان حللنا بدنا*** أنا من أهوى و من أهوى أنا
فإذا أبصرتني أبصرته*** و إذا أبصرته أبصرتنا
وما هذه الكلمات إلا تعبير عن الحالة التي يشعر بها هو, وهي حالة السكر والذهول في مقام الفناء في الله, ومن لا يعرف ماذا تعني هذه المصطلحات ولم يعش التجربة رأساً يحكم على المتكلم بالكفر والزندقة, وأما العرفاء فهم الوحيدون الذين يعرفون ماذا يقصد وبما يشعر وما في قلبه من لهيب العشق للمعشوق الأوحد, ولهذا لقبه العرفاء بـ(الشهيد) ويلومونه بأنه كاشف السر أو الأسرار!
المصدر: السير إلى الله في طريق العرفان, علي البستاني,ص25-26.

أقول: بينّا في المقدمة بطلان هذا التبرير السخيف وأن الحلاّج لم يكن في حالة سُكر كما يدّعي العرفاء بل كان بكامل قواه العقلية يستدل على صحة قوله (أنا الحق) وأنه كالشجرة التي جاء النداء منها (إني أنا الله)!
إن الله سبحانه وتعالى وهبنا نعمة العقل ودعانا للتفكّر في خلقه والتأمل في آياته والتدبر فيها, فلو كان هناك مرحلة يصل عندها الإنسان إلى تلك التعابير الصوفية السمجة لما قال تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} فالفعل مضارع يفيد الاستمرار وهو يعني الحث على المداومة والاستمرار في التفكّر والتأمل في الخلق وإدراك ما حولنا وإدراك ذواتنا وأنفسنا لا حالة السكر التي يعبر عنها المتصوّفة بالمحو والمحق وعدم الالتفات إلى الذات وتلك الخزعبلات!
يقول السيد نعمة الله الجزائري: إن السكر المباح الذي يقع فيه ما يخالف الشريعة لا يكون سكراً مباحاً بل هو أشد حرمة من سكر الخمر وسكر الخمر حرام لهذه العلة لأن مرادهم-العرفاء- من السكر المباح هو الاتصال بالحضرة الربوبية وروى عن العامة والخاصة قول أمير المؤمنين عليه السلام لو كشف الغطاء لما ازددتُ يقيناً فمن بلغ هذه الدرجة الرفيعة لم يحصل له في وقت من الأوقات سكرة مباحة يقع منه فيها ما يخالف قانون الشريعة حتى يحتاج إلى هذا التأويل, وهذه السكرة المباحة جعلوها جواباً لكل ما وقع من مشايخهم من الكفر والزندقة أعاذنا الله من هذه السكرة المباحة.
المصدر: زهرة الربيع, السيد نعمة الله الجزائري, ص472.

يقول السيد منير : العرفاء لايدّعون أن الإنسان يتحد مع الله أو كما ينقل عن الحلاج الله في جبتي والله في رأسي لااا .

أقول: قال القاضي الطباطبائي : إن أساس مطالب منصور الحلاّج هي نفس مطالب سائر العرفاء وليس لديه شيء آخر دونهم لكنّه كان مفشياً للأسرار الإلهيّة!
المصدر: الروح المجرد, الطهراني , ص444 طبعة دار المحجة البيضاء.
تبيّن من خلال تصريح القاضي الطباطبائي بأن العرفاء كالحلاج والحلاج كالعرفاء لا تختلف مطالبهم ولكن العرفاء لا يظهرون هذه العقيدة -وحدة الموجود- أمام الملأ كما فعل الحلاّج بل يكتمونها أشد الكتمان ولا يصرحون بها إلا في مجالسهم الخاصة وبين خواصهم.
فالطهراني على سبيل المثال حينما تطرق لكلمات الحلاّج كقوله (أنا الحق) وقوله (ليس في جبتي سوى الله) عاب على الحلاّج التصريح بها فقط وليس عنده مشكلة في التفوّه بهذه الأقوال الكفرية في المجالس الخاصة!
يقول محمد حسين الحسيني الطهراني : لا إشكال في هذا النحو من التعبيرات -أنا الحق , ليس في جبتي سوى الله - في المجالس الخاصّة مع بعض الأحبّة والأعزّة من الأولاد أو الأصحاب لتعريف ذات الحقّ ووصول عبد الله إلى مقام الفناء في الله!
المصدر : الروح المجرّد , الطهراني, ص443.
فالعرفاء يقولون للناس نحن نقول بوحدة الوجود ويخدعونهم بهذه العبارة (الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة) كالنصارى الذين يقولون (الثلاثة في واحد والواحد في ثلاثة)! ولكنهم في مجالسهم الخاصة ينطقون بوحدة الموجود صراحة وعلى طريقة الحلاّج أيضاً فيهتفون مثله (أنا الحق)! ويعتبرون هذه المرتبة أعلى درجات العرفان!
المصدر : قدوة الفقهاء والعرفاء, تقي الموسوي, هامش ص235.

