الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير " الحلقة السادسة عشر"





لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير " الحلقة السادسة عشر"


مادة البحث:
نواصل التعليق على ما ذكره السيد منير الخبّاز من معاني وحدة الوجود, وفي هذه الحلقة سنناقش بإذن الله تعالى النوع الخامس من تلك المعاني.
وكعادتنا في التوثيق نعرض أولاً محتوى المقطع المرئي لكلام السيد منير ونفرّغه نصياً ثم نعلّق عليه:
١- يقول السيد منير الخبّاز : المعنى الأخير من معاني مصطلح وحدة الوجود هو ماذكرناه في الليلة السابقة وهو وحدة الانتساب, ما معنى وحدة الانتساب? معنى وحدة الانتساب أن الفعل الواحد ينسب إلى الله وإلى العبد. نجي مثلاً إلى عمل يقوم به الإنسان نظير ما في الآية المباركة {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} نقول هذا الرمي الذي صدر عن النبي صلى الله عليه وآله, النبي بدأ المعركة -وهي معركة بدر- بأن أخذ حجرا ورمى به القوم وقال: (شاهت الوجوه) فانقلب الفضاء غباراً {ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} هؤلاء-العرفاء- يقولون :هذا الرمي نقدر ننسبه إلى النبي ونقول : (رمى النبي) ونقدر ننسبه لله ونقول: (الله رمى), فعلٌ واحد يمكن نسبته لفاعلين, لله وللعبد, هذا معنى وحدة الوجود, وحدة الوجود يعني وحدة الانتساب نسبة الفعل إلى العبد ونسبة الفعل إلى الله عز وجل, مثلاً تقول: (رأيتك بعيني) ويصح أن تقول: (رأتك عيني) , تقدر تنسب الرؤية إلى العين وتقدر تنسب الرؤية إلى نفسك, يصح أن تقول: (سمعتك أذني), ويصح أن تقول: (سمعتك بأذني), فتنسب السمع إلى نفسك وتنسب السمع إلى الأذن, إذاً بعض الأفعال يمكن نسبتها إلى فاعلين, كذلك ما يصدر من العبد المخلوق يمكن نسبته إلى المخلوق ويمكن نسبته إلى الخالق, نقول : (رمى النبي) ونقول : (الله رمى) {ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}هذا المعنى من وحدة الوجود بمعنى وحدة الانتساب.

