الخميس، 27 يونيو 2024

إبطال تمحلات محمد الهاشمي في إثبات عقيدة العرفاء بآية النور

 

إبطال تمحلات محمد الهاشمي في إثبات عقيدة العرفاء بآية النور

 

انتشر تسجيل صوتي للمعمم محمد الهاشمي يشرح فيه التفسير العرفاني الصوفي للآية الكريمة {الله نور السماوات والأرض}

وكعادتنا في الرد على مثل هذه الشبهات نعرض المقطع ثم نعلق عليه.

يقول المعمم محمد الهاشمي: (هم (أي العرفاء) عادةً لمّا يعبرون عن النور يقولون: النور هو الشيء الظاهر والمظهر. يعني هو الظاهر في نفسه، والمظهر لغيره.

طبيعة النور هكذا، يعني النور المادي في دار الدنيا. هم هو أمر واضح وظاهر وبارز، وهم هو وسيلة لإظهار غيره. فيقولون أنه أيضا النور الإلهي -لما نتكلم عن نور الله- يعني هو الشيء الظاهر من الله والمظهر لغيره. يعني وجود الله عز وجل هو الظاهر بحد ذاته، وهو أيضا مظهر لسائر الوجودات والأشياء. وهذا مقتبس من الآية، أي كأنك تسأل: ما هو الله؟ عرف لي رب العالمين. أقول (الله)، تبغى أعرفه لك، (الله نور السماوات والأرض). يعني هو مظهر السماوات والأرض. هو الذي لو أردت أن أعرف الله بتعريف -يعني واضح إن مو مقصود النور المادي- إنه هو مظهر السماوات والأرض. هو سبب وجود هذه السماوات والأرض، وما شابه. فهذا يعبر عنه بالنور، فإذا لما الكلام أن كل الموجودات نور الله، لأن كل الموجودات ظهورات لله عز وجل، وما شابه). انتهى كلامه.


ونقول في الجواب: إن العرفاء يؤولون الآيات والروايات بما يوافق تخرصاتهم وعقائدهم الباطلة وهي معينهم الذي ينهلون منه، بينما نحن نرجع في فهم الكتاب إلى العترة الطاهرة عِدل القرآن.

روي عن الصادق عليه السلام أنه سُئل عن قول الله عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} فقال: (هو مثل ضربه الله لنا، فالنبي والأئمة صلوات الله عليهم من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد، ومصالح الدين وشرائع الإسلام والسنن والفرائض، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)[1].

إنّ المراد من هذه الآية الكريمة أنّه تعالى هادٍ لأهل السماوات والأرض، كما ورد تفسيرها بهذا المعنى في الأخبار، مثل ما رواه الصدوق رحمه الله في التوحيد مسنداً عن العباس بن هلال، قال: (سألت الرضا عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: {اللّه نور السماوات والأرض} فقال: (هادٍ لأهل السماء وهادٍ لأهل الأرض)[2].

وفي رواية البرقي: (هدى من في السماوات وهدى من في الأرض)[3].

وفى حديث: (هادي من في السماوات، وهادي من في الأرض)[4].

وأيضاً في حديث عمران قال: (يا سيّدي فأيّ شيء هو؟ قال عليه السلام: (هو نور بمعنى أنّه هادٍ لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض)[5].

وذكر الصدوق رحمه الله في باب أسماء اللّه تعالى (النور) وقال: (النور معناه المنير، ومنه قوله تعالى: {اللّه نور السماوات والأرض} أي منير لهم وآمرهم وهاديهم، فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون في النور والضياء، وهذا توسّع؛ إذ النور: الضياء، واللّه عزّ وجلّ متعال عن ذلك علوّاً كبيراً؛ لأنّ الأنوار محدَثة ومُحدِثها قديم لا يشبهه شيء)[6].

إنّ الله سبحانه وتعالى يضرب محض مثال لأفعاله ولمخلوقاته، فمثلاً إحياء الموتى، مثّل له بمشهد صوّرَهُ لنا في سورة البقرة.

قال تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[7].

وعندما مثّل الله تعالى لخلق عيسى عليه السلام قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[8].

