الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير " الحلقة الثالثة عشر"





لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير
" الحلقة الثالثة عشر"


مادة البحث:
نواصل التعليق على ماطرحه السيد منير الخبّاز من معانٍ لوحدة الوجود في محاضرته بعنوان: (أبعاد نظرية وحدة الوجود) وفي هذه الحلقة سنناقش بإذن الله تعالى المعنى الثاني من تلك المعاني.
وكعادتنا في التوثيق نعرض أولاً محتوى المقطع المرئي لكلام السيد منير ونفرّغه نصياً ثم نعلّق عليه:
١- يقول السيد منير: المعنى الثاني لوحدة الوجود المقصود بوحدة الوجود وحدة الموجود, ومعنى وحدة الموجود أن الوجود الامكاني للإنسان- الإنسان وجوده وجود إمكاني يعني يمكن أن يحوطه العدم في أي لحظة- الوجود الامكاني مع الوجود الواجبي - وهو وجود الله الذي لا يعرضه عدم ولاتشوبه ظلمة- هذان الوجودان اتحدا. هذا المعنى من وحدة الوجود كفر ولا يقول به أحد, وجود الله لا محدود ووجود الإنسان محدود ولا يعقل الاتحاد بين اللامحدود وبين المحدود. هذا المعنى أصلاً غير معقول فضلاً عن كونه كفراً ولا يقول به أحد من المسلمين فوحدة الوجود بمعنى وحدة الموجود أي أن وجود الإنسان اتحد مع وجود الله عز وجل، هذا المعنى مرفوض غير معقول فضلاً عن كونه كفراً وإلحاداً ولا يقول به أحد من الامامية ولا من المسلمين.

وحدة الموجود عند العرفاء والفلاسفة:
وحدة الموجود هي نظرية فلسفية شائعة عند العرفاء والمتصوّفة المنحرفين عن الإسلام وأهل البيت صلوات الله عليهم، ومفادها -حسب ما يدّعون- هو أن جميع الموجودات والماهيات إنما هي وحدة واحدة في الحقيقة، لا تختلف عن بعضها إلا بالظهور والتكثّر وما أشبه، كالبحر الذي هو واحد لكن أمواجه تختلف في ظهورها ليس إلا، وعلى هذا لا يكون ثمة خالق ومخلوق، فالكل واحد ذو حقيقة واحدة! وهذا القول - وحدة الموجود- أكثر كفراً من القول بوحدة الوجود, فهذا الثاني يثبتون فيه على الأقل تمييزاً بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه بادّعاء اختلاف المراتب وإن كان الوجود في مجموعه واحداً في الحقيقة.
وحدة الموجود هي أن الله تعالى بوصفه موجوداً فإنه متحدٌ مع الموجودات الممكنة - والعياذ بالله- فهو زندقة بيّنة وانحراف فطري عن الإسلام والتوحيد وهذا النوع حكم  السيد الخوئي "قدس سره" على من يعتقد به بالكفر والزندقة!
المصدر: التنقيح , الخوئي, ج3 ص81-82.

وقد ذكرنا سابقاً  أن وحدة الوجود كأن تقول انّ هناك نهران كلاهما يجريان في وقت واحد وفي مكان واحد نظير مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ وهذا البرزخ هو الفاصل بينهما ولكنهما من حيث الوجود متحدان في المكان والزمان وحقيتهما واحدة ولكنّ احدهما عذب والآخر أشد عذوبة.

وأجبنا على هذا بأنه باطل فإنّ وجود الله يختلف عن وجودنا, وجود الله عين ذاته وذات الله فوق أن تُوصف أو تُقاس بالمخلوق, بمعنى أنّه ليس وجود الله شيء وذاته شيء آخر كما نحن البشر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
أما وحدة الموجود فلا تختلف عن وحدة الوجود سوى بكون القائلين بها يقولون بعينية ذات المخلوق والخالق, بمعنى أنّ هناك نهراً واحداً فقط ولكنّ هذا النهر تارة نراه في صورة البول وتارة العرق وتارة العصير وهكذا, المخلوق عندهم هو عين ذات الخالق ولكنه ظهر في صور متكثرة والعياذ بالله!

