الجمعة، 15 مايو 2015

الدعاء الرجبي ينسف وحدة الوجود

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن أعداءهم
إنَّ عجْز العرفاء المتصوّفة عن إثبات معتقدهم بالدليل والبرهان دفعهم إلى تأويل الآيات والروايات كي تتوافق مع معتقدهم الباطل في (وحدة الوجود) فيقومون بتحريف معنى الآيات والروايات وإخراجها عن سياقها وموضوعها ثم الاستدلال بها على طريقة (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)!
وقد ناقشنا تأويلاتهم السخيفة في حواراتنا مع كهنتهم وفي بعض مقالاتنا السابقة, وبيّنا هناك بطلان اعتقادهم وتفاهة استدلالاتهم.
ومن النصوص التي بتروها وحرّفوا معناها ما جاء في الدعاء اليومي لشهر رجب المرجّب المروي عن الإمام الحجة صلوات الله عليه : (أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)
فيقول العرفاء إن في قوله: (لا فرق بينك وبينها) ! دليلا على صحة وحدة الوجود!
*راجع كتاب مدد الهمم في شرح فصوص الحكم , حسن زاده آملي, ص54-55.

الجواب :
أولاً : قد بيّنا مراراً وتكراراً ضرورة رد المتشابه من الآيات والروايات إلى المحكم, وهذا ما أمرنا به المعصومون صلوات الله عليهم.
عن الإمام الرضا عليه السلام قال : من رد متشابه القرآن إلى محكمه هُدي إلى صراط مستقيم ثم قال : إن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.
المصدر: عيون أخبار الرضا (ع) , الشيخ الصدوق , ج 2 , ص261.
فلابد من رد أي نص مخالف في ظاهره لاعتقاداتنا الأصيلة للمحكم.
جاء في دعاء الصباح للإمام علي عليه السلام (يا من دل على ذاته بذاته) فلو بدا ظاهره  متشابهاً فينبغي رده إلى المحكم وهو قوله (تنزه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفياته) وهذا رد على أدعياء وحدة الوجود, فلا وحدة بين الخالق والمخلوق مطلقاً بل هناك غيرية.
فحينما نقرأ  في الدعاء (لا فرق بينك وبينها) يجب أن نتذّكر قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقوله تعالى : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد}
وكذلك قول الإمام الصادق عليه السلام : ((إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه (شيء) ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
المصدر : الكافي , الكليني, ج1 ص82.
وقوله صلوات الله عليه: ((من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه))
المصدر: التوحيد للصدوق ص80.
وقول مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ((ولا حقيقته أصاب من مثّله، ولا إياه عنى من شبّهه))
المصدر :التوحيد للصدوق ص35.
ومن خلال هذه النصوص المعصومية نفهم أن المقصود من قوله عليه السلام (لا فرق بينك وبينها)  ليس الفرق في الذات الإلهية كما يريد المتصوّفة, ولا يعني من قريب أو بعيد وحدة الوجود.
ثانياً: إذا خالف ظاهرُ الحديثِ العقيدةَ الحقةَ اقتضى الأمر طرح الحديث أو تأويل معناه بما يوافق العقيدة لا أن نغيّر العقيدة لمجرّد وجود حديث -حتى لو كان صحيح السند فكيف بالضعيف- ونعتقد بعقيدة أخرى!
ثالثاً : إن العرفاء والمتصوّفة يبترون النصوص الدينية ثم يستدلون بالمقطع المبتور لإثبات عقيدتهم على طريقة استدلال منكر الصلاة بقوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)!
فإن المقطع الذي يستشهدون به على وحدة الوجود ليس له دخل بالذات الإلهية فهو يتحدّث عن المشيئة وهي من صفات الأفعال وهي مخلوقة حادثة منفكة عن الذات فالكلام هنا عن الفعل لا عن الذات.
عن إمامنا الرضا عليه السلام : "المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحد"
المصدر: توحيد الصدوق, ص338.
وهنا ننقل الفقرة موضع البحث من الدعاء بتمامها لكي يتوّضح المعنى: قال عليه السلام : (أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)
فالمقصود أن الأئمة عليهم السلام لهم الولاية التكوينية والقدرة على التصرّف بالكون, فالموضوع هنا فيما يتعلق "بالأفعال" وهي منفصلة عن الذات, والمعنى أنّ الله تعالى (بإذنه) المقارن للتسديد فوّض إليهم (أفعالاً) هم فيها خلفاء عن الله تعالى ونواب له.
وقد سُئل السيد الخوئي "قدس سره"عن معنى العبارة الواردة في دعاء رجب اليومي (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك) ؟ فأجاب : لعلها تشير إلى أنهم مع بلوغهم في مرتبة الكمال إلى حد نفوذ التصرّف منهم في الكون بإذنك، فهم مقهورون لك، لأنهم مربوبون لك ، لا حيلة لهم دون إرادتك ومشيتك فيهم بما تشاء، والله العالم .
المصدر : صراط النجاة , التبريزي, ج3 ص 317- 318.

