العقيدة الحلاجية عند كمال الحيدري!
بعض
العرفاء يستخدم الطلاسم والعبارات المبطّنه لكي يخفي عقيدته الحلاجية، ولكن مع
قليل من التأمل تكتشف عقيدته بوضوح.
ومن
الأمثلة على ذلك كمال الحيدري الذي يقول عند حديثه عن الفناء الذاتي: (وهو
الأرقى وبه يصل العبد إلى التوحيد الذاتي فهو الفناء وعدم الالتفات إلى الذات
فضلاً عن أفعالها وصفاتها، وبذلك لا يرى العبد غير الله تعالى، وأنه مجرد مملوك لا
يناسبه حتى قول (أنا) فضلاً عن الشعور بها ... إن حجاب الإنّية هو أكثف الحُجب
وأعقدها حيث يحتجب القطرُ عن البحر، وممّا لا شك فيه هو أننا لا نلتفت إلى حجابيّة
(الأنا) ....(بيني وبينك إني ينازعني) فإنّية النفس والذات مانعة عن الانفتاح على
ذلك الأفق النوراني الذي لا يحدّه حدّ. إذن ينبغي أن يكون الهدف الأسمى هو العود
إلى ذلك الأصل واندراج وانطفاء ذواتنا في طيّ الذات الواجبة (الله) كما تندرج
القطرة في البحر، وهذا هو معنى الفناء الحقيقي للذات، فلا غضاضة بعد ذلك إذا ما
سُئلت القطرة: ما أنتِ؟ فتقول: أنا البحر)[1]!
أقول:
إذاً لا غضاضة -عند كمال الحيدري- إذا ما سُئل الحلاّج من أنت؟ فقال: أنا الحق!
وهذا
التلميح من كمال الحيدري مطابق لتصريح العارف تقي الموسوي حينما قال: (إذا قال
الحلاج: "أنا الحق" فلا غرابة في ذلك)[2]!
ومطابق
أيضاً لقول حيدر الآملي: (نفرض هناك ناراً موصوفة بالضوء والإحراق والحرارة
والإنضاج وغير ذلك، ونفرض بإزائها فحماً موصوفاً بالظلمة والكدورة وعدم الحرارة
والإنضاج، ثم نفرض أنه حصل لهذا الفحم قرباً إلى تلك النار بالتدريج واتصف بجميع
صفاتها فصار ناراً وحصل منه ما حصل من النار، بل صار هو هي، فلا يجوز له أن يقول
أنا النار؟ كما قال العارف (الحلاّج) أنا الحق؟ ومعلوم أنه يجوز لأنه صادق)[3]!
فالعرفاء
حلاجيون في الحقيقة ولكن ليست لديهم الشجاعة الكافية -كالحلاج- للاعتراف بعقيدتهم
الحقيقية في العلن!
إن وصف
كمال الحيدري للفناء الذاتي بأنه الأرقى يذكرك بوصفهِ لمرتبة الحلاّج حينما قال:
(أنا الحق) بالمرتبة السامية والرفيعة[4]! وكذلك لاحظ قوله: (لا يرى العبد غير
الله تعالى) وقوله: (وعدم الالتفات إلى الذات فضلاً عن أفعالها
وصفاتها).
فهو
نفس الكلام الذي وصف به الحلاّج والبسطامي حينما قال: (إن القائلين بذلك -أي
أنا الحق وسبحاني وغيرها- هم من السُلاك الذين وصلوا إلى مرتبة لا يرون في الوجود
أحداً غير الله تعالى، فهم لا يرون حتى ذواتهم لأنها فنيت في الله تعالى، بمعنى
عدم الالتفات لها أبداً)[5]!
إذاً
الحلاّج وصل إلى الفناء الذاتي الذي وصفه الحيدري بأنه الأرقى والهدف الأسمى!
فليس
عند الحيدري مشكلة في مقولة الحلاّج (أنا الحق) بل يعتبر هذا القول من المراتب
السامية والراقية في العرفان!
ومما
يؤكد مسلكه الحلاجي أنه استشهد بصدر بيت شعر للحلّاج في هذا المقام وهو قوله: (بيني
وبينك إني ينازعني)
يقول
المقرّر في الهامش: (هذا صدر بيت شعر وعجزه هو (فارفع بلطفك إني من البينِ) وهو
من أشعار الحسين بن منصور الحلاّج)[6]!
فهو
يستشهد لبيان الفناء الذاتي بأشعار الحلاّج وأقواله وهذا يدل على أن عقيدتهم
الأرقى هي عقيدة الحلاّج وكما عبر عنها عارف آخر بأنها أعلى درجات العرفان[7]!
أما
الإشكال الوحيد عند كمال الحيدري على الحلاّج هو كشفه لهذه العقيدة أمام الملأ
حينما قال الحلاج (أنا الحق) فوق رؤوس الأشهاد!
طالب علم
23/ذو
القعدة/1434هـ
[1]
- العرفان الشيعي، كمال الحيدري، ص
252-253.
[2]
- قدوة الفقهاء والعارفين، تقي الموسوي،
هامش ص235.
[3]
- تفسير المحيط الأعظم، حيدر الآملي، ج4
ص221، أسرار الشريعة وطوار الطريقة وأنوار الحقيقة، حيدر الآملي، ص270-271.
[4]
- مراتب السير والسلوك إلى الله، كمال الحيدري، ص96.
[5]
- من الخلق إلى الحق، كمال الحيدري، ص95-
96.
[6]
- العرفان الشيعي، كمال الحيدري، هامش ص
252.