السبت، 28 فبراير 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة الثالثة"

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير "الحلقة الثالثة"
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
في تسجيل مرئي للسيد منير الخباز عَرَضَ الطريق العرفاني للوصول إلى الله عبر الأسفار الأربعة مستدلاً ببعض الآيات القرآنية ومردداً ما يقوله العرفاء في هذا الشأن!
وهذا هو المقطع المرئي:
يقول السيد منير: ثم تنتقل إلى الأسفار الأربعة السفر من الخلق إلى الحق والسفر في الحق للحق وهذا يسموه قوس الصعود وهذا اللي تشير إليه بعض الآيات القرآنية {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} هو وين راح؟! مو ذاهب يعني قاعد يمشي هو هذا السفر القلبي {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}سفر أنت في حال سفر إلى الله (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) أنت في حال سفر! سفر من الخلق إلى الحق والسفر من الحق للحق...
أقول: ذكرنا في إحدى المقالات السابقة أنّ العرفان بهذا المنهج الاعتقادي والسلوكي الشائع اليوم عند الناس هو باطل وليس من منهج أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم، إذ ليس هو سوى الوجه الآخر للتصوّف، وهذا المنهج إنما هو منهج شيطاني كما أخبر بذلك أئمتنا صلوات الله عليهم، إذ هو يزعم أن بمقدور العبد أن يصل إلى معرفة الله بغير الطريق الذي رسمته الشريعة, كما يسمى عندهم بالكشف والشهود وقطع الأسفار الأربعة: من الخلق إلى الحق، بالحق في الحق، من الحق إلى الخلق، في الخلق بالحق!
وتلك الأسفار لا أصل لها في شريعة الإسلام بالمعاني التي يريدونها ويقصدونها.
والأخطر في هذا المنهج الشيطاني أنه يوقع صاحبه في الشرك باعتقاده بوحدة الوجود والموجود باستخدام عبارات جذابة براقة تستقطب ضعفاء القلوب.
انّ التقرب إلى الله تعالى ليس من لازمه هجرة الخلق! بل مما يقرّب إلى رضاه تعالى معاشرة الخلق بالإحسان إليهم, وهذا ردٌ على السفر من الخلق إلى الحق.
وأما بالحق في الحق، فنقول إنّ صفات الله تعالى وأسماءه تحتاج تدبراً في كلام من أرسلهم الله تعالى لنا وهم حججه المعصومون عليهم السلام، لا أن يجعل المرء من نفسه رسولاً! فتلك كلها كلمات ومصطلحات يزوقون بها الكفر ويمهدون بها إلى زندقة وحدة الوجود.
يقول الخميني وهو يخاطب ابنه أحمد : عزيزي ... الكلام هو في السفر من الخلق إلى الخالق تعالى، ومن الكثرة إلى الوحدة، ومن الناسوت إلى ما فوق الجبروت، إلى حدّ الفناء المطلق الذي يحصل في السجدة الأولى، و الفناء عن الفناء - وهو الذي يقع في السجدة الثانية - بعد الصحو - و هذا هو تمام قوس الوجود (من الله وإلى الله) وفي تلك الحال ليس هناك ساجد ومسجود له، ولا عابد ومعبود!
المصدر : سر الصلاة , الخميني, ص38, الطبعة الثالثة - طهران, سنة 2003 م .
وهذا التصريح غارق في وحدة الموجود فليس هناك ساجد ومسجود له، ولا عابد ومعبود فكل الأشياء واحد وذلك الواحد هو الله!
فكما تلاحظ أخي القارئ بأن تلك الأسفار ما هي إلا تمهيد لزندقة وحدة الوجود والموجود!
يقول آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي "قدس سره" :
عندي أن مصيبة الصوفية على الإسلام من أعظم المصائب, تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً من أساس الدين,أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية والتزموا بوحدة الوجود,بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم وإلتزامهم بمايسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة, والتنزل من القوس الصعودي إلى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق إلى الحق والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي أخرى فيالله من هذه الطامات...
المصدر: شرح إحقاق الحق, المرعشي النجفي, ج1 ص184.
أقول: كشف السيد المرعشي النجفي "قدس سره"  بطلان هذه الطرق - الصوفية- وأنها من أعظم المصائب على الإسلام, تهدمت بها أركانه وانثلم بنيانه, وبيّن حقيقتها وأصلها بقوله : وظهر لي بعد الفحص الأكيد والتجوّل في مضامير كلماتهم والوقوف على ما في خبايا مطالبهم والعثور على مخبياتهم بعد الاجتماع برؤساء فرقهم أن الداء سرى إلى الدين من رهبة النصارى فتلقاه جمع من العامة كالحسن البصري والشبلي ومعروف وطاووس والزهري وجنيد ونحوهم...
وأكد على دخول هذا المعتقد الباطل للتشيّع بقوله : ثم سرى منهم إلى الشيعة حتى رقى شأنهم وعلت راياتهم بحيث ما أبقوا حجراً من أساس الدين...
وكشف "قدس سره" عن تأويلهم للآيات والروايات بقوله : أولوا نصوص الكتاب والسنة وخالفوا الأحكام الفطرية العقلية...
وبيّن كفر اعتقادهم بقوله : والتزموا بوحدة الوجود,بل الموجود وأخذ الوجهة في العبادة والمداومة على الأوراد المشحونة بالكفر والأباطيل التي لفقتها رؤساؤهم...
ثم كشف عن بطلان الأسفار الأربعة وعدم شرعيتها واصفاً إياها بالطامات!
فقال: والتزامهم بما يسمونه بالذكر الخفي القلبي شارعاً من يمين القلب خاتماً بيساره معبراً عنه بالسفر من الحق إلى الخلق تارة,والتنزل من القوس الصعودي إلى النزولي أخرى وبالعكس معبراً عنه بالسفر من الخلق إلى الحق والعروج من القوس النزولي إلى الصعودي أخرى فيالله من هذه الطامات!!

