الاثنين، 11 مايو 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير " الحلقة الخامسة "

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
في تسجيل مرئي للسيد منير الخباز ذكر الخطوات التي يسلكها الإنسان في سبيل اكتشاف النفس بوصفها المقدمة والطريق الموصل لاكتشاف حقيقة الله سبحانه وتعالى!
وقد ناقشنا في الحلقة السابقة الخطوة الأولى من هذه الخطوات, وفي هذا المقال سنناقش بإذن الله تعالى الخطوة الثانية.
وكما هي عادتنا في التوثيق نطرح بين أيديكم أولاً مقطع التسجيل المرئي :
يقول السيد منير الخباز: الخطوة  الثانية : أن يدرك الإنسان أن النفس البشرية عين التعلق لا شيء له التعلق، صدر المتألهين الشيرازي - رحمه الله - يقول: لو كان الإنسان شيئاً له التعلق لا أنه عين التعلق لكان مستقلاً في شيئيته عن الله عز وجل وهذا محال. الآن مثلاً لما تقارن نفسك مع أفكارك، أنا إنسان عندي أفكار أو عندي مشاعر، عندما أقارن بيني وبين مشاعري، ما هي النسبة بيني وبين مشاعري؟، يعني مشاعري مصنوعة لي، أنا اللي أصنعها، النسبة بيني وبين مشاعري نسبة الصنع للصانع، مشاعري مصنوعة لي، أفكاري مصنوعة لي، أفكاري مبتدعة مني. هذه الفكرة اللي ارتسمت في رأسك أنت فكرت بفكرة معينة، هذه الفكرة التي ارتسمت في ذهنك وهي مصنوعة لك شيء له التعلق أم أنها عين التعلق؟ شيء له الربط بك أو أنها عين الربط بك؟، يقول لا هذه الفكرة ليست شيئاً مرتبطاً بي بل هي عين الربط بي، لا أنها شيء مرتبط، هي الارتباط هي عين الربط لأن هذه الفكرة ما دامت مصنوعة لي فلا يمكن أن تستقل عني آنٍ من الآنات فكرة لا تستقل عني لأن أنا الذي صنعتها لا يمكن أن تنفك عني وأن تستقل عني في آن من الآنات، فهي في حد ذاتها وفي ذات شيئيتها هي ارتباط بي، فهي عين الارتباط بي لا شيء له الارتباط. يقولون شيء له الارتباط إذا وجد شيئين وحصل بينها ارتباط يقولون هذا شيء مرتبط بذاك، مثلاً الله تبارك وتعالى عندما يضفى على الإنسان علما منه، مو أنا من صنعته، هو أضافه علي، هنا يقال لهذا العلم الذي أفاضه الله على قلبي يقال أنه شيء مرتبط بي أنا إنسان جاهل وهذا العلم نعمة من الله، الله أفاض العلم على قلبي، صار العلم مرتبطاً بي لكن العلم شيء وأنا شيء آخر، أنا شيء والعلم شيء والله ربط بيننا لأنه أنعم بالعلم على قلبي ?وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ?، لكن الأفكار التي أنا أصنعها ليست علم يضاف إلي، أنا صنعت الفكرة.
أقول: إذا كان السيد منير يقصد بالارتباط هنا الاحتياج والافتقار - وهو هذا ما يقصده كما يظهر من كلامه الذي سيأتي- فهذا الكلام ليس بتام فإنّ الاحتياج والافتقار عنصر من عناصر بشريّة المخلوق وليست هي المخلوق فالإنسان ليس هو الفقر وإنما الفقر شيء من الأشياء المتعلقة ببشريّته.
وسيأتي في كلامنا القادم عدم دقة ما ذكره من عينية الفكرة بالنسبة لصاحب الفكرة.

يقول السيد منير: قال لي أن أعمل مخطط - أنا مهندس مثلاً -، أنا صنعت المخطط، هذه الفكرة التي صنعتها ليست شيء مرتبط بي وإنما هو نفس التعلق والارتباط بي لأنه صنعي فلا يستقل عني لحظة ما... هذه الفكرة ليست شيئاً مرتبطاً بي بل هي عين الربط بي، لا أنها شيء مرتبط، هي الارتباط هي عين الربط ...فهي في حد ذاتها وفي ذات شيئيتها هي ارتباط بي، فهي عين الارتباط بي لا شيء له الارتباط...
أقول: إنّ المثال الذي ضربه السيد منير  حول  تعلّق الفكرة بصاحبها غير دقيق فإن الفكرة غير منطبقة الارتباط والتعلّق بصاحبها ارتباطاً تاماً, فقد تصدر فكرة خيّرةٌ بنّاءةٌ من عقلٍ شرير و يتولى إتمامها وتنفيذها شخص آخر بلا إشراف من صاحب الفكرة مطلقاً.
وبهذا تكون الفكرة مفترقة عن صاحبها ولو من جهة من الجهات، فلا يمكن الادعاء أنها لا تستقل مطلقاً عن صاحبها ومبتدعها من جميع الجهات, فالمثال ليس دقيقاً وصحيحاً بهذا الإطلاق.

