الاثنين، 28 أبريل 2014

إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود

إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم

يحاول العرفاء وبعض المتزلفين التغطية على عقيدة وحدة الوجود الكفرية باستخدام تعليقة السيد الخوئي (أعلى الله درجاته) على هذه المسألة ويروجونها بين المؤمنين للتمويه عليهم وخداعهم وصدهم عن الجادة بالتركيز على مسألة تعدد الأقوال حول الوحدة وأنواعها! فيدفع ذلك بعض من لا اطلاع له ولا باع في هذا المجال إلى أن يتوّهم بأن هناك قسماً مقبولاً من أقسام وحدة الوجود وأنّ ذلك هو الذي يعتقد به العرفاء!
فيصوّر المدلّسونَ للسذج من الناس بأنّ السيد الخوئي (رحمه الله) يوافقهم على هذا الاعتقاد الباطل! مستغلين جهلهم بمصطلحات الفقه والفلسفة والعرفان!
وللأسف الشديد رأيت بعضاً من المشايخ سليمي العقيدة ينقل التعليقة للعوام بغرض تبرئة العرفاء والحال أنها تدينهم وذلك إما جهلاً بمعناها أو تعمداً لتجنّب الإحراج حينما يسأله السائل عن عقيدة العرفاء فيجنح للهروب عن الجواب باستخدام تعليقة السيد الخوئي (رحمه الله) العصيّة على الفهم شيئاً على غير المتخصصين فيضيع السائل بين تلك الأقوال الكثيرة وغموضها! فيؤدي به الأمر في نهاية المطاف إلى أن يكون بسبب عدم فهمه وقلة علمه مصدوداً عن الحق من قبل المعاندين المُضلين تارة ومن قبل الجبناء تارة أخرى..

لذلك رأينا من اللازم في هذا المقال توضيح ما التبس على المؤمنين في هذه الفتوى وما لُبِّسَ عليهم، وأن نبيّن عقيدة العرفاء الحقيقية وبطلانها بحسب فتوى السيد الخوئي نفسه عسى أن نتمكن بفضل الله تعالى وببركات أهل البيت عليهم السلام من إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود.

أخي القارئ الكريم تجد هنا رابطاً لسؤال عن وحدة الوجود تم توجيهه إلى مركز الأبحاث العقائدية فأجابوا عليه بتعليقة السيد الخوئي (رحمه الله):

أما جوابنا حول تلك التعليقة فهو التالي:
إنّ السيد الخوئي (رحمه الله)  كان يناقش الأقوال في مسألة وحدة الوجود في جنبة الفقه للانتهاء إلى الحكم الشرعي الذي يترتّب على كل قول منها بالنسبة لقائله. وقد صرّح في بعضها بالكفر والزندقة، وفي أخرى بالبطلان والتخطئة وإن لم يستتبع ذلك عنده الكفر والزندقة حكماً تماماً كما هو الحال مع المخالفين المجسّمة فمقولتهم تلك هي كفر في الموضوع وليس في الحكم. أي أننا نحكم عليهم بالإسلام في الدنيا ولكنهم في الآخرة يُحشرون مع أهل الاعتقادات والملل الباطلة من المشركين والكفرة.. والحال ذاته بالنسبة لما تعرض له السيد في رأيه الفقهي حول الحكم على أصحاب كل مقالة لأهل وحدة الوجود، فالبحث إذن فقهي صرف لا كلامي أو فلسفي.. وإن كان السيد الخوئي في جزئية بسيطة قد عرض إلى نقض عقيدة وحدة الموجود بعيداً عن الجدل الكلامي من خلال الاحتجاج بقول أحد زعمائهم كما سيتبين لنا.

هناك فرق بين (وحدة الوجود) و (وحدة الموجود) ولكن جرى العرف بين أهل العلم على شمولهما بتعبير واحد وهو وحدة الوجود.
وحدة الموجود هي نظرية فلسفية شائعة عند العرفاء والمتصوّفة المنحرفين عن الإسلام وأهل البيت صلوات الله عليهم، ومفادها (حسب ما يدّعون) هو أن جميع الموجودات والماهيات إنما هي وحدة واحدة في الحقيقة، لا تختلف عن بعضها إلا بالظهور والتكثّر وما أشبه، كالبحر الذي هو واحد لكن أمواجه تختلف في ظهورها ليس إلا، وعلى هذا لا يكون ثمة خالق ومخلوق، فالكل واحد ذو حقيقة واحدة!
جاء في مادة العرفان للدكتور الشيخ محمد شقير  (التي تدرّس في جامعة آزاد الإيرانية (المصطفى) كلية الفلسفة والإلهيات) بعد أن عدد أنواع وحدة الوجود يقول : تعتقد فئة أخرى وهم العرفاء بوحدة الوجود والموجود معاً أي أن حقيقة الوجود أمر واحد وشخصي وأما بقية الموجودات فهي من تجليات تلك الحقيقة.
ويضيف أيضاً : يعتقد العرفاء أنه لا يوجد في الواقع سوى وجود وموجود واحد, وهذه الحقيقة الواحدة هي حقيقة مقيدة بجملة من القيود الاعتبارية , وهذا التقيد الذي هو سبب ظهور تلك الكثرات الوهمية وإلا فلا تكثر لا في الوجود ولا في الموجود!!
المصدر : مادة العرفان , الشيخ محمد شقير, ص17, جامعة آزاد الإسلامية, كلية الفلسفة والإلهيات.