يقول السيد منير: وهذا يسموه قوس الصعود وهذا اللي تشير إليه بعض الآيات القرآنية {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}... {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أنت في حال سفر إلى الله (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)...
أقول : الاستدلال بالآيات الشريفة وتأويلها بما يطابق أهل المذاهب الباطلة منزلق خطير.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من ضلالة زخرفت بآية من كتاب الله كما يزخرف الدرهم النحاس بالفضة المموهة .
المصدر: عيون الحكم والمواعظ,الواسطي, ص381.
إن الإنسان يكدح كدحاً من خير أو شر فيلاقي ثوابه أو عقابه في الدنيا والآخرة, فهذه الآية لا تقتصر على أهل الطاعة وحدهم.
عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من اشتبه عليه من الآيات، قال: ولقد أعلمتك أنّ ربّ شيء من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر، وسأُنبّؤك بطرف منه فيكفي إن شاء الله، من ذلك قول إبراهيم: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِين فذهابه إلى ربّه توجّهه إليه عبادةً واجتهاداً وقربةً إلى الله جلّ وعز، ألا ترى أنّ تأويله على غير تنزيله)
المصدر: تفسير الصافي, الفيض الكاشاني,ج4 ص274.
فهل ترك النبي إبراهيم "عليه السلام" الخلق واعتزلهم في سبيل أن يتوجه لعبادة ربه ويجتهد في طاعته؟! أم واصل رسالته في الإصلاح والدعوة إلى جانب الاجتهاد في الطاعة والعبادة؟!
الجهاد في الله تعالى يكون باتباعِ حججه وليس برهبنة أهل التصوّف!
في تفسير علي بن إبراهيم قوله عز وجل : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} أي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي نثبتهم وان الله لمع المحسنين وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : هذه الآية لآل محمد صلوات الله عليهم و لأشياعهم.
المصدر: تفسير القمي, ج2 ص151.
فمن أين جاء المتصوفة بهذا التفسير للآيات الكريمات؟!

يقول السيد منير: ثم يجي قوس النزول السفر من الحق إلى الخلق والسفر في الخلق للحق وهذي الأسفار الأربعة يلخصها علمائنا في هذا الحديث في هذا الدعاء الشريف (اللهم وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتسير أرواحنا معلقة بعز قدسك) تشوف هم عرفاء –العرفاء ماينعزلوا عن الناس يعيشوا مع الناس لكن قلوبهم في الملأ الأعلى –يعيشون مع الناس لكن أرواحهم تحلق في مكان آخر هم مع الناس وليسوا مع الناس ولذلك وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض أحاديثه (هجم به العلم على طريق الحقيقه فباشروا روح اليقين واستنالوا مستوعره المترفون وانسوا بمَ ستوحشه الجاهلون وصحبوا الناس في الدنيا بابدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى هؤلاء هم العرفاء الحقيقيون الذين ساروا على خطى أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين...
أقول: إنّ الذي يصعد ويرتقي في مدارج الكمال لا ينزل ولا يهبط فإذا كان الغرض من الصيرورة مع الناس ومخالطتهم رضا الله تعالى والإصلاح فالإنسان حينها يكون في سمو وارتقاء مستمر.
فمجرّد اعترافك بما يسمونه قوس النزول هذا يعني أنّك تقرّ بأنهم يعتبرون هذه المرحلة تأخراً وتراجعاً في القرب من الله تعالى، فكيف تكون أرواحهم معلقة بالملأ الأعلى وهم يعتبرون ما يسمونه من الحق إلى الخلق وفي الخلق بالحق قوس "نزول" ؟!!!
ما حاولتم تأويله بقوس الصعود والنزول وخزعبلات المتصوّفة لا علاقة له بما تقول فإنّ الإمام يسأل الله تعالى تمام الانقطاع إليه في "جميع" شؤونه , في العبادة، وفي الاتكال والاعتماد عليه جل وعلا في أمور الدنيا والمعاش، وفي طلب رضاه تعالى في كل الخيرات بما فيها خدمة الناس والعيال, فهذا كله على المؤمن أن يسأل الله تعالى فيه تمام الانقطاع له تعالى بإخلاص النية في العمل والاجتهاد في العبادة والإقبال التام فيها.

