الجمعة، 10 مايو 2024

تنزيه الإمام زين العابدين عن أشعار المتصوفين

 

تنزيه الإمام زين العابدين عن أشعار المتصوفين

"مناقشة نسبةِ الميَّاحي أبيات المتصوِّفين لزين العابدين عليه السلام"

 

ظهر المدعو علي المياحي في مقابلة تلفزيونية على القناة الرابعة مروجاً للأفكار الصوفية وداعياً لها بأساليب خبيثة ماكرة كتأويل الآيات والروايات بما يوافق عقيدتهم الباطلة ونسبة مقولات صوفية للمعصومين عليهم السلام، وعرّج خلال حديثه على موضوع الأسرار وضرورة كتمانها ومن ضمن ما قال: (كشف أسرار الربوبية كفر وهتك أستار الألوهية زندقة)! وهذه إحدى العبارات الصوفية المشهورة وهي تكشف عن مدى حرصهم على عدم كشف سر عقيدتهم الكفرية!

ثم نسب أبيات شعر صوفية للإمام زين العابدين عليه السلام وهي:

إني لَأكتُم من علمي جواهره  *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسنٍ *** إلى الحسين ووصّى قبله الحسنا

ورُبّ جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولَاستحلَّ رجالٌ مُسلِمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا[1]

وكأن الميّاحي استنسخ كلام شارح المثنوي "إبراهيم الدسوقي شتا" في عباراته وإن كان الأخير أخَّر ذكر هذه الأبيات على عبارة أمير المؤمنين عليه السلام وهي: (اندمجتُ على مكنون علم لو بُحْتُ به لاضطربتم اضطرابَ الأرشية في الطويّ البعيدة)[2].

مع أنّ هذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام جاء ضمن خطبة من خُطبه ولا دخل لها بأسرار المتصوفة لا من قريب ولا من بعيد حيث قال الشريف الرضي في نهج البلاغة عند عنوان الخطبة: (ومن خطبة له عليه السلام لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة: "أيها الناس شُقُّوا أمواج الفتن بسفن النجاة...")[3].

 

وعلى كل حال نجيب على ما تفوّه به المياحي من عدة وجوه:

أولاً: إن العرفاء والمتصوّفة بصورة عامة يُبقون عقيدتهم طي الكتمان فلا يصرحون بها إلا في بعض المواضع فيشرحونها بلغة لا يفهمها عامة الناس لأنها لغة عرفانية صوفية فلسفية وإنما يتلقفها عنهم أمثالهم ممن يبحثون عن الضلال ويدرسون تلك الأراجيف والخزعبلات المُلبّسة ثوب العلم، ومن ناحية أخرى يحتاطون من يقظة الجماهير ويأتون بعبارات تُوهم بأنهم لا يقصدون المعاني الكفرية في مواطن أخرى وهكذا جرت كلماتهم على التمويه.

نعم قد يصرِّح بعض من يأمنون على أنفسهم من العقاب في المحافل العامة أو من اختاروا الانتحار كالحلّاج.

وأما سر عقيدتهم فقد كشفه الحلّاج بقوله: "أنا الحق"! ولذلك قال الجنيد: (لقد فضحنا الحلّاج)[4]!

ويقول سنائي:

اللسان الذي باح بالسرِّ المطلق *** كان الحلّاج في صيحته: أنا الحقُّ[5]

ويقول العارف عبد الله الأنصاري: (بوح الواجد كقول الحلاج رحمه الله "أنا الحق")[6]!

فتلاحظ أخي القارئ أن الحلّاج باح بقوله "أنا الحق" وقوله هذا هو سرّهم المطلق، وهذا السر يجب أن يكون مكتوماً!

وتلاحظ أيضاً تلازم ذكرهم لكلمة "الشطح" و "الشطحات" مع ذكر "كشف السر" و "الأسرار" مما يؤكد على أن معنى الشطح هو كشف سر عقيدتهم!

يقول كمال الحيدري في تعليقه على كلمات البسطامي والحلاج: (إن الشطحات هي ضرب من كشف الأسرار التي لا يصح أن تعرض لأي أحد وإنما لابُدّ من حصر الإفشاء بها إلى أهلها... (و) كتمان السر هو من أوجب الشروط التي اشترطها العرفاء في السير والسلوك، وأن الإفشاء بها مخل بالهدف ومانع عن تحقيق المطلوب)[7]!

إذًا معنى الشطح عند العرفاء هو كشف السر لا أن الذي قاله الحلّاج أو البسطامي وغيرهم مخالف لعقيدتهم!

يقول محقّق كتاب اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشاني: (ما وجدتُ هذه المادّة "الشطح" ولا معناها في كثير من المصادر الأصلية التي راجعت إليها للعثور عليها ككتاب العين وكتاب الجيم وديوان الأدب وجمهرة اللغة وصحاح اللغة ولسان العرب وتهذيب المنطق وكتاب تهذيب الألفاظ وشرح ابن هشام اللخمي على الفصيح، ولم يوجد أيضاً في المصادر المتأخرة كمصباح المنير ولا في المعاصرة كالمنجد)[8]!

وعلى هذا يكون مصطلح "الشطح" خاص بالمتصوّفة وقد قال أحدهم بأن الشطح بمعنى الفائض كما لو قلت: (أن الماء إذا جرى في نهر ضيق فيفيض من حافتيه يقال شطح الماء في النهر)[9].

ويقول الدكتور رفيق العجم حول معنى الشطح:(تعبير عما تشعر به النفس حينما تصبح لأول مرة في الحضرة الألوهية فتدرك أن الله هي وهي هو، ويقوم على عتبة الاتحاد ويأتي نتيجة وجد عنيف لا يستطيع صاحبه كتمانه فينطق بالإفصاح عنه لسانه، وفيه يتبين هذه الهوية الجوهرية فيما بين العبد الواصل والمعبود الموصول إليه فيتحدث على لسان الحق لأنه صار والحق شيئاً واحداً)!

ويضيف بعدها قائلاً: (وهذا هو الأصل في تحريم إذاعة ما يجري في النفس إبان هذه الحال، ومن أذاع فقد شطح)[10]!

فالمعنى الصحيح للشطح عند العرفاء هو إذاعة السر لذلك قال الدكتور:(ومن أذاع فقد شطح) ولهذا يحرمون الإذاعة لكيلا يُكشف سرُّ عقيدتهم (وحدة الوجود والموجود) وقد لخصها الدكتور بقوله: (أن الله هي وهي هو) فمن كشفها قالوا بأنه شطح! وعلل الدكتور سبب كشفها بقوله:(ويأتي نتيجة وجد عنيف لا يستطيع صاحبه كتمانه فينطق بالإفصاح عنه لسانه) وبرر التصريح بقوله: (فيتحدث على لسان الحق (أي الله) لأنه صار والحق شيئاً واحداً)!  