وقد نفى السيد منير الخبّاز في هذا التسجيل المرئي عن العرفاء مقولة  (ليس في جبتي سوى الله) وحصرها في الحلاج فقط لكي يُوهم الناس بأن العرفاء لا يعتقدون بها ولا يقولون كما يقول الحلاج! والصحيح أنهم يعتقدون بهذه المقولة ولا يرون إشكالا في التفوّه بها إلا أنهم لا يصرّحون بهذه المقولة إلا في المجالس الخاصة كما قال الطهراني.

إنّ من لطف الله سبحانه وتعالى بعباده أن يُجري الحق على لسان بعض الضالين والمنحرفين لكي لا يختلط الحق بالباطل ويكون هذا الاعتراف حجة عليه وفي نفس الوقت يكون سبيلاً لتيقّن المؤمنين من الحقيقة! فيكشف هذا المنحرّف الضال عن انحرافه وضلاله وبطلان منهجه من غير أن يشعر !
قال أمير المؤمنين عليه السلام :ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه!
المصدر: نهج البلاغة ج 2 ص 148 .
وقد صدرت من العرفاء تلك الفلتات فصرّحوا بهذه العبارة في كتبهم كابن عربي والرومي وحيدر الآملي وحسن مسقطي وأخيه الأصغر حسين المسمى بالعالم وغيرهم وقالوا بكل صراحة (ليس في جبّتي سوى اللّه) وبرروا التفوّه بها!
وهذه الكلمة هي ترجمان واضح للعقيدة الكافرة (وحدة الموجود) لذلك ربطها السيد الخوئي "رضوان الله عليه" بالقول بوحدة الموجود فقال: وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه . . . فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار؟ ! كيف كان، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
المصدر: التنقيح , الخوئي, ج3 ص81-82.

إذاً كل من يصرّح بهذا القول (ليس في جبّتي سوى اللّه) أو يجوّزه يكون كافراً زنديقاً بحسب فتوى السيد الخوئي "قدس سره" لأن هذا القول من مصاديق الاعتقاد بوحدة الموجود كما يُفهم من تعليق السيد على تلك العبارة.
إنّ مقولة (ليس في جبتي سوى الله) تقتضي القول بوحدة الموجود الكفرية!
يقول العلاّمة الميرزا حبيب الله الخوئي "قدس سره" حول هذه المقولة: والظاهر صدور هذا الهذيان -أي قول ليس في جبتي سوى الله- من خبيثِ لسانِ كلا الرّجلين -البسطامي والحلاج- بلا اختصاص له بأحدهما، لأنّه مقتضى القول بوحدة الوجود و من لوازمه.
المصدر:منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص292.

هل صرّح العرفاء بهذه العبارة؟
تبيّن مما تقدّم أن عبارة (ليس في جبتي سوى الله) من لوازم القول بوحدة الموجود والتي أفتى فيها السيد الخوئي "قدّس سرّه" بقوله : لا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة.
وهذا الحكم ينطبق على كل من يصرّح بهذا التصريح من العرفاء!

ليس في جبتي سوى الله على لسان ابن عربي:
يقول محسن جهانكيري (أستاذ الفلسفة في جامعة طهران) : أبدى ابن عربي اهتماماً كبيراً وعناية فائقة نحو هذا الصوفي الشهير والشطّاح الكبير -الحلاّج- وتحدّث عن مقاماته وأحواله, وفضّله في بعض الأحيان على أويس!! وأفرد ابن عربي رسالة مستقلة للتحدّث عن الحلاّج وأفكاره تدعى ( السراج الوهاج في شرح كلام الحلاّج) كما تحدّث عنه في سائر آثاره الأخرى لاسيما الفتوحات المكية وأشار إليه باحترام معبراً عن موافقته لأفكاره من خلال نقلها.
المصدر: محيي الدين بن عربي , الشخصية البارزة في العرفان الاسلامي,ص147.