يقول السيد منير: وهذي الأسفار الأربعة يلخصها علماؤنا في هذا الحديث في هذا الدعاء الشريف (اللهم وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتسير أرواحنا معلقة بعز قدسك)
أقول : الحجب في عبارة (خرق حجب النور) هي الحجب التي تمنع الوصول إلى نور البصيرة وتتمثل في التقصير وتعمّد المعاصي والغفلة وعدم خلوص النية.
أما (معادن العظمة) فليس المقصود بها المكان المادي فإنّ عظمة الله تعالى عين ذاته.
دلائل عظمة الله تعالى التي يستشعرها القلب المؤمن يلخصها الإمام عليه السلام بقوله: (عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم )
المصدر: نهج البلاغة,خطب الإمام علي عليه السلام, ج2 ص161.
حينها تتعلق أنفسهم وأرواحهم بعز الله تعالى وكرمه وحده وتقطع الرجاء عما في أيدي الخلق وعن كل عزيز ذي سلطان سوى عز قدس الخالق جل وعلا.

يقول السيد منير: ولذلك وصفهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بعض أحاديثه (هجم به العلم على طريق الحقيقه فباشروا روح اليقين واستنالوا مستوعره المترفون وأنسوا بمَ ستوحشه الجاهلون وصحبوا الناس في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى) هؤلاء هم العرفاء الحقيقيون الذين ساروا على خطى أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين...
أقول: الحديث مبتور !!
ذلك الحديث الشريف مروي عن كميل بن زياد وهو بصدد الحديث عن حجج الله تعالى وهم المعصومون عليهم السلام! إلا إذا كان العرفاء يدّعون العصمة ومراتبها فهذا شيء آخر!
يقول المولى عليه السلام:
(لا يخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته ورواة كتابه. وأين أولئك؟ هم الأقلون عدداً، الاعظمون قدراً، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعه نظراء‌هم ويزرعها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الإيمان، فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر منه المترفون  واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون. صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى.
يا كميل أولئك أمناء الله في خلقه وخلفاؤه في أرضه وسرجه في بلاده والدعاة إلى دينه. واشوقاه إلى رؤيتهم أستغفر الله لي ولك"
المصدر : تحف العقول , ابن شعبة الحراني, ص171.
فتلاحظ أخي القارئ كيف بتر الحديث وحرّف معناه وحوله من خاص إلى عام وأدخل فيه عموم العرفاء!

الخلاصة :
توّضح مما سبق بطلان هذه الطرق (الأسفار الأربعة) فلا أصل لها في شريعة الإسلام وفق المعاني التي تنطوي على خزعبلاتهم وأباطيلهم , فهي بدع وخزعبلات مستوردة من المتصوّفة فقام العرفاء بِلَيِّ عنق الآيات والروايات بهدف أَسْلَمَتِها وإدخالها في الدين من باب التأويل!
ونؤكد على أنّ الأخطر في هذا المسلك الشيطاني أنه يوقع صاحبه في الشرك باعتقاده بوحدة الوجود والموجود وباستخدام عبارات جذابة براقة تستقطب ضعفاء القلوب.
وقد كشف السيد المرعشي "قدس سره" بطلانها وزيفها وعدم شرعيتها, ونص على أنها مستوردة من رهبة النصارى فتلقاها المتصوفة  ثم سرى منهم إلى الشيعة وبهذا تكونة هذه الاعتقادات الباطلة و الممارسات غير شرعية.
وقد بيّنا بأن الدعاء (اللهم وأنر أبصار قلوبنا...الخ) لا يمت لما ذهب إليه المتصوّفة بصلة ووضحنا معانيه بما يوافق الاعتقاد الصحيح بعيداً عن خرافات المتصوّفة وخزعبلاتهم.
وأما الحديث الأخير  فقد بتر العرفاء النص ثم أخرجوه عن التخصيص إلى العموم وأدخلوا فيه العرفاء!
وقد عرضنا النص كاملاً وتبيّن أن المقصود هم المعصومون لا غيرهم. وهذا تدليس خطير وخداع للناس واستغفال لهم , ومما يؤسف له أشد الأسف أن يُوقع الناس في حبال العرفاء أمثال السيد منير الخباز - من غير قصد منه إن شاء الله- ويردد ما يقولونه من غير بحث أو تحقيق.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
5/جماده الأولى/ 1436هـ
ذكرى مولد العقيلة زينب الكبرى عليها السلام
طالب علم