إقرارات العرفاء:
٢- يقول السيد منير: المقصود بوحدة الوجود وحدة الموجود, ومعنى وحدة الموجود أن الوجود الامكاني ... مع الوجود الوجبي...هذان الوجودان اتحدا، هذا المعنى من وحدة الوجود كفر و لا يقول به أحد...
أقول: بيّنا سابقاً أن العارف لا يعتقد بوجود شيء آخر غير الله مختلف ومنفصل عنه لكي يتحد معه أو يحلّ فيه فالمخلوقات فانية فيه متحدة به دائماً وأبداً–أي فناءٌ أزلي- وعلى وتيرة واحدة كما صرّح بذلك كمال الحيدري في كتابه العرفان الشيعي .
المصدر: العرفان الشيعي, الحيدري,ص150.
ويقول حسن زادة آملي: لا شيء موجوداً أصلاً حتى يكون مع الله، لا أن هناك شيئاً وليس مع الله!
المصدر: الإعلان أسرار الفلسفة والعرفان, الشيخ حسن الميلاني, ص14, نقلاً عن در محضر استاد حسن زادة آملي، محسن غرويان ,43.
وكل ما يحدث في هذا العالم من تغيرات هي  تطورات في الذات الالهية! (والعياذ بالله)
يقول محمد حسين الطباطبائي: تقدّم الوجود على الوجود فهو تقدم آخر غير ما بالعلية إذ ليس بينهما تأثير وتأثر ولا فاعلية ولا مفعولية بل حكمهما حكم شيء واحد له شؤون وأطوار وله تطور من طور إلى طور!
المصدر: نهاية الحكمة، محمد حسين الطباطبائي ، 226.
ويقول صمدي آملي: مرادنا عن وحدة الوجود، عينية وجود الأرض ووجود السماء مع وجود الحقّ-الله- المتعال!
المصدر: شرح نهاية الحكمة , صمدي آملي, ص115.
ويقول ابن عربي : إن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء!
المصدر :فصوص الحكم ،ابن عربي, ص 108.
ويقول حسن زادة آملي: العارف في هذا المقام-أي مقام الفناء في الذات-يرى جميع أنواع الكائنات المختلفة متحدة كما أن الجاهل يحسبها متكثرة...وفي هذا المقام يتحقق بحقيقة التوحيد وكلمة (لا إله إلا الله) الطيبة، قائلاً بلسان الحقيقة (يا هو يا من ليس إلا هو) فإذن لا يبقى له-العارف- ولا للممكنات الأخرى هوية، بل هوية الكل مضمحل ومتلاشٍ في تجلّي حقيقة الحق –الله-!
المصدر : السير إلى الله , حسن زاده آملي, ص164- 165.
فهذه تصريحات واضحة من العرفاء بأنّ كل الكائنات متحدة مع الله -أي وحدة موجود- ولذلك يجب الالتفات إلى محاولات العرفاء الماكرة التي يريدون من خلالها التمويه على المؤمنين لإيهامهم بأنهم لا يعتقدون بوحدة الموجود الكفرية!

إطلاقات لا واقع لها:
٣- يقول السيد منير: الوجود الامكاني... مع الوجود الواجبي...هذان الوجودان اتحدا هذا المعنى من وحدة الوجود كفر ولا يقول به أحد...
وقال أيضاً : فوحدة الوجود بمعنى وحدة الموجود أي أن وجود الإنسان اتحد مع وجود الله عز وجل هذا المعنى مرفوض غير معقول فضلاً عن كونه كفراً وإلحاداً ولا يقول به أحد من الامامية ولا من المسلمين!
أقول: كم أتعجب من السيد منير واطلاقاته العجيبة التي لا واقعية لها فقد ادعى سابقاً أن العرفاء لا يقولون كما قال الحلاّج -ليس في جبتي سوى الله- وقد أثبتنا عكس مدعاه وكذلك هنا أيضاً ادّعى بأن العرفاء لا يقولون بوحدة الموجود بينما هي عقيدتهم! بل نفى أن يكون هو اعتقاد المتصوفة أيضاً وغيرهم بقوله : (ولا يقول به –وحدة الموجود- أحد من الإمامية ولا من المسلمين)!!
فمن خلال هذه التصريحات  التي يطلقها السيد منير الخبّاز أتصوّر-والله العالم- عدم استيعابه لمقامات عقيدة العرفاء فلذلك ينكر اعتقادهم بوحدة الموجود وينكر توافق عقيدتهم مع عقيدة الحلاج! وحاله هنا كحال الملا صدرا الذي ادعى بأن وحدة الموجود عقيدة جهال المتصوّفة مما جعل الخميني يخرجه من مصاف العرفاء الشامخين!
#راجع كتابنا  (إرشاد المصدود إلى رأي السيد الخوئي في وحدة الوجود).

