الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير " الحلقة الثانية عشر"





لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير
" الحلقة الثانية عشر"


كيف قسّم السيد منير بحثه؟
في محاضرة بعنوان (أبعاد نظرية وحدة الوجود) قسّم السيد منير الخبّاز معاني وحدة الوجود إلى خمسة معانٍ, وقال بأن بعضها صحيح وبعضها غير صحيح, ثم شرّح كل نوع من هذه المعاني وصححها كلها ماعدا القول بوحدة الموجود حيث اعتبره كفراً ولا قائل به من المسلمين!
وقد رأينا تقسيم تعليقنا على هذه المعاني إلى خمس حلقات نناقش فيها كل معنى على حدة, وفي هذه الحلقة سنناقش بإذن الله تعالى المعنى الأول من تلك المعاني.

مادة البحث:
كعادتنا في التوثيق نعرض أولاً محتوى المقطع المرئي لكلام السيد منير ونفرّغه نصياً ثم نعلّق عليه:


١- يقول السيد منير الخبّاز: عندما يقال لدى العرفاء أو علماء العرفان مصطلح وحدة الوجود, فما هو المقصود بوحدة الوجود, هذا المصطلح طرحت له عدة معاني بعضها مقبول, بعضها مرفوض. المعنى الأول أن يكون المقصود بوحدة الوجود وحدة حقيقة الوجود, بيان ذلك: الوجود معناه هو الثبات والتشخّص والتحقّق. التحقق هو الوجود والتشخص هو الوجود فيقال بأن جميع الموجودات متحدة في حقيقة الوجود نظير الاتحاد في حقيقة النور, مثلاً عندما نتحدث عن الأنوار, ما هو الفرق بين نور الشمس ونور المصباح؟ لا فرق بين نور الشمس ونور المصباح في حقيقة النور, النور هو ماكان ظاهراً بنفسه مظهراً لغيره, حقيقة النور واحدة سواءً كان النور نور المصباح أو نور الشمس الحقيقة واحدة والمعنى واحد إنما الاختلاف بين نور المصباح ونور الشمس اختلاف بالدرجة فقط وإلا الحقيقة واحدة, نور الشمس أقوى وأكثر شعاعاً من نور المصباح وإلا في حقيقة النور هما شيء، واحد نور المصباح ونور الشمس حقيقة واحدة الفرق بينهما بالدرجة, درجة الضوء في الشمس أقوى شعاعاً من درجة الضوء في نور المصباح, هنا أيضاً من يقول بوحدة الوجود بهذا المعنى يقول الله تبارك وتعالى له وجود، الانسان له وجود كلاهما متحد في حقيقة الوجود إنما الاختلاف بالدرجة، درجة الوجود, الإنسان موجود والله موجود متحدان في حقيقة الوجود معنى الوجود ماهو ؟ هو التحقّق, الله متحقق والانسان متحقق إنما درجة الوجود عند الإنسان درجة محدودة مشوبه بالعدم مشوبه بالظلمة بينما وجود الله عز وجل وجود لا يحدّه عدم ولا تشوبه ظلمة فالفرق بين الوجودين اختلاف في الدرجة وليس اختلافاً في الحقيقة كالاختلاف بين درجات النور حيث أن هناك نوراً للشمس أقوى من نور المصباح. هذا المصطلح الأول لوحدة الوجود, مامعنى وحدة الوجود؟ هذا المعنى الأول لهذا المصطلح ولهذه النظرية وقد طرحه جمع من الفلاسفة.

