الأحد، 2 مارس 2014

"الصدوق وفضل الله " .. "قياسٌ باطل مروّجهُ عاطل"

"الصدوق وفضل الله "
"قياسٌ باطل مروّجهُ عاطل"

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم

يروّج أصحاب فضل الله هذه الأيام شبهة مفادها بأن الشيخ الصدوق (قدس سره) قال بسهو النبي صلى الله عليه وآله فهل ستحكمون عليه بالضلال كما حكمتم على فضل الله بأنه ضالٌ مضل؟!

الجواب:
هذه الشبهة أصبحت شماعة لكل من يريد تمرير الانحرافات والخروقات للدين وقد تمسك بهذه الشبهة بعض مرضى القلوب لتبرير انحرافات قادتهم العقائدية.
وردنا على هذه الشبهة في عدة نقاط:
أولاً : أننا لا نطعن في أي عالم أخطأ هكذا تجنياً وتحاملاً عليه فكل العلماء معرضون للاشتباه والخطأ في مسألة ما وإنما نحن نحارب من يكون انحرافه منهجاً وخطاً وطريقاً كمنهج العرفاء والمتصوّفة مثلاً , فهم يسلكون مسلكاً وينتهجون منهجاً مخالفا لأهل البيت عليهم السلام تماماً.
نحن نطعن في أصحاب هذه المناهج المنحرفة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال حملها على الاشتباه والخطأ لكونها تشكل خرقاً سافراً للدين والعقيدة.

ثانياً : العالم قد يقع في الخطأ والاشتباه في مسألة أو مسألتين أو ثلاث أما فضل الله لا يعتبر مخطئاً أو مشتبهاً لأنه خالف العقيدة في عشرات المسائل بل المئات حيثُ أحصى عليه أحد العلماء أكثر من ألف وثلاث مائة مخالفة!! ناهيكَ عن مخالفاته الفقهية وغيرها! فلا يمكن حمله على الخطأ أو الاشتباه والحال  هو هذا..

ثالثاً : الشيخ الصدوق (قدس سره) لم يقل بسهو النبي صلى الله عليه وآله بل قال بأنه يجوز الإسهاء للنبي أي أنّ الله تعالى وبإرادة منه يُسهي نبيه بغرض بيان قضية معينة في حادثة مخصوصة وبإرادة من الله تعالى وهناك فرق بين القولين مع العلم بأننا لا نؤيد أيضاً القول بإسهاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد حدث هذا الاشتباه للشيخ الصدوق بسبب قبوله رواية ذي الشمالين.
لقد ردّ الشيخ المفيد في رسالة خاصة على ذلك، وخالف الصدوق وقال: ان ذلك جاء من خبر الآحاد الذي لا يفيد اليقين.
الشيخ الصدوق لا يتحدث عن السهو العندي أي السهو الذي يكون ذاتياً من رسول الله صلى الله عليه وآله فهو يتكلم عن الإسهاء بإرادة من الله تعالى لبيان حكم معين في ظرف معين..

يقول الشيخ الصدوق: هذا لا يلزمنا ، وذلك لان جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلى الله عليه وآله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي ، وليس كل من سواه بنبي كهو ، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة ، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه ، لان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم ، وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله كسهونا لان سهوه من الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم سلطان " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " وعلى من تبعه من الغاوين.
المصدر : من لا يحضره الفقيه ,الشيخ الصدوق , ج 1, ص 359 ,360.
فالشيخ الصدوق لم يطعن في أصل عصمة النبي فينسب له السهو الأصيل الذاتي الناشيء من النقص بل قال بإسهاء النبي صلى الله عليه وآله من الله تعالى و بإرادته جل وعلا لبيان قضية معينه في مورد محدد وكان ذلك لشبهة عرضت للشيخ الصدوق بناءً على رواية واردة في مصادرنا . ومع ذلك رأيت ما كان من أسلافنا تجاهه وكيف انبروا وتصدوا للرد عليه مع ما له من جلالة قدر.
دائما نقول: العالم يُحتج له ولا يُحتج به. وانما نأخذ من كلام العالم ما يسنده الدليل والبرهان.
العجيب أنهم يريدون أن يقارنوا اشتباه الشيخ الصدوق في مسألة احتكم فيها الشيخ وخصومه إلى روايات المعصومين فقط بمن هو صاحب منهج منحرف بأكمله!