فالمقصود إذاً من قوله (لا فرق بينك وبينها) في مشيئة التصرّف في الكون، لا أنك وهم شيء واحد في الذات!
قالوا عليهم السلام:(ونحن إذا شاء الله شئنا) أي أنّ مشيئتهم عليهم السلام في طول مشيئة الله تعالى.
ويقول المجدد الشيرازي الثاني "قدس سره" : ولما سبق من أن الله سبحانه جعل بيدهم (عليهم السلام) الكون، تصدر منهم (عليهم السلام) الخوارق، معجزة وكرامة، بما أنهم أوعية مشيئة الله تعالى، وكذلك ما سبق من أنه تعالى فوّض إليهم التشريع كما ورد (المفوَّض إليه دين الله). ...ومن سنة الله جعله تعالى التكوين والتشريع بأيديهم (عليهم السلام)، وذلك كأن يجعل الشام عراقاً وبالعكس، وكأن يجعل الرجل امرأة وبالعكس، كما في قصة الإمام الحسن (عليه السلام)...ولم نجد تصرُّفهم (عليهم السلام) في التشريع، وإن كان لهم صلاحية ذلك، ولعل السبب في ذلك أن لا يتخذ الحكّام ذلك ذريعة للتصرّف في الأحكام، وبالرغم من ذلك ترى الحكام قد تصرَّفوا في أحكام الله تعالى كما في المتعتين...
ومما تقدم ثبتت الولاية بمعانيها السبعة: كونهم (عليهم السلام) للتكوين علّة، وطريقاً كطريقيّة عزرائيل للموت، وإنه قائم بهم، وكذلك التشريع: علّة وطريقاً، وقياماً، بإضافة أن لهم (عليهم السلام) الحكومة، حيث لا تلازم بين الأخير وسائر أقسام التشريع. .. ويؤيد ذلك ـ بل يدل عليه ـ التوقيع المروي عن صاحب الزمان (أرواحنا فداه) في دعائه: (أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك، فجعلتهم معادن لكلماتك، وأركاناً لتوحيدك وآياتك، ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلاّ أنهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقتها بيدك، بدؤها منك وعودها إليك، أعضاد وأشهاد ومناة وأذواد وحفظة ورواد، فبهم ملأت سماءك وأرضك حتى ظهر أن لا إله إلاّ أنت) إلى آخر الدعاء...ولعل سر ورود الزيارة الجامعة والدعائين لرجب عنهم (عليهم السلام) لبيان الطريق الوسط بين مادية الخلفاء الذين استهتروا فيها وإفراط المتصوّفة القائلين بوحدة الوجود أو الموجود في تلك الأزمنة المتأخرة.
المصدر: مقدمة كتاب من فقه الزهراء, المجدد الشيرازي الثاني, ص25,26,27.

وقد اختلف العلماء في عود الضمير في قوله عليه السلام (لا فرق بينك وبينها) فبعضهم قال بأن الضمير  يعود إلى (آياتك) وبعضهم قال بأن الضمير  يعود إلى (مشيئتك) وقال آخرون أن الضمير يعود إلى (المعاني) المذكورة في أول الدعاء.
يقول المرجع الراحل الميرزا جواد التبريزي "قدس سره" : الضمير في (بينها) في قوله (لا فرق بينك وبينها) يعود إلى آياتك، المراد منها الأئمة (عليهم السلام) ، ومنه يتّضح عود الضمير في قوله (إلاّ أنّهم عبادك) فالمراد بهم الأئمة (عليهم السلام) ، وأمّا قوله: (أسألك بما نطق فيهم من مشيّتك) فهو إشارة إلى كلمته سبحانه وتعالى التي عبّر عنها في كتابه العزيز بقوله: {إنَّمَا أمرُهُ إذا أرَادَ شَيئاً أن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}، ويدخل في ذلك ما ذكره سبحانه وتعالى في آية التطهير، وفيها دلالة واضحة على أنّ ما امتاز به الأئمة (عليهم السلام) عن سائر الناس ليس أمراً كسبياً، بل هو أمر مما تعلّقت به مشيئة اللّه تعالى، كما هو ظاهر آية التطهير أيضاً. نعم، تعلّق المشيئة مسبوق بعلمه سبحانه بأنّهم يمتازون عن سائر الناس أيضاً في إطاعتهم للّه سبحانه وتعالى حتّى لو لم يعطهم ما تعلّقت به مشيئته كما ورد في دعاء الندبة، واللّه العالم.
المصدر: الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية , التبريزي, ص111-112.