وحدة الوجود قياس باطل:
ما تحدّث عنه السيد منير في الجزء المزبور  هو "وحدة الوجود" وقد بحثناها مفصلاً وقلنا بأنّ هذا القول باطل فإنّ وجود الله تعالى هو عين ذاته, وأما نفي العدم فلا يلزم منه القول بالاشتراك المعنوي في الوجود, الوجود الذي يعني نفي العدمية نثبته لله تعالى من جهة الفاعلية وهذا يكفي.
وجود الله تعالى هو عين ذاته سبحانه وإنّ الله تعالى لا يشبه خلقه بأن يكون ذاته شيء ووجوده شيء آخر! تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
وأما مثال النور الذي عرضه السيد منير لا يجوز  تطبيقه على الله سبحانه وتعالى, بل حتى على الموجودات الممكنة لا يمكن انطباقه دقياً حيث أنّ بعض الموجودات وإن كانت تشترك معنا في معنى الوجود على نحو التحقّق فإنها سبقتنا في زمان التحقق ولذلك لا وحدة على النحو الدقي بين وجودنا ووجودها. فكيف بالخالق جلت قدرته؟!
إنّ وجود الله تعالى يختلف عن وجودنا, فوجود الله عين ذاته وذات الله فوق أن تُوصف أو تُقاس بالمخلوق, بمعنى أنّه ليس وجود الله شيء وذاته شيء آخر كما نحن البشر.
أنا بوصفي بشراً وجودي في الكون يعني أني أشغل حيزاً, فذاتي شيء, ووجودي شيء آخر, فوحدة الوجود قول من لم يعرف الله تعالى فكأنما جعل وجود الله شيئاً وذاته شيئاً آخر تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

وجود الله عين ذاته:
٢- يقول السيد منير : هنا أيضاً من يقول بوحدة الوجود بهذا المعنى يقول الله تبارك وتعالى له وجود الانسان له وجود كلاهما متحد في حقيقة الوجود إنما الاختلاف بالدرجة درجة الوجود, الإنسان موجود والله موجود متحدان في حقيقة الوجود معنى الوجود ماهو هو التحقق الله متحقق والانسان متحقق إنما درجة الوجود عند الإنسان درجة محدودة مشوبه بالعدم مشوبه بالظلمة بينما وجود الله عز وجل وجود لايحده عدم ولا تشوبه ظلمة فالفرق بين الوجودين اختلاف في الدرجة وليس اختلافاً في الحقيقة كالاختلاف بين درجات النور حيث أن هناك نوراً للشمس أقوى من نور المصباح...