فهم إذاً يعتقدون بوحدة الموجود لا وحدة الوجود فقط , وهذا القول (أي وحدة الموجود) أكثر كفراً من القول بوحدة الوجود, فهذا الثاني يثبتون فيه على الأقل تمييزاً بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه بادّعاء اختلاف المراتب وإن كان الوجود في مجموعه واحداً في الحقيقة.
وبشكل مبسّط نقول  : وحدة الوجود قول من لم يعرف الله تعالى فكأنما جعل وجود الله شيئاً وذاته شيئاً آخر..
مثلاً أنا بوصفي بشراً وجودي في الكون يعني أني أشغل حيزاً , فذاتي شيء, ووجودي شيء آخر..
وحدة الوجود كأن تقول انّ هناك نهران كلاهما يجريان في وقت واحد وفي مكان واحد نظير مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ وهذا البرزخ هو الفاصل بينهما ولكنهما من حيث الوجود متحدان في المكان والزمان وحقيتهما واحدة ولكنّ احدهما عذب والآخر أشد عذوبة..
وهذا باطل فإنّ وجود الله يختلف عن وجودنا.. وجود الله عين ذاته وذات الله فوق ان تُوصف أو تُقاس بالمخلوق.. بمعنى انّه ليس وجود الله شيئاً وذاته شيء آخر كما نحن البشر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا..
أما وحدة الموجود فلا تختلف عن وحدة الوجود سوى بكون القائلين بها يقولون بعينية ذات المخلوق والخالق..
بمعنى أنّ هناك نهراً واحداً فقط ولكنّ هذا النهر تارة نراه في صورة البول وتارة العرق وتارة العصير وهكذا..
المخلوق عندهم هو عين ذات الخالق ولكنه ظهر في صور متكثرة والعياذ بالله..

انّ سماحة السيد الخوئي (أعلى الله درجاته) تكلم عن وحدة الوجود التي هي أقل كفرية من وحدة الموجود التي يتبناها ابن عربي لأنّ الوجود حسب الظاهر تبدو حقيقته واحدة في الفكر الساذج البسيط فهذا على رأي سماحة السيد لا يستلزم تكفير قائله (حكماً).
السيد الخوئي (رحمه الله) بيّن أنه يقصد وحدة الوجود دون وحدة الموجود من كلامه بقوله:
القائل بوحدة الوجود إن أراد أن الوجود حقيقة واحدة ولا تعدد في حقيقته وأنه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن فهما موجودان وحقيقة الوجود فيهما واحدة والاختلاف إنما هو بحسب المرتبة لأن الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوة والتمام، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة وأحدهما خالق للآخر وموجد له. فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً...
فتلك هي وحدة الوجود وليست وحدة الموجود, وذلك الكلام في (العمق) ترد عليه إشكالات ويفنّده كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (الذي لما شبّههُ العادلون بالخلق المُبعّض المحدود في صفاته ، ذي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته ، وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته ، انتفى أن يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعاً عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
المصدر: التوحيد, الصدوق, ص55.
فقوله عليه السلام (وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته) أي لما شبهه الجاهلون به تعالى بالمخلوق ذي الصفات الماضي ذكرها في كلام المولى عليه السلام، وكان عز وجل بخلافها حيث أنه موجود بذاته عز وجل لا بأداته.. بمعنى أنه تعالى لا يحتاج إلى الوسائل التي هو سبحانه خالق لها كالمكان والزمان والأجزاء وهي أدوات ووسائل للمخلوق, والخالق غني عنها فوجوده تعالى وجود قائم بذاته منزّه عن الاحتياج للأداة، وكان تعالى بخلافها لأنّ وجوده تعالى قائم بذاته لا بأداته فقد انتفى عنهم مقام المعرفة الحقة لله تعالى والتقدير بمعنى التوقير والتعظيم لله تعالى..
إنّ وجود الله مغاير لوجود خلقه ولكن القول بوحدة الوجود يمكن حمله على الجهل بعظمة الله تعالى ونقص العلم وبساطة وسذاجة الفكر لدى من يقول بذلك.

أما وحدة الموجود وهي أن الله تعالى بوصفه موجوداً فإنه متحدٌ مع الموجودات الممكنة - والعياذ بالله- فهو زندقة بيّنة وانحراف فطري عن الإسلام والتوحيد وهذا (حكم) عليه سماحته بالكفر والزندقة!
فلو كان العرفاء يعتقدون بوحدة الوجود فقط دون وحدة الموجود لالتمسنا لهم الأعذار (رغم أن وحدة الوجود قول يتوهمه العقل الضعيف أما العالم العارف فلا يتوهم ذلك) ولكنهم في الحقيقة يعتقدون بوحدة الموجود  كما صرّح بذلك الدكتور الشيخ محمد شقير  مؤّلف مادة العرفان والتي تدرّس في جامعة آزاد الإيرانية (المصطفى) كلية الفلسفة والإلهيات.
المصدر : مادة العرفان , الشيخ محمد شقير, ص17, جامعة آزاد الإسلامية, كلية الفلسفة والإلهيات.