وكذلك مثّل لمخلوقاته في قوله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[9].

لكن الله تعالى عندما ذكر ذاته المقدسة قال: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}[10].

فتلاحظ أخي القارئ أن الله تعالى عندما أتى بمفردة المثل مقترنة بذاته المقدسة لم تأتِ بمعنى الشبيه والنظير وإنما جاءت بمعنى الصفة أو الحجة، أي فلله تعالى الصفة العليا والمثل الأسمى أو ولله الحجة العليا.

قال الإمام الصادق عليه السلام: (ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به فلذلك قال: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره) [11].

فالله تعالى لم يشبّه أو يمثّل لذاته المقدسة بشيء أبداً، بل قال جلّ شأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[12].

فلم يقل مثلاً: الله (عين) نور السماوات والأرض أو الله (ذات) نور السماوات والأرض أو الله (نفس) نور السماوات والأرض!

قال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ} ولم يقل: (مثل ذاته)، والمقصود من الآية: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو فعلُ التنوير، ففي لغة العرب درج عندهم إطلاق المصدر (الصفة) كناية عن كثرة وغلبة الفعل كما ورد في كتب التفسير كمجمع البيان، وهذا كقولهم فلان رحمة وفلان عذاب إذا كثُرَ فعل ذلك منه، وعلى هذا قول الشاعر:

ألم تر أنّا نور قوم وإنما * يبين في الظلماء للناس نورها

وكذا قول أبي طالب عليه السلام في مدح النبي صلى الله عليه وآله:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى، عصمة للأرامل

حينما تقول: (فلان جُودُ العشيرة) كناية عن مداومته على فعل الكرم والعطاء.

الله تعالى ينوّر السماوات والأرض بالشمس والقمر ظاهراً، وتأويلاً ينوّرها بهداته والأدلاء عليه محمد وآله الأطهار صلوات الله عليهم، فلغلبة الفعل عبّر الله تعالى بالصفة محل الفعل، وهذه أيضاً يمكن أن تكون نسبة تشريف كقولنا عن الكعبة (بيت الله).

فلم نعلم بالهوى أن المقصود من الآية الكريمة: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو فعلُ التنوير، بل لأننا قرأنا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فكيف يصف ذاته تعالى بأنه لا شيء مثله ثم يمثل لذاته؟!

 

وأما قول الهاشمي: (النور هو الشيء الظاهر والمظهر. يعني هو الظاهر في نفسه، والمظهر لغيره. طبيعة النور هكذا، يعني النور المادي في دار الدنيا. هم هو أمر واضح وظاهر وبارز، وهم هو وسيلة لإظهار غيره. فيقولون أنه أيضا النور الإلهي -لما نتكلم عن نور الله- يعني هو الشيء الظاهر من الله والمظهر لغيره. يعني وجود الله عز وجل هو الظاهر بحد ذاته، وهو أيضا مظهر لسائر الوجودات والأشياء. وهذا مقتبس من الآية).

 

أقول: لقد وقع الهاشمي هنا في فخ التشبيه والقياس، فالله تعالى لا يقاس بخلقه، تعالى عن ذلك علواً كبيرا، وفي الجواب على هذا الإشكال الذي لا يخفى على أطفالنا نقول: لا يُنسب النور إلى الله إلا نسبة تشريف وتعظيم –كما تقدم- كقولنا الكعبة بيت الله، لأن وجود الله تعالى لا يُدرَك كُنهه لكي يمثّل له! إنما لنا أن (نُثبِت) وجود خالق للكون من خلال (آياته) وحاشا أن تكون مخلوقاته (مظاهر) لوجوده تعالى! لأنّ المظاهر ظاهرةً ومُظهِرة يسعُنا (تصوُّرُها)، فعندما تقول الصدقة مظْهَرٌ للعطاء، فكلاهما (الصدقة، والعطاء) يمكن تصُوُّرهما، ولكن لا يمكن إدراك حقيقة وجود الله تعالى ولا تصوره لاستحالة إدراك كنهه جل وعلا.