وهذا المعنى ذكره العرفاء أيضاً فقد قال العارف تقي الموسوي: (ليس هو العارف الذي يتكلم، ولكن الذي ينطق هو الوجود البحت البسيط (أي الله). فالعامة (أي الفقهاء) يظنونها كفراً، والخاصة (أي العرفاء) يسمونها "شطحات". والعارف صادق حتى في "شطحاته" لأن الله هو الذي يتكلم، وحاشا للعارف أن يتكلف، فكلامه صدق لأن حالته هي تلك. والذي قال "أنا الحق" ليس هو الحلاج، ولكن الحلاج أفشى سر الربوبية عند الخاصة والعامة)[11]!

إذًا معنى الشطح كشف السر، والسر هو عقيدة وحدة والوجود والموجود وقد كشف الحلّاج هذا السر للخاصة والعامة بقوله: "أنا الحق"!

وأما سبب تشدد المتصوفة في كتمان السر هو خوفهم من أن يكون مصيرهم كمصير الحلاج!

يقول الشبلي في هذا الخصوص: (أنا والحلّاج شيء واحد، لكنّهم نسبوني إلى الجنون فنجوتُ، ونسبوا الحسين (أي الحلّاج) إلى العقل فهلك)[12] !

وكان ابن عربي ينصح تلامذته بعدم التصريح بهذه العقيدة في العلن لكيلا يكون مصيرهم كمصير الحلاج فيقول:

فمن فهم الإشارة فليصُنها *** وإلا سوف يُقتل بالسِّنانِ

كحلّاجِ المَحبّةِ إذٔ تبدّتْ*** لهُ شمسُ الحقيقةِ بالتّداني

فقال أنا هو الحقُّ الذي لا *** يُغيِّرُ ذاتَهُ مَرُّ الزمانِ[13]!

فحينما يريد ابن عربي أن يقول (أنا الحق) يمارس التقية ويلف ويدور ولا يقولها بشكل مباشر إلا بعد مقدمات من الأعذار والتبريرات!

والأبيات التي نسبها المدعو علي المياحي إلى الإمام زين العابدين عليه السلام يذكرها المتصوِّفة في هذا السياق فقد جاء في شرح حكم ابن عطاء الله السكندري للشرقاوي قوله: (يجب مراعاة حال السائل فقد لا تكون في بعض السائلين أهلية للمسؤول عنه، فتكون إجابة مثله من الجهل وتعبيره عن كل مشهود له فيه نوعٌ من إفشاء السر الذي يجب كتمانه... والسر أمانة الله تعالى عند العبد، فإفشاؤه بالتعبير عنه خيانة...وقد يكون فيها ما لا يصح ذكره لما يلزم عليه من الضرر والإفساد وإنكار الناس له... قال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه:

يا رُبَّ جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولَاستحلَّ رجالٌ مُسلِمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا

إني لَأكتُم من علمي جواهره  *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقال أبوهريرة رضي الله عنه: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جرابين من العلم، أمّا أحدهما فبثثتُه للناس، وأمّا الآخر فلو بثثتُه لقطعتم مني هذا الحلقوم، ولذا قُتل الحلاج بإفشاء شيء من ذلك حيث قال: مافي الجبة إلا الله...)[14] !

إذن فأنهم يستخدمون هذه الأبيات للتعتيم على مثل كلمات الحلاج الكفرية وهذا هو سر عقيدتهم الذي يريدون كتمانه وكل العرفاء كالحلاج لا يختلفون عنه في العقيدة إلا أنه كان صريحاً وهم يكتمون!

وهذه هي الحقيقة التي أجراها الله تعالى على لسان القاضي الطباطبائي حين قال: (إنّ أساس مطالب منصور الحلاج هي نفس مطالب سائر العرفاء، وليس لديه شيء آخر دونهم لكنّه كان مفشياً للأسرار الإلهيّة)[15]!

فلاحظ قوله: (هي نفس مطالب سائر العرفاء)! فكل مطالب الحلّاج الكفرية هي نفس مطالب سائر العرفاء! ويؤكد القاضي الطباطبائي على تطابق معتقدهم بقوله: (وليس لديه شيء آخر دونهم)! فالحلّاج يساوي سائر العرفاء.

أما عن الأسرار التي كشفها الحلاج، فهو لم يكشف إلا عن عقيدتهم وحدة الوجود والموجود حين قال "أنا الحق" و"ليس في جبتي سوى الله" والتي أدت إلى قتله كما ذكر الشرقاوي صاحب شرح حكم ابن عطاء السكندري.

فالأسرار التي يريد المياحي كتمانها وعدم البوح بها هي هذه وقد فضحهم الحلاج كما قال الجنيد!

 

ثانياً: قبل الدخول في مناقشة نسبة هذه الأبيات نريد تسليط الضوء على مضمونها الذي يوافق ذوق المتصوفة فقد قال المدعو علي المياحي في مطلع القصيدة التي أنشدها:

إني لَأكتُم من علمي جواهره *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا[16]

فالشاعر هنا يصف ما يكتمه من أسرار بالجواهر، وهذا يوافق أبيات حافظ الشيرازي حين مدح كلمات الحلاج بقوله:

ذاك الذي فيض المعارف عنه قد فاحا *** كل ما جناه أنه بالسر قد باحا[17]

فالمعارف برأيه تفيض من كلمات الحلاج ولكن مشكلته أنه قالها في العلن فكشف سر عقيدتهم!

 

وأما ما جاء في البيت الثالث الذي أنشده المياحي: 

ورُبَّ جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

أقول: الجوهر الذي يكتمه هو سر عقيدتهم وحدة الوجود والموجود، وأما سبب ذكر عبادة الأوثان هنا في قوله: (لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا) فقد علل ذلك الطهراني -بعد ذكره للأبيات- بقوله: (أنّ الإمام يقول هنا: إنّ الحقائق التي فهمتها وأدركتها عن التوحيد هي عند الناس كعبادة الأصنام، أُولئك الناس الذين يرون أقبح أعمالهم -التي هي عين الشرك- عملاً حسناً؛ أي أنّ إيماني يغاير ويعاكس كلّ المغايرة والمعاكسة إيمان هؤلاء القوم، وكلّ ما أعرفه عن التوحيد فهو عندهم شرك، وما يعدّه هؤلاء من الإسلام وسيرة المسلمين فينجزون أعمالهم ـ على أساسه عن نيّة وعقيدة حسنة فيحجّون ويجاهدون ويقومون بسائر الاعمال الحسنة ، ويحلّون سفك دمي من ثمّ عن عصبيّة إسلاميّة، فإنّ جميع هذه الأعمال باعتبارها غير مقترنة برؤية جمال الحقّ وانكشاف وحدته... وبطبيعة الحال فإنّ مَن ينظر إلي جميع الموجودات بالنظر التوحيدي ّ سيراها بشكل آخر، ولولا ذلك لما قال عليه السلام إنّه يتكتّم على علمه فلا يظهره ولا يجريه على لسانه وحيث إنّ السبيل الوحيد للعلاج منحصر في أن نخطو بقدم صدق على صراط التوحيد من أجل نيل مشاهدة الإمام السجّاد عليه السلام... ولأننا نقصر عن تكفير أو تفسيق الإمام السجّاد، كما ليس في وسعنا في زمننا هذا أن نريق دمه، فإنّنا نقوم بتكفير وتفسيق العرفاء بالله وأولياء الحقّ أمثال محيي الدين بن عربي؛ ونقتل كلّ بائس عاجز ووالهٍ منقلب، بحجّة التصوّف والقول بوحدة الوجود، فيصبح قتل الدراويش سُنَّتنا معنى وظاهراً)[18].