ويقول حسن زادة آملي : العارف في هذا المقام (أي مقام الفناء في الذات) يرى جميع أنواع الكائنات المختلفة متحدة كما أن الجاهل يحسبها متكثرة... وفي هذا المقام يتحقق بحقيقة التوحيد وكلمة ((لا إله إلا الله)) الطيبة، قائلاً بلسان الحقيقة ((يا هو يا من ليس إلا هو)) فإذن لا يبقى له ولا للممكنات الأخرى هوية، بل هوية الكل مضمحل ومتلاشٍ في تجلّي حقيقة الحق!!
المصدر : السير إلى الله , حسن زاده آملي, ص164- 165.
فهذا نص صريح وواضح من حسن زادة آملي على أنّ كل الكائنات متحدة مع الله (أي وحدة موجود)

إن حقيقة وجود الله تعالى لا يمكن إدراكها عقلاً لاستحالة إدراك كنهه جل وعلا، وهذا هو الموافق للأخبار والآثار، وإلا كان ذلك إحاطة به من الممكن، وهو أمر لا يمكن أن يقع كما لا يخفى، فالله محيط بالممكنات من كل الجهات إحاطة قدرة وعلم، ومنها الوجود بما هو وجود، فهو ممكن مخلوق له تعالى شأنه.
وليس قولنا: "الله موجود" إلا إثبات حقيقة مجهولة الكُنه خارجة عن حد التعطيل وحد التشبيه.
أما أهل الزيغ من الفلاسفة والعرفاء فإنهم لنفيهم غيرية الوجود بين الواجب والممكن فقد شبّهوا ومثّلوا الله تعالى بخلقه في هذه الصفة إذ جعلوا حقيقة وجوده نفس حقيقة وجود خلقه!
وهذا باطل عقلاً كما مرّ كما أنه باطل شرعاً، فقد قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ((ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إياه عنى من شبّهه))
المصدر :التوحيد للصدوق ص35.
وقال مولانا الصادق صلوات الله عليه: ((من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه))
المصدر: التوحيد للصدوق ص80.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام (وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفياته)
يقول العلاّمة المجلسي رحمه الله في شرحه : ( تنزّه ) أي تباعد وتقدّس عن (مجانسة مخلوقاته) أي أن يكون من جنسها إذ لا يشاركه شيء في المهيّة.
المصدر : بحار الأنوار , العلامة المجلسي, ج84 ص344.
ولآل رسول الله عليهم الصلاة والسلام أحاديث كثيرة يثبتون فيها (الهيمنة)المطلقة لله تعالى على مخلوقاته مقترنة (بالغيرية) لا الوحدة.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ((إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه (شيء) ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
المصدر : الكافي , الكليني, ج1 ص82.

قال السيد الخوئي : بل هو مذهب أكثر الفلاسفة بل مما اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى أ نّه (عليه السلام) يقول : «أنت الخالق وأنا المخلوق وأنت الرب وأنا المربوب» وغير ذلك من التعابير الدالة على أن هناك موجودين متعدِّدين أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامِّي...
أقول : هذا القول كما هو واضح لا علاقة له بدين العرفاء فكل الآيات والروايات التي يؤولها العرفاء يحاولون من خلال تأويلها إثبات الوحدة وليس الثنائية, ليس عندهم سوى الوحدة لأنهم ينفون الغيرية والاثنينية.. هي وحدة وفقط وحدة, حتى في عين الكثرة كما يقولون هي وحدة.
وأما هذا القول (أنت الرب وأنا المربوب) يثبت الثنائية.. كما أن السيد الخوئي لم يصنّف (العرفاء) تحت هذا الاعتقاد، فلاحظ هنا أنه يقول لك: أكثر الفلاسفة.. أي ليس جميعهم فهذا ليس توحيد العرفاء منهم, حيث سماحة السيد يقول (توحيد العامة)! وهذا تعريضٌ بالعرفاء لأنه خلاف توحيدهم !
العرفاء يسمون توحيدهم (توحيد خاصة الخاصة!) أو (باطن الخاص) لأنهم يقولون بالوحدة الشخصية الحقيقية .
يقول كمال الحيدري : وأما التوحيد الأرقى والأعلى مرتبة فهو توحيد أهل الطريقة والحقيقة (العرفاء) وهو المقصود في كلامه (أي حيدر الآملي) بتوحيد الباطن الخاص, وغاية مقصده ومنتهاه وصول الخلق إلى مشاهدة وجود مطلق (الله) والعزوف عن مشاهدة موجودات كثيرة!!
المصدر : العرفان الشيعي, كمال الحيدري, ص140.
فتبيّن إذاً أنّ العرفاء غير مقصودين من القول الأول فهو يشير إلى توحيد العامة وليس توحيد خاصة الخاصة  .
وهناك نوع آخر من الوحدة ويسمى توحيداً خاصياً وقد بيّن السيد الخوئي (رحمه الله) بطلانه أيضاً فقال : وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه لابتنائه على أصالة الماهية ـ على ما تحقق في محله ـ وهي فاسدة لأن الأصيل هو الوجود إلاّ أنه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .
أقول : وإن لم يستتبع ذلك عند السيد الخوئي (الحكم) بالكفر والزندقة إلا أنه حكم ببطلانه في جنبة (الموضوع) أي أنه كفر في الآخرة.