قال فضل الله : العقل لا يحكم بضرورة امتناع الخطأ والنسيان والسهو على النبي أو الإمام!
فلم يبقَ للعصمة أي معنى بعد هذا التصريح!
المصدر: في رحاب أهل البيت , فضل الله, ص404, فقه الحياة , فضل الله, ص268.

رابعا ً :  لقد عاش الشيخ الصدوق (قدس سره) في القرن الرابع الهجري ولا يوجد في ذلك العصر وسائل اتصال كما هو الحال اليوم لذلك كان من الصعوبة بمكان الوصول لكل الأحاديث  الواردة عن أهل البيت عليهم السلام وكذلك يصعب تواصل العلماء ومحاورتهم لكي تتنقح الأفكار , بينما عاش فضل الله في هذا العصر وهو عصر الطفرة المعلوماتية فكل الأحاديث موجودة بين يديه وبكبسة زر واحدة يصل إليها. وكذلك يستطيع التواصل مع العلماء ومناقشتهم في هذه المسائل ,وقد تم ذلك وناقشه العلماء في مخالفاته ولكنه أصرّ على الضلال والانحراف فكيف يقاس هذا المنحرف الضال المعاند بالشيخ الصدوق (قدس سره) الذي أقصى ما يقال فيه أنه مشتبه وقد طلب الحق فأخطأه في قوله بالإسهاء للنبي فهو اعتمد على رواية ذي الشمالين فوقع في الخطأ والاشتباه بناءً على تلك الرواية المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام لذا نحن نحمله على محمل حسن ولكن لا نسكت عن خطئه و نبين ما وقع فيه من خطأ.
هناك فرق كبير جداً في التعامل مع العالم المشتبه الذي وقع في الخطأ لشبهة عرضت له , وبين العالم المنحرف الذي يسلك المسالك المنحرفة ويأخذ دينه عن المنحرفين أو ينتقي سقطات العلماء ليبني بها ديناً جديداً يعتقد به!!
ومع أن الشيخ الصدوق مشتبه ولكن تعامل معه الشيخ المفيد بشدة وقسوة في بعض الموارد في كتابه تصحيح الاعتقاد , وكان ذلك من باب حرصه على سلامة العقيدة رغم كون ما وقع فيه الشيخ الصدوق من قبيل الاشتباه وأخطاء غير مقصودة.. وذلك عين ما يفعله الأئمة عليهم السلام مع أجلاء أصحابهم , فحينما يقع أحدهم في اشتباه معين أثناء حواره مع المخالفين فإنهم عليهم السلام يعاتبونه وفي بعض الأحيان يكون العتاب شديداً بعض الشيء.
ولكن إذا انحرف ذلك الصاحب واتبع منهجاً منحرفاً تجد ردة فعل الأئمة عليهم السلام شديدة جداً كما حدث مع الشلمغاني حينما اعتنق دين الحلاّج وعلي بن أبي حمزة البطائني الذي ادعى الوقف وغيرهما.
تجد هنا جواب جعفر مرتضى العاملي حول مسألة الإسهاء والسهو:

وتجد هنا بحثاً مفصّلاً حول المسألة وتوضيحاً لرأي الشيخ الصدوق ، وتفريقه بين السهو والإسهاء:

الخلاصة:
تبين من خلال هذه المقالة القصيرة فساد مساواة الشيخ الصدوق (أعلى الله درجاته) بفضل الله الضال المضل فليس من اشتبه وأخطأ  في مسألة واحدة يوجد فيها للإعذار باب ومحّمل كمن خالف العقيدة في مئات المسائل, وليس من أخطأ في مسألة من المسائل كمن أسس للمناهج الباطلة!

لذلك نقول لأتباع فضل الله بأنّ قياسكم لمخالفات فضل الله الممنهجة ببعض الشبهات التي وقع فيها علماؤنا الأبرار قياس باطل.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
طالب علم
25/4/1435 هـ