حاول الطهراني في شرحه للأبيات أن يموِّه المعنى المقصود عند العرفاء حيث قال: (إنّ الحقائق التي فهمتها وأدركتها عن التوحيد هي عند الناس كعبادة الأصنام...)! والصحيح هو أن الدين عند العرفاء في عبادة الأصنام! لأن الأصنام في حقيقتها عين ذات الله في معتقدهم! (والعياذ بالله) وقد أشار الطهراني إلى عقيدتهم وحدة الوجود بقوله: (برؤية جمال الحقّ وانكشاف وحدته) وقوله: (فإنّ مَن ينظر إلى جميع الموجودات بالنظر التوحيديِّ سيراها بشكل آخر..)! أي يراها متوحدة ولهذا قال بأن الإمام يكتم هذه العقيدة لكيلا يتم تكفيره واتهامه بعبادة الأصنام حيث قال: (ولولا ذلك لما قال عليه السلام إنّه يتكتّم على علمه فلا يظهره ولا يجريه على لسانه)!

ثم يعرِّض الطهراني بالفقهاء لتكفيرهم العرفاء والمتصوفة حيث قال على لسانهم: (فإنّنا نقوم بتكفير وتفسيق العرفاء بالله وأولياء الحقّ أمثال محيي الدين بن عربي؛ ونقتل كلّ بائس عاجز ووالهٍ منقلب، بحجّة التصوّف والقول بوحدة الوجود، فيصبح قتل الدراويش سنّتنا معنى وظاهراً)

ولكن الفقهاء -كما يدّعي الطهراني- عاجزون عن أن يفعلوا هذا مع الإمام زين العابدين عليه السلام حيث قال: (ولأننا نقصر عن تكفير أو تفسيق الإمام السجّاد، كما ليس في وسعنا في زمننا هذا أن نريق دمه)!

فهو يريد تصوير الإمام السجاد عليه السلام على أنه صوفي يعتقد بوحدة الوجود (والعياذ بالله) من خلال هذه الأبيات المنسوبة كذباً وزوراً إليه ثم يهجم من خلالها على الفقهاء ويصوِّرهم للقارئ على أنهم نواصب (حاشاهم)! أي كالناصبي الذي لا يعلن تكفيره للعترة لكنه ينفِّس عن غله على العترة في شيعتهم والعياذ بالله!

فهم لا يستطيعون تكفير الإمام زين العابدين عليه السلام فهذا يُسقطهم ولكنهم ينفِّسون عن غلهم بتكفير العرفاء المتصوفة الذين يصورهم على أنهم إنما يتبعون الإمام عليه السلام ويأخذون عنه تلك العقيدة الزائغة والعياذ بالله!

وسيأتي- فيما هو قادم- بيانٌ حول نسبة هذه الأبيات، ولكن ما نريد توضيحه هنا في معنى قوله: (لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا) هو أنّ العرفاء يعتقدون أن العبادة لأي شيء من المخلوقات هي عبادة لله تعالى وأنها –أي العبادة- لا تقع بحسب التكوين إلا لله عز وجل، حتى لو كانت للشمس والقمر والنجوم والأصنام والأوثان ... إلخ، فأنت في الواقع تعبد الله من حيث لا تشعر! لأن كل هذه الأشياء -حتى الأوثان- هي عين ذات الله في معتقدهم!

ولكي يُدخلوا هذا المعتقد الفاسد في الإسلام ويُنظِّروا له من باب الدين جنحوا إلى الكذب على الله ورسوله والقول في كتابه تعالى بالهوى وتأويل الآيات وفق ما يشتهي سيد وحدة الوجود والموجود ابن عربي لعنه الله! فقالوا بأنّ القضاء في قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[19]هو قضاء تكويني! بمعنى أنك لا تستطيع أن تعبد غير الله تكوينياً وأنّ ذلك حكم واقع لا محال! بينما الآية نفسها ترد هذا الادعاء ولكن العرفاء يبترون الآيات ثم يستدلون بالمقطع المبتور لإثبات هذا المعتقد الزائف!

فقد قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} فهل الإحسان للوالدين تكويني؟ وإذا كان تكوينياً فعلى ماذا عقوبة عقوق الوالدين إذًا؟!

ولكي تقف أخي القارئ الكريم على معتقد العرفاء بشكل واضح أنقل لك تصريح الدكتور أبو العلا عفيفي المحقق والمعلِّق على كتاب فصوص الحكم.

يقول هذا الدكتور في مقدمة الفصوص:(لم يستطع ابن عربي بعد أن قال بوحدة الوجود أن يدين بالإله الذي صوره الناس في مختلف أنواع الصور في معتقداتهم، وخلعوا عليه ما شاء عقولهم وقلوبهم أن يخلعوه من الصفات، فإن إله المعتقدات في نظره من خلق الإنسان، يتصوره كل معتقد بحسب استعداده وحظه من العلم والرقي الروحي، أما إله ابن عربي بل متصوفة وحدة الوجود جميعاً فلا صورة تحصره ولا عقل يحده أو يقيده لأنه المعبود على الحقيقة في كل ما يُعبد، المحبوب على الحقيقة في كل ما يُحب، إن العارف الكامل في نظره هو من رأى كل معبود مجلى للحق يُعبد فيه ... وكل من عبد غير هذا أو أحب غيره فقد جهل حقيقة ما عَبَدَ وما أحَب، يعبد المعتقد إلهه الخاص الذي خلقه في معتقده ويجحد غيره من آلهة الاعتقادات، ويثني على الحق وما درى أنه يثني على نفسه، لأنه إله المعتقد من صنعه والثناء على الصنعة ثناء على الصانع، ولو عرف هذا المعتقد حقيقة الأمر، وأن غيره ما عبد إلا الحق في صورة خاصة من صور الاعتقاد، أي لو عرف قول الجنيد وقد سئل عن الله فقال: (لون الماء لون الإناء) - لو عرف كل ذلك ما أنكر على غيره ما يعبده، لأن ذلك الغير يظن ولا يعلم أن معبوده هو الله والله تعالى يقول: (أنا عند ظن عبدي بي) أي إنني لا أتجلى لعبدي إلا في صورة معتقده الخاص... فكل صورة من الصور ناطقة بألوهية الحق، وكل معبود من المعبودات وجه من وجوهه، {فَأَيْنَمَا تولوا فثم وجه الله} ، وأياما تعبدوا فإنكم لا تعبدون سواه، قال تعالى: {وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} يقول ابن عربي: حكم، وقدّر أزلًا أنكم لا تعبدون غير الله مهما تكن صور معبوداتكم)[20] !