وذهب المرجع الروحاني "دام ظله" إلى كون الضمير عائداً للمشيئة  فقال: وأما الفقرة الأخيرة (لا فرق بينك وبينها) فهي عائدة إلى عبارة أخرى في وسط الدعاء وهي قوله عليه السلام (أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك) فضمير (بينها) عائد إلى (مشيئتك) فكأن المعنى المفهوم من العبارة هو : أنه لا فرق بينك وبين مشيئتك, وإلا أن مشيئتك نطقت في عبادك الذين هم ولاة أمرك.
المصدر : التقليد والعقائد , الروحاني , ص433.

وذكر الروحاني قولاً ثالثاً فقال : وذهب بعض الأكابر إلى أن الضمير في (بينها) يرجع إلى (المعاني) المذكورة في أول الدعاء, لأن معاني أسمائه الحسنى وصفاته تعالى كلها هي نفس الذات فلا فرق بينها وبينه سبحانه إذ لو كانت غيره لكان كل اسم له إلهاً, وكذا تعدد الآلهة بتعدد المعاني والصفات تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
ثم رجع الإمام المهدي أرواحنا فداه في دعائه هذا إلى ما كان فيه من ذكر الأنبياء والأئمة والملائكة بعد قوله (لا فرق بينك وبينها) وهذا يسمى في علم البديع بالاستطراد ويجوز أن يكون قوله (لا فرق بينك وبينها) في الطاعة لأن طاعته تعالى وطاعة أنبيائه والأئمة المذكورين واحدة, قال الله تعالى : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}
المصدر : التقليد والعقائد , الروحاني , ص433.


وفي جواب آخر للمرجع الروحاني "دام ظله" عن هذا المقطع من الدعاء أجاب سماحته :
هذه العبارة أشبه ما يكون بكلمة التوحيد التي أولها كفر لنفي الألوهية وآخرها كمال الإيمان فإن هذه العبارة وإن كانت تبدأ بنفي الفرق بينهم وبينه إلا أنها تختم ببيان تمام الفرق وهو الفرق بين الخالق والمخلوق والفرق بين القدم والحدوث وبين الكمال المطلق وعدم الكمال أي الكمال النسبي الثابت لهم وقد مهد لهذه الجملة الشريفة بقوله (بما نطق فيهم من مشيئتك) فإن فيها إشارة لقوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}
ودلالة واضحة على أنهم مع ما لهم من الكمال فهم من صنعك ومن موارد إعمال قدرتك والله العالم.
المصدر : التقليد والعقائد , الروحاني , ص434.

ويقول المرجع محمد الحسيني الشاهرودي حينما سُئل عن معنى العبارة: معناه أن كل ما لله تعالى فهو لهم أيضاً، لكن بالعَرَض، فلا فرق بينهم إلا أن الله تعالى جعلهم كذلك فيفعلون بإذنه لا في عرضه بل في طوله، ويمكن التمثيل بالوزير الذي أذن له السلطان بالعمل، فانه يعمل بإذنه ولا يكون شريكا له، بل كل سلسلة المأمورين الصغار الذين يعملون بإذن من فوقهم لا يكونون شركاء، نعم الشريك هو المستقل الذي يعمل بلا إذن ، وفي عرض السلطان لا من يعمل في طوله، كما جاء في القرآن إسناده إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص إلى عيسى والإغناء من الفقر إلى النبي و { أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} ، وإسناد الإماتة إلى الملائكة، وقد مرّ في الجواب ما يوضح المطلب.
فعقيدة أن المعصومين يفعلون بإذن الله كل ما يفعله الله ليس شركاً، بل يعنى تعظيم الله أكثر، فتلميذ الطبيب كلما قام بعمليات طبية ناجحة جبارة دلّ ذلك على مدى عظمة أستاذه وربّه الذي يعمل بإذنه مستمداً من إمكانياته  .