قال السيد الخوئي : إذا أراد القائل بوحدة الوجود وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما فيلتزم بوحدة الوجود والموجود وأنه الواجب سبحانه إلاّ أن الكثرات ظهورات نوره وشؤونات ذاته ، وكل منها نعت من نعوته ولمعة من لمعات صفاته ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص ، وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألِّهين ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين قائلاً : بأن الآن حصص الحق واضمحلت الكثرة الوهمية وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلاّ أنه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام . وكيف كان فالقائل بوحدة الوجود ـ بهذا المعنى الأخير ـ أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته ما دام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد.

أقول : بينّا في  المقدمة بأن السيد الخوئي (أعلى الله درجاته)  كان يناقش الأقوال في مسألة وحدة الوجود في جنبة الفقه فالبحث فقهي صرف لا كلامي أو فلسفي لذلك كان يذكر الحكم على كل نوع.
وفي هذا النوع لم يصدر السيد الخوئي (رحمه الله) (الحكم) بالكفر في الدنيا على من يقول بهذا النوع من الوحدة في حال لم يظهر منه إنكار لواجب أو ضروري.
فيقول: ما دام لم يلتزم بتوالٍ فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد.
هذا الصنف يعتقد بوحدة الوجود أي يثبت وجود الواجب (الله) ووجود المخلوق ولكنه أيضاً يعتقد بوحدة الموجود فيقول إن الموجودات تجليات لذات الله تعالى والعياذ بالله! وهذا قول باطل فذات الله تعالى لا يمكن أن تتجلى بحال في عالم الإمكان وإلا تكون مخلوقة لا خالقة والعياذ بالله.. إنما المخلوقات (آيات) تتجلى (بها) ومن خلالها عظمة الذات الإلهية وليست هي نفسها (تجليات) الذات الإلهية..
الأمر الآخر أنّ السيد الخوئي صرح بأنه لم يظهر له المعنى من كلامهم لذلك قال : إلاّ أنه لم يظهر لنا ـ إلى الآن ـ حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام...) ولذلك لم يحكم عليهم بالكفر والنجاسة في الدنيا..

ذكر السيد الخوئي رحمه الله أنّ الملا صدرا نسب هذا القول إلى الذين وصفهم الملا صدرا بالأولياء وعظماء أهل الكشف واليقين . وذلك الكلام من الملا صدرا مبهم كما هي عادة القوم في استخدام التورية وإحاطة أنفسهم بالأسرار والضبابية!
(اضمحلت الكثرة الوهمية)!
إنّ  الكثرة وهم عندهم وهذه رموز بينهم وهم يعرفون فك شفراتها! وكأنهم المنظمة الماسونية!!
فلو ظهر للسيد الخوئي (رحمه الله) معنى ما يريدونه أي أفصحوا عنه صراحة لأصدر الحكم بالكفر ولكنه وفق اجتهاده لم يصدر هذا الحكم عليهم من خلال عبارات تبدو مبطّنة كتلك! إلا أنّ غير السيد الخوئي ممن بدا وتجلى لهم من خلال تتبعهم وتفحصهم حقيقة ما يريدون قد حكموا عليهم بالكفر كالمرعشي النجفي والسيد الشيرازي والشيخ الفياض والسيد عبد الحسين دستغيب وغيرهم (رضوان الله عليهم)
ولفك بعض شفرات عقيدة العرفاء ومعرفة حقيقة ما يعتقدون راجع مقالتنا بعنوان (ما معنى الشطح عند العرفاء ؟)

وعلى كل حال السيد الخوئي لم يصحّح هذا القول ولم يقل بأنه عقيدة إسلامية  بل على العكس فقد حكم ببطلانه ( أي أنه ضلال وزيغ من حيث الموضوع) إلا أنه لم يحكم على القائل به بالكفر في دار الدنيا إذا لم ينكر الواجب والضروري..
ولو تأمل القارئ الكريم وتتبع أقوال العرفاء وتصريحاتهم لعلم بأنهم لا يعتقدون بهذا القول السابق أصلاً وإنما يقولون أنه لا يوجد سوى الواجب فقط وليس هناك سوى وجود واحد وكل ما هو موجود هو (الله) وستتضح للقارئ الكريم هذه الحقيقة فيما يلي.

قال السيد الخوئي : وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأول وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة وأنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة ، لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما أنه في السماء سماء وفي الأرض أرض وهكذا ، وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص وهذا القول نسبه صدر المتألهين إلى بعض الجهلة من المتصوفين ، وحكى عن بعضهم أنه قال : ليس في جبتي سوى الله ، وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار فان العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدعي اختلافهما بحسب الاعتبار وكيف كان فلا إشكال في أن الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة ، لأنه إنكار للواجب والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلاّ بالاعتبار ، وكذا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبو جهل مثلاً متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس وإنما يختلفان بحسب الاعتبار....
أقول : لقد أنكر الملا صدرا أنّ العرفاء يعتقدون بوحدة الموجود التي تسمى عندهم بتوحيد خاصّ الخاصّ فنسب هذه العقيدة إلى جهّال المتصوّفة!!ونفى أن تكون هي عقيدة كبارهم ورؤسائهم! وسنبيّن كذب هذا الإدعاء في السطور القادمة إن شاء الله.

