الأحد، 20 أكتوبر 2013

مرافعات كمال الحيدري عن الحلاج المفتري


مرافعات كمال الحيدري عن الحلاج المفتري
طالب علم

لقد فضح الحلاّج عقيدة العرفاء على رؤوس الأشهاد بقوله (أنا الحق) وقوله (ليس في جبتي سوى الله) فحاول العرفاء إيجاد التبريرات الساقطة له واختلاق الأعذار المتهافتة لحجب هذه الفضيحة!
فقالوا بأن ما صدر عنه ( أي الحلاّج) من أقوال (كفرية) صدرت عنه وهو  في حالة المحو لا حالة الصحو أي أنه  كان في حالة سُكر من أثر الخمرة الإلهية!!
فأصبح لا يرى في الوجود إلا الله, لأنه لا يرى حتى نفسه فهو فانٍ في عين ذات الله تعالى!! (والعياذ بالله) وهذا التبرير من العرفاء يعد محاولة بائسة لإنقاذ أنفسهم و أتباعهم وانتشال الحلاّج من الورطة التي سقطوا في قعرها جميعاً معه!!

ومن بين المعتذرين بهذا العذر السخيف عن كفريات الحلاّج  "كمال الحيدري" الذي يبرّر كفر الحلاّج وإلحاده وزندقته بقوله: إن القائل بتلك الألفاظ (مثل أنا الحق وليس في جبتي سوى الله) وغيرها إنما قالها وهو غير ملتفت فيكون حاله حال القائل بها وهو نائم فهو معذور ولا يترتب عليه أي حكم شرعاً لأنه  غير ملتفت لأصل وجوده فضلاً عما يقوله!!
المصدر : مراتب السير والسلوك, كمال الحيدري, ص98.

ويقول أيضاً  : من الواضح أن هذه الشطحات إنما تصدر منهم (أي الحلاج والبسطامي وغيرهم) وهم في حالة المحو لا حالة الصحو، حالة الغفلة عن كل شيء لا حالة الحضور والالتفات إلى الكثرة.
المصدر: من الخلق إلى الحق ص 96.

أقول :
أولاً: هذا الاعتذار هو عين اعتذار المتصوّفة لصدور مثل هذه الكفريات من الحلاج والبسطامي وغيرهم, فقد جاء في كتاب المصطلح الصوفي لعماد الدين القرشي :
الشطح : وهو كلام بترجمة اللسان عن الوجد ظاهره يخالف الشريعة ويصدر منهم في حال غيبتهم بما يرد عليهم وحال سكرهم بالمحبة وحكمهم في ذلك حكم المغمى عليه أو من زال عقله!!
المصدر : المصطلح الصوفي , عماد الدين محمد القرشي الأموي, 173.

ثانياً : بحسب هذا التصريح وما سبقه من الأعذار  يكون علماؤنا الأبرار في هذا العصر كالخوئي والروحاني والنجفي والفياض وغيرهم , والمتأخرين كالمجلسي والسيد نعمة الله الجزائري والحر العاملي والقمي ومن سبقهم كالكركي والمقدس الأردبيلي, والأقدمين كشيخ الطائفة الطوسي والمفيد والصدوق ...إلخ, كلهم قد ظلموا الحلاّج المسكين إذ حكموا بكفره وإلحاده وزندقته!
ولم يعلموا بأنه غير ملتفت إلى نفسه فضلاً عما يقوله وأنه في حالة المحو لا حالة الصحو!!
بل حتى السفير الثالث الحسين بن روح لم يكن يعلم (رغم اتصاله بالإمام الحجة) بأن الحلاّج غير ملتفت لنفسه فضلاً عما يقوله . فأسرع (هداه الله) بكل حماس يلعنه ويتبرأ منه ويصفه مع أتباعه بالكفار والملحدين!!
ولم يلتفت (والعياذ بالله) حتى الإمام الحجة عليه السلام أيضاً إلى أن الحلاّج وأتباعه كانوا في حالة المحو لا حالة الصحو فأسرع إلى إخراج التوقيع وفيه تكفيرهم ولعنهم والبراءة منهم!!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
الحلاّج معذور يا كمال الحيدري؟!
أفمن يلعنه ويتبرأ منه الإمام الحجة عليه السلام يكون معذوراً؟؟
من يلعنه السفير الثالث الحسين بن روح رضوان الله عليه ويصفه بالكافر والملحد يكون معذوراً؟؟
هل من يقول (أنا الله) وأنه عين ذات الله وليس في جبته سوى الله يكون معذوراً؟؟
ولا يترتب على قوله أي حكم شرعي!!
فإذا لم يكن قول الإمام الحجة عليه السلام  هو حكم الشرع, فمن ذا الذي يصير إليه حكم  الشرع إذن؟؟!
هذا ناهيك عن أنّ فتح باب التّأويل كما قيل أوّلُ مراتب الإلحاد و بدء الضّلال عن السّداد ، إذ بانفتاح تلك الأبواب وقبول الاحتمالات السخيفة في التكلّم و الخطاب ومقام السّؤال و الجواب ينهدم أساس الدّين و تنثلم أحكام الشرع المبين  وتبطل إقامة التعزيرات والحدود على المستحقّين لها من أهل الفسق والارتداد والجحود كما يبطل تكفير المتشرّعين لسائر الكفّار إذا تكلّموا بكلمات الكفر ثمّ اعتذروا بعدم الاختيار أو ادّعوا الخذف و الإضمار .
وظاهر أنّ بناء علماء الإسلام بل ساير المليّين على خلاف ذلك في جميع الأعصار فانّهم لا يقبلون تأويلاً من غير دليل و بمجرد سماع كلمة الكفر يحكمون بالتكفير و التّضليل .
المصدر : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص294.