العرفاء يجيبون على السيد منير:
٤- يقول السيد منير: المقصود بوحدة الوجود وحدة الموجود, ومعنى وحدة الموجود أن الوجود الامكاني... مع الوجود الواجبي...هذان الوجودان اتحدا، هذا المعنى من وحدة الوجود كفر ولا يقول به أحد...
أقول : ذكرنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة تصريحات كثيرة عن كبار العرفاء تدل على وحدة الموجود, هذا عدا عن تصريحاتهم الكفرية الواضحة التي ذكرناها  في الحلقة العاشرة كقولهم (ليس في جبتي سوى الله) وقولهم (أنا الحق) وقولهم (سبحاني ما أعظم شأني)! فنترك العرفاء يجيبون على ما ادعاه السيد منير ويفندونه بأنفسهم!
يقول حيدر الآملي : إذا ثبت أنه ليس في الوجود إلا هو, فلا يكون في الظاهر والباطن والأول والآخر عقلاً ونقلاً وكشفاً إلا هو .  وهذا واضح جلي, فحينئذٍ يجوز للعارف بهذا السر أن يقول: ليس في الوجود سوى الله وليس في الوجود إلا الله!
المصدر : جامع الأسرار, حيدر آملي ,ص611, طبعة دار المحجة البيضاء بيروت.
أقول :ويجوز له أيضاً –عندهم- أن يقول: ليس في جبتي سوى الله كما في التصريح التالي!
يقول حيدر الآملي: إعلم أن الفقر هو عدم التمليك مطلقاً حتى عن وجوده وكل شخص يحصل له هذا الفقر على ما ينبغي لا شك أنه يخرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني وإذا خرج من حكم الوجود الإضافي الإمكاني لابدّ وأن يدخل في حكم الوجود الحقيقي الواجبي الكلي لأن الشيء إذا جاوز حدّه انعكس ضدّه, والوجود إما واجبي أو إمكاني والاتصاف بأحدهما ضروري فافهم وحقق معنى قولهم: إذا تم الفقر فهو الله! وأعرف بالحقيقة أن افتخار النبي عليه السلام بالفقر لم يكن إلا بمثل هذا, وسبحاني ما شأني ليس إلا في هذا المقام وكذلك أنا الحق ومن مثلي وهل في الدارين غيري وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك!!
المصدر : تفسير المحيط الأعظم, حيدر الآملي ,ج2 ص431.
أقول: يعترف الآملي هنا بكل صراحة بأن كل شخص يحصل له هذا الفقر الذي يعني الفناء المطلق في الله, فيخرج من حكم الإمكان –المخلوقات- إلى حكم الواجب –الله- فيصبح هو والله شيئاً واحداً!
ولكي لا تتوهم أنه يقصد شيئاً آخراً جاء لك بنصوص الحلاّج والبسطامي ليؤكد على هذا المعتقد الكافر فقال: (وسبحاني ما أعظم شأني) ليس إلا في هذا المقام وكذلك ( أنا الحق، ومن مثلي، وهل في الدارين غيري، وليس في جبتي سوى الله وأمثال ذلك)!!
فكيف بعد كل هذه النصوص الصريحة والواضحة يسوغ للسيد منير الادعاء بأنه لا أحد من المسلمين يقول بوحدة الموجود؟!
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
طالب علم
19/شهر رمضان المبارك/ 1436 هـ