علاقة سببيّة لا وحدةٌ انتسابيّة!
هذا البيان الركيك ما كنّا نتصور صدوره عن مثل السيد منير!
إن السبب والمسبب والعامل بالسبب ليسوا شيئاً واحداً, هذا ما يُعبر عنه في علم الكلام بالعلاقة السببية, إن القول بأن الله هو المسبب بتأييده وتسديده الفعل الكذائي لا يعني أن هناك وحدة وجود! (معاذ الله).
نسبة الفعل إلى الله هنا من باب التأييد والتسديد فلا يوجد عاقل يأتي لهذه الآيات فيقول إنها تعني وجود وحدة بين الله ومخلوقاته! فهي لا تعدو كونها تبياناً للعلاقة بين السبب والمسبب والعامل بالسبب (العلاقة السببية), وهذا الكلام مفهوم عند العرب في صدر الاسلام فلم يكن لديهم مشكلة في فهم المعنى, ولكن المتأخرين هم من أخذوا بالمعنى الحرفي الظاهري كما يفعل الوهابيون!
وقد يستدل بعض العرفاء بقوله تعالى{يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} لإثبات معتقدهم الباطل وحدة الوجود! وهذا تخبط, فإنّ قولي مثلاً: (أبي يطعمني بيده على مائدة الغداء), ليس كأن أقول: (أبي يطعمني ويسقيني) فالأولى تعني مباشرة الفعل والثانية تأتي بمعنى الإعالة, أي أن الكلام هنا عن أنه سبب في ذلك لأنه رب الأسرة و معيلها, فالسببية بجعل من الله سبحانه وتعالى ولها ذكر في القران الكريم في قوله تعالى :{وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}
فما يتحدث عنه السيد منير هو علاقة سببيّة لا وحدةٌ انتسابيّة!
ثم إنّ هناك فرق شاسع جداً بين ما بيناه حول العلاقة السببية وبين كلام العرفاء! فالعارف يقول: أن الله بذاته وعينه يطعمني ويسقيني مباشرة! لأنه يعتقد أن الموجودات هي عين ذات الله تعالى وكل أفعالها صادرة عنه! (تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا)
يقول الملا صدرا: إن فعل زيد مع أنه فعله بالحقيقة دون المجاز فهو فعل الله بالحقيقة!
المصدر: الأسفار الأربعة، ج 6ص374.
ويقول أيضاً: ان الافعال المنسوبة إلى القوى المؤثرة كالمصورة في تصوير الاعضاء وتشكيلها وكالماء والنار في التسخين والتبريد وكالإنسان في افاعيله الصادرة عنه وغير ذلك كلها بالحقيقة صادرة عنه تعالى واقعة بتأثيره مع كمال وحدانيته وفردانيته فكل ما هو مقدور ومجعول لفاعل فهو من حيث صدوره عن ذلك الفاعل صادر عن الحق تعالى كما ان وجود كل ممكن من حيث وجوده شأن من شئون الحق ووجه من وجوهه!!
المصدر : أسرار الآيات, الملا صدرا, ص51.
وبما انّ ناصر مكارم الشيرازي هو من الرجال المعتبرين عندكم على ما نظن فننقل لكم رده على العرفاء في شرحه للآية الكريمة: {ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
فقال: إن الذين اعتقدوا بمذهب الجبر مستدلين بهذه الآية فإن الرد عليهم في الآية ذاتها والذين قالوا بوحدة الوجود مستدلين بهذه الآية فإن الرد عليهم موجود في الآية بأسلوب لطيف، لأنه إذا كان المراد بأن الخالق والمخلوق واحد، فلا ينبغي أن ينسب الفعل إليهم تارة وينفي عنهم تارة أخرى، لأن النسبة ونفيها دليل على التعدد، وإذا تجردت الأفكار عن الحكم المسبق والتعصب المقيت لرأينا أن الآية لا ترتبط بأي من المذاهب الضالة، بل هي تشير إلى المذهب الوسط " أمر بين أمرين " فحسب .
المصدر : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ,ج5 ص384-385.
ويقول السيد المدرسي: إننا لا نعلم ظاهراً من الأمر , وهو تحريك القائل والرامي آلته الحربية باتجاه عدوه , ولا ننسى أن هذا التحريك كان في وسط ملايين السنن الإلهية التي لولاها لم يتم شيء, وأن نسبة فاعلية البشر إلى فاعلية تلك السنن ضعيفة جداً جداً مما يجعل السياق ينسب الفعل إلى الله للدلالة على تلك المعادلة .
وإنك لو تأملت في قوله سبحانه {وَمَا رَمَيْتَ- إِذْ رَمَيْتَ- وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
لتذكرت أن الله لم ينفِ فعل الرمي - بوجه مطلق - من الرامي إذ عاد فأثبته بقوله {إِذْ رَمَيْتَ} ولكنه سبحانه بيّن أنه هو المؤيد بنصره والمسدد لرمية العبد, فهو الرامي الحق.
وهكذا ترى الآية صريحة بوجود ثنائية في دار التحقق, الله وعبده, وليس وحدة كما يزعمون.
المصدر : العرفان الإسلامي , المدرسي, ص289.
وقد سُئل شيخ الطائفة الطوسي عن قولهم . {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} كيف نفى عنهم القتل و(ب)سيوفهم ورماحهم كانت مناياهم ؟
فأجاب رحمه الله : إنما أضاف إلى نفسه لما كان بإقداره وتمكينه والتخلية بينهم و أمره إياهم بذلك وحثهم عليه، ومثله قوله تعالى {ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} والمعنى ما قلناه ، كما يقول القائل لغلامه إذا فعل فعلا كان أمره به ما فعلت أنت بل أنا فعلت حيث أمرتك به وحثثتك عليه .
المصدر : الرسائل العشر , الشيخ الطوسي , ص327.


الخلاصة :
تبين مما تقدم أن نسبة فعل العبد إلى الله هو من باب التأييد والتسديد والتسبيب فهو سبحانه من أعطى هذا العبد القدرة وهو الآمر بفعل العمل, وهذا لا يعني أن هناك وحدة وجود! فالمسألة لا تعدو كونها تبياناً للعلاقة بين السبب والمسبب والعامل بالسبب (العلاقة السببية).
وقد عرضنا أقوال العلماء في شرح قوله تعالى: {ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وقد بينوا بأن الرد على العرفاء موجود في نفس الآية الكريمة حيث أنها صريحة بوجود ثنائية في دار التحقق, الله وعبده, وليس وحدة كما يزعمون.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
29/شهر رمضان المبارك/ 1436 هـ
طالب علم