الأحد، 31 مايو 2015

لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير " الحلقة السابعة "


لله ثم للضمير وقفةٌ مع السيد منير
" الحلقة السابعة "

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
تحدّث السيد منير الخباز في محاضرة له عن معرفة حقيقة الله من خلاله معرفة حقيقة النفس, وقد ناقشنا هذا الموضوع مفصّلاً  في الحلقة الثانية من هذه السلسلة, ثم ذكر الطرق المؤدية لمعرفة حقيقة النفس وقد بيناها في عدة حلقات.
وفي هذا المقطع جاء السيد منير ليبرّهن على وحدة الوجود ببعض النصوص الواردة عن المعصومين صلوات الله عليهم  .
وهذا هو المقطع المرئي :
يقول السيد منير : فإذا اكتشف الإنسان نفسه اكتشافاً وجدانياً اكتشف ربه اكتشافاً وجدانياً وتبينت له الملازمة بين معرفة النفس ومعرفة الله "من عرف نفسه فقد عرف ربه" يعني من عرف محدودية نفسه معرفة وجدانية عرف اللامحدودية لربه معرفة أيضا وجدانية. وهذه المعرفة النفسية هي التي يتحدث عنها الأولياء وأهل بيت العصمة، هي التي يقول عنها الإمام أمير المؤمنين "يا من دل على ذاته بذاته"، "بك عرفتك وأن دللتني عليك" يعني وصلت إليك وصولا وجدانيا من خلال نفسي لا من خلال أشياء أخرى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ  وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.

أقول : بيّنا في الحلقة الثانية من هذه السلسلة الفرق الشاسع بين معنى الحديث (من عرف نفسه فقد عرف ربه) عند علمائنا الأبرار وبين ما يدعيه العرفاء من معرفة حقيقة الله من خلال معرفة حقيقة النفس.
ومما ذكرناه نقلاً عن العلامة السيد عبد الله شبّر "رحمه الله " من معنى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام علّق محالاً على محال، أي كما أنه لا يعرف حقيقة النفس ولا يمكن معرفة حقيقتها كذلك لا يمكن معرفة حقيقة الرب فيجب أن يوصف بما وصف به نفسه، وكذلك من عرف أن نفسه لا يُعرف كنه ذاتها وحقيقتها عرف أن ربه كذلك بطريق أولى.
المصدر: مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار، السيد عبد الله شبّر، ج1 ص204-205.

ومن أراد التفصيل فليراجع الحلقة الثانية تحت هذا الرابط:

يقول السيد منير : وهذه المعرفة النفسية هي التي يتحدث عنها الأولياء وأهل بيت العصمة، هي التي يقول عنها الإمام أمير المؤمنين "يا من دل على ذاته بذاته"، "بك عرفتك وأنت دللتني عليك" يعني وصلت إليك وصولاً وجدانياً من خلال نفسي لا من خلال أشياء أخرى...
أقول: ذكرنا سابقاً أنّ عجز العرفاء المتصوّفة عن إثبات معتقدهم بالدليل والبرهان دفعهم إلى تأويل الآيات والروايات لكي تتوافق مع معتقدهم الباطل (وحدة الوجود).
أما السيد منير الخباز (هداه الله) يردد ما قاله العرفاء من غير تأمل! لأن قول الإمام عليه السلام (بك عرفتك وأنت دللتني عليك) لا يمت إلى الوحدة المزعومة بصلة!
(بك) بمعنى بواسطة رسلك وآياتك, والقرينة على هذا قوله (دللتني عليك) فالله تعالى دلنا عليه برسله وحججه وآياته.
جاء في دعاء الصباح : صَلِّ اللّـهُمَّ عَلَى الدَّليلِ اِلَيْكَ فِي اللَّيْلِ الأَلْيَلِ.
وفي دعاء آخر: اَللّـهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ الُْمحْيي سُنَّتَكَ الْقائِمِ بِاَمْرِكَ الدّاعي إلَيْكَ الدَّليلِ عَلَيْكَ.
فالمعصومون صلوات الله عليهم هم الدليل إلى الله وبهم يعرف الله, روى الشيخ الصدوق: خرج الحسين بن علي عليهما السلام على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه. فقال له رجل: يابن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله ؟ قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.
المصدر: علل الشرائع / ج1 ص12 / باب9.