فتلاحظ أخي القارئ أن ابن عربي يُقرُّ بكل الاعتقادات الباطلة وأنها صحيحة توصل الإنسان إلى الله! لأنه في الحقيقة لا يستطيع أن يعبد غير الله تكوينيًّا، فالوثني يتوهّم أنه يعبد الصنم ولكنه في الحقيقة يعبد الله شاء أم أبى! وهذا هو عين ما تعنيه الأبيات التي ذكرها المياحي وخصوصاً في قوله: (لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا)!

ويقول ابن عربي أيضاً: (إن للحق في كل معبود وجهاً يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أي حكم. فالعالم يعلم من عُبِدَ، وفي أي صورة ظهر حتى عبدَ، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عُبدَ غير الله في كل معبود)[21]!

لاحظ قوله: (فما عُبدَ غير الله في كل معبود) فإنه يشير إلى أن كل المخلوقات هي عين ذات الله فإذا عبدتها فقد عبدت الله! بل من المستحيل أن تقع العبادة لغير الله لأنه حكم واقع لا محالة!

ويقول الجنابذي الملقب بالسلطان علي شاه: ({وَقَضَى رَبُّكَ} تكويناً كما أمر تكليفاً أو أمر تكويناً وتكليفاً على استعمال القضاء بمعنى إيصال الأمر إلى المأمور سواء كان بنحو التكوين أو التكليف لكن في أمره التكويني لا يقع التخلف وفي أمره التكليفي قد يقع التخلف أو ثبت عالم قضائه {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إن مصدرية ولا نافية أو ناهية أو مفسرة ولا ناهية والمعنى قضى ربك أن لا تقع منكم عبادة تكويناً إلا له أو أن لا تقع ولا يصح تكويناً واختياراً أو لا يصح اختياراً وتكليفاً منكم عبادة إلا له! ...فالإنسان في عبادته اختياراً للشيطان كالإبليسية وللجن كالكهنة وتابعي الجن وللعناصر كالزردشتية وعابدي الماء والهواء والأرض وللمواليد كالوثنية وعابدي الأحجار والأشجار والنباتات كالسامرية وبعض الهنود الذين يعبدون سائر الحيوانات وكالجمشيدية والفرعونية الذين يعبدون الإنسان ويقرُّون بآلهة وللكواكب كالصابئة وللملائكة كأكثر الهنود وللذكر والفرج كبعض الهنود القائلين بعبادة ذكر الإنسان وفرجه! وكالبعض الآخر القائلين بعبادة ذكر مهاديو ملكاً عظيماً من الملائكة وفرج امرأته! كلهم عابدون لله من حيث لا يشعرون لأن كل المعبودات مظاهر له باختلاف أسمائه)[22]!

أي أنّ العبادة لأي شيء من المخلوقات هي عبادة لله تعالى حتى الأصنام! فأنت في الواقع تعبد الله من حيث لا تشعر! لأن كل هذه الأشياء عين ذات الله في معتقدهم!

 ولهذا لو صرّحت عن هذه العقيدة وكشفتها للناس لقالوا بأنك تعبد الوثن كما عبّر الشاعر صاحب الأبيات!

ويقول مرتضى المطهري في كتابه التوحيد: (أن العرفاء فسروا القضاء في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} بالقضاء التكويني الذي لا يمكن المحيد عنه، ومعناه أن البشر لا يمكنه أن يعبد إلا الله، ولابن عباس في ذلك رواية في المقام مضمونها بأن عابد الوثن يعبد الله من حيث لا يعلم)[23]!

ثم نقل شعراً بالفارسية للعارف الشبستري وهذه ترجمته:

أيها المسلم لو كنت تعلم ما الوثن *** لأيقنت بأن الدين في عبادة ذاك الوثن[24].

وهذا عين اعتقاد ابن عربي حيث قال:

الحمد لله الذي *** أذهب عنا الحزنا

ولم نزل نعبده *** لما عبدنا الوثنا[25]

وهي ذات العقيدة لصاحب الأبيات حين قال عن سبب عدم التصريح بعقيدته: (لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا)!

بينما يقول الإمام الحسين عليه السلام في مدح أبيه أمير المؤمنين عليه السلام:

عبد الله غلاماً يافعاً *** وقريش يعبدون الوثنين

وقلى الأوثان لم يسجُد لها *** معْ قريشٍ لا ولا طرفة عين[26]

فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يعادي الأوثان ولم يسجد لها طرفة عين أبداً بينما العرفاء يقولون بأن الدين في عبادة هذه الأوثان!

بالإضافة إلى ما تقدّم نعرض ما قاله آية الله الشيخ حسين الساعدي حفظه الله حول دلالة الأبيات حيث جاء: (ابتدأ صاحب الأبيات يتحدث عن كتمانه علمه لكيلا يفتن به الناس. "لو أبوح به لقيل لي أنت ممَّن يعبد الوثنا" وهذا خلاف منطق "الثقلين" إذ الثابت في الروايات المعتبرة المبذولة والواصلة إلينا "إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم" فلا مجال للكتمان إنما بيان بحسب القابل ومستوى ذهن المتلقي إلا في موارد التقية بقواعدها المقررة قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ})[27]

ويضيف الشيخ أيضاً: (والإشكال المهم كيف يمكن "جعل عقيدة الإمام المعصوم السجاد" في دائرة التوبيخ بحيث إذا أظهرها فسيُقال له أنه ممن يعبد الوثنا، وهذا يعني فتح باب السؤال على نحو التجاسر هل الإمام السجاد عليه السلام عقيدته وعلمه تورث الخلل في ساحة التوحيد وتُأصِّل إلى عقيدة الوثنية!!! ولا مجال لدعوى أنّ المراد أنّ علمه ذو مضامين عالية لا يدركها الإنسان البسيط ولو سمعها وقع منه الاتهام إذ بيان عقيدة التوحيد وفق منطق القرآن واضح لا شك فيه والمعصوم يجسد البيان القرآني وليس هنالك "توحيد خفي" لا يعلمه إلا صاحب هذا الأبيات فتمعّن)[28].