أقول: هذا القول باطل كما بيّنا فإنّ وجود الله يختلف عن وجودنا, وجود الله عين ذاته وذات الله فوق أن تُوصف أو تُقاس بالمخلوق! , بمعنى أنّه ليس وجود الله شيء وذاته شيء آخر كما نحن البشر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا..
هذه هي وحدة الوجود وذلك الكلام في (العمق) ترد عليه إشكالات ويفنّده كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (الذي لما شبّههُ العادلون بالخلق المُبعّض المحدود في صفاته، ذي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته، وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعاً عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
المصدر: التوحيد, الصدوق, ص55.
فقوله عليه السلام (وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته) أي لما شبهه الجاهلون به بالمخلوق ذي الصفات الماضي ذكرها في كلام المولى عليه السلام، وكان عز وجل بخلافها حيث أنه موجود بذاته عز وجل لا بأداته, بمعنى أنه تعالى لا يحتاج إلى الوسائل التي هو سبحانه خالق لها كالمكان والزمان والأجزاء وهي أدوات ووسائل للمخلوق, والخالق غني عنها فوجوده تعالى وجود قائم بذاته منزّه عن الاحتياج للأداة، وكان تعالى بخلافها لأنّ وجوده تعالى قائم بذاته لا بأداته فقد انتفى عنهم مقام المعرفة الحقة لله تعالى, والتقدير بمعنى التوقير والتعظيم لله تعالى.
إنّ وجود الله مغاير لوجود خلقه ولكن القول بوحدة الوجود يمكن حمله على الجهل بعظمة الله تعالى ونقص العلم وبساطة وسذاجة الفكر لدى من يقول بذلك.
إن حقيقة وجود الله تعالى لا يمكن إدراكها عقلاً لاستحالة إدراك كنهه جل وعلا، وهذا هو الموافق للأخبار والآثار، وإلا كان ذلك إحاطة به من الممكن، وهو أمر لا يمكن أن يقع كما لا يخفى، فالله محيط بالممكنات من كل الجهات إحاطة قدرة وعلم، ومنها الوجود بما هو وجود، فهو ممكن مخلوق له تعالى شأنه.
وليس قولنا: "الله موجود" إلا إثبات حقيقة مجهولة الكُنه خارجة عن حد التعطيل وحد التشبيه.
أما أهل الزيغ من الفلاسفة والعرفاء فإنهم لنفيهم غيرية الوجود بين الواجب والممكن فقد شبّهوا ومثّلوا الله تعالى بخلقه في هذه الصفة إذ جعلوا حقيقة وجوده نفس حقيقة وجود خلقه! وهذا باطل عقلاً كما مرّ كما أنه باطل شرعاً، فقد قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إياه عنى من شبّهه)
المصدر :التوحيد للصدوق ص35.
وقال مولانا الصادق صلوات الله عليه: (من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه)
المصدر: التوحيد للصدوق ص80.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفياته) وفي شرحها يقول العلاّمة المجلسي رحمه الله: (تَــنَــزّهَ) أي تباعد وتقدّس (عن مجانسة مخلوقاته) أي أن يكون من جنسها إذ لا يشاركه شيء في المهيّة.
المصدر : بحار الأنوار , العلامة المجلسي, ج84 ص344.
ولآل رسول الله عليهم الصلاة والسلام أحاديث كثيرة يثبتون فيها (الهيمنة) المطلقة لله تعالى على مخلوقاته مقترنة (بالغيرية) لا الوحدة, فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إِنَّ اللهَ خلوٌ من خلقِهِ، وخلقُهُ خلوٌ منه، وكلُ ما وقع عليه شيءٌ ما خلا اللهَ فهو مخلوقٌ، واللهُ خالقُ كلَّ شيءٍ، تبارك الذي ليس كمثلِهِ شيءٌ وهو السميعُ البصير)
المصدر : الكافي , الكليني, ج1 ص82.
وقال عليه السلام أيضاً: (هو بائن من خلقه، محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا، وليس علمه بما في الأرض بأقلّ مما في السماء، لا يبعد منه شيء والأشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا وإحاطة).
المصدر: بحار الأنوار، ج3 ص323؛ عن التوحيد.
وقال عليه السلام أيضاً: (فرداني لا خلقه فيه ولا هو في خلقه)
المصدر: الكافي الشريف،الكليني, 1ج ص91.
وقال عليه السلام أيضاً: (إنه لا يليق بالذي هو خالق كل شيء إلا أن يكون مبائنا لكل شيء، متعاليا عن كل شيء، سبحانه وتعالى).
المصدر: بحار الأنوار،المجلسي, 3ج ص148.
وقال عليه السلام أيضاً: (هو واحد، أحدي الذات، بائن من خلقه... محيط بالأشراف والإحاطة والقدرة... بالإحاطة والعلم لا بالذات).
المصدر: بحار الأنوار، المجلسي ,ج3 ص323؛ عن التوحيد.
وقال الإمام الرضا عليه السلام: (كنهه تفريق بينه وبين خلقه).
المصدر: بحار الأنوار، المجلسي, 4ج ص 228.
وقوله عليه السلام أيضاً: (كل ما يوجد في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه).
المصدر: بحار الأنوار، المجلسي,  ج4 ص230.
فمن خلال هذه النصوص المعصومية نفهم أنه لا وحدة إطلاقاً بأي وجه من الوجوه بين الله سبحانه وتعالى ومخلوقاته.
هذا وصلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.
15/شهر رمضان المبارك/ 1436 هـ
ذكرى مولد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
طالب علم