يقول السيد منير: الإنسان إذا أدرك أن نفسه هكذا كما يقارن بين أفكاره ونفسه، دعه يقارن بين نفسه وبين ربه، أولم يدرك أن إلى ربه المنتهى {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} وأدرك أن {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}. دعني أقارن بين نفسي وبين ربي، هل أنا شيء مرتبط بربي؟ أو أنا عين الارتباط بربي؟، لو كنت شيئاً مرتبطاً بربي لكان هو شيء وأنا شيء ومن ثم ارتبطنا؟ لا مو هالشكل!
أقول: لقد وقع السيد منير في فخ التشبيه والقياس, فالله تعالى لا يقاس بخلقه، تعالى عن ذلك علواً كبيرا.
والجواب على هذا السؤال الذي لا يخفى على أطفالنا: نعم إن الله تعالى كان ولا أحد ولا خلق. أنا تعلّقت برحمة الله تعالى منذ أن ذرأني لكن الله تعالى ليس متعلقاً بخلقه أبداً وهذا هو الخطأ الفادح الذي لم يلتفت له السيد منير حين دخل في متاهات القياسات الباطلة.

يقول السيد منير: لا ليست نفسي إلا صنعه وإفاضته وعطاؤه، فنفسي مصنوعة له مفاضة منه، فنفسي هي عين التعلّق والارتباط لا إنية لها ولا استقلال لها ولا حقيقة إلا أنها عين الارتباط بالله تبارك وتعالى، هذا إدراك حقيقة النفس أنها عاجزة لا قدرة لها إلا من القادر المطلق، جاهلة لا علم لها إلى من العالم المطلق، ميتة لا حياة لها إلى من الحي المطلق، محدودة لا تتحرر من حدودها إلا باللامحدود المطلق, فهي في تمام شؤونها وتفاصيل وجودها محتاجة إلى المدد، إلى العطاء، إذا أدرك الإنسان أن نفسه بهذا النحو فقد خطا الخطوة الثانية في سبيل اكتشاف النفس.
أقول: سنصرف النظر عن جملة من الأخطاء الواردة في كلامه وسنركّز على خلاصة ما أراده من مقالته الأخيرة هذه.
أراد بكلامه القول: لأن وجودنا قائم بوجود الله تعالى فهذا يعني وحدة الوجود وذاك قول باطل!
هل الله تعالى وصف ذاته المقدسة بالوحدة مع مخلوقاته بما أن وجودها متقوّم بوجوده تعالى؟!
قال تعالى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
إن الله تبارك وتعالى عبّر عن قيام الوجود الممكن بوجوده تعالى بأن وصف ذاته المقدسة بالقيمومة! فلماذا كل تلك التخرصات؟! وحدة وجود وتعابير تعارض صريح كلام الله تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
هناك فرق بين أن تقول إن وجود شيء متعلّق بوجود الآخر و بين أن تقول بوجود وحدة بينهما! فالوحدة تعني أن المجال بين الوجودين مجال مشترك! وتعالى الله عن ذلك علواً كبيرا!
إن المؤمن المتشرّع يلتزم بما ورد في كتاب الله تعالى وما جاء عن العترة، فالله تعالى وصف نفسه بالقيوم, وهذا كاف في إثبات أنه هو العلة المؤثرة في الوجود الممكن وأن وجوده قائم بوجود الله تعالى.
إنهم اختلقوا -لاعتقادهم الباطل بوحدة الوجود- عذراً وهو أنه لا بد من القول بوحدة الوجود باعتبار أن وجودنا متقوّم بوجوده فلو افترضنا أنه قد زال وجوده - من باب فرض المحال ليس بمحال - فإن وجودنا يزول أيضاً. وذلك العذر واضح التهافت، لأن وجودنا كما هو وجود سائر الممكنات إنما هو مستمد منه تبارك وتعالى، وهو الذي خلقه وأوجده، ولا ضرورة لإثبات أنه عين وجوده حتى يُفرض أنه لو زال لزلنا، بل يكفي لإثبات ذلك: القولُ بنظام العلة والمعلول، وإذ ثبت أنه تعالى العلة المؤثرة في وجود الممكنات فقد ثبت أنه بزواله تكون قد زالت، فأي ضرورة للقول بوحدة الوجود؟!