ومعنى (بك عرفتك) هو كقول أمير المؤمنين عليه السلام : (اعرفوا الله بالله) وقد ذكر العلماء له عدة معانٍ , منها: ما قاله الكليني, قال معنى قوله (عليه السلام) اعرفوا الله بالله يعني إن خلق الأشخاص والأنوار والجواهر, فالأعيان الأبدان والجواهر الأرواح, فهو جل وعز لا يشبه جسماً ولا روحاً وليس لأحد في خلق الروح الحاسة ادراك أمر ولا سبب, وهو المتفّرد بخلق الأرواح والأجسام, فإذا نفي عنه الشبهين شبه الابدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله وإذا شبهه بالروح أو النور فلم يعرف الله بالله.
ويعلق السيد عبد الله شبّر بقوله : توضيح كلامه "رحمه الله" أن معنى قوله عليه السلام اعرفوا الله بالله اعرفوه بأنه هو الله مسلوباً عنه جميع ما يعرف به الخلق من الجوهر والأعراض وما شابهه شيء منها.
ومن المعاني ما ذكره الصدوق في كتاب التوحيد ...وأسند هذا المعنى إلى الكليني قال القول الصواب في هذا الباب هو أن يقال عرفنا الله بالله لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز وجل واهبها وإن عرفناه عز وجل بأنبيائه ورسله وحججه فهو عز وجل باعثهم ومرسلهم ومتّخدهم حججاً وإن عرفناه بأنفسنا فهو عز وجل محدثها فبه عرفناه, وقد قال الصادق (عليه السلام) لولا الله ما عرفناه, ولولا الله ما عرف الحجج. وحاصل كلامه أن جميع ما يعرف به ينتهي إليه سبحانه وتعالى ويرد عليه .
ومنها: أن يكون المعنى اعرفوا الله بالله أي بما يناسب ألوهيته من التنزيه والتقديس.
ومنها :أن يكون الغرض من هذا الحديث ترك الخوض في معرفته تعالى ... بالعقول الناقصة فينتهي إلى نسبة مالا يليق به تعالى إليه وعلى هذا يحتمل الحديث وجهين:
أحدهما : أن يكون المراد اعرفوا الله بعقولكم بمحض أنه خالقٌ إلهٌ... ثم عولوا في صفاته تعالى وصفات حججه عليهم السلام على ما بيّنوا ووصفوا لكم ولا تخوضوا فيها بعقولكم.
وثانيها: أن يكون المعنى اعرفوا الله بما وصف لكم في كتابه وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)
ومنها: أن يكون المراد من اعرفوا بالله أي بما تتأتى معرفته لكم بالتفكّر فيما أظهر لكم من آثار صنعه وقدرته وحكمته بتوفيقه وهدايته لا بما أرسل به الرسول من الآيات والمعجزات فإن معرفتها إنما تحصل بعد معرفته تعالى.
عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إني ناظرت قوماً فقلت لهم : إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه بل العباد يعرفون به فقال رحمك الله .
وما رواه الصدوق في التوحيد أن الجاثليق سأل أمير المؤمنين عليه السلام هل عرف الله محمد أم عرفت محمداً بالله؟
فقال (عليه السلام) : ما عرفت الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) بل عرفت محمداً بالله عز وجل حين خلقه وأحدث فيه الحدود من طول وعرض فعرفت أنه مدبر مصنوع باستدلال وإلهام منه وإرادة كما ألهم الملائكة طاعته وعرفهم نفسه بلا شبه ولا كيف.
المصدر: مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار , السيد عبد الله شبر, ج1 ص 24-25-26.

وقد وُجه سؤال للمرجع الروحاني دام ظله حول معنى (بك عرفتك) فقال دام ظله  :  له معنيان :
الأول : واضح, وهو أنّ الله خلق الإنسان عاقلاً, وبإعمال عقله والنظر في التكوينات فإنه وصل إلى الله سبحانه,وبما أنّ الله تعالى هو المتفضل عليه بالعقل فهذا يعني أنه هو سبب وصوله إليه, وإذا كان هو السبب لمعرفته صحت مخاطبته بالقول : (بِكَ عَرَفْتُكَ) فتكون الباء في (بِكَ) للسببية, ويشهد لهذا المعنى عطف التفسير, حيث عطف على ذلك قوله (وأنت دللتني عليك) فإن هذا قد جاء توضيحاً لذلك .
الثاني : إن هذه فلسفة أخرى لأهل البيت عليهم السلام ليست من قبيل (الإنّ) ولا من قبيل (اللّم) إذ تارة يكون الانتقال من المعلول للعلة, وأخرى بالعكس, وثالث من الشيء إلى نفسه , وهذا هو المراد من (بِكَ عَرَفْتُكَ) , ولكن المعنى الأول أوضح وهو الظاهر من الدعاء.
المصدر :أجوبة المسائل ,ج1ص303-304,  التقليد والعقائد, السيد صادق الروحاني, ص436-437.

أما قول السيد منير: وإلى ما ورد عنه عليه السلام (يا من دل على ذاته بذاته)
أقول :  يجب رد المتشابه من الآيات والروايات إلى المحكم وهذا ما أمرنا به المعصومون صلوات الله عليهم.
عن الإمام الرضا عليه السلام قال : من رد متشابه القرآن إلى محكمه هُدي إلى صراط مستقيم ثم قال : إن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.
المصدر: عيون أخبار الرضا (ع) , الشيخ الصدوق , ج 2 , ص261.
فلابد من رد أي نص مخالف في ظاهره لاعتقاداتنا الأصيلة للمحكم.
جاء في دعاء الصباح للإمام علي عليه السلام (يا من دل على ذاته بذاته) فلو بدا ظاهره  متشابهاً فينبغي رده إلى المحكم وهو قوله (تنزه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفياته) وهذا رد على أدعياء وحدة الوجود, فلا وحدة بين الخالق والمخلوق مطلقاً بل هناك غيرية.
يقول العلاّمة المجلسي (قدس سره) في شرح كلمة ( تَــنَــزّهَ ) أي تباعد وتقدّس عن (مجانسة مخلوقاته) أي أن يكون من جنسها إذ لا يشاركه شيء في المهيّة.
المصدر : بحار الأنوار , العلامة المجلسي, ج84 ص344.

الخلاصة :
تبيّن مما تقدّم بطلان ما استدل به العرفاء على معتقدهم الزائف, فقد توضّح للقارئ الكريم بأن العرفاء يبترون النصوص الدينية ثم يستدلون بالمقطع المبتور على هذه العقيدة الباطلة, وقد كشفنا النقاب عن تأويلاتهم السخيفة واستدلالاتهم الضعيفة.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
طالب علم
20/رجب/1436 هـ