  ثم أضاف الشيخ: (كما ادّعى صاحب الأبيات أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال ذلك وأوصى بها ولداه:

وقد تقدم في هذا ابو حسنٍ *** إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا

والسؤال أين الروايات التي تشير إلى هذه الوصية بكتم التوحيد الخفي الذي يشير إلى الوثنية لو قاله المعصوم؟ لماذا لم تُنقل الروايات الشريفة ومصادرنا مبذولة وهل يوجد أشد من هذا الادِّعاء الباطل؟!)[29].

وبهذا يتبين أنّ مضمون هذه الأبيات موافق لذوق المتصوّفة وهو بذلك مخالف لمنهج المعصومين عليهم السلام.

 

ثالثاً: إن هذه الأبيات لم تُنسب لشخص واحد فحسب بل نُسبت إلى عدة أشخاص فقد نُسبت إلى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وللإمام الحسن عليه السلام، وللإمام زين العابدين عليه السلام، وللشريف الرضي رحمه الله، وكذلك نُسبت إلى الحلاج لعنه الله وأُدرجت في ديوانه، وللشاعر أبي عمرو كلثوم بن عمرو العتابي.

وأما عن نسبتها لأمير المؤمنين عليه السلام فقد قال الدكتور الشيبي في شرح ديوان الحلاج: (ونُسبت أيضا إلى علي بن أبي طالب في مختصر الدر المكنون للخليلي يحيى بن أحمد مخطوط المتحف العراقي...)[30] وهذه النسبة باطلة فقد تفرّد بهذا القول الخليلي في مختصر الدر المكنون ولم يذكره غيره، والأبيات كما تقدّم موافقة لذوق المتصوفة في قولهم بأن عبادة الأوثان هي عبادة الله، وأمير المؤمنين عليه السلام يعادي الأوثان ولم يسجد لها طرفة عين أبداً بينما العرفاء المتصوّفة يقولون بأن الدين في عبادة الوثن!

وأما نسبتها للإمام الحسن عليه السلام فقد جاء ذلك في كتاب المثنوي بترجمة وشرح "إبراهيم الدسوقي شتا" حيث قال: (وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما: ورب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا)[31].

وهذه النسبة باطلة وقد تفرّد بها شارح المثنوي ولم يذكر مصدراً لهذا الادِّعاء! أضف إلى ذلك أنه تخبط ونسبها أيضاً إلى الإمام زين العابدين عليه السلام في الجزء الخامس[32]!

وأما نسبتها إلى الإمام زين العابدين عليه السلام فالإمام كجده أمير المؤمنين عليه السلام لا يقبل بمقالة المتصوِّفة بأي حال من الأحوال ولذلك لا تجد هذه الأبيات في سيرة السجاد عليه السلام المروية عن طرق الشيعة الموثوقة ولا وجود لها في كتب الحديث المعتبرة التي احتوت أحاديث المعصومين عليهم السلام وكلماتهم.

وقد تشبّث المتصوِّفة بهذه الأبيات لأنها توافق ذوقهم وذكروها في مصنفاتهم ونسبوها للإمام زين العابدين عليه السلام لإضفاء الشرعية على معتقدهم الزائف فقد قال الدكتور الشيبي: (ونُسبت -أي الأبيات- كذلك إلى علي بن الحسين الملقب بزين العابدين إمام الشيعة الاثني عشرية الرابع...وذلك في كتب الصوفية فقط، ولا يرد في كتب الشيعة المعتمدة البتة...ومن هنا لم ينسبها بهاء الدين العاملي، شيخ الإسلام في الدولة الصفوية الشيعية إلى الإمام لمّا أوردها في كتابه الكشكول... وأشار الأهدل الحسين بن عبد الرحمن الحسيني...في كتابه: كشف الغطاء إلى أن ذلك لم يصح عنه)[33].

فمصدر هذه الأبيات من الصوفية ولا وجود لها في الكتب الشيعية المعتمدة أبداً ولكن نقلها بعض العرفاء من المتصوفة وتسرّبت إلى الداخل الشيعي!

وحتى علي المياحي نفسه ينقل هذه الأبيات في مقطع آخر عن ابن عجيبة[34] وهو الصوفي المعروف أحمد بن محمد بن عجيبة الحسيني المتوفى سنة 1266هـ وقد ذكر الأبيات في شرحه لحكم ابن عطاء الله السكندري[35].

وأما المصادر الشيعية التي ذكرها المياحي فهي تنسب الأبيات إلى الإمام زين العابدين عليه السلام ولا تقطع بصدورها عنه كما يفعل هو! 

بل أن بعضهم قد صرّح قبل ذكره للأبيات بأنها من مصادر العامة ككتاب "شذرات من فلسفة تاريخ الإمام الحسين عليه السلام" للسيد محمد صادق الصدر وهو معاصر حيث قال:(وقد وجدت في بعض كتب التراجم من العامة في ذكر السجاد عليه السلام ومناقبه إنه كان حافظاً لأسرار الله تعالى ويستدل على ذلك بقوله عليه السلام...) ثم يذكر الأبيات[36] ولكنّ المياحي لم يذكر ذلك ولم يُشر إليه!

يقول آية الله الشيخ حسين الساعدي حفظه الله: (انتشرت نسبة هذه الأبيات في مؤلفات الشيعة كلٌّ يعتمد على نقل من سبقه دون تدقيق مثل سيد حيدر الآملي في كتابه المعروف "جامع الاسرار" إذ ذكر فيه: "وإلى هذا كله أشار الإمام المعصوم زين العابدين عليه السلام في أبيات منسوبة إليه ..." ثم بعده الحافظ رجب البرسي، ذكره في كتابه "مشارق أنوار اليقين" والفيض الكاشاني -توفي 1091هـ- وهو تلميذ ملا صدرا في مدرسته الصوفية التي أطلق عليها اسم "مدرسة الحكمة المتعالية" المنتمية لتراث ابن عربي! حيث ذكر هذه الأبيات في كتابه "الأصول الأصيلة")[37].