لقد نسب الملا صدرا هذا القول إلى جهّال المتصوّفة لكي يُوهم الناس بأن العرفاء لا يعتقدون بوحدة الموجود التي يقولون فيها بالوجود الواجبي فقط بمعنى أنه لا يوجد سوى الله فقط وليس ثمّة وجود للممكن (المخلوق) , والصحيح أنهم يعتقدون بها وصرّح بهذه العقيدة كبارهم كابن عربي والرومي (صاحب المثنوي) وحيدر الآملي والخميني وحسن مسقطي وأخيه الأصغر حسين المسمى بالعالم وغيرهم  وقالوا بكل صراحة مقولة الحلاج والبسطامي (ليس في جبّتي سوى اللّه) وبرروا التفوّه بها!
وهذه الكلمة هي ترجمان واضح لهذه العقيدة الكافرة لذلك ربطها السيد الخوئي (رضوان الله عليه) بالقول بوحدة الموجود فقال: وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه . . . فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟ ! كيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
المصدر: التنقيح , الخوئي, ج3 ص81-82.
إذاً كل من يصرّح بهذا القول (ليس في جبّتي سوى اللّه ) أو يجوّزه يكون في (الحكم والموضوع) كافراً زنديقاً بحسب فتوى السيد الخوئي (قدس سره) لأن هذا القول من مصاديق الاعتقاد بوحدة الموجود.
إنّ مقولة (ليس في جبتي سوى الله) هي من لوازم القول بوحدة الموجود الكفرية!
يقول العلاّمة الميرزا حبيب الله الخوئي (رحمه الله) حول هذه المقولة: والظاهر صدور هذا الهذيان (أي قول ليس في جبتي سوى الله) من خبيثِ لسانِ كلا الرّجلين (البسطامي والحلاج) بلا اختصاص له بأحدهما ، لأنّه مقتضى القول بوحدة الوجود و من لوازمه...)
المصدر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص292.

هل صرّح العرفاء بهذا العبارة؟
تبيّن مما تقدّم أن عبارة (ليس في جبتي سوى الله) من لوازم القول بوحدة الوجود الكفرية والتي أفتى فيها السيد الخوئي (رحمه الله) بقوله : لا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
وهذا الحكم ينطبق على كل من يصرّح بهذا التصريح من  العرفاء!

ليس في جبتي سوى الله على لسان ابن عربي:
يقول ابن عربي:
ليس في الجبة شيء غير ما *** قاله الحلاج يوماً فانعموا
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2 ص320.
فهذا ابن عربي كبير العرفاء يصرّح بمقولة الحلاّج الكفرية ويعتقد بها لذلك قال هذه العبارة: (ليس في الجبة شيء غير ما) مقرونة بقوله (قاله الحلاج) فهو هنا يؤّكد على صحة قول الحلاّج! بل يختلق له التبريرات أيضاً!
يقول ابن عربي : قال بعض الرجال (أي الحلاج) ما في الجبة إلا الله وأراد هذا المقام يريد أنه ما في الوجود إلا الله كما لو قلت ما في المرآة إلا من تجلى لها لصدقت مع علمك أنه ما في المرآة شيء أصلاً!!
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج3 ص79.

أقول : العرفاء اليوم يسيرون بسيرة ابن عربي فبدلاً من قولهم (ليس في جبتي سوى الله) يقولون (ليس في الدار غيره ديار)!!
فابن عربي حلاجي العقيدة فهو كالحلاّج تماماً ويصرّح بنفس قوله! (ليس في جبّتي سوى اللّه) فهو إذن في الحكم والموضوع كافرٌ زنديقٌ بحسب فتوى السيد الخوئي (رحمه الله).
وقد سار العرفاء على دين كبيرهم ابن عربي فأخذوا يسوقون التبريرات لهذا القول الكفري ويلبسونه ثوب الإسلام!
يقول العارف حسين العالم (وهو الأخ الأصغر للعارف حسن مسقطي) : عندما يصل العبد إلى هذا المقام (الفناء في الذات الإلهية) لا يبقى هناك إلا المحبوب الحقيقي ، فكما أن الفراشة عندما تحترق بالنار لا يبقى منها إلا النار ، كذلك السالك حينما يفنى في النور لا يبقى منه إلا النورانية. وعند وصوله إلى هذا المقام ، بأي طرف يرنو بنظره لا يرى غير الله ، وعندما ينظر إلى نفسه لا يجد لنفسه أثراً ، فتخرج الصيحة منه بلا اختياره "لا إله إلا أنا فاعبدوني" ، أو "سبحاني ما أعظم شأني" ، أو "ليس في جبتي سوى الله تعالى". لماذا يقول ذلك في حين أنه ليس الله ؟ يا عزيزي كلما يرنو بنظره لا يرى نفسه ... فهو فاني. فماذا يفعل فإنه لا يرى غير المحبوب. وعندها يتكلم لا بلسانه بل بلسان الله يتكلم.
المصدر: قدوة الفقهاء والعرفاء ,تقي الموسوي,ص286.
يقول إن الله هو الذي يتكلم !! فيقول الله ليس في جبتي سوى الله!! (نعوذ بالله)
فهل بعد هذا الكفر كفر؟!