ويقول الشيخ علي آل محسن في معنى العبارة : ولعل المراد بقوله: «لا فرق بينك وبينها» أي لا فرق بينك وبين آياتك المذكورة قبل ذلك الذين هم أئمة أهل البيت عليهم السلام «إلَّا أنّهم عبادك وخلقك»، وعدم الفرق هنا من الجهات الواردة في الدعاء قبل ذلك حيث قال: «اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك، المأمونون على سرك، المستبشرون بأمرك، الواصفون لقدرتك، المعلنون لعظمتك، أسألك بما نطق فيهم من مشيتك، فجعلتهم معادن لكلماتك، وأركانا لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك».
فإنهم عليهم السلام موصوفون بأنهم مأمونون على سر الله تعالى، وأنهم واصفون لقدرته، ومعلنون لعظمته، وأنهم معادن لكلماته وأركان لتوحيده سبحانه وغير ذلك، فلا فرق بينهم وبين الله تعالى في وصف قدرته والإعلان بعظمته وتبليغ أحكامه وغير ذلك، إلا أنهم عباد لله وخلق من خلقه انتجبهم الله تعالى واختارهم لتبليغ كلماته والدعوة إلى سبيله، ولهذا قال: «يعرفك بها من عرفك» يعني أن من عرفك حق معرفتك فإنه قد عرفك بهذه الآيات وهم أهل البيت عليهم السلام، فلا فرق بينك وبينهم في التعريف بك وبيان أحكامك، فكما أن قولك حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن قولهم كذلك حجة لازمة، لا يحل إنكارها ولا يجوز جحدها، والفرق بينك وبينهم من هذه الناحية هي أنهم عبادك وخلقك يبلغون عنك وأنت رب لهم قد أمرتهم بتبليغ ما بلغوه عنك.
فكل هذه المعاني التي ذكرها العلماء الأبرار صحيحة ومقبولة بحسب الأصول, وكما ترى أخي القارئ فإن المقطع المذكور من الدعاء ليس له شأن بوحدة الوجود لا من قريب ولا من بعيد فالإمام لم يقل (لا فرق بين ذاتك وذواتهم) كما يحاول العرفاء تصويره للناس.

رابعاً : لو جارينا العرفاء  في قولهم وفسرنا العبارة بحسب مبانيهم وقلنا (لا فرق بينك وبينها) أي بين الأئمة و الذات الإلهية (والعياذ بالله) فإن هذا القول لا يدل على وحدة الوجود أيضاً, لأن اللافرقيّة هنا ستكون مقتصرة على الأئمة فقط بينما يدّعي العرفاء وحدة كل الوجود والموجود! وبهذا يسقط استدلالهم من رأس.

خامساً : ثمة حديث آخر يستدل به العرفاء على وحدة الوجود ويزعمون بأنه موافق لهذا الدعاء وهو (لنا مع الله حالات هو هو، ونحن نحن؛ وهو نحن، ونحن هو)
هذا الحديث لا وجود له في مصادرنا المعتبرة وقد نسبه العرفاء إلى المعصومين عليهم السلام وهو من الأحاديث المطروحة بالكتاب والسنة .
فبعض العرفاء ينسب هذا الحديث إلى الإمام الصادق عليه السلام على أنه ثابت الصدور! وبعضهم كالخميني لا ينسبه إلى أحد منهم عليهم السلام بالخصوص فمرة قال : (بلسان أحد الأئمة)! وأخرى قال: (ورد) بدون أن ينسبه إلى أحدهم عليهم السلام!
المصدر: شرح دعاء السحر, الخميني,ص111 , مصباح الهداية, الخميني, ص114.