يقول ابن عربي:
ليس في الجبة شيء غير ما *** قاله الحلاج يوماً فانعموا
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2 ص320.
فهذا ابن عربي كبير العرفاء يصرّح بمقولة الحلاّج الكفرية ويعتقد بها لذلك قال هذه العبارة: (ليس في الجبة شيء غير ما) مقرونة بقوله (قاله الحلاج) فهو هنا يؤّكد على صحة قول الحلاّج! ولا يكتفي بذلك بل يختلق للحلاّج التبريرات أيضاً!
يقول ابن عربي : قال بعض الرجال -أي الحلاج- ما في الجبة إلا الله وأراد هذا المقام يريد أنه ما في الوجود إلا الله كما لو قلت ما في المرآة إلا من تجلى لها لصدقت مع علمك أنه ما في المرآة شيء أصلاً!
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج3 ص79.
أقول :  إن العرفاء اليوم يسيرون بسيرة ابن عربي فبدلاً من قولهم (ليس في جبتي سوى الله) يقولون (ليس في الدار غيره ديار)! مع أن العبارة الأخيرة هذه للحلاج أيضاً!
يقول الحلاج:
سكنتَ قلبي وفيه منك أسرارُ ***فليهنك الدار بل فليهنك الجارُ
ما فيه غيرك من سر علمت به***فانظر بعينك هل في الدار ديارُ
المصدر: خلاصة علم الكلام, عبد الهادي الفضلي,ص219.
فابن عربي حلاجي العقيدة فهو كالحلاّج تماماً ويصرّح بنفس قوله! (ليس في جبّتي سوى اللّه) فهو إذن في الحكم والموضوع كافرٌ زنديقٌ بحسب فتوى السيد الخوئي "قدس سره".
*وقد حكم بزندقة ابن عربي وكفره كبار المراجع في هذا العصر منهم تلميذ السيد الخوئي المرجع الشيخ إسحاق الفياض "دام ظله" في تسجيل صوتي يتحدث فيه عن العرفان الباطل الذي يدرّسه بعض المنتسبين للحوزة في حوزة النجف الأشرف! وكذلك كفّر المرجع السيد محمد صادق الروحاني"دام ظله" ابن عربي في فتوى صادرة عنه.
وقد سار العرفاء على نهج كبيرهم ابن عربي فأخذوا يسوقون التبريرات لهذا القول الكفري-ليس في جبتي سوى الله- ويلبسونه ثوب الإسلام!
يقول العارف حسين العالم (وهو الأخ الأصغر للعارف حسن مسقطي) : عندما يصل العبد إلى هذا المقام -الفناء في الذات الإلهية- لا يبقى هناك إلا المحبوب الحقيقي، فكما أن الفراشة عندما تحترق بالنار لا يبقى منها إلا النار، كذلك السالك حينما يفنى في النور لا يبقى منه إلا النورانية. وعند وصوله إلى هذا المقام، بأي طرف يرنو بنظره لا يرى غير الله ، وعندما ينظر إلى نفسه لا يجد لنفسه أثراً ، فتخرج الصيحة منه بلا اختياره "لا إله إلا أنا فاعبدوني" ، أو "سبحاني ما أعظم شأني" ، أو "ليس في جبتي سوى الله تعالى". لماذا يقول ذلك في حين أنه ليس الله ؟ يا عزيزي كلما يرنو بنظره لا يرى نفسه ... فهو فاني. فماذا يفعل فإنه لا يرى غير المحبوب. وعندها يتكلم لا بلسانه بل بلسان الله يتكلم.
المصدر: قدوة الفقهاء والعرفاء ,تقي الموسوي,ص286.
يقول إن الله هو الذي يتكلم بلسان العارف!! فيقول الله ليس في جبتي سوى الله!! (نعوذ بالله)