نعم لنا أن نقول بما عبرت عنه النصوص من ظهور آيات عظمة الله تعالى في كل شيء من خلقه ولكن هذه النصوص ترتبط بالغيرية والوحدانية لا بالوحدة التي يدعيها العرفاء!

لاحظ مثلاً قول ابن عربي: (إن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء)[13].

فهو هنا لا يترك مجالاً للتوهم بأنه يعني بقوله: (يرى الحق في كل شيء) مظاهر العظمة بمعنى آياتها الدالة عليها مثلاً، كلا بل هو بكل وقاحة وجرأة على الله يقول: (بل عين كل شيء)! أي قلباً وقالباً!

 

أما قول الهاشمي: (أن كل الموجودات نور الله، لأن كل الموجودات ظهورات لله عز وجل)!

أقول: يعبر أيضاً عن الظهور بالتجلي فيقولون بأن الموجودات هي تجليات للذات الإلهية والعياذ بالله!

ونقول في الجواب: إن الموجودات ليست تجلي الله -معاذ الله- إنما الله سبحانه وتعالى: (يتجلى لها بها) كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام[14].

يقول الشيخ علي النمازي الشاهرودي: (التجلي مستعمل في القرآن والأخبار، وهو بمعنى الظهور والإنكشاف، وتجليه سبحانه وتعالى عبارة عن ظهوره تعالى -المنزه عن المعقولية والمعلومية والمحدودية - لخلقه بآياته وآثاره، وبخلقته خلقه ظهر لقلوبهم (بآياته) التي تكون حجة عليهم كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام)[15].

قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}[16] ورد عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: (أن الله تجلى للجبل بآية من آياته)[17] أي أظهر آية من آياته تعالى.

ولو تأمل القارئ الكريم في الآية جيداً فهي تعني أنّ الله تعالى يتجلى بربوبيته للمخلوقات وليست المخلوقات تجلّي الله! فهناك فرق شاسع، فمثلاً يصح أن تقول: (تجلّى الصلاح للغاوين بمعرفة الدين) ولكن يغدو الأمر مختلفاً تماماً ويصبح تشويهاً للقيم والمبادئ حينما تقول: (الغاوون تَجَلِّي الصلاح)!

فحينما يقول العارف أن كل الموجودات ظهورات أو تجليات للذات الإلهية، تصبح حتى الفضلات والقاذورات هي تجلي الله! والعياذ بالله!

 

الخلاصة:

تبين من خلال ما تقدم بطلان ما يدعيه العرفاء من أنّ المخلوقات هي ظهورات أو تجليات الله والعياذ بالله وقد بينا فساد قولهم ومخالفته للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.

كما بينا بأن تفسير (نور الله) كما جاء عن أهل البيت عليهم السلام هو فعل التنوير فلغلبة الفعل عبّر الله تعالى بالصفة محل الفعل، وهذه أيضاً يمكن أن تكون نسبة تشريف كقولنا عن الكعبة (بيت الله).

وبهذا يبطل كل جاء به محمد الهاشمي من تبريرات للعرفاء.

هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

طالب علم

24/ذو الحجة/1445هـ



[1] - التوحيد، الشيخ الصدوق، ص157.

[2] - التوحيد، الشيخ الصدوق، ص155.

[3] - التوحيد، الشيخ الصدوق، ص155.

[4] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج4 ص15.

[5] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج10 ص312.

[6] - تنزيه المعبود في الرد على وحدة الوجود، السيد قاسم أحمدي، ص417.

[7] - سورة البقرة، آية 73.

[8] - سورة آل عمران، الآية 59.

[9] - سورة الفرقان، آية 44.

[10] - سورة النحل، آية 60.

[11] - التوحيد، الشيخ الصدوق، ص324.

[12] - سورة الشورى، آية 11.

[13] - فصوص الحكم ،ابن عربي, ص 108.

[14] - مستدرك سفينة البحار، النمازي الشاهرودي، ج2 ص84.

[15] - مستدرك سفينة البحار، النمازي الشاهرودي، ج2 ص84.

[16] - سورة الأعراف، آية 143.

[17] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج4 ص48، التوحيد، الشيخ الصدوق، ص122، عيون أخبار الرضا، ج2 ص178.