وقد أجاب الشيخ "جويا جهانبخش" على من ينسب هذه الأبيات للإمام زين العابدين عليه السلام بقوله: (إن الذي يضعّف نسبة هذه الأبيات إلى سيد الساجدين عليه السلام بشكلٍ جادٍّ، بل الذي يردُّ هذه النسبة وينكرها، هو مناقشتها من الناحية السندية، بمعنى: هل هناك من سَنَدٍ معتبر يُثبت نسبة هذه الأبيات وصدورها عن الإمام السجاد أم لا؟ أو ما هي أقدم النصوص والمصادر التي اشتملت على "مستند" نسبة هذه الأبيات إلى هذا الإمام الهُمام؟ وهل النسبة التي تذكرها هذه المصادر جديرةٌ بالوثوق أم لا؟ أو هل هناك من "سند" أو "مستند" آخر في الجهة المقابلة يثبت نسبة هذه الأبيات إلى أشخاصٍ آخرين؟ وبالتالي ما هو الراجح من بين هذه الأقوال عند وضعها على كفّتي الميزان، والمقارنة فيما بينها؟)[38].

ثم يضيف الشيخ جويا جهانبخش: (الحقيقة أن هذه الأبيات لم تَرِدْ في المصادر الأصلية والأصيلة في سِيَر وأخبار وأحاديث الشيعة. ومن هنا لا نراها حتّى في الموسوعة القيِّمة للعلاّمة محمد باقر المجلسي رحمه الله، أعني بذلك موسوعة بحار الأنوار. وبطبيعة الحال لم يكن هناك ـ للأسف الشديد ـ سوى القليل ممَّنْ حذَّر من الاستشهاد والاستناد إلى هذا النوع من الأشعار؛ بالالتفات ـ في الحدِّ الأدنى ـ إلى افتقارها للدعامة الموثوقة. وإن من بين النوادر الذين التفتوا إلى ضعف رواية "سند ومستند" هذا الشعر، وضعَّف دلالته على بعض المقاصد والمفاهيم المدَّعاة، ولفت الانتباه إليها، هو العالم المدقِّق الشيخ أبو القاسم الكازروني، المعاصر للعهد الصفوي.

يقول الشيخ أبو القاسم الكازروني، في "المرقوم الثالث" من كتاب "سلّم السماوات"، في معرض بيان بعض الملاحظات بشأن وحدة الوجود: "وكذلك لم يكن مثل هذه الكلمات مسموعاً في شرائع الأنبياء عليهم السلام، ولم يُنقل عن الأئمة الأطهار عليهم السلام والنوّاب الأربعة لصاحب العصر والزمان عليه السلام والمشايخ العظام من علماء الإمامية المخصوصين بظهور الكشف والكرامة، وحفظ أسرار النبوّة والولاية. وما نقل عن الإمام الرابع عليّ زين العابدين عليه السلام أنه قال شعراً:

إنّي لأكتم من علمي جواهرَه * كي لا يرى الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنا

وقد تقدّم في هذا أبو حسنٍ * إلى الحسين ووصّى قبله الحسنا

يا رُبّ جوهر علمٍ لو أبوح به * لقيل لي: أنت ممَّنْ يعبد الوثنا

وما يُشير إلى هذه المعاني ضعيف الرواية والدلالة)[39].

وأضف إلى ذلك أنه ليس كل الصوفية يعتقدون بأن هذه الأبيات للإمام زين العابدين عليه السلام فهذا زعيمهم الأكبر ابن عربي ينقلها بتردد فقد قال الدكتور الشيبي في كتابه الصلة: (ثم يأتي تيار مقابل من ابن عربي، وذلك أنه قد روى عن السجاد علي بن الحسين: أنه قال أو تمثل بالأبيات التالية:

إني لأكتُم من علمي جواهره *** كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن *** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا

يا رُبّ جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولَاستحلَّ رجالٌ مُسلِمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وفسرها ابن عربي، ونبه بقوله: يعبد الوثنا على مقصوده، ينظر إليه تأويل قوله: إن الله خلق آدم على صورته- بإعادة الضمير على الله تعالى - وهو من بعض محتملاته)! ثم يعلق الشيبي بقوله: (والظاهر على هذه الأبيات التأخر أيضاً وإن كان أسلوبها آنق وأنعم من الأبيات السابقة، وإيراد هذه ينقض تلك، وقد شكك صاحب الناطق بالصواب في هذه النسبة وقال في البيتين الأخيرين: عزوهما إلى زين العابدين)[40]!

أقول: حين راجعنا الفتوحات المكية لابن عربي وجدنا البيتين الأخيرين فقط! والواضح من عبارة ابن عربي التردد في نسبة الأبيات إلى الإمام زين العابدين عليه السلام حيث قال: (كان يشير علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب زين العابدين رضي الله عنهم بقوله فلا أدري هل هما من قيله أو تمثل بهما)[41]!

فتلاحظ التردد في قوله: (فلا أدري هل هما من قيله أو تمثل بهما)! وعدم الجزم بأن الأبيات للإمام زين العابدين عليه السلام ولكنه نسبها بشكل صريح للشريف الرضي رحمه الله في كتابه التدبيرات الإلهية حيث قال: (اعلم شرح الله سبحانه صدرك أن مبنى هذا الطريق التسليم والتصديق، حتى قال بعض السادة القادة: "لايبلغ الإنسان درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق أنه زنيدق" ثم يؤيد قول هذا السيد بقول الشريف الرضي حفيد علي بن أبي طالب "كرم الله وجهه العزيز ورضي عنه" شعر...) ثم ذكر الأبيات[42].

ولعل أحداً يقول بأنّ ابن عربي غيَّر رأيه في كتابه الآخر ولكن ما يرد هذا التوّهم هو أنه نسبها للشريف الرضي في مقدمة الفتوحات أيضاً! فقد جاء: (ولم يكن لقول الرضي من حفدة علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم معنى إذ قال:

يا رب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولَاستحلّ رجالٌ مُسلِمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا[43]

فابن عربي متناقض مرة يقول لا أدري هل الأبيات للإمام أم تمثَّل بهما! وأخرى ينسبها للشريف الرضي رحمه الله المتوفى في القرن الرابع!

فكيف يقول لا يدري هل هي للإمام أم لا ثم ينسبها إلى الشريف الرضي؟!

وإن كانت الأبيات للشريف الرضي -كما يدّعي- كيف يتمثّل الإمام عليه السلام بأبيات من جاء بعده بقرون؟!

وقد حاول الشيبي تبرير كلام ابن عربي فقال: (وليست الأبيات للشريف الرضي الذي نعرفه ولكن ابن عربي قدم عبارة الشريف الرضي للوصف لا لتحديد الشخصية، ولابد أنه أخذها من مصادر شيعية)[44]!

والدكتور الشيبي يعلم جيداً بعدم وجود أي مصدر شيعي ينسب الأبيات للشريف الرضي ولا حتى مصدر مخالف ولكنه أراد تبرئة ساحة ابن عربي!

وعلى كل حال فالأبيات ليس لها صلة بالإمام زين العابدين عليه السلام وحتى كبير العرفاء ابن عربي لم يجزم بنسبتها إليه بل نسبها إلى الشريف الرضي وقد نفى الدكتور الشيبي هذه النسبة أيضاً.