ثالثاً :  انّ تصريح الحلاّج بقوله (أنا الحق) في كل المواطن يكشف عن اعتقاده الفعلي بأنه عين ذات الله  وليس كما يدّعي العرفاء بأنّ هذه الأقوال لا تصدر عنه إلا في حالة المحو أو الغفلة  أو السُكر!
وعلى سبيل المثال ما ذكرته المستشرقة آنا ماري شيمل في كتابها الأبعاد الصوفية في الإسلام :
تقول : طرق الحلاّج باب الجنيد.
فسأل الشيخ الجنيد : من هناك؟
فقال الحلاّج : أنا الحق!!
المصدر: الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف, آنا ماري شيمل, 78.

تلاحظ أخي القارئ العزيز بأن الحلاّج هنا في كامل وعيه, فلم يكن في حالة مناجاة مثلاً لكي يقال بأنه في حالة محو أو سكر أو غفلة كما يدّعي العرفاء.

وقد ذكر الحلاّج مقولته (أنا الحق) في شعره كثيراً ومنها قوله :
أنا سرّ الحق ما الحق أنا *** بل أنا الحق ففرق بيننا
أنا عين الله في الأشيا فهل*** ظاهر في الكون إلا عيننا؟
المصدر : الحب الإلهي , الشيخ شبّر الفقيه, 100.

وقال أيضاً:
خصّني واحدي بتوحيد صدق*** ما إليه من المسالك طرقُ
فأنا الحق حق للحق حقٌ*** لابسٌ ذاته فما ثم فرقُ
المصدر: أخبار الحلاج , ص65, مطبوع في مقدمة ديوانه  دار الكتب العلمية.

رابعاً : الحلاّج نفسه لم يقل بأنه في حالة محو أو سُكر أو غفلة بل كان بكامل وعيه يسّتدل على صحة قوله (أنا الحق) بأن الشجرة في القرآن قالت لنبي الله موسى عليه السلام (إِنِّي أَنَا اللَّهُ)!!
يقول الحلاّج في كتابه الطواسين : من الشجرة من جانب الطور ما سمع من الشجرة من بررةٍ , ومثلي مثل تلك الشجرة.
المصدر: كاتب الطواسين , الحلاج, 156, منشورات الجمل.

فالذي يحاول تأصيل الفكرة والاستدلال على صحتها من القرآن كيف يقال عنه بأنه في حالة محو وغفلة وسُكر؟؟!!

وتقول المستشرقة آنا ماري شيمل: هذه العبارة (أنا الحق) هي أشهر عبارة في الصوفية وقد ظهرت في أحد أبواب كتاب الحلاّج (الطواسين) فاقتبست من الكتاب في وقت مبكر جداً وأثيرت حولها المشاكل وفي الباب المذكور يناقش الحلاّج قوله هذا مقارنة مع ادعاء فرعون وادعاء الشيطان ففرعون قال كما جاء في القرآن (أنا ربكم الأعلى) والشيطان قال (أنا خير منه) وقد تخطاهما الحلاّج بقوله (أنا الحق) !!
المصدر: الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف, آنا ماري شيمل, 78.

فالحلاّج يدافع عن هذا القول ويصرّ على انه حق ويناقش نظرائه (الشيطان وفرعون) فكيف يقال بأنه قال هذه الأقوال الكفرية في حالة المحو لا حالة الصحو؟؟!!

والطريف أنّ مقولة فرعون (أنا ربكم الأعلى) التي خطّأها الحلاّج هنا قد صححها شيخ العرفاء الأكبر ابن عربي فقال : فصح قوله «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ». و إن كان عين الحق فالصورة لفرعون!!
المصدر : فصوص الحكم , ابن عربي , ص211.

فيكون ابن عربي أسوء حالاً من الحلاج فهو لا يصحّح قول (أنا الحق) فحسب بل صحّح قول (أنا ربكم الأعلى) أيضاً!!

خامساً : إن الله سبحانه وتعالى وهبنا نعمة العقل ودعانا للتّفكر في خلقه والتأمل في آياته والتدبر فيها فلو كان هناك مرحلة يصل فيها الإنسان إلى تلك التعابير الصوفية السمجة بحيث تكون محمودة في الشرع لما قال تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} فالفعل مضارع يفيد الاستمرار وهو يعني الحث على المداومة والاستمرار في التفكر والتأمل في الخلق وإدراك ما حولنا وإدراك ذواتنا وأنفسنا لا حالة السكر التي يعبر عنها المتصوّفة بالمحو والمحق وعدم الالتفات إلى الذات وتلك الخزعبلات!!

 يقول السيد نعمة الله الجزائري: إن السكر المباح الذي يقع فيه ما يخالف الشريعة لا يكون سكراً مباحاً بل هو أشد حرمة من سكر الخمر وسكر الخمر حرام لهذه العلة لأن مرادهم (أي العرفاء) من السكر المباح هو الاتصال بالحضرة الربوبية وروى عن العامة والخاصة قول أمير المؤمنين عليه السلام لو كشف الغطاء لما ازددتُ يقيناً فمن بلغ هذه الدرجة الرفيعة لم يحصل له في وقت من الأوقات سكرة مباحة يقع منه فيها ما يخالف قانون الشريعة حتى يحتاج إلى هذا التأويل, وهذه السكرة المباحة جعلوها جواباً لكل ما وقع من مشايخهم من الكفر والزندقة أعاذنا الله من هذه السكرة المباحة.
المصدر: زهرة الربيع, السيد نعمة الله الجزائري, ص472.


هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..