والخميني يستشهد بهذا الحديث المنكر ليبرّر أقوال ابن عربي الزنديق, لذلك قال بعده : وكلمات أهل المعرفة خصوصاً الشيخ الكبير محيي الدين -ابن عربي- مشحونة بأمثال ذلك؛ مثل قوله: الحقّ خلق، والخلق حقّ والحقّ حقّ والخلق خلق. وقال في فصوصه: ومن عرف ما قرّرناه في الأعداد وأنّ نفيها عين ثبتها علم أنّ الحق المنزّه هو الخلق المشبّه وإن كان قد تميّز الخلق من الخالق فالأمر الخالق المخلوق والأمر المخلوق الخالق إلى أن قال :
فالحقّ خلق بهذا الوجه فاعتبروا***وليس خلقاً بذاك الوجه فادّكروا
من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته***وليس يدريه إلا من له البصر
جمّع وفرّق فإنّ العين واحدة*** هي الكثيرة لاتبقى ولا تذر.
المصدر: مصباح الهداية, الخميني, ص114.

فالخميني يوّظف أمثال هذه الأحاديث المنكرة المعارضة مع الكتاب والسنة في خدمة عقيدته وحدة الموجود ولتبرير أقوال ابن عربي الزنديق الأكبر.
وقد كشف ما في هذا الحديث من خلل, المحقق الكبير آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي "قدس سره" حينما جاء على ذكر المتصوّفة في كتابه شرح إحقاق الحق.
فقال "قدس سره" : رأيت بعض من كان يدّعى الفضل منهم -أي من العرفاء- يجعل بضاعة ترويج مسلكه أمثال ما يعزى إليهم (عليهم السلام) "لنا مع الله حالات فيها هو نحن ونحن هو"وما درى المسكين في العلم والتتبع والتثبت والضبط أن كتاب مصباح الشريعة وما يشبهه من الكتب المودعة فيها أمثال هذه المناكير مما لفقتها أيادي المتصوّفة في الأعصار السالفة وأبقتها لنا تراثاً...
المصدر: شرح إحقاق الحق, المرعشي النجفي, ج1 ص184.

فالرواية منكرة المتن ومرسلة غير مسندة وليست موجودة في مصادرنا المعتبرة, ومع هذا يستدل بها العرفاء لتبرير معتقدهم الزائف!
ولو سلّمنا وقبلنا بهذا الحديث لاقتضى الأمر تأويله كما هو المتبع عند الأصوليين في التعامل مع الروايات غير الثابتة الصدور إذا أمكن تأويلها لتكون موافقة لما صح في الأصول المعتبرة فيكون الأخذ بها على قاعدة التسامح بتأويل الظاهر المخالف وذلك لسد جميع الأبواب في وجه أهل الباطل وعدم ترك أمثال هذه الأحاديث سلاح إغواء بيدهم.

الخلاصة :
تبيّن من خلال ما تقدّم أن الدعاء المروي عن الإمام الحجة عليه السلام والذي جاء فيه (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك) لا يمت إلى وحدة الوجود بصله, فقد بتر العرفاء النص وأخرجوه عن السياق وأوّلوا معناه إلى وحدة الوجود بينما المقصود باللافرقيّة هنا ما يتعلق "بالأفعال" وهي منفصلة عن الذات, فالمقصود أن الأئمة عليهم السلام لهم الولاية التكوينية والقدرة على التصرّف بالكون.
وقد ذكرنا عدة معانٍ لهذا المقطع نقلاً عن العلماء, منها: أنه لا فرق بينك وبين مشيئتك, وإلا أن مشيئتك نطقت في عبادك الذين هم ولاة أمرك, ومنها : لا فرق بينك وبين (المعاني) المذكورة في أول الدعاء, لأن معاني أسمائه الحسنى وصفاته تعالى كلها هي نفس الذات فلا فرق بينها وبينه سبحانه إذ لو كانت غيره لكان كل اسم له إلهاً, وكذا تعدد الآلهة بتعدد المعاني والصفات تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا, ومنها : أن يكون قوله (لا فرق بينك وبينها) في الطاعة لان طاعته تعالى وطاعة أنبياءه والأئمة المذكورين واحدة, قال الله تعالى : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}, وغيرها من المعاني المقبولة الموافقة لما صح في الأصول المعتبرة.
وبيّنا كذلك أنه على فرض قبول قولهم (لا فرق بينك وبينها) في الذات بحسب رأي العرفاء, فإن ذلك لا يدل على مطلبهم, لأن  اللافرقيّة ستكون مقتصرة على الأئمة فقط بينما يدّعي العرفاء وحدة كل الوجود والموجود! وعلى هذا فلا وجه لاستدلالهم بهذا المقطع من الدعاء بأي حال من الأحوال.
هذا وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
13/رجب المرجب/1436 هـ
ذكرى مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه
طالب علم