فمن أين جات نسبة هذه الأبيات إلى الإمام زين العابدين عليه السلام؟

 

الجواب: إنّ أقدم مصدر نسب هذه الأبيات إلى الإمام زين العابدين عليه السلام هو كتاب "منهاج العابدين" المنسوب للغزالي ولا يوجد أي مصدر قبله نسبها إلى الإمام عليه السلام ومن هذا المصدر انتشرت النِّسبة تلك بين الصوفية ومن ثم تسللت من خلال بعض العرفاء إلى الداخل الشيعي!

وكتاب "منهاج العابدين" منسوب لأبي حامد الغزالي المتوفى في بداية القرن السادس في حدود سنة 505هـ وقد نفى ابن عربي نسبة هذا الكتاب إلى الغزالي حيث قال عبد الرحمن بدوي في كتابه "مؤلفات الغزالي" ما نصه: (وقد أُثير كثير من الجدل حول صحة نسبة الكتاب إلى الغزالي والسبب في هذا الجدل هو أنّ محيي الدين ابن عربي في كتابه "محاضرات الأبرار ومسامرة الأخيار" ينسبه إلى أبي الحسن علي المسفر السبتي، وكان زاهداً مغموراً، لقيه ابن عربي بسبته، وقال إنه هو مؤلف "منهاج العابدين" و "رسالة النفخ والتسوية" اللذين ينسبان كلاهما للغزالي بل والصحيح أنهما ليسا للغزالي بل لأبي الحسن علي المسفر السبتي هذا فيما يزعم ابن عربي)[45].

وبحسب تصريح ابن عربي هذا يكون الكتاب أُلِّف في القرن السابع الهجري وليس في القرن السادس أو الخامس لأنّ المؤلف معاصر لابن عربي المتوفى 638هـ وقد التقى به!

وأضف إلى كلام ابن عربي ما ذكره المستشرق أسين بلاثيوس في كتاب "روحية الغزالي" حين قال: (إن كتاب "منهاج العارفين" غير كتاب "منهاج العابدين") ثم يعلِّق عبد الرحمن بدوي على ذلك بقوله: (بيد أنه يرى أن كتاب "منهاج العابدين" منحول وليس للغزالي لعدم الاتفاق بين عنوان الكتاب ومضمونه، ولخلوه من ذكر شيء من مؤلفات الغزالي، على عادة الغزالي)[46]!

وبغض النظر عن كون كتاب "منهاج العابدين" للغزالي أو للسبتي وكذلك عن كونه أُلِّف في القرن السادس أو السابع فإنّ الأبيات الشعرية نُسبت إلى الإمام زين العابدين عليه السلام من خلال هذا الكتاب بينما هذه الأبيات الشعرية نفسها سبقت هذا التاريخ وهذا الكتاب بكثير حيث نسبها الخطيب البغدادي المتوفى 463هـ في تاريخه للشاعر أبي عمرو كلثوم بن عمرو العتابي المتوفى سنة 220هـ.

فقد جاء في تاريخ بغداد في بيان أحوال أبي عمرو كلثوم بن عمرو العتابي قوله: (أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد: حدَّثنا أبو الفضل محمد بن عبد الله الشيباني قال: حدَّثني كلثوم بن عمرو بن كلثوم التغلبي قال: أنشدني أبي أن جدّه كلثوم بن عمرو أنشده لنفسه:

إنّي لَأخفي من علمي جواهرَه *** كي لا يرى العلم ذو جهلٍ فيفتتنا

ورُبّ جوهر علمٍ لو أبوح به *** لقيل لي: أنت ممَّنْ يعبد الوثنا

ولَاستحلَّ رجالٌ ديِّنون دمي *** يرَوْن أقبح ما يأتونه حَسَناً

وقد تقدّم في هذا أبو حسنٍ *** أوصى حسيناً بما قد خبَّر الحسنا[47]

وهذا أقدم مصدر تاريخي لهذه الأبيات بالإضافة لكونها مسندة بعكس الأقوال الأخرى غير المُسنَدة ولذلك اعتمدَ الدكتور الشيبي هذا المصدر في نسبة هذه الابيات إلى العتابي ونفي كونها للإمام زين العابدين عليه السلام رغم كثرة المصادر الصوفية التي تنسبها إليه عليه السلام إلا أنها مرسلة ومتأخِّرة ولذلك قال الشيبي في شرح ديوان الحلاج: (إن هذه المقطعة قد تداولتها عشرات الكتب ناسبة إياها إلى الإمام زين العابدين وهي في الحق للعتابي أبي عمرو كلثوم بن عمرو الشاعر الأديب المتزهد الذي اتّهم بالزندقة أيام الرشيد... وقد كان العتابي يصانع العامة ويجاملهم في الظاهر لكنه كان يحتقرهم ويخشاهم ويبدو أن هذه الأبيات نتيجة لتجربة عاناها منهم. وكانت ثمرة قوله لها أن رُمي بالزندقة والرفض فطلبه الرشيد فهرب إلى اليمن) [48].

وبهذا يتبيّن أن هذه الأبيات ليست للإمام زين العابدين عليه السلام بشهادة أقدم المصادر التي ذكرتها ونسبتها إلى الشاعر كلثوم بن عمرو العتابي المتوفى سنة 220 هـ، وقد أكد الدكتور الشيبي في كتابه الصلة أن هذه النسبة هي الأقرب للصواب حيث قال: (وهذه النسبة أقرب إلى الصواب، إذا كان العتابي مُتّهماً بالزندقة)[49].

نعم قد نُسبت هذه الأبيات أيضاً للحسين بن منصور الحلاج المتوفى سنة 309هـ وأُدرجت الأبيات في ديوانه إلا أن هذا القول تفرّد به ابن أبي الحديد المعتزلي ولم يذكر مصدرا لذلك! ولهذا قال الدكتور الشيبي: (نسب هذه المقطّعة إلى الحلاج ابن أبي الحديد فقط)[50] وأضاف في موضع آخر قوله: (واضح أنّ الذي دعا ابن أبي الحديد إلى نسبة هذه المقطّعة إلى الحلاج هو إلمامها بالأسرار وكشفها، وحبّذا لو كان وقفنا على المصدر الذي وجدها فيه)[51].

 

الخلاصة:

تبيّن من خلال ما تقدَّم بطلان نسبة الأبيات للإمام زين العابدين عليه السلام من جميع النواحي، فمن ناحية هي توافق ذوق المتصوفة في كتمان أسرار الكفر والزندقة المتمثلة في وحدة الوجود والموجود والتي يعتقد بها المتصوفة ويرفضها أهل البيت عليهم السلام رفضا قاطعاً، ومن جهة أخرى لا يوجد مصدر شيعي واحد معتمد ينقل هذه الأبيات فضلًا عن روايتها بسند متصل بل حتى المصادر الصوفية ذكرتها مرسلة بلا أسناد!

