السبت، 17 فبراير 2018

الرد المتين على مُنّكــر زيارة الأربعــين

الرد المتين

على مُنّكــر زيارة الأربعــين 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى قيام يوم الدين.

حرص أهل البيت عليهم السلام على زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كل الأوقات والمناسبات ، كما خصصوا بعض الزيارات بالفضل كزيارة عاشوراء والنصف من شعبان وزيارة الأربعين وغيرها.

فزيارة الأربعين تُعتبر من علامات المؤمن حيث روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين ، وزيارة الأربعين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتختم في اليمين وتعفير الجبين) ، فإن تأبين سيد الشهداء وعقد المآتم لذكره في هذا اليوم إنما يكون ممن يمت به بالولاء والمشايعة ، فمن علامة إيمانهم وولائهم لسيد شباب أهل الجنة المنّحور في سبيل الدعوة الإلهية المثول في يوم الأربعين من شهادته عند قبره الأطهر لإقامة المأتم ، وتجديد العهد بما جرى عليه وعلى أهل بيته وصحبه من الفوادح.

ولكن المحاربين للشعائر الحسينية لا يروق لهم ذلك ولهذا سعوا جاهدين للتشكيك في زيارة الأربعين بل إنكارها من رأس ، ومن هؤلاء مرتضى المطهري في كتابه الملحمة الحسينية!
فيقول في هذا الكتاب: (النموذج الآخر للتحريف هو يوم الأربعين "أربعين الحسين" عندما يحين موعد الأربعين نسمع جميعاً بالتعزية الخاصة بيوم الأربعين والناس جميعاً يعتقدون بأن الأسرى من آل بيت الرسول قد ذهبوا اليوم من الشام إلى كربلاء والتقوا هناك بجابر، كما التقاه الإمام زين العابدين (ع). في حين أن المؤلف الوحيد الذي يذكر هذا الموضوع هو السيد ابن طاوس (كذا) في كتابه اللهوف على الطفوف (كذا) لكنه هو نفسه كذّب ذلك أو على الأقل لم يؤيده في مؤلفاته الأخرى. وهذه القصة لا تذكرها الكتب المعتبرة إطلاقاً ، كما أنه ليس هناك أي دليل عقلي على حصولها. ولكن هل من الممكن إقناع الناس بعدم حصول مثل هذه الواقعة التي يسمعونها كل عام على المنابر وفي المجالس والتعازي الحسينية؟!).


ويتابع المطهري قائلاً: (إن أول زائر لقبر الإمام الحسين (ع) هو جابر ، ومراسم الأربعين ليست سوى الزيارة المعروفة التي قرأها جابر على قبر الإمام. لا يوجد شيء اسمه تجديد عزاء أهل البيت ولا قدوم الأسرى من آل النبي إلى كربلاء. إن الطريق من الشام إلى المدينةلا يمر عبر كربلاء أبداً فالطريق إلى المدينة يفترق عن الطريق إلى كربلاء من الشام نفسها). (الملحمة الحسينية ، ج1 ص22)


وقال في موضع آخر: (قصة عبور الأسرى من أرض كربلاء وهم عائدون من الشام إلى المدينة ، وهو ما تفرد به كتاب اللهوف لابن طاووس ولم ينقلها بعده أحد سوى “ابن نما” في كتابه “مثير الأحزان”. وقد تم تأليف هذا الكتاب بعد وفاة السيد ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً). (الملحمة الحسينية ، ج3 ص246)


الجواب:
يحاول المُطهّري جاهداً إنكار زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام بهذه السخافات ، فيقول بأن أول من ذكر قصة الأربعين وتفرّد بها هو السيد ابن طاووس وأنه كذّبها في كتبه الأخرى! كما أنه يقول ليس هناك أي دليل عقلي على حصولها ، وإن الطريق من الشام إلى المدينة لا يمر عبر كربلاء!

فنقول في الجواب:
هل تحتاج الحوادث التاريخية إلى الأدلة العقلية لإثبات وقوعها؟ ثم لماذا هذه الفدلكة والفلّسفة بقوله: (إن الطريق من الشام إلى المدينة لا يمر عبر كربلاء) فما المانع العقلي من ذهابهم إلى كربلاء ثم إلى المدينة؟!