ليس في جبتي سوى الله على لسان صاحب المثنوي:
يقول جلال الدين الرومي : عندما طارت عنقاء الانسلاخ عن الذات بدأ أبو اليزيد (البسطامي) في ذلك الكلام. (أي تصريحه بقوله ليس في جبتي سوى الله)
- اختطف سيل الحيرة منه العقل فنطق بأفظع مما نطق به في البداية!
قال (البسطامي) ما في الجبة غير الله فإلامَ بحثك في الأرض والسماء؟
- فجن أولئك المريدون جميعاً وأخذوا يطعنون جسده الطاهر بالمُدى! (أي طعنوا جسد البسطامي بالسكاكين)
كان كل واحد منهم كملحدى (كزده كوه) قد أخذ في طعن شيخه (البسطامي) دون انقطاع!
وكان كل من يطعن الشيخ بسلاحه يرتد إليه ويمزق جسده هو!!
ولم يكن هناك أثر واحد على جسد صاحب الفضل ذاك (أي البسطامي), وأولئك المريدون جرحى وغرقى في الدم!
فكل من وجه في صدره مزق صدره هو وأصبح ميتاً إلى الأبد!
وذلك الذي كان عارفاً ـ نصف معرفة ـ بمقام ذلك السلطان (البسطامي) لم يطاوعه قلبه على أن يطعنه طعنة ثقيلة!
لقد قيدت نصف معرفة يده فكسب روحه إلا أنه جرح نفسه فحسب.
وانتهى اليوم وقد ارتفع النواح من بيوت أولئك المريدين الناقصين!
ذلك أن المنسلخ عن الذات فانٍ في الله وآمن وهو ساكن إلى الأبد في الأمن.
لقد صارت صورته فانية وصار هو مرآة ولا يبدو في المرآة إلا صورة وجه الغير.
فإن بصقت في المرآة فإنما تبصق على نفسك وإذا ضربت أمام المرآة فإنك تضرب نفسك.
وإذا رأيت وجها قبيحاً فهو وجهك وإن رأيت عيسى بن مريم فهو أنت أيضاً!!
المصدر : المثنوي , جلال الدين الرومي ,ج4 ص221-222.

أقول: لقد بينا في مقالاتنا السابقة بأن العرفاء لا يكشفون عن عقيدتهم الأصلية ولا يصرّحون بها أمام الناس فهي عندهم سر من الأسرار التي لا يمكن كشفها إلى غيرهم بل لا يكشفونها حتى للسالك نفسه إلا إذا تعدى مرحلة الشريعة والطريقة ووصل إلى مرحلة الحقيقة!!
فهم لا يكشفون عن هذا السر للسالك إلا بعد عملية إعادة  برمجة دماغ تامة  تبدأ بإجهاده بالرياضات النفسية لكي يختل عقله أولاً ثم بعد ذلك يسهل اعتقاده بهذه الخزعبلات!!
ولكن أبا يزيد البسطامي صرّح بهذه العقيدة أمام مريديه وهم في بداية المشوار لذلك ثاروا عليه وطعنوه بالسكاكين!!
فيقول الرومي المعتقد بوحدة الموجود: قال (البسطامي) ما في الجبة غير الله ...فجنّ أولئك المريدون جميعاً وأخذوا يطعنون جسده ( أي البسطامي) الطاهر بالمُدَى (أي السكاكين)!
ولأنه كان في حالة الفناء المطلق مع الله والتي عبر عنها الرومي بقوله: أن المنسلخ عن الذات فانٍ في الله وآمن وهو ساكن إلى الأبد في الأمن, لقد صارت صورته فانية وصار هو مرآة ولا يبدو في المرآة إلا صورة وجه الغير.
فأصبح البسطامي عين ذات الله لأنه فني في الذات الإلهية! فهو الله والله هو (والعياذ بالله) فقد فنيت صورة البسطامي فأصبحت (عين) الذات وبهذا تحول إلى مرآة تبدو فيها صورة وجه الكائنات الأخرى. فحتى المريدون على هذا هم ذات الله ولكن لا يشعرون.
ما الذي يراه الإنسان في المرآة؟ صورته؟ أي عند ذلك الزنديق المخلوق يرى من خلال النظر إلى الخالق انعكاس صورته! أي ليس يوجد شيء في الحقيقة سوى المخلوق وبهذا يكون هو الله والعياذ بالله!
يقول الرومي: إن بصقت في المرآة فإنما تبصق على نفسك وإذا ضربت أمام المرآة فإنك تضرب نفسك, وإذا رأيت وجها قبيحاً فهو وجهك وإن رأيت عيسى بن مريم فهو أنت أيضاً!! (كل شيء هو أنت وأنت كل شيء)
المريدون الجهلة لم يكونوا يعلمون بأنهم عين ذات الله ولم يعلموا بأن البسطامي فانٍ في الذات الإلهية! فهم إذا طعنوا البسطامي يطعنون أنفسهم!
أما الذي كانت عنده نصف معرفة بعقيدتهم وحدة الموجود لم يطعن شيخه بقوة ولو كان عنده النصف الآخر لأيقن بأنه لا يستطيع الطعن في الذات الإلهية!!
هكذا يعرض الرومي (صاحب المثنوي) عقيدته وحدة الموجود فهو على دين الحلاّج والبسطامي والعرفاء تبعاً له يعتقدون بهذا الاعتقاد الكافر! فلا تجد أحداً منهم إلا ويمجد المثنوي وصاحبه!!