ليس في جبتي سوى الله على لسان صاحب المثنوي:
يقول جلال الدين الرومي : عندما طارت عنقاء الانسلاخ عن الذات بدأ أبو اليزيد –البسطامي- في ذلك الكلام. -أي قوله ليس في جبتي سوى الله-
- اختطف سيل الحيرة منه العقل فنطق بأفظع مما نطق به في البداية!
قال –البسطامي- ما في الجبة غير الله فإلامَ بحثك في الأرض والسماء؟
- فجن أولئك المريدون جميعاً وأخذوا يطعنون جسده الطاهر بالمُدى! -أي يطعنوا جسد البسطامي بالسكاكين-
كان كل واحد منهم كملحدى (كزده كوه) قد أخذ في طعن شيخه –البسطامي- دون انقطاع!
وكان كل من يطعن الشيخ بسلاحه يرتد إليه ويمزق جسده هو!
ولم يكن هناك أثر واحد على جسد صاحب الفضل ذاك -أي البسطامي-, وأولئك المريدون جرحى وغرقى في الدم!
فكل من وجه في صدره مزق صدره هو وأصبح ميتاً إلى الأبد!
وذلك الذي كان عارفاً ـ نصف معرفة ـ بمقام ذلك السلطان –البسطامي- لم يطاوعه قلبه على أن يطعنه طعنة ثقيلة!
لقد قيدت نصف معرفة يده فكسب روحه إلا أنه جرح نفسه فحسب.
وانتهى اليوم وقد ارتفع النواح من بيوت أولئك المريدين الناقصين!
ذلك أن المنسلخ عن الذات فانٍ في الله وآمن وهو ساكن إلى الأبد في الأمن.
لقد صارت صورته فانية وصار هو مرآة ولا يبدو في المرآة إلا صورة وجه الغير.
فإن بصقت في المرآة فإنما تبصق على نفسك وإذا ضربت أمام المرآة فإنك تضرب نفسك.
وإذا رأيت وجها قبيحاً فهو وجهك وإن رأيت عيسى بن مريم فهو أنت أيضاً!
المصدر : المثنوي , جلال الدين الرومي ,ج4 ص221-222.

أقول: إن العرفاء لا يكشفون عن عقيدتهم الأصلية ولا يصرّحون بها أمام الناس فهي عندهم سر من الأسرار التي لا يمكن كشفها إلى غيرهم بل لا يكشفونها حتى للسالك نفسه إلا إذا تعدى مرحلة الشريعة والطريقة ووصل إلى ما يسمونه مرحلة الحقيقة!
فهم لا يكشفون عن هذا السر للسالك إلا بعد عملية إعادة برمجة دماغ تامة تبدأ بإجهاده بالرياضات النفسية لكي يختل عقله أولاً ثم بعد ذلك يسهل اعتقاده بهذه الخزعبلات!
ولكن أبا يزيد البسطامي صرّح بهذه العقيدة أمام مريديه وهم في بداية المشوار لذلك ثاروا عليه وطعنوه بالسكاكين!
فيقول الرومي المعتقد بوحدة الموجود: قال –البسطامي- ما في الجبة غير الله ...فجنّ أولئك المريدون جميعاً وأخذوا يطعنون جسده الطاهر بالمُدَى (أي السكاكين)!
ولأنه كان في حالة الفناء المطلق مع الله والتي عبر عنها الرومي بقوله: أن المنسلخ عن الذات فانٍ في الله وآمن وهو ساكن إلى الأبد في الأمن, لقد صارت صورته فانية وصار هو مرآة ولا يبدو في المرآة إلا صورة وجه الغير.
فأصبح البسطامي عين ذات الله لأنه فني في الذات الإلهية! فهو الله والله هو (والعياذ بالله) فقد فنيت صورة البسطامي فأصبحت (عين) الذات وبهذا تحول إلى مرآة تبدو فيها صورة وجه الكائنات الأخرى. فحتى المريدون على هذا هم ذات الله ولكن لا يشعرون.
ما الذي يراه الإنسان في المرآة؟ صورته؟ أي عند ذلك الزنديق المخلوق يرى من خلال النظر إلى الخالق انعكاس صورته! أي ليس يوجد شيء في الحقيقة سوى المخلوق وبهذا يكون هو الله والعياذ بالله!
يقول الرومي: إن بصقت في المرآة فإنما تبصق على نفسك وإذا ضربت أمام المرآة فإنك تضرب نفسك, وإذا رأيت وجهاً قبيحاً فهو وجهك وإن رأيت عيسى بن مريم فهو أنت أيضاً!! (كل شيء هو أنت وأنت كل شيء)
المريدون الجهلة لم يكونوا يعلمون بأنهم عين ذات الله ولم يعلموا بأن البسطامي فانٍ في الذات الإلهية! فهم إذا طعنوا البسطامي يطعنون أنفسهم!
أما الذي كانت عنده نصف معرفة بعقيدتهم وحدة الموجود لم يطعن شيخه بقوة ولو كان عنده النصف الآخر لأيقن بأنه لا يستطيع الطعن في الذات الإلهية!!
هكذا يعرض الرومي -صاحب المثنوي- عقيدته وحدة الموجود فهو على دين الحلاّج والبسطامي والعرفاء تبعاً له يعتقدون بهذا الاعتقاد الكافر! فلا تجد أحداً منهم إلا ويمجد المثنوي وصاحبه!