إنّ عدم وجدان أحداث الأربعين في كتب ابن طاووس الأخرى غير كتاب اللهوف لا يدل على انكاره لهذه الواقعة، وعدم وجودها في كتب أخرى غير كتاب ابن طاووس لا يدلّ على عدم الوجود، فلعلّ السيد ابن طاووس قد نقل ذلك عن كتب لم تصل إلينا ، ثم إنّ شأن السيد ابن طاووس أجلّ من أن يُتّهم باختراع الأكاذيب.

وقد أشار الشريف المرتضى-المتوفى سنة 436هـ- إلى الروايات الواردة في هذا الشأن حين أجاب على سؤال عن صحة نقل الرأس الشريف إلى الشام فقال: (هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف وأطبقوا عليه. وقد رووا أيضاً أن الرأس أعيد بعد حمله إلى هناك ودفن مع الجسد بالطف). (موسوعة الشريف المرتضى ، ج15 ص130).

ومن المعروف أن الأسرى لم يبقوا في الشام إلى السنة الثانية بل عادوا في نفس السنة ، ووصلوا كربلاء يوم الأربعين وسنعرض المصادر التي ذكرت ذلك.

وأما قوله: أن السيد ابن طاووس كذّب القضية أو لم يؤيدها.
أقول: هذا تدليس فإنّ السيد -في كتاب الاقبال- لم ينكر القضية أو يكذبها إنما هو مجرّد استبعاد وصولهم إلى كربلاء في نفس اليوم ، واستبعاده كان ناتجاً عن وجود روايات متعارضة في وقت مكوثهم في الشام حيث وردت رواية تقول بأنهم أقاموا في الشام شهراً ، فعلى هذا القول استبعد وصولهم في العشرين من صفر وقال باحتمال وصولهم بعده ، وبمعرفة أنّ هذه الرواية شاذة يرتفع هذا الاستبعاد.

ثم لا يعني استبعاده هذا انكار زيارة الأربعين أو رفض التعزية الخاصة في ذلك اليوم كما هو حال مطهّري الذي يقول: (النموذج الآخر للتحريف هو يوم الأربعين -أربعين الحسين- عندما يحين موعد الأربعين نسمع جميعاً بالتعزية الخاصة بيوم الأربعين) ويقول أيضاً: (لا يوجد شيء اسمه تجديد عزاء أهل البيت ولا قدوم الأسرى من آل النبي إلى كربلاء).

فإن في تصريحه هذا إنكار للتعزية الخاصة يوم الأربعين وتجديد الحزن فيه بل إنكار لأصل الزيارة واعتبارها من التحريف!

ذكر أهل التحقيق أن الرأس الشريف دخل دمشق مع الأسرى في اليوم الأول من شهر صفر كما ذكر ذلك البيرونيّ–المتوفى سنة 440هـ وهو-أي البيروني- يمتاز بالدّقة في نقل الروايات التاريخيّة، إضافة إلى ذلك فإنّ رواية القزوينيّ والكفعميّ تؤيّده.

وأما مكوثهم في الشام فقد قال بعضهم ثلاثة أيام كمحمّد بن جرير الطبريّ والخوارزميّ -نقلا ً عن أبي مخنف- وابن عساكر وسبط ابن الجوزيّ وابن كثير.
والبعض الآخر قال بأنهم مكثوا سبعة أيام كعماد الدين الطبري- المتوفى سنة 701هـ- والعلامة المجلسي ، وأما بقية الأقوال فهي شاذة.

وعلى كلا القولين توجد مدة زمنية كافية لوصولهم إلى كربلاء ، ولو سلّمنا بأن المدة لا تكفي، فإن في الإعجاز الغيبي سعة من الحال، فإن طويت الأرض لإمام الوقت وحجة الزمان وهو الإمام زين العابدين عليه السلام كي يواري جسد والده الأطهر، فلا يستبعد تصرفه في موكب حرم أبيه بعد خروجهم من أسر الذل.


أما قول مطهري: (ولم ينقلها –أي أحداث الأربعين- بعده –أي بعد ابن طاووس- أحد سوى ابن نما في كتابه مثير الأحزان ، وقد تم تأليف هذا الكتاب بعد وفاة السيد ابن طاووس بأربعة وعشرين عاماً).
أقول: إن ابن نما هو الذي توفيَّ قبل ابن طاووس بتسعة عشر عاماً ، لأن وفاته كانت سنة 645هـ بينما توفي ابن طاووس سنة 664 هـ.