ليس في جبتي سوى الله على لسان حيدر الآملي:
يقول حيدر الآملي : إعلم أن الفقر هو عدم التمليك مطلقاً حتى عن وجوده وكل شخص يحصل له هذا الفقر على ما ينبغي لا شك أنه يخرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني وإذا خرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني لابدّ وأن يدخل في حكم الوجود الحقيقي الواجبي الكلي لأن الشيء إذا جاوز حدّه انعكس ضدّه , والوجود إما واجبي أو إمكاني والاتصاف بأحدهما ضروري فافهم وحقق معنى قولهم: إذا تم الفقر فهو الله!!! وأعرف بالحقيقة أن افتخار النبي عليه السلام بالفقر لم يكن إلا بمثل هذا , وسبحاني ما شأني ليس إلا في هذا المقام وكذلك أنا الحق ومن مثلي وهل في الدارين غيري وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
المصدر : تفسير المحيط الأعظم, حيدر الآملي ,ج2 ص431.

أقول : هنا الآملي يعترف بكل صراحة بأن كل شخص يحصل له هذا الفقر الذي يعني الفناء المطلق في الله , يخرج من حكم الإمكان (المخلوقات) إلى حكم الواجب (الله) فيصبح هو والواجب شيئاً واحداً!!
ولكي لا تتوهم أنه يقصد شيئا آخر جاء لك بنصوص المتصوّفة ليؤكد على هذا المعتقد الكافر فقال : (وسبحاني ما شأني) ليس إلا في هذا المقام وكذلك ( أنا الحق، ومن مثلي، وهل في الدارين غيري، وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
فهو إذاً يعتقد بوحدة الوجود والموجود (حقيقة) وأنه ليس هناك في الحقيقة إلاّ (موجود واحد) هو الله  وهي ما تسمى بـ (توحيد خاص الخاص)
إنّ ما يعبّرون عنه في محاولات التمويه بالفناء في الذات الإلهية والحب والعشق هو فقط سلوك عملي عبادي يتم تكريسه لتثبيت أصل اعتقادي عندهم وهو وحدة الموجود..

نرجع للملا صدرا الذي نسب هذه العقيدة إلى جهّال المتصوفة ونقول له :
هل ابن عربي من جهّال المتصوفة؟
وهل الرومي من جهّال المتصوفة؟
وهل حيدر الآملي من جهّال المتصوفة.؟
وهل فلان وفلان وفلان ... من جهّال المتصوفة؟
كل هؤلاء صرّحوا بهذه العقيدة وبرروا قول (ليس في جبتي سوى الله)!! وهم من كبار القوم بل أكبرهم فابن عربي هو شيخهم الأكبر وقد صرّح بقوله :
ليس في الجبة شيء غير ما *** قاله الحلاج يوماً فانعموا
المصدر : الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2 ص320.
وهذه المقولة (ليس في جبتي سوى الله) مشهورة على لسان أبي يزيد البسطامي ومتواترة عنه ولكن الملا صدرا ينكر ذلك أيضاً ويدافع عن البسطامي!!
يقول المقدّس الأردبيلي في حديقة الشّيعة : إنّ هذه الطايفة أي الصوفيّة كانوا يؤدّون في المجالس بعض أسرارهم الكفرّية بالرّمز والإشارة إلاّ أبو يزيد (البسطامي) ، فإنّه يقول مكرراً غير هائب و لا محتشم : ليس في جبّتي سوى اللّه و سبحاني سبحاني ما أعظم شأني!!
المصدر : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة , العلامة الخوئي, ج13 ص297.
لقد وضّح المقدّس الاردبيلي هنا بأن المتصوّفة يخفون كفرهم باستخدام الرموز والإشارات أما أبو يزيد البسطامي كان يجاهر بالكفر وبدون خوف ولا خجل ولا حياء فيقول : ليس في جبّتي سوى اللّه!!
فهي مقولة مشهورة جداً على لسان البسطامي إلا أن الملا صدرا يداري ويتسّتر على سر عقيدتهم الكافرة بمثل ذلك الإنكار السمج المفضوح الذي يستخف فيه بعقول الناس كعادته!!
يقول الملا صدرا : أما أبو يزيد البسطامي , فلا يصح عنه ما حُكي عنه لا لفظاً ولا مفهوماً ولا معنى . وإن ثبت أنه سُمع منه ذلك , فلعله كان يحكي عن الله تعالى في كلام يردد في نفسه , كما لو سمع منه وهو يقول : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} فإنه لا ينبغي أن يقال ذلك إلا على سبيل الحكاية.
المصدر : كسر أصنام الجاهلية, الملا صدرا ,ص48.
فإذا كان الملا صدرا ينكر المسلَّمات هكذا بكل وقاحة لأجل عيون أبي يزيد البسطامي وأتباعه ويُجمّل الوجه القبيح لأقواله الكفرية  فما ظنك أن يفعل للتستر على شيخه الأكبر ابن عربي وغيره من كبار العرفاء؟؟!