ليس في جبتي سوى الله على لسان حيدر الآملي:
يقول حيدر الآملي : إذا ثبت أنه ليس في وجود إلا هو, فلا يكون في الظاهر والباطن والأول والآخر عقلاً ونقلاً وكشفاً إلا هو .  وهذا واضح جلي, فحينئذٍ يجوز للعارف بهذا السر أن يقول : ليس في الوجود سوى الله وليس في الوجود إلا الله.
المصدر : جامع الأسرار, حيدر آملي ,ص611, طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.

أقول :ويجوز له أيضاً  قول : ليس في جبتي سوى الله كما في التصريح التالي.
يقول حيدر الآملي : اعلم أن الفقر هو عدم التمليك مطلقاً حتى عن وجوده وكل شخص يحصل له هذا الفقر على ما ينبغي لا شك أنه يخرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني وإذا خرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني لابدّ وأن يدخل في حكم الوجود الحقيقي الواجبي الكلي لأن الشيء إذا جاوز حدّه انعكس ضدّه, والوجود إما واجبي أو إمكاني والاتصاف بأحدهما ضروري فافهم وحقق معنى قولهم: إذا تم الفقر فهو الله! وأعرف بالحقيقة أن افتخار النبي عليه السلام بالفقر لم يكن إلا بمثل هذا , وسبحاني ما-أعظم- شأني ليس إلا في هذا المقام وكذلك أنا الحق ومن مثلي وهل في الدارين غيري وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
المصدر : تفسير المحيط الأعظم, حيدر الآملي ,ج2 ص431.

أقول : يعترف الآملي هنا بكل صراحة بأن كل شخص يحصل له هذا الفقر الذي يعني الفناء المطلق في الله, يخرج من حكم الإمكان –المخلوقات- إلى حكم الواجب –الله- فيصبح هو والله شيئاً واحداً!
ولكي لا تتوهم أنه يقصد شيئا آخر جاء لك بنصوص الحلاّج والبسطامي ليؤكد على هذا المعتقد الكافر فقال : (وسبحاني ما أعظم شأني) ليس إلا في هذا المقام وكذلك ( أنا الحق، ومن مثلي، وهل في الدارين غيري، وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
فهو إذاً يعتقد بوحدة الوجود والموجود (حقيقة) وأنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد وهو الله  وهي ما تسمى بـ (توحيد خاص الخاص)
إنّ ما يعبّرون عنه في محاولات التمويه بالفناء في الذات الإلهية والحب والعشق هو فقط سلوك عملي عبادي يتم تكريسه لتثبيت أصل اعتقادي عندهم وهو وحدة الموجود.

نرجع إلى سيد منير الخبّاز الذي نفى أن يكون العرفاء يعتقدون كالحلاج وأنهم لا يقولون (ليس في جبتي سوى الله) ونقول له :
أليس ابن عربي من العرفاء؟ أليس هو شيخهم الأكبر؟!
أليس الرومي صاحب المثنوي من العرفاء؟!
أليس حيدر الآملي من العرفاء؟!
أليس فلان وفلان وفلان ... من العرفاء؟!
أليس كل هؤلاء صرّحوا بهذه العقيدة وبرروا قول (ليس في جبتي سوى الله)؟! وهم من كبار القوم بل أكبرهم فابن عربي هو شيخهم الأكبر وقد صرّح بقوله :
ليس في الجبة شيء غير ما *** قاله الحلاج يوماً فانعموا
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2 ص320.
فهل تملكون الشجاعة الدينية والعقديّة فتكفّرون قائل هذه العبارة كما كفّرتم الحلاّج؟!

الخلاصة:
توضح للقارئ الكريم  من خلال ما تقدّم بأنّ العرفاء يوافقون الحلاّج في عقيدته الكفرية وقوله (أنا الحق)  وقوله (ليس في جبتي سوى الله ) ويختلقون لهذه العقيدة الأعذار الواهية والتأويلات السمجة والتبريرات السخيفة, والحقيقة بأنه لا فرق بينهم وبين الحلاّج إلا أنهم مارسوا التقية وأخفوا عقيدتهم الحقيقية ولم يظهروها إلا في بطون الكتب ليتأتى لهم التنصل والمراوغة إذا ما أحسوا الخطر! وبعضهم غلّف تلك الزندقة بعبارات تمويهية! بينما صرّح الحلاّج بعقيدته على رؤوس الأشهاد.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
غرة شهر رمضان المبارك/ 1436 هـ