ومن المعروف أن اللاحق يأخذ عن السابق وليس العكس ، ولا يبعد اشتباه المطهري لقلة تتبعه في أحوال علماء الطائفة في أي ابن نما هو ، وإن كان صاحب “مثير الأحزان” معروفاً ، فإن أبناء نما سلسلة علماء من القرن الخامس إلى القرن التاسع للهجرة ، فلعله وقع في وهمه أحد أبناء نما المتأخرين عن زمان ابن طاووس فتوهم أنه صاحب مثير الأحزان.

وعلى كل حال فإن تقدّم ابن نما على ابن طاووس يرد ادعاء مطهري في قوله: “أن المؤلف الوحيد الذي ذكر هذه الأحداث وتفرّد بها هو ابن طاووس” فتقدمه عليه وذكره لأحداث الأربعين دليلٌ على وجودها قبل ابن طاووس. فتأمل.


أما قوله: (قصة عبور الأسرى من أرض كربلاء وهم عائدون من الشام إلى المدينة ، وهو ما تفرّد به كتاب اللهوف لابن طاووس) .
أقول: وهذا من الجهل أيضاً ، فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى –المتوفى سنة 381 هـ- بسنده عن فاطمة بنت علي صلوات الله وسلامه عليهما نصاً يقول: (ثمّ إنّ يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السّلام فحُبسنَ مع علي بن الحسين في محبس لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتّى تقشرت وجوههم … إلى أن تقول : إلى أن خرج علي بن الحسين عليه السّلام بالنسوة، وردّ رأس الحسين إلى كربلاء) . (الأمالي ،ص142).

وذكر هذا الخبر أيضاً الفتَّال النيسابوري –المتوفى سنة 508- في كتابه. (روضة الواعظين ، ص212).
فكما تلاحظ أخي القارئ أن الشيخ الصدوق والفتّال النيسابوري رحمهما الله قد ذكرا رجوع الإمام زين العابدين إلى كربلاء وهما متقدمان على ابن طاووس بسنوات طويلة.
وأما وصول الإمام زين العابدين عليه السلام مع النسوة يوم العشرين من صفر فقد صرّح البيروني ـ المتوفّى سنة 440 هـ ـ أنّ الرأس رُدّ في العشرين من صفر فقال: (وفي العشرين –أي من شهر صفر- ردَّ رأس الحسين إلى جُثته وفيه زيارة الأربعين وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام). (الآثار الباقية ، ص331)

وقد ألف البيروني كتابه هذا في سنة 390 هـ كما ذكر صاحب الذريعة.
وقال القزويني -المتوفّى سنة 682 هـ-: (صفر –أي شهر صفر- اليوم الأوّل منه عيد بني أمية أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق ، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضي الله عنه إلى جثته). (عجائب المخلوقات ، القزويني ، ص68)

بل صرّح القرطبي- المتوفى سنة 671 هـ- بأنّ هذا هو قول الإمامية فقال: (واختلف الناس في موضع الرأس المكرّم وأين حمل من البلاد…) وقد ذكر أقوالاً…إلى أن قال: (والإمامية تقول: أن الرأس أعيد إلى الجثة بكربلاء بعد أربعين يوماً من المقتل ، وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين). (التذكرة للقرطبي ، ص1122 ، مختصر تذكرة القرطبي ، ص124)

وقول القرطبي هذا يدل على الشهرة بحيث حصل اليقين حتى عند المخالف في ذلك الوقت أن هذا هو قول الإمامية.
والقزويني والقرطبي معاصران لابن طاووس وأضف إليهما ابن نما المتوفى قبل ابن طاووس بـ(19) سنة، وكذلك البيروني المتقدّم على ابن طاووس بأكثر من 200 سنة ، وقد صرّح كل هؤلاء بأن الرأس رجع في العشرين من صفر وهو يوم الأربعين ، كما أن الشيخ الصدوق وغيره ذكروا خبر رجوع الإمام زين العابدين عليه السلام مع النسوة إلى كربلاء لرد الرأس الشريف.

فكيف بعد كل هذا يدّعي المُطهّري: أنّ أوّل مَنْ تحدّث عن أحداث الأربعين وتفرّد بها هو السيد ابن طاووس؟!


طالب علم

٢٠ / صفر / ١٤٣٨ هـ