وإذ عرفت أخي القاريء أن وجوده تعالى مغاير لوجود الممكنات؛ تسقط شبهةُ أنه لا مجال لوجود الممكنات، فإن وجوده سبحانه وإن كان بلا حد، إلا أنه مغاير لوجود الممكنات المحدود، والذي أحاط به واجب الوجود تبارك وتعالى، فهو المتحكم فيه وهو الذي ينزله منزله، فالمجال بين الوجودين ليس مشتركاً حتى تُثار مسألة أنه كيف يبقى مجال للوجود الآخر.
ولتبسيط المطلب نقول أجبنا على التالي:
هل قدرة الله تعالى مطلقة أم محدودة؟
هل المجال بين وجودنا ووجود الله تعالى مجال مشترك؟
الجواب: إن قدرة الله تعالى لا حدود لها, أليس الله بقادر –لو أراد-  أن يستمر وجودنا أبداً وسرمداً بلا نهاية وفق نظام محكم دقيق متوازن ؟
فإذن لو أراد الله تعالى بقدرته المطلقة ذلك و فرضنا زواله تعالى ـ من باب فرض المحال ليس بمحال ـ فوجودنا يبقى, فالمجال بين الوجودين ليس مشتركاً, وبهذا تسقط تلك الفرضية الساذجة من رأس.
وعلى كل حال ذلك توهّم مرفوض عند العقلاء في جميع الأحوال فالخالق والمخلوق أحدهما أوجد الآخر ففي كل الفروض لا يوجد وحدة أو اتحاد!
تأمل في هذه الفرضيتين:
الأولى : انعدام الشيئين معاً وإيجاد شيء ثالث: فلا اتّحاد بينهما لأنّ المعدوم لا يتّحد بالمعدوم.
الثانية : انعدام أحدهما وبقاء الآخر: فلا اتحاد بينهما لأنّ المعدوم لا يتّحد بالموجود.
إن فرضتم الأول حسب ذلك التصوّر الهلامي للوحدة فسموها وحدة فناء لا وحدة وجود!
لا وحدة بين الله تعالى ومخلوقاته بأي وجه وإن كل ما يقع في توهّم الإنسان من تكييف صفات الله تعالى يكون الله تعالى خلافه, إن الالتزام بما قاله الإمام الصادق عليه السلام هو الفلاح في الدنيا والآخرة.
فقد قال صلوات الله عليه: "من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه"
المصدر: التوحيد للصدوق ص80.
وعنه أيضاً عليه السلام: (إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
المصدر: الكافي ج1 ص82.
فلا وحدة إطلاقاً بأي وجه من الوجوه بين الله سبحانه وتعالى ومخلوقاته, فهو القائل  سبحانه : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
إن الذين اتبعوا المتشابه ضاعوا وضيّعوا وأضاعوا, فإن عقل الإنسان عاجز عن الإحاطة بكيفية خلق آدم ابتداءً بدون أب و أم ! والحال أن الخلق من صفات الأفعال فكيف بصفات الذات؟!

الخلاصة:
تبين من خلال ما تقدّم بطلان الخطوة الثانية من خطوات معرفة النفس التي ذكرها السيد منير الخبّاز وهي كما بيّنا لا توصل الإنسان إلى الله تعالى بل توصله للمهالك بتشبيه الله بخلقه!
وقد توضّح أن المثال الذي ضربه السيد منير حول تعلّق الفكرة بصاحبها غير دقيق, فإن الفكرة غير منطبقة الارتباط والتعلّق بصاحبها ارتباطاً تاماً, فقد تصدر فكرة خيّرةٌ بنّاءةٌ عن عقلٍ شرير وبهذا تكون الفكرة مفترقة عن صاحبها.
وبينا بطلان استدلاله على وحدة الوجود بحجة أنه لا بد من القول بوحدة الوجود باعتبار أن وجودنا متقوّم بوجود الله تعالى من خلال قوله (أن يدرك الإنسان أن النفس البشرية عين التعلق لا شيء له التعلق) وأجبنا عليه بقولنا أن الله تعالى عبّر عن قيام الوجود الممكن بوجوده تعالى بأن وصف ذاته المقدسة بالقيمومة على خلقه وليس الوحدة مع خلقه.
فلا وحدة بين الخالق والمخلوق في جميع الأحوال فالخالق والمخلوق أحدهما أوجد الآخر ففي كل الفروض لا يوجد وحدة أو اتحاد.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
طالب علم
8/جماده الآخر/ 1436هـ