ومن ناحية ثالثة أن المصدر الأول الذي نسبها إلى الإمام زين العادبين عليه السلام وهو كتاب "منهاج العابدين" والمُألّف في القرن السادس أو السابع الهجري حيث نسب الكتاب لشخصيتين من الصوفية أحدهما أبو حامد الغزالي المتوفى سنة 505هـ والثاني صوفي مغمور يسمى علي المسفر السبتي المعاصر لابن عربي المتوفى 638هـ.

بينما هذه الأبيات سبقت تاريخ تأليف الكتاب -منهاج العابدين- بكثير حيث ذكر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463هـ بسندٍ متصل إلى الشاعر كلثوم بن عمرو العتابي المتوفى سنة 220هـ وذكر الأبيات.

وقد أكد الدكتور الشيبي أن هذه النسبة هي الأقرب للصواب ونفى بشكل جازم نسبتها للإمام زين العابدين عليه السلام.

نعم قد نسبها ابن أبي الحديد للحلاّج وهي موافقة لمنهجه وسلوكه إلا أنه لم يذكر مصدره الذي أخذ عنه ذلك.

وبهذا يتبيّن بُطلان ما ادَّعاه المياحي من نسبة هذه الأبيات للإمام زين العابدين عليه السلام.

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

طالب علم

26/ شهر رمضان/1445هـ



[1] - راجع اليوتيوب، قصتي مع علي صادق، ضيف الحلقة الشيخ علي المياحي، الدقيقة 49.

[2] - مثنوي، جلال الدين الرومي، شرح إبراهيم الدسوقي شتا، ج5 ص536.

[3] - نهج البلاغة، خطب أمير المؤمنين عليه السلام، ج1 ص40.

[4] - جواهر التصوف، يحيى بن معاذ، جمع وتعليق سعيد عاشور، ص215.

[5] - نهاية العشق، عبد الله الفاطمي، ص27.

[6] - منازل السائرين، عبد الله الأنصاري، مع شرح عبد الرزاق الكاشاني، ص 109.

[7] - مراتب السير والسلوك إلى الله، كمال الحيدري، ص96.

[8] - اصطلاحات الصوفية، عبد الرزاق الكاشاني، بتعليق محمد علي حكيم وتحقيق محسن عقيل، هامش ص123.

[9] - الحلاّج في ما وراء المعنى والخط واللون، سامي مكارم، ص 142.

[10] - موسوعة مصطلحات التصوّف الإسلامي، الدكتور رفيق العجم، ص497.

[11] - قدوة العارفين سيرة العارف حسن المسقطي، تقي الموسوي، ص145.

[12] - الروح المجرد، الطهراني، ص445.

[13] - شرح وتحقيق ديوان الحلاج، هاشم عثمان، ص21، مؤسسة النور للمطبوعات.

[14] - المنح القدسية على الحكم العطائية، عبد الله الشرقاوي، الحكمة رقم80، ص131.

[15] - الروح المجرد، الطهراني ص444 طبعة دار المحجة البيضاء.

[16] - راجع اليوتيوب، قصتي مع علي صادق، ضيف الحلقة الشيخ علي المياحي، الدقيقة 49.

[17] - العرفان والدين والفلسفة، المطهري، ص361.

[18] - الروح المجرّد، محمد الحسيني الطهراني، ص373-374.

[19] - سورة الإسراء، آية 23.

[20] - فصوص الحكم، ابن عربي، بتعليق أبو العلا عفيفي، ص32-33.

[21] - فصوص الحكم، ابن عربي ص72.

[22] - بيان السعادة في مقامات العبادة، الجنابذي، ج2 ص437.

[23] - التوحيد، المطهري، ص39، دار المحجة البيضاء.

[24] -  التوحيد، المطهري، هامش ص39.

[25] - ديوان ابن عربي، ص461، دار صادر.

[26] - الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 2 ص 26.

[27] - الصوفية والتجاسر على الإمام السجاد عليه السلام، تقرير الجلسة الرمضانية لسماحة الفقيه الساعدي في النجف الأشرف لعام 1445، بقلم الشيخ أحمد السوداني.

[28] - المصدر السابق.

[29] - المصدر السابق.

[30] - شرح ديوان الحلاج، الدكتور كامل مصطفى الشيبي، ص507.

[32] - مثنوي، جلال الدين الرومي، شرح إبراهيم الدسوقي شتا، ج5 ص536.

[33] - شرح ديوان الحلاج، الدكتور كامل مصطفى الشيبي، ص508.

[34] - راجع اليوتيوب مقطع بعنوان: الشيخ علي المياحي يفسر حكمة الإمام السجاد عليه السلام "إني لأكتم من علمي جواهره"

[35] - إبعاد الغمم عن إيقاظ الهمم في شرح الحكم، أحمد بن محمد بن عجيبة، ج1ص128.

[36] - شذرات من فلسفة التأريخ الحسين عليه السلام، السيد محمد صادق الصدر، ص135.

[37] - الصوفية والتجاسر على الإمام السجاد عليه السلام، تقرير الجلسة الرمضانية لسماحة الفقيه الساعدي في النجف الأشرف لعام 1445، بقلم الشيخ أحمد السوداني.

[38] - مجلة نصوص معاصرة، مقال بعنوان" نقد الانتساب لأهل البيت" للشيخ جويا جهانبخش، بترجمة: حسن علي مطر، نشر بتاريخ 16/يوليو/2018م.

[39] - مجلة نصوص معاصرة، مقال بعنوان" نقد الانتساب لأهل البيت" للشيخ جويا جهانبخش، بترجمة: حسن علي مطر، نشر بتاريخ 16/يوليو/2018م.

[40] - الصلة بين التصوف والتشيع، ج١ ص١٧١-١٧٢.

[42] - التدبيرات الالهية، ابن عربي، بتحقيق الدكتور محمد الإدريسي الحسيني، ص80.

[43] - الفتوحات المكية، ابن عربي، ج1 ص32، طبعة دار صادر.

[44] - الصلة بين التصوف والتشيع،الشيبي،ج1هامش ص171-172.

[46] - مؤلفات الغزالي، عبد الرحمن بدوي، ص248.

[47] - تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج12 ص487.

[48] - شرح ديوان الحلاج، الدكتور كامل مصطفى الشيبي، ص٥٠8-٥٠٩.

[49] - الصلة بين التصوف والتشيع، ج١ هامش ص172.

[51] - شرح ديوان الحلاج، الدكتور كامل مصطفى الشيبي، ص٥٠9.