يقول السيد الخوئي: (إنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار)
ملا صدرا مُجبرٌ لا بطل وليس أمامه سوى الإنكار لكون إنكار تلك الخزعبلات هو ما يؤيده الاعتبار عند العقلاء وهو يعلم أنه لا عاقل يقبل بمثل تلك المقولات الكفرية.
السيد الخوئي ينقل فقط إنكار ملا صدرا لهذه العقيدة الكفرية ، وسماحته هنا قد هدم ونقض تلك العقيدة الكفرية في سطر واحد بنقله ذلك الإنكار من الملا صدرا وهذا في مقام الاحتجاج يحرج العرفاء وأتباعهم. فإن كان اعتقادهم حقاً ولا معابة عليه فلماذا ينسبه الملا الملا صدرا إلى من أسماهم جهّال المتصوفة! وهذه النقطة قد تنبّه لها الخميني فانبرى للرد على الملا صدرا كما سيتبين خلال السطور القادمة.

كما أسلفنا فإنّ السيد الخوئي ينقل فقط إنكار ملا صدرا لهذه العقيدة الكفرية كما هي عادة أهل الباطل, ولكن الله يظهر الحق على ألسنتهم كما هي سنته تعالى على مدى الأعصار! لقد نقلنا بعض تصريحات العرفاء التي جرت على ألسنتهم وهي تدّل على اعتقادهم بهذه العقيدة الإلحادية!
إنّ العرفاء قوم يحيطون أنفسهم بالضبابية ويتحايلون ويتلونون ويتناقضون فعقائدهم باطنية ويمارسون ما يشبه التقية من المؤمنين الموحدين الذين يسلقونهم بأحد لسان وينبذونهم، ولكن الله يفضحهم فهم لا يتمكنون من إخفاء مودتهم للزنادقة من المتصوّفة فمودتهم لهم مصدرها تشابه قلوبهم.
ورغم أنّ الملا صدرا تصدرُ منه بعض التصريحات في هذه العقيدة (وحدة الموجود) ويدافع عن الزنادقة المعتقدين بها إلا أنه من جانب آخر لم يستوعب مقامات هذه العقيدة جيداً كما يبدو, وهذا ما كشفه كبير العرفاء في هذا العصر !
فحينما نسب هذه العقيدة (وحدة الموجود) إلى جهال المتصوّفة غضب الخميني عليه فأخرجه من زمرة العرفاء الواصلين!!
يقول مصطفى الخميني : قوله جهّال المتصوفة . أقول : هو (أي الملا صدرا) قدس سره متّهم في نقل كلمات الأكابر (المتصوّفة) , وقد سمعت من والدي العارف (الخميني) الجامع بين العلم والعمل أنه (أي الملا صدرا) ليس من أهل هذا العلم فلا وجه لتصرفه في مقالتهم ولذلك ترى إنكار بعض ما هو بديهي عندهم منه مثل قاعدة (كل شيء في كل شيء) بل هي خفية على أرباب العقول (الفلاسفة) و جلية على أصحاب الشهود (العرفاء)!!
المصدر : تعليقات على الحكمة المتعالية , مصطفى الخميني, ص619.

أقول : يبيّن الخميني هنا بأنّ الملا صدرا مائلٌ إلى الفلسفة أكثر من العرفان فلذلك لم يستوعب مقامات عقيدة العرفاء (وحدة الموجود) بشكل جيد فأنكر بعض المسلَّمات عندهم ونسبها لجهال المتصوفة!!

الخلاصة:
انكشف من خلال ما تقدّم الالتباس الواقع فيه بعض المؤمنين حول تعليقة السيد الخوئي (أعلى الله درجاته) على وحدة الوجود وقد بينّا بأن العرفاء يعتقدون بوحدة الموجود الحقيقية لا وحدة الوجود فقط, لأنهم يصرّحون بمقولات كفرية هي من لوازم القول بوحدة الموجود الحقيقية الكفرية كقولهم (أنا الحق) و (ليس في جبتي سوى الله) و (سبحاني ما أعظم شأني)
وقد بيّنا بأنها كفر وزندقة والقائل بها محكوم بالكفر بحسب فتوى السيد الخوئي (قدس سره) حيث قال : : وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى اللّه . . . فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟ ! كيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة!
المصدر: التنقيح , الخوئي, ج3 ص81-82.
كما كشفنا سخافة ادعاء الملا صدرا وبطلانه حينما أنكر اعتقاد العرفاء بهذه العقيدة ونسبها إلى جهال المتصوّفة ليتستر على كبارهم بسلاح الإنكار كما فعل ذلك حينما دافع عن البسطامي الذي اشتهر عنه قوله: (ليس في جبتي سوى الله) فأنكر المقولة من رأس!
وقد فعل ذلك خوفاً من نقمة المؤمنين , بينما من جهة أخرى امتعض الخميني من مقالة ملا صدرا تلك وكشف عن كون الملا صدرا كان فيلسوفاً أكثر منه عارفاً لذا لم يستوعب مقامات عقيدة وحدة الموجود جيداً فأنكر بعض المسلَّمات عندهم ونسبها إلى جهال المتصوّفة.
ولهذا لا ينفع المدافعين عن العرفاء التشدّق بتعليقة السيد الخوئي (رحمه الله) حول وحدة الوجود لأن السيد حكم بكفرية عقيدتهم وحكم ببطلانها في نفس هذا التعليق!
